PALM10: ما مآلات التنافس الياباني الصيني على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تحظى بها دول جزر المحيط الهادئ، وكذلك التنافس المُتزايد بين اليابان والصين على النفوذ والمكانة في هذه الدول، استضافت العاصمة اليابانية طوكيو، في الفترة من 16 إلى 18 يوليو 2024، القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ (PALM10)، بمشاركة اليابان و18 دولة ومنطقة أعضاء في منتدى جزر المحيط الهادئ، وهي الآلية التي دُشنت لأول مرة بمبادرة يابانية في عام 1997، ويجري عقدها بانتظام في طوكيو مرة كل ثلاث سنوات.
أبعاد التوقيت:
عُقدت القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ في ظل توقيت بالغ الأهمية؛ وذلك بالنظر إلى السياقات التي تزامنت مع انعقادها؛ ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. تقارب أمني وعسكري: لطالما عملت اليابان على تعزيز علاقاتها وتحالفها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر تقديم الدعم في العديد من المجالات. وفي هذا الإطار، اتجهت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ خلال السنوات القليلة الماضية إلى توسيع تعاونهما الأمني والدفاعي؛ إذ تعمل طوكيو على تعزيز قدرات المراقبة البحرية لهذه الدول، وكذلك قدرتها على مواجهة المخاطر المناخية والجيوسياسية، فضلاً عن تبادل الرؤى بشأن القضايا والتحديات الأمنية المشتركة.
وفي هذا السياق، استضافت وزارة الدفاع اليابانية، يومي 19 و20 مارس 2024، فعاليات الدورة الثانية من محادثات الحوار الدفاعي بين اليابان وجزر المحيط الهادئ، والتي طرح خلالها وزير الدفاع الياباني، مينورو كيهارا، “مفهوم التعاون من أجل الجهود الأمنية الموحدة في منطقة جزر المحيط الهادئ”، كتعبير عن وجهة نظر اليابان لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني في المنطقة. وقد عُقدت الدورة الأولى للحوار الدفاعي بين الجانبين افتراضياً في سبتمبر 2021؛ إذ أكدت أهمية تعزيز التفاهم المتبادل وبناء الثقة بين السلطات الدفاعية في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية.
2. تعزيز الصين علاقاتها مع دول جزر الهادئ: عملت الصين خلال الفترة الماضية على تعزيز علاقاتها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر استخدام العديد من الأدوات والآليات، ولاسيما زيادة المساعدات الاقتصادية والتنموية ودبلوماسية الزيارات، فضلاً عن التعاون الأمني والدفاعي.
وقد تجسدت أبرز مؤشرات تنامي العلاقات بين الجانبين في الفترة الأخيرة؛ إذ تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وناورو، بعد إعلان الأخيرة، في يناير 2024، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان. وكذلك، زيارة رئيسي وزراء فانواتو، شارلوت سالواي، وجزر سليمان، جيريما مانيلي، إلى الصين في يوليو 2024.
3. توتر العلاقات الصينية اليابانية: تشهد العلاقات بين بكين وطوكيو منذ عدة أعوام توتراً ملحوظاً على خلفية تباين مواقف الدولتين إزاء العديد من القضايا الجوهرية التي ترتبط بعلاقاتهما الثنائية، ولاسيما الموقف الياباني إزاء أزمة تايوان، والذي ترى الصين أنه يمثل انحيازاً لما تُطلق عليه بكين “قوى استقلال” تايوان. وقد تمثل أحدث مؤشرات التوتر بين الدولتين في قيام الصين بحث اليابان على أداء دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية، وعدم العمل “كطليعة” لتوسع حلف شمال الأطلسي “الناتو” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وذلك رداً على الكتاب الأبيض الدفاعي الجديد الذي أصدرته اليابان في 12 يوليو 2024، وأشارت فيه لأول مرة إلى التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين مؤخراً حول جزيرة تايوان كجزء مما وصفته “استراتيجية الغزو التي تنتهجها بكين”؛ إذ أعربت الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة للكتاب الأبيض، واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية، لين جيان، أنه “يتدخل بشكل خطر في الشؤون الداخلية للصين، ويسعى مرة أخرى إلى ترويج رواية “التهديد الصيني”، ويضخم التوترات الإقليمية”.
ومن الملاحظ أيضاً أن القمة جاءت في أعقاب انعقاد قمة حلف الناتو بواشنطن في الفترة من 9 إلى 11 يوليو 2024، والتي اعتبرت الصين تهديداً، وشاركت فيها اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، وهي دول تتنافس مع الصين على النفوذ في منطقة جزر المحيط الهادئ.
