ترجمة لمقال كيف تستولي المليشيات على الدول وتدمرها: حالة قوات الدعم السريع السودانية (How militia groups capture states and ruin countries: the case of Sudan's Rapid Support Forces)

تمهيد:
هذه ترجمة لمقال نشر على مجلة الحوار (The Conversation) بتاريخ ١٧ يوليو ٢٠٢٤، كتب المقال د. فدريكو مانفريدي فيرميان وهو أستاذ بجامعة (Sciences Po Paris) في فرنسا، بحوثه مبنية على العمل الميداني في أفغانستان، العراق، لبنان، سوريا، كردستان وغيرها، كما عاش لفترات ممتدة في بيروت وكابول.

مقاله هذا مستنبط من بحثه العلمي المنشور على المجلة العلمية حروب صغيرة وتمردات (Small Wars & Insurgencies) بعنوان عندما تستولي المليشيات على الدولة: دليل من لبنان، العراق، والسودان (When Militias capture the state: evidence from Lebanon, Iraq, and Sudan).

الترجمة:

صعود قوات الدعم السريع شبه العسكرية سيئة السمعة، يوضح كيف يمكن للجماعات المسلحة أن تتسلل إلى المؤسسات الحكومية، وغالباً تكون النتيجة كارثية على المجتمع.

أنشأت الحكومة السودانية قوات الدعم السريع في عام ٢٠١٣ كقوة حماية خاصة للدكتاتور عمر البشير. وقد أصبحت الدعم السريع الآن مفترساً يسعى للسيطرة على السودان. إندلعت الحرب في السودان في أبريل ٢٠٢٣ عندما حاول الجيش إخضاع الدعم السريع. منذ ذلك الحين، دمرت المعارك جزءاً كبيراً من البلاد، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. وقد قتل ما لا يقل عن ١٥٥٠٠ شخص [مصادر أخرى تشير إلى أن عدد القتلى قد يبلغ أكثر من مائة ألف - المترجم] بحلول يونيو ٢٠٢٤. وتم تهجير أكثر من ٦ مليون شخص ويعاني أكثر من ٢٥ مليون من الجوع الحاد وفقاً للأمم المتحدة.

إتبع الدعم السريع استراتيجية مشابهة لتلك التي تتبعها الجماعات المسلحة الأخرى التي تهدف إلى التسلل والتعاون مع المؤسسات الحكومية. لهذه الاستراتيجية أهداف عسكرية وإقتصادية وسياسية. تميل هذه الجماعات إلى استغلال النزاعات لتوسيع مناطق نفوذها ومستودعات أسلحتها وعدد مقاتليها. وهم يستخلصون عائدات من خطوط الأعمال التي ينشئونها من النزاع، وغالباً ما تكون لديها شراكات مع دول أجنبية وشبكات تهريب دولية. كذلك تقوم هذه الجماعات بتوفير الوظائف والرعاية لتحصل على الدعم السياسي في الدوائر السياسية الرئيسية وتسعى إلى أدوار سياسية.

بصفتي عالم سياسي متخصص في دراسة النزاعات والحروب غير النظامية، قضيت أكثر من عقد في البحث العلمي حول المتمردين والجماعات شبه العسكرية والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى. في بحث علمي نشر مؤخراً [يقصد مقاله المنشور على المجلة العلمية الحروب الصغيرة والتمردات المذكور في تمهيد الترجمة أعلاه - المترجم]، قمت بفحص الجهات المسلحة التي تسعى إلى "السيطرة على الدولة" - التسلل السري والتدريجي إلى المؤسسات الحكومية للتأثير على السياسات. بالإضافة إلى حالات حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق، درست أيضاً الدعم السريع في السودان. شملت الدراسة مقابلات مع مجموعة متنوعة من المشاركين، كان من بينهم أكاديميون ومحللون سياسيون ومسؤولون حكوميون وأفراد مرتبطون بالجماعات المسلحة.
وجدت في بحثي أن المليشيات التي تسعى للسيطرة على الدولة تسعى في البداية لتحقيق أهدافها دون معاداة الدولة علناً، وغالباً ما تضع نفسها كجماعات مؤيدة للحكومة، ولكنها تُشير أيضاً إلى أن أي محاولة من الدولة لتحييدها ستؤدي إلى مواجهة مدمرة.

