لجريدة عمان:
2025-12-02@09:24:36 GMT

هل نواجه أزمة قيادة عالمية؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

تشكل القيادة على مستوى الأمة أو الدولة أمرا جوهريا ومحوريا له أبعاده الحساسة والخطيرة على راهنها وبعيد أمدها وأمنها القومي وتماسكها في وجه تقلبات الدول والمصائر والنوائب، وتحقيق غاياتها على كل صعيد يرتجى منه نفع وترسيخ وتوسيع لمصالح الدولة الوطنية وبقائها ورخاء شعوبها وكرامتهم. وتشغل مسألة القيادة حيزا واسعا من اهتمام علماء ومفكري وساسة الدول الفاعلة، ولعل أحد أهم منظري القيادة في هذا السياق، السياسي والدبلوماسي ووزير الخارجية الأمريكية الراحل هنري كيسنجر، الذي عاصر مرحلة مهمة من تحولات القرن العشرين وبالذات ما يخص منطقة الشرق الأوسط، بل وكتب في أواخر أيامه كتابا مهما عن القيادة (القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية)، تناول فيه عدة قادة عالميين منهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

ولا يتسع المقام لتلخيص الكتاب ولكنه يقدم رؤية عميقة حول مختلف أنماط القيادة في الشخصيات التي تناولها بالتحليل ضمن إطارها وثقلها الزمني ومزاياها القيادية في تلك المرحلة. على سبيل المثال يرى كيسنجر أنه «في وقت الأزمات تبزغ الحاجة إلى نمطين من قادة التحولات وهما رجل الدولة (statesman type) والقائد صاحب الرسالة (Prophetic leaders) حيث يرى أن «رجل الدولة» يتبنى عملية التغيير ولكنه يحتفظ برؤيته إزاء جوهر المجتمعات ويرتقى بها عبر عمليات وآليات تطورية ويتجاوز المؤسسات والقيم الراهنة إن تطلب الأمر، ويتجنب الشخصنة، مركزا جل شغفه للمصلحة العامة ولديه القدرة على استيعاب وتفهم ما يمكن لمجتمعه أن يسانده وتدعمه ويبذل جهوده بالنتيجة إلى الحض والتحفيز والإقناع والحث مثل الرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس نهرو وأتاتورك وبسمارك.

في مقابل ذلك يرى كيسنجر النمط الثاني وهو «صاحب الرسالة» بأنهم أولئك القادة الذين يتصورون المستقبل مختلفا عن ماضيهم وهم «غير منطقيين» ولا يثقون بالتدرج والتغيير البطيء، ويهدفون إلى تجاوز الحالة الراهنة عوضا عن إدارتها مثل لينين وغاندي بحسب وصفه.

يرى البعض أننا نشهد ضعفا وتدهورا على المستوى العالمي في القيادة وتفتقر العديد من الدول الفاعلة الكبرى إلى هذا المستوى الرفيع والوزن القيادي الثقيل من القادة الكبار وهو ما يظهر جليا في وقت الأزمات والنوائب الكبرى حيث نرى على سبيل المثال حجم الانحدار في الأداء والخطاب السياسي الأمريكي الراهن في التعاطي مثلا مع حرب الإبادة التي يشنها مجرمو الحرب في القيادة الإسرائيلية ويحار المرء كيف للآلة الأمريكية العملاقة فكرا وسياسة وصناعة وتكنولوجيا وجامعات بحجم هارفارد وستانفورد ومراكز دراسات عملاقة والمؤسسة العسكرية والأمنية الأضخم في العالم أن تنتج في نهاية المطاف قادة بهذا الانحدار العجيب، ويصدم المتابع لمستوى اللغة التي تتجاوز الحد الأدنى من احترام الخصوم ووصفهم بأبشع الألفاظ والتراشق الرخيص في التخاطب (المناظرة الأخيرة على سبيل المثال بين جو بايدن وترامب). وحتى على مستوى قيادات الكونجرس، لم يتردد أحد أعضاء الكونجرس المدعو ليندسي جراهام باقتراح إلقاء قنبلة نووية على سكان غزة لمحوهم من الوجود! ولا أريد الخوض في ذلك المشهد البائس لخطاب نتانياهو في الكونجرس الأمريكي ودلالاته. يلاحظ الهزال القيادي ذاته على ضفاف أوروبا الغربية، في فرنسا مثلا هناك هوس بوضع المثلية ونشرها على رأس أولويات الدولة وهو ما صدم شرائح واسعة من الغربيين أنفسهم خلال الاحتفال بالألعاب الأولمبية مثلا والسخرية الفاضحة من السيد المسيح في لوحة العشاء الأخير! والحال نفسه على الجانب الألماني والفاشية التي يتبناها قادتهم لقمع كل صوت يساند فلسطين وهي التي خرجت جريحة محطمة مقسمة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا ننسى المملكة المتحدة التي شهدت تغيير أربعة رؤساء وزارات في ظرف خمس سنوات (ليز تراوس التي انتخبت في سبتمبر 2022 بقيت في المنصب لمدة 44 يوما!).

ولا يتسع المقام في هذا السياق للتطرق إلى غياب الزعامات والقيادات التاريخية في الحالة العربية والتي لا يقل بعضها بؤسا وانحدارا، بل وتسبب بعض قادتها إلى الزج بدولهم خارج التاريخ ومسار القرن الحادي والعشرين وتحويلها إلى دول فاشلة بالمعنى السياسي والاقتصادي والأمني.

