مسقط- الرؤية

نظمت وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة بالمنتدى الأدبي جلسة حوارية بعنوان "الدولة والإنسان: قراءة في العلائق والملامح -الحالة العمانية أنموذجا"، وذلك ضمن برنامج آفاق حضارية "الثقافة والعلوم والتنمية الإنسانية المستدامة في سلطنة عمان"، والذي يتضمن جلسات حوارية تستضيف عدد من الأكاديميِّين والباحثين والمفكرين والمهتمِّين بالتنمية المستدامة من كافة جوانبها.

واستهدفت الجلسة الباحثين والكتاب والأكاديميين والمهتمين بالثقافة بهدف دراسة التأثير المتبادل بين الثقافة والعلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الاقتصادية والعلوم الطبيعية والعلوم البيئية، ورفع مستوى الوعي بمبدأ التنوع الثقافي والحوار والنقد البناء، وتعزيز التواصل والحوار الثقافي، وتحقيق الشراكة والتكامل مع المؤسسات الأخرى في المجالات الثقافية.

وقد ناقشت الجلسة التي تعد الثالثة والتي قدمها الدكتور سعود بن عبدالله الزدجالي باحث وكاتب عماني، وأدارتها تهاني بنت عبد الله الحوسنية باحثة في التاريخ، عدة محاور منها: مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة وعلاقة الانسان بالسلطة.

وانطلقت الدراسة التي أعدها الدكتور سعود الزدجالي في الإجابة عن الأسئلة عبر رسم مسارين مهمين؛ يتمثل الأول في الإطار النظري الذي يمسك المفاهيم الرئيسة؛ كالتنمية والعلوم والاستدامة والمسألة الثقافية والهوية؛ ويتمثل الثاني في دراسة الحالة العمانية في كل أطر التنمية ومستوياتها التخطيطية ومؤسساتها الاجتماعية والثقافية، وهذا يعني فهم العلاقة بين الإنسان والطبيعة والاستدامة؛ في ضوء ثقافة فاعلة متمثلة في ذاكرة الإنسان العماني باعتبار انتمائه إلى مجتمع وأرض، وما يحتاح له من موارد طبيعية تتسم دائما بالنضوب وتطرح بدائل تفكير للعيش في ظلها؛ مما يجعل الاستدامة ممكنا ثقافيا.

وتضمنت الدراسة أن من أبرز تحديات التنمية في الحالة العمانية: الاستدامة والمتغير المادي والاجتماعي وقيمة الرفاهة الاجتماعية في ظل التغيرات العالمية، ومفاهيم الحرية التي ولدت في سياق القيد المدني أو السياسي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين أزمتي سانت كاترين وأيا صوفيا.. هل من علاقة؟

"أيا صوفيا" و"سانت كاترين" اسمان لقديستين مسيحيتين مصريتين، الأولى من البدرشين جنوب الجيزة، والثانية من الإسكندرية، وكلتا القديستين تحظيان بمكانة دينية عالية لدى المسيحيين في العالم وخاصة الأرثوذكس، نظرا لاستشهادهما في سبيل عقيدتهما، ورفضهما كل الإغراءات والتهديدات لثنيهما عن طريقهما، وهذا ما يفسر الحساسية الخاصة للمسيحيين الأرثوذكس تجاه التعامل مع آثارهما، سواء كنيسة أيا صوفيا في تركيا التي تحولت إلى مسجد، أو دير سانت كاترين في سيناء الذي صدر بشأنه حكم قضائي مصري مؤخرا حول طبيعة ملكية أراضيه وأثار حفيظة رهبانه ومن ورائهم اليونان.

القديسة أيا صوفيا ولدت مع نهاية القرن الأول الميلادي، وكانت تعبد الأوثان، ثم اعتنقت المسيحية، وذاع صيتها، وهو ما استفز الوالي الروماني في مصر كلوديوس، الذي حاكمها وأمرها بالعودة للوثنية فرفضت، فأمر بتعذيبها وقطع لسانها حتى ماتت. وبعد أكثر من قرنين (سنة 325 للميلاد) أمر الإمبراطور الروماني المسيحي قسطنطين العظيم بنقل رفاتها من مصر إلى مقر حكمه في القسطنطينية (إسطنبول الحالية)، وبنى لرفاتها كنيسة باسمها، وبعد تعرضها للاحتراق والتلف قام الإمبراطور جستينيان الأول بإعادة بنائها سنة 537 ميلادية. نلاحظ هنا أن اسم هذا الإمبراطور سيتكرر مرة أخرى مع بناء دير للقديسة المصرية الثانية "سانت كاترين" في سيناء هذه المرة، وهو الذي لا يزال قائما حتى الآن.

أما القديسة كاترينا السكندرية فقد عاشت في القرن السادس الميلادي، ووفقا للمصادر المسيحية فقد كانت أميرة وباحثة مرموقة أصبحت مسيحية في سن الرابعة عشرة تقريبا، وحولت مئات الأشخاص إلى المسيحية، واستشهدت في سن الثامنة عشرة تقريبا. أمر الإمبراطور ماكسينتيوس بإخضاعها لتعذيب رهيب ثم رميها في السجن، ثم قتلها بعد أن ذاع صيتها. وقد نجحت في إقناع الكثيرين باعتناق المسيحية ومن بينهم فاليريا ماكسيميلا، زوجة الإمبراطور نفسه، وفي القرن السادس بنى الإمبراطور جستينيان الأول ديرا لها في المكان الذي ناجى فيه سيدنا موسى ربه والمعروف بكنيسة التجلي.