بمرور الوقت، تُمكِن هذه الاستراتيجيات الجماعات المسلحة من الحصول على نفوذ سياسي وأدوار مؤسسية رسمية، يتيح لهم ذلك تشكيل السياسات العامة لصالحهم. عندما تحقق الجماعات المسلحة قدراً من السيطرة على الدولة، فإنها تقوض فعالية الحكومة، مما يساهم في إنهيار المؤسسات وفشل الدولة. في السودان تسيطر قوات الدعم السريع على مساحات شاسعة من الأراضي، رغم أنها لم تسيطر بعد على البلاد بالكامل.

تزايد النفوذ

ظهرت قوات الدعم السريع من مليشيات الجنجويد، التي قادت الحملة القمعية والإبادة الجماعية للبشير في دارفور مقابل التمويل والأسلحة. في عام ٢٠١٣ أعاد البشير هيكلة الجنجويد إلى قوات الدعم السريع لموازنة الجيش ومنع الإنقلابات المحتملة. إختار البشير قاطع الطريق السابق وأحد قادة الجنجويد محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي لقيادة هذه القوة الجديدة. دعم البشير مَكَن حميدتي من نشر عشرات الآلاف من المقاتلين المتمرسين عبر السودان لتأمين مواقع استراتيجية للنظام. شملت هذه المواقع العاصمة والأراضي الحدودية المضطربة والمراكز الإقتصادية مثل مناجم المذهب.
استغلالاً لهذا التموضع، وسعت الدعم السريع مشاركتها في تعدين الذهب والتهريب والتجارة، كما حصلت على عائدات عبر توريد المقاتلين إلى ليبيا واليمن. أيدت حكومة البشير نشاطات الدعم السريع الإقتصادية، وربما كانت حساباتها أن الحفاظ على هذه القوات سيكون أقل تكلفة مادية إذا مولت نفسها ذاتياً.

لفترة من الوقت تعاونت الدعم السريع عن كثب مع الجيش السوداني عندما قررت قيادة الجيش الإطاحة بالبشير في عام ٢٠١٩ وسط إحتجاجات مناهضة للنظام، لم يعارض حميدتي القرار. خلال الفترة الإنتقالية السياسية اللاحقة، أصبح حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، كانت هذه المؤسسة مكلفة بتوجيه البلاد نحو الإنتخابات الديمقراطية. أدى هذا الدور المؤسسي إلى صدمة وخيبة أمل للكثيرين داخل المجتمع المدني السوداني، ومع ذلك جادل البعض بأن محاولات تفكيك قوات الدعم السريع أو تهميش حميدتي ستؤدي إلى نزاع مسلح.

أنشأ الجيش والدعم السريع شبكات تجارية سرية تولد مليارات الدولارات، شاركوا مصلحة قصيرة الأجل في حماية سلطتهم وأصولهم الإقتصادية من أي تدخل مدني. شكل هذا التوافق في المصالح أساس شراكتهم ومهد الطريق لإنقلاب عسكري في أكتوبر ٢٠٢١ - الذي أوقف فجأة عملية التحول الديمقراطي في السودان.

مع سيطرة نظام جديد على السودان، إزدادت قوة الدعم السريع، استفادت القوات من تعدين الذهب والتهريب والصفقات التجارية مع الإمارات العربية المتحدة ومجموعة فاغنر الروسية ومليشيا خليفة حفتر الليبية. عززت قوات حميدتي ترسانتها وزادت من عدد أفرادها، قدموا أنفسهم كأبطال للعرب العاديين من الأقاليم الريفية والحدودية.

قلقاً من هذه التطورات، حاولت القوات المسلحة السودانية دمج قوات الدعم السريع قسراً في سلسلة القيادة العسكرية، ولكن بحلول الوقت الذي شن فيه الجيش هجومه الفاشل في أبريل ٢٠٢٣، كانت قوات الدعم السريع قد حشدت مائة ألف مقاتل مجهزين لحروب المدن المتنقلة. ألحقوا بسرعة خسائر فادحة بالجيش واستولوا على معظم الخرطوم، كما سيطروا على ولاية الجزيرة المجاورة ودارفور في الغرب وكردفان في الوسط، مما حطم الدولة والمجتمع السوداني.