دوافع الاهتمام:
هناك العديد من الاعتبارات والدوافع التي تقف وراء اهتمام كلٍ من اليابان والصين بتعزيز علاقات التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. المصالح اليابانية: تمتلك اليابان العديد من المصالح المهمة في دول ومناطق جزر المحيط الهادئ. وعلى رأسها الحفاظ على حرية الوصول غير المُقيد إلى الطرق البحرية عبر أوقيانوسيا، سواء للسفن البحرية أم التجارية؛ إذ تمر السفن التي تحمل واردات الطاقة لليابان عبر طرق الملاحة المحيطة بدول جزر المحيط الهادئ. كما تقوم اليابان باستيراد الموارد الطبيعية من دول جزر المحيط الهادئ، وتعتمد بشكل خاص على مصايد الأسماك الواقعة في المناطق الاقتصادية الخالصة لهذه الدول.
فضلاً عن الدور المهم الذي تؤديه دول جزر المحيط الهادئ في المنتديات الدولية المتعددة الأطراف، والتي ترتكز على المساواة القانونية بين الدول الأعضاء بصرف النظر عن أحجامها؛ إذ تأمل اليابان في حشد دعم وتأييد هذه الدول لمبادراتها، مثل: احترام قانون البحار والتسوية السلمية للنزاعات، فضلاً عن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك دعم رؤيتها لمنطقة المحيطيْن الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة؛ ومن ثم، فإن من مصلحة اليابان أن تحافظ على علاقات جيدة مع دول جزر المحيط الهادئ؛ وذلك بهدف موازنة النفوذ الإقليمي المتزايد للصين في هذه الدول.
2. المصالح الصينية: تحظى دول جزر المحيط الهادئ بموقع استراتيجي مهم، ولاسيما سيطرتها على مناطق بحرية كبيرة وقربها من خطوط الاتصال التجارية والبحرية في المحيط الهادئ؛ وهو ما يجعلها تمثل أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للصين، وذلك على الرغم من صغر المساحة الجغرافية لهذه الدول وكذلك امتلاكها اقتصادات صغيرة؛ وهو ما يجعل الصين تعمل على زيادة نفوذها الدبلوماسي في العديد من دول جزر المحيط الهادئ.
كما أنها تمثل أهمية أمنية كبيرة بالنسبة للصين على المدى الطويل؛ إذ يهدف جيش التحرير الشعبي الصيني لتطوير استراتيجيته البحرية التي قد تنطلق لإقامة قواعد عسكرية في الجزر القريبة من الصين.
ملامح مُتعددة للتنافس:
تتنافس اليابان والصين على النفوذ والمكانة في دول جزر المحيط الهادئ في العديد من المجالات؛ ويمكن توضيح أبرز ملامح هذا التنافس في الآتي:
1. انتقادات مُتبادلة: في سياق تنافسها على النفوذ مع الصين، تعمد اليابان إلى دفع دول جزر المحيط الهادئ إلى تبني مواقف رافضة لما ترى طوكيو أنه محاولات من جانب بكين لاستخدام القوة في تغيير الوضع القائم؛ وهو ما تجسد في إعلان اليابان وهذه الدول، في البيان المشترك الصادر في ختام القمّة، عن رفضهما الشديد لأية محاولة أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن عن طريق التهديد أو باستخدام القوة أو بالإكراه، وذلك في إشارة ضمنية إلى التحركات الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ورداً على هذا الموقف، طالبت وزارة الخارجية الصينية اليابان ودول المحيط الهادئ الأخرى بضرورة المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة بدلاً من انتقاد الصين. كما اتهمت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الرسمية، اليابان باستخدام القمة “للإغراء الاقتصادي” وممارسة “الضغط السياسي والعسكري” على دول المحيط الهادئ لتتوافق مع رغباتها.
2. التنافس الأمني والعسكري: تعمل اليابان منذ إعلانها عن طرح مبادرة منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، في عام 2016، على زيادة وجودها الأمني والعسكري في دول جزر المحيط الهادئ. وقد تجسدت أبرز مؤشرات ذلك في: زيارات قوات الدفاع الذاتي اليابانية للموانئ والمطارات في هذه الدول، وإجراء قوات الدفاع الذاتي البحرية تدريبات مع نظيراتها في تونغا، وفيجي، وجزر سليمان، وبالاو، فضلاً عن قيام طوكيو بإرسال قوات الدفاع الذاتي للعمل في أنشطة الإغاثة في حالات الكوارث في تونغا.