تلك هي الخلفية التاريخية لهاتين القديستين المصريتين. ثارت أزمة طويلة بشأن كنيسة الأولى انتهت إلى تحويلها إلى مسجد، وثارت أزمة بشأن دير الثانية؛ استحضرت لدى أطرافها ملابسات أزمة الأولى.

لشرح الأمر، فإلى جانب الإشكاليات القانونية المرتبطة بطبيعة ملكية دير سانت كاترين لبعض الأراضي المحيطة به، وهي الإشكاليات التي تمس بدورها فكرة السيادة الوطنية، فإن جانبا مهما من أزمة الدير هو خوف رهبانه ومن خلفهم الكنيسة أو الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وعلى رأسها كنيسة القدس التي يتبع لها الدير، والكنيسة اليونانية، المظلة الأعلى لها، من تكرار ما حدث مع كنيسة أيا صوفيا ولو بطريقة مختلفة؛ تتمثل هذه المرة في هواجس من تخطيط الحكومة المصرية لإغلاق الدير، أو على الأقل طرد الرهبان اليونانيين منه، وهي هواجس غير صحيحة بالمرة، فالنظام المصري الحالي لا يفكر بالطريقة التي فكرت بها حكومة أردوغان في تركيا، كما أن السياق التاريخي والتطورات التي شهدتها مسيرة كنيسة أيا صوفيا في تركيا تختلف كثيرا عن وضع دير سانت كاترين في مصر.

فيما يخص كنيسة أيا صوفيا، فقد حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد عام 1453 بعد فتح القسطنطينية وفقا لأعراف ذلك الزمان، خاصة أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أنه اشتراها من ماله الخاص، وأصبحت مسجدا لمدة 500 عام، وبعد إنهاء الخلافة العثمانية حولها كمال أتاتورك عام 1934 إلى متحف، وكان ذلك جزءا من سياق تحولات كبرى أدخلها أتاتورك على تركيا، وأغلق بموجبها العديد من المساجد التاريخية المرتبطة في الأذهان بالدولة العثمانية التي أطاح بها، كما حول بعضها إلى متاحف أو حتى إسطبلات خيول. ثم ظهرت المطالبات مجددا بإعادة المتحف إلى مسجد، واتخذت هذه المطالبات أشكالا عديدة منها ما هو تاريخي وثقافي، وحتى تحركات شعبية قادتها بعض المجموعات والجمعيات الإسلامية ودعمها الزعيم الإسلامي التاريخي نجم الدين أربكان، واكتسبت زخما أكبر بدعم الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، وتدرج الوضع من ترك غرفة داخل المتحف للصلاة، ثم رفع الأذان فقط من مئذنتها دون السماح بالصلاة في صحنها، وصولا إلى صدور حكم قضائي من المحكمة العليا التركية في العام 2020 بعودة المتحف مسجدا، وفتحه للصلوات بشكل منتظم.

هاجت العواصم الغربية ضد هذا الإجراء، ومارست ضغوطا كثيفة على تركيا لثنيها عن قرارها، لكن أردوغان رفض تلك الضغوط، وحرص على إعادة افتتاح المسجد بنفسه كجزء أيضا من سياق تحولات كبرى يقودها لإعادة تركيا إلى هويتها الإسلامية التي غابت عنها في ظل الحقبة الكمالية.

وإذا كانت معركة استعادة أيا صوفيا كمسجد في تركيا استندت إلى خلفيات دينية وقومية وبالتالي قادتها أحزاب وجماعات إسلامية وقومية، فإن أزمة دير سانت كاترين لا تستند إلى خلفية دينية، وإن استندت في جانب منها إلى خلفية وطنية تتعلق بإقرار السيادة المصرية على أرض الدير، مع منح تابعي الدير حق الانتفاع بتلك الأرض، والالتزام بالقوانين المصرية الناظمة للمحميات الطبيعية.. الخ. ومن هنا فإن الأمر بسيط جدا في هذه الأزمة على خلاف ما تدعيه الرواية اليونانية من أن الحكومة المصرية تعتزم إغلاق الدير، وطرد رهبانه اليونانيين، وفي الحد الأدنى تسليمه إلى رهبان مصريين. وقد سارعت السلطات المصرية بدءا برأس النظام ووزير خارجيته وبقية أجهزته لطمأنة الجانب اليوناني على استمرار عمل الدير، واحترام طبيعته، ورهبانه.. الخ، والمطلوب الآن أن تتخلص اليونان فقط من عقدة أيا صوفيا لأنها تختلف بالفعل عن سانت كاترين.

x.com/kotbelaraby

مقالات مشابهة

  • دراسة ميدانية لـ «الإمارات للتنمية الاجتماعية برأس الخيمة»: الوعي المجتمعي ركيزة وقائية لمواجهة التضليل الإعلامي
  • فلسطين تنفي علاقتها بالجماعة المسلحة التي تنهب المساعدات في غزة
  • بين أزمتي سانت كاترين وأيا صوفيا.. هل من علاقة؟
  • إعلام بريطاني يسلط الضوء على مدينة فاس
  • مائدة عيد الأضحى.. أكلات تراثية تجمع تميز المذاق بالأصالة العمانية
  • صرف مرتبات العاملين بالدولة يوم 18 يونيه
  • “التنمية الاجتماعية”: تراجع كبير في إعفاءات تصاريح عمالة المنازل
  • دراسة توضح علاقة الدهون الزائدة بآلام الظهر المزمنة
  • غيانا.. الدولة الوحيدة في العالم التي تُطعم شعبها بالكامل دون استيراد!
  • خلال ورشة متخصصة في الشأن الحقوقي.. مريم الحمادي: ملتزمون بوصول الجميع إلى الثقافة دون تمييز أو تكاليف