ولعل الحالة الصينية في الوقت الراهن تشكل نمطا من الزعامة والقيادة الفاعلة المتزنة تشبه ما يشير إليه كيسنجر من نمط قيادة «رجل الدولة» وهو ما نرى تجلياته حول وضع الصين في العالم الآن ومنافستها للولايات المتحدة على أكثر من جبهة والتركيز على تحويل الصين إلى دولة كبرى بالمعنى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري.

في سياق كهذا، ما أشد الحاجة إلى قيادات عالمية راشدة ووازنة تعيد للعالم بعض الاتزان إن صح التعبير وهو ما لن يحدث قريبا كما يبدو!. ولا يفوتني كمواطن أن أعتز وأفخر بالمستوى القيادي الثقيل والرفيع الذي قدمته سلطنة عُمان للمنطقة في ذلك الانتقال الحضاري والنبيل للحكم بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- والمسيرة القيادية المظفرة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- رغم كل التحديات واستحقاقات المرحلة وكيف نجح بقيادته الحكيمة إلى العبور الآمن بالبلاد من تحديات جسام إلى مرحلة يتطلع العمانيون فيها بكل اهتمام إلى عهد متجدد يرسخ ويجذر دولة المؤسسات والقانون ووضع مكونات المجتمع والنخب في مسارها الأصوب في عُمان القرن الحادي والعشرين وفرض هيبة الدولة وتعزيز الاقتصاد وتنويعه في ظل سياق محلي وإقليمي متربص وصراع مصالح لا يرحم.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

جامع الرفاعي.. مقام الأولياء ومسجد العائلة المالكة

يعد مسجد الرفاعى مقصداً للسياح بمختلف أجناسهم، وواحد من أشهر الجوامع التي تجذب الأنظار لما يضمه تحت ثراه من شخصيات طالما ملأت الدنيا صخباً وجدلاً..، أطلق عليه “مقبرة الملوك والأمراء” وتخليداً لعظمة الجامع رُسم على فئة الــ10 جنيهات المصرية، ويعتبر مسجد الرفاعى من أجمل وأضخم المساجد التى تضمها العمارة الإسلامية بالقاهرة، حيث استغرق بناؤه 40 عامًا، وتم استيراد مواد البناء خصيصاً من أوروبا، بعدما كلفت خوشيار هانم .

 مسجد الرفاعي يقع جامع الرفاعي بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي التاريخية في حي الخليفة إلى الجنوب من العاصمة القاهرة، وينسب إلى الإمام أحمد الرفاعي الذي ولد في الحجاز وانتقل إلى العراق ومنها إلى مصر. ومن بين مساجد القاهرة التاريخية، يعد مسجد الرفاعي أيقونة معمارية خالدة، بفضل التفاصيل الدقيقة في الزخارف والنقوش على الجدران الخارجية والأسقف والقبب، والأعمدة العملاقة عند بوابته الخارجية.

 وبحسب وزارة السياحة والآثار المصرية، كان موقع المسجد يعرف قديمًا باسم "زاوية الرفاعي"، وكان مدفنًا للشيخ علي أبي شباك الرفاعي، ولكن بعد إنشاء المسجد الحالي سمي باسم جده الشيخ أحمد الرفاعي. وجاء إنشاء المسجد في القرن الـ19 ليضاهي جامع السلطان حسن المملوكي الذي يقع أمامه مباشرة ويرجع بناؤه إلى القرن الـ14 الميلادي، ويشهد الجامع الاحتفال بمولد الرفاعي سنويًا رغم أنه مدفون بالعراق.

 مقبرة ملكية يضم المسجد مقبرتي الشيخ علي أبي شباك والشيخ يحيى الأنصاري، ومقبرة أخرى ملكية، وفيها ترقد جثامين الخديوي إسماعيل وأمه خوشيار هانم وزوجاته والسلطان حسين كامل والملك فؤاد الأول والملك فاروق. ودوّن على جدار المسجد "تم بعناية الله تعالى هذا المسجد الشريف مسجد العارف بالله السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه حسبما صدر به أمر ولي النعم الجناب العالي خديوي مصر المعظم عباس حلمي الثاني".

 ويقول أثريون إن تخطيط المسجد وطرازه المعماري يشبه كنيسة آيا صوفيا والكاتدرائيات المسيحية في روما، ويعد محرابه الخشبي قطعة فنية تحكي قصة الفن المملوكي بالذوق الفني الخاص بالقرن التاسع عشر.


 

مقالات مشابهة

  • جامع الرفاعي.. مقام الأولياء ومسجد العائلة المالكة
  • وزيرة عربية تنهي حظر ارتداء البنطال على النساء !
  • مسؤول تركي يحذر: أزمة المياه تهدد بحروب وهجرات كبرى وأزمات عالمية
  • بعد تصاعد التوتر.. أول تصريح من رئيس مجلس القيادة بشأن حضرموت
  • منصور بن زايد: اتحادنا وتلاحم القيادة مع الشعب الأساس الراسخ لمسيرة الدولة
  • وزير الخارجية يؤكد حرص الدولة على تعزيز دور القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي
  • بعد أسطورة 1997.. المذنب الأسطوري يستعد لعودة تاريخية في القرن الـ44
  • المحرّمي يلتقي قيادة الجهاز المركزي لأمن الدولة ويؤكد دعمه لتعزيز المنظومة الأمنية
  • كيف حوّل شكري نعمان أمن الحوبان إلى شركة جباية داخل مصنع “كميكو”؟ومن هي الشبكة التي تحميه من التغيير ؟
  • الدكتور عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة: يؤكد في ذكرى الجلاء أهمية توحيد الصف الوطني خلف القيادة الشرعية