في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك التطهير العرقي والمجازر والاغتصاب والتعذيب والنهب الواسع النطاق. الجيش السوداني الذي يحتفظ بالسيطرة على بورتسودان، منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، أدى ذلك إلى إقتراب المجاعة.

الآفاق القاتمة

تبدو الآفاق لحل سلمي للنزاع في السودان قاتمة حالياً، حتى وقف إطلاق النار المؤقت لتسهيل المساعدات الإنسانية يبدو غير محتمل. يظل مجلس الأمن الدولي منقسماً بشدة، ولم يقترح الإتحاد الأفريقي بعد خطة قابلة للتنفيذ. الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أضاعوا رصيدهم السياسي في السودان، فشلوا في دعم التحول الديمقراطي بين ٢٠١٩ - ٢٠٢١ بشكل كافٍ وفي عكس إنقلاب ٢٠٢١. تتحمل السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا مسؤولية كبيرة عن الوضع الحالي، دعمهم للأطراف المتصارعة زاد من تعميق الإنقسامات، مما ساهم في فشل المبادرات مثل محادثات جدة.

اللجان الشعبية المحلية [غالباً يقصد لجان المقاومة والخدمات - المترجم]، التي كانت محورية في ديمقراطية القاعدة الشعبية، تم تهميشها بواسطة الجهات المسلحة. يجب على الفاعلين الدوليين الذين يسعون لمساعدة السودان أن يدركوا أن هذه الجماعات المدنية لا تزال تمثل أفضل أمل للبلاد، فهم لديهم فهم عميق لإحتياجات البلاد الأكثر إلحاحاً. تشمل هذه الإحتياجات المساعدات الإنسانية دون عوائق، بالإضافة إلى كشف وقطع شبكات التمويل والدعم العسكري للجماعات المسلحة الرئيسية. يمكن أن يساعد ذلك في تمهيد الطريق لتحول سياسي خالٍ من تأثير هذه الجماعات المسلحة.

تعليق المترجم:
الواضح في حالة الدعم السريع أن تسللها وتمدد نفوذها إلى مؤسسات الدولة لم يكن سرياً كشبيهاتها بل كان علنياً، فقد أسسها نظام البشير بالعلن وأجاز برلمان النظام قانوناً لها سُمي قانون الدعم السريع ٢٠١٧. ثم قام البرهان في يوليو ٢٠١٩ وكان رئيس المجلس العسكري حينها، وقبل توقيع الوثيقة الدستورية وأثناء التفاوض عليها، بتعديلات على قانون الدعم السريع. بعد ذلك جاءت الوثيقة الدستورية، ونصت في المادة ٣٥ الفقرة (١) القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية. الفقرة (٢) ينظم قانون القوات المسلحة وقانون الدعم السريع علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية.
الواضح أنه بعد تعديلات البرهان على قانون الدعم السريع ٢٠١٧ لم تعد له سلطة وصلاحيات فعلية على الدعم السريع، رغم نص الوثيقة على تبعية الدعم السريع للقائد العام للقوات المسلحة. كذلك فإن قرار نظام البشير بتمويل المليشيا نفسها ذاتياً ومن ثم مشاركتها في حرب اليمن ساعدها على أن تفتح باب علاقات خارجية مع دول أخرى، لاحقاً تم استغلال هذه العلاقات في تصدير وتهريب الذهب لمصلحة الدعم السريع.
ختاماً ينصح المترجم المهتمين بالإطلاع على كتاب (قوات الدعم السريع النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل ٢٠٢٣) تأليف د. سلمان أحمد سلمان وهو موجود مجاناً على موقع سودانايل وجدير بالقراءة، فهو يصف بالتفصيل وبدقة كيف نشأت وتمددت الدعم السريع إلى أن وصلت لحرب أبريل.

mkaawadalla@yahoo.com

بقلم محمد خالد  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قانون الدعم السریع قوات الدعم السریع الجماعات المسلحة هذه الجماعات على الدولة فی السودان أکثر من

إقرأ أيضاً:

قتلى وجرحى في غارة بمسيّرة للدعم السريع على الفاشر

الفاشر – أفاد مصدر مسؤول بمقتل 13 مدنيا وإصابة 42 آخرين، بينهم أطفال، جراء غارة جوية نفذتها طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع، استهدفت مبنى أبو حمرة الزراعي الذي يُستخدم ملجأ للنازحين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان.

