من الثورة إلى القيادة.. كيف أعادت 30 يونيو صياغة علاقة الشباب بالدولة المصرية؟
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 مجرد حراك شعبي للإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، بل مثّلت نقطة تحول فارقة في تاريخ مصر الحديث، أعادت فيها الدولة تعريف علاقتها مع الشباب، الذين ظلوا لعقود خارج دوائر التأثير والقرار. ولأول مرة، أصبح الشباب ليسوا فقط شركاء في التغيير، بل صناعًا له، ومحورًا لسياسات وطنية تهدف إلى تمكينهم وتأهيلهم للقيادة في كافة المستويات.
مع سقوط حكم الجماعة، حرصت القيادة السياسية الجديدة على إعادة دمج الشباب في مؤسسات الدولة، عبر خطوات تنفيذية واضحة، كانت البداية منها مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم. جاء ذلك مدفوعًا بإيمان حقيقي بأن الشباب ليسوا فقط "طاقة ثورية"، بل "طاقة بناء وتقدم"، وهو ما تُرجم إلى برامج ومبادرات طموحة، كان أبرزها إطلاق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة عام 2015، ليكون منصة لإعداد جيل جديد من القيادات القادرة على المشاركة في إدارة الدولة.
البرنامج، الذي امتد لـ8 أشهر من التدريب المكثف، جمع بين التأهيل الأكاديمي والعملي والبدني، وأفرز كوادر شابة تلقّت علومًا سياسية واقتصادية، وخضعت لتجارب محاكاة سياسية وميدانية. وقد أثبتت هذه التجربة كفاءتها، حيث تبوأ عدد كبير من خريجي البرنامج مناصب تنفيذية، مثل نواب المحافظين، ومعاوني الوزراء، فضلًا عن دخولهم البرلمان بنسب متزايدة.
وفي أكتوبر 2016، أُطلق أول مؤتمر وطني للشباب في مدينة شرم الشيخ، ليشكّل لحظة مفصلية في مسار العلاقة بين الدولة وشبابها. وتوالت النسخ في مختلف المحافظات، لتصبح المؤتمرات الوطنية بمثابة منصة دائمة للحوار العلني، ووسيلة فعالة لمواجهة الشائعات، وتصحيح المفاهيم، واستطلاع آراء الشباب حول القضايا المصيرية.
الجلسات كانت مفتوحة، والأسئلة تُطرح بلا قيود، وأبرزها جلسة "اسأل الرئيس"، التي أُتيحت فيها الفرصة للشباب لسؤال رئيس الجمهورية مباشرةً في قضايا شائكة كالإصلاح الإداري، ودور الإعلام، والتعليم، وتمكين المرأة، ومكافحة الإرهاب، والمشروعات الصغيرة.
صناعة الكوادر المحترفةانطلاقًا من توصيات مؤتمرات الشباب، أُنشئت الأكاديمية الوطنية للتدريب عام 2017 بقرار جمهوري، لتكون مركزًا إقليميًا لتأهيل كوادر الدولة. وقد وفرت الأكاديمية برامج احترافية تحت مظلتها مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب(PLP) والتنفيذيين (EPLP)، بجانب برامج للشباب الإفريقي، وموظفي القطاعين العام والخاص.
تعاونت الأكاديمية مع جامعات ومؤسسات دولية مرموقة في فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية، ووفرت قاعات محاكاة ومراكز تقييم، ونجحت في تخريج آلاف الشباب المؤهلين، الذين التحق عدد منهم فعليًا بمواقع تنفيذية ومناصب قيادية.
السياسة بصوت الشبابومن رحم المؤتمرات أيضًا، خرجت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عام 2018 كأحد أبرز أشكال التمكين السياسي للشباب. جمعت التنسيقية أكثر من 25 حزبًا وتوجهًا سياسيًا مختلفًا، إضافة إلى شباب مستقلين، لتشكّل نموذجًا فريدًا للحوار السياسي المسؤول.
تحوّلت التنسيقية إلى خزان دائم للكفاءات، وقدّم أعضاؤها مبادرات مجتمعية وتشريعية مهمة، وانخرطوا في برامج تأهيل بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية. وكان حضورها البرلماني لافتًا: 48 عضوًا بالغرفتين التشريعيتين (النواب والشيوخ)، أدّوا أدوارًا رقابية وتشريعية متميزة في قضايا التعليم والصحة وحقوق الإنسان.
وشارك أعضاء التنسيقية في جولات ميدانية لمتابعة تنفيذ المشروعات القومية، ورفع تقارير للجهات التنفيذية، كما جرى اختيار 6 منهم نوابًا للمحافظين، وتعيين عدد من كوادرها في مواقع تنفيذية، ما جعلها تجربة فريدة في صناعة الكوادر الشابة الفاعلة.
وشارك خريجو البرامج الرئاسية وأعضاء التنسيقية في مؤتمرات دولية واستراتيجيات وطنية، وكان لهم حضور قوي في ملفات مثل الحوار الوطني، وتمكين المرأة، وقضايا المناخ، ومبادرات حياة كريمة، وتحالف العمل الأهلي، ورؤية مصر 2030.
كما ساهموا في صياغة رؤى وسياسات قومية، وشاركت أصواتهم في المنتديات العالمية مثل منتدى شباب العالم، حيث مثّل الشباب المصري نموذجًا قادرًا على إيصال صورة الدولة الحديثة والتفاعلية.
وتُبرهن السنوات التي تلت ثورة 30 يونيو أن الدولة المصرية لم تكتفِ بإخراج الشباب من دائرة التهميش، بل فتحت أمامهم أبواب المشاركة الفعالة، وسلّحتهم بالعلم، والأدوات، وفرص القيادة.
وبينما تحتفل مصر اليوم بالذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، يظهر جليًا أن واحدة من أبرز مكتسبات الثورة، بل وأكثرها رسوخًا، هي إعادة تعريف موقع الشباب في الدولة: من متظاهرين في الميادين إلى صانعي قرار داخل مؤسسات الحكم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: 30 يونيو ثورة 30 يونيو الثورة الشباب
إقرأ أيضاً:
ثورة التصحيح والبناء.. كيف مهدت 30 يونيو لرؤية مصر 2030؟
مثّلت ثورة 30 يونيو لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث، حين خرج الملايين من أبناء الشعب المصري لاستعادة هويتهم الوطنية، وتصحيح المسار الذي كاد أن يُفقد البلاد استقرارها ومكانتها.
ولم تكن الثورة مجرد احتجاج شعبي ضد جماعة متطرفة، بل كانت تعبيرًا عن إرادة جماعية لإنقاذ الدولة، واستعادة مؤسساتها، والانطلاق نحو مستقبل أكثر وضوحًا واستقرارًا.
وفي هذا السياق، قال مجدي البدوي، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، إن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد رفض لحكم جماعة متطرفة، بل شكلت نقطة تحول لاستعادة الدولة المصرية لقدرتها على التخطيط الاستراتيجي، وإطلاق رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وأوضح أن الثورة أنهت حالة الفوضى، ومهّدت الطريق لوضع رؤية وطنية طموحة قادرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل.
وأضاف البدوي في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الشرعية الشعبية التي منحتها الثورة للقيادة السياسية، كانت حافزًا قويًا لانطلاق مشروعات كبرى في البنية التحتية، والمدن الجديدة، والكهرباء، والزراعة، وتنمية محور قناة السويس، بما يعكس تطبيقًا عمليًا لمحاور رؤية 2030، لافتًا إلى أن هذه الطفرة جاءت رغم التحديات الكبرى مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعكس متانة مؤسسات الدولة بعد الثورة.
واختتم البدوي مؤكدًا أن رؤية مصر 2030 تقوم على أبعاد متكاملة تشمل التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، والابتكار، وتطوير المؤسسات، وتوفير الطاقة، مشيرًا إلى أن هذه الرؤية تعبر عن إيمان الدولة بحق كل مواطن في حياة كريمة ومستقبل آمن، وهو ما تسعى لتحقيقه بشراكة مجتمعية واسعة.