وخلال القمة الأخيرة، اتفقت اليابان وهذه الدول على تعزيز التبادلات الدفاعية، من خلال إتاحة محطات توقف لطائرات وسفن قوات الدفاع الذاتي اليابانية في المحيط الهادئ، وتكثيف التدريب والتعاون الدفاعي. كما عملت اليابان على تهدئة مخاوف دول جزر المحيط الهادئ بشأن آلية تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، بتأكيد أنها آمنة وتستوفي المعايير الدولية.
وبدورها، عملت الصين على تعزيز تعاونها الأمني والدفاعي مع دول جزر المحيط الهادئ؛ إذ وقعت اتفاقاً أمنياً مع جزر سليمان في عام 2022، أشارت تسريبات إلى أنه يتضمن بنداً يسمح للصين بنشر أفراد عسكريين في الجزر، فضلاً عن استخدام البلاد كقاعدة للمراقبة الجوية لجزر المحيط الهادئ الأخرى وأستراليا. كذلك، أشارت تقارير إلى أن حكومة فانواتو تدرس السماح للصين ببناء قاعدة عسكرية ومنشآت بحرية فيها.
3. التنافس الاقتصادي والتنموي: تشارك اليابان بالتعاون مع أستراليا والولايات المتحدة في العديد من مشروعات تطوير البنية التحتية في دول جزر المحيط الهادئ. كما أنها تُعد أيضاً أحد أعضاء برنامج الشركاء في المحيط الهادئ الأزرق، الذي تم تدشينه في يونيو 2022؛ لتنسيق المساعدة لهذه الدول.
وخلال القمة الأخيرة، أطلقت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ عدة مبادرات جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي، منها: تبرع طوكيو بسفينة أبحاث مصايد الأسماك لكل من جزر مارشال وميكرونيزيا وبابوا غينيا الجديدة وفانواتو؛ لمساعدتها على مراقبة موارد مصايد الأسماك. وكذلك، “مبادرة المحيط الهادئ للمرونة المناخية”؛ لمساعدة دول جزر المحيط الهادئ على تخفيف آثار تغير المناخ. فضلاً عن تطوير البنية التحتية عالية الجودة في هذه الدول، بما في ذلك الكابلات البحرية.
وفي المقابل، قامت الصين بدعم اقتصادات دول جزر المحيط الهادئ من خلال مبادرة الحزام والطريق، عبر تقديم قروض بفائدة مُنخفضة لإقامة مشروعات للبنى التحتية؛ وهو ما مكّنها من الحصول على حق الوصول المُوسّع لأسطول الصيد الخاص بها. ووفقاً للإحصاءات الصينية، فقد بلغت قيمة تجارة بكين مع هذه الدول، ومعظمها من المأكولات البحرية والأخشاب والمعادن، 5.3 مليار دولار في عام 2021، مقارنة بنحو 153 مليون دولار فقط في عام 1992.
4. التنافس السياسي والدبلوماسي: لا يقتصر التنافس بين اليابان والصين على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ على المجالات السابقة، وإنما يمتد أيضاً ليشمل الأبعاد السياسية والدبلوماسية. وفي هذا الإطار؛ وبهدف مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في دول جزر المحيط الهادئ، أطلقت اليابان في عام 1997 آلية اجتماع زعماء دول جزر المحيط الهادئ (PALM)؛ والتي أصبحت الأداة الدبلوماسية الرئيسية لطوكيو لبناء العلاقات مع هذه الدول.
كما عملت اليابان على زيادة تمثيلها الدبلوماسي في هذه الدول؛ إذ افتتحت في يناير 2023، بعثات دبلوماسية جديدة في كيريباتي وكاليدونيا الجديدة؛ ليصل إجمالي عدد دول جزر المحيط الهادئ التي تتمتع فيها اليابان بتمثيل دبلوماسي إلى 10 دول.
ومن جانبها، فقد نجحت الدبلوماسية الصينية في إقناع بعض دول جزر المحيط الهادئ في تحويل اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى الصين. وهذه الدول هي كيريباتي وجزر سليمان في عام 2019، وناورو في يناير عام 2024. وفي الوقت الحالي، تعترف إحدى عشرة دولة جزرية من إجمالي 14 دولة جزرية في المحيط الهادئ بمبدأ “صين واحدة”. كما لجأت الصين إلى توظيف دبلوماسية الجولات الخارجية في سياق تنافسها مع اليابان على النفوذ في تلك الدول، ومنها جولة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في أواخر مايو وأوائل يونيو 2022. هذا بالإضافة إلى عقد منتدى جزر المحيط الهادئ في فيجي عام 2022، بين 10 دول من المحيط الهادئ والصين.