وتشهد الفاشر أوضاعا إنسانية متدهورة في ظل اشتداد القتال منذ أبريل/نيسان الماضي، حيث تُحكم قوات الدعم السريع حصارها على المدينة، مما أدى إلى نفاد الإمدادات الأساسية ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية.

وقال مدير عام وزارة الصحة بالولاية الدكتور إبراهيم خاطر إن الهجوم أسفر عن سقوط 13 قتيلا، بينهم 4 أطفال، إضافة إلى 42 جريحا، من بينهم 14 طفلا، بعضهم في حالات حرجة.

وفي تصريح للجزيرة نت، أكد خاطر أن الوضع الإنساني في المدينة "كارثي"، داعيا الجميع إلى التدخل العاجل لتوفير الدعم الإنساني للمتضررين.

شهادات حية

ومع اشتداد الهجمات على الفاشر، وإغلاق الطرقات، أجبر مئات الأشخاص على اللجوء إلى المباني العالية كملاذ آمن. وقال ناشطون للجزيرة نت إن تلك المباني السكنية أصبحت الآن بين المنشآت المستهدفة في هجمات الدعم السريع.

وقال الناشط المحلي جعفر آدم إن "المدنيين في الفاشر يعيشون حالة من الذعر المستمر، حيث لم يعد هناك مكان آمن". وأوضح أن "الناس يبحثون عن مأوى، لكن حتى المباني التي يعتقدون أنها آمنة أصبحت هدفا للقصف الجوي من قِبل "الدعم السريع".

وأضاف للجزيرة نت أن "الوضع الإنساني يزداد سوءا، وهناك حاجة ملحة لتوفير المساعدات الإنسانية، فالكثير من الأسر فقدت معيلها، ويعاني الأطفال من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية".

وأشار إلى أن "المجتمع الدولي يجب أن يتحرك بسرعة، فالأزمة تتفاقم، والوقت يمر بسرعة. نحن بحاجة إلى حماية المدنيين وتوفير ممرات آمنة للمساعدات، وإلا فإن الكارثة ستزداد عمقا".

إعلان

من جهته، قال النازح يوسف سليمان إن "الوضع في المدينة لا يُحتمل، والأجواء مشحونة بالتوتر منذ وقوع الغارة"، واصفا الهجوم بأنه "مجزرة بشرية كبرى ضد المدنيين العزل". وأكد للجزيرة نت أن "الكثير من الأطفال والنساء فقدوا حياتهم، بينما يحتاج الناجون إلى المساعدة الفورية".

ومنذ أكثر من عامين، تسعى قوات الدعم السريع إلى السيطرة على مدينة الفاشر، التي تقع على بُعد أكثر من 800 كيلومتر (500 ميل) جنوب غرب العاصمة الخرطوم، من القوات المسلحة السودانية. وقد شنت هجمات منتظمة على المدينة، أسفرت عن إسقاط مخيم للنازحين، ولكن حسب مراقبين، كل محاولاتها باءت بالفشل.

مقالات مشابهة

  • السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» كمنظمة إرهابية ويعلن إفشال هجوم كبير في كردفان
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • بعثة تقصي الحقائق: جرائم دولية وانتهاكات مروعة في السودان
  • وصول دفعة جديدة تضم 678 من الفارين من قوات الدعم السريع بمنطقة المثلث
  • حالة الجمود التي يعاني منها خريجي مدرسة الحركات المسلحة في فهم وتفسير الأحداث
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • قتلى وجرحى في غارة بمسيّرة للدعم السريع على الفاشر
  • الحكومة الكينية تنفي تورطها في تسليح الدعم السريع
  • نازحو الفاشر تحت النار.. قصف الدعم السريع يحصد أرواح المدنيين
  • مستشار مليشيا الدعم السريع فرحان يصفق لشيراز الكشحت المريسة