سيناريوهات مُستقبلية:
سوف يستمر التنافس بين اليابان والصين لاجتذاب دول جزر المحيط الهادئ إلى جانبها، في سياق صراع النفوذ بين الدولتين في هذه المنطقة، والذي سيأخذ العديد من السيناريوهات المستقبلية؛ إذ يمكن طرح السيناريوهات الثلاثة التالية:
1. السيناريو الأول: يفترض هذا السيناريو تنامي دور ونفوذ اليابان في منطقة جزر المحيط الهادئ، وذلك انطلاقاً من إدراك طوكيو لوضع التعقيد المتزايد الذي يشوب البيئة المحيطة بتلك المنطقة؛ وهو ما يدفعها للعمل على زيادة الانخراط والتفاعل مع دول جزر المحيط الهادئ. فقد صرح رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أمام القمة، بأن بلاده تعتزم العمل على ترقية علاقاتها المستقبلية مع دول جزر المحيط الهادئ إلى مستويات أعلى؛ ومما يعضد إمكانية تحقق هذا السيناريو؛ تأييد زعماء 18 دولة ومنطقة جزرية في المحيط الهادئ لمزيد من الانخراط الياباني في تنمية المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك عقبات قد تحول دون تحقق مثل هذا السيناريو، ومنها: عدم التأييد الكامل من جانب هذه الدول لمبادرة منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة التي طرحتها اليابان. وكذلك قرار اليابان بإطلاق المياه المُشعّة المعالجة من محطة فوكوشيما دايتشي النووية في المحيط الهادئ؛ إذ لم تحظ النتائج التي أعلنتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التزام خطة التفريغ بمعايير السلامة العالمية، بتأييد جميع دول جزر المحيط الهادئ. بجانب عدم توقيع اليابان على مرفق المرونة في المحيط الهادئ، وهو مرفق تمويل إقليمي برأس مال مُستهدف قدره 1.5 مليار دولار؛ بهدف تعزيز قدرة هذه الدول على الصمود في مواجهة تأثيرات تغير المناخ.
2. السيناريو الثاني: يتمحور هذا السيناريو حول اتجاه الدور الصيني في منطقة جزر المحيط الهادئ نحو التزايد في المستقبل، وذلك في ضوء امتلاك الصين الإمكانات والقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تساعدها على تحقيق أهدافها المختلفة في سياق علاقاتها مع دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك بعض العوائق التي قد تعطل إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو، وعلى رأسها الإرادة السياسية في هذه الدول، ولاسيما تحالفها مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا؛ ما يجعلها تتردد في قبول أي دور متزايد للصين في المستقبل؛ إذ تميل معظم الحكومات في تلك الدول إلى التعاون مع الدول المجاورة أكثر من الصين. هذا بجانب انخفاض حجم التمويل الذي تقدمه الصين للمنطقة منذ عام 2016، في ضوء تركيز بكين على تعزيز التعاون الأمني مع هذه الدول، فضلاً عن وجود ثلاث دول جزرية ما تزال تعترف بتايوان، وهي بالاو وجزر مارشال وتوفالو.
3. السيناريو الثالث: تبني دول جزر المحيط الهادئ سياسة مُحايدة ترتكز على عدم الانحياز إلى اليابان أو الصين في الصراع الدائر بينهما على النفوذ في هذه الدول، ويُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً، وذلك من خلال إيلاء الأولوية لمصالحها الوطنية في سياق علاقاتها مع الدولتين المتنافستين على النفوذ في المنطقة. وذلك في ضوء كونها دولاً صغيرة، وحرصها على تجنب تكوين أي أعداء، وسعيها إلى الحفاظ على علاقات ودية مع جميع الدول.
وفي التقدير، يمكن القول إن الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تحظى بها دول ومناطق جزر المحيط الهادئ، تجعلها ساحة للتنافس بين اليابان والصين؛ إذ تسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذها ومكانتها في هذه الدول؛ بما يؤدي إلى تحقيق المصالح الجوهرية للدولتين، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. ورغم تعدد السيناريوهات المطروحة بشأن مستقبل التنافس الياباني الصيني في دول جزر المحيط الهادئ، ما بين زيادة نفوذ اليابان على حساب الصين، أو زيادة نفوذ بكين على حساب طوكيو؛ سيظل سيناريو تبني هذه الدول سياسة محايدة الأكثر ترجيحاً، في ظل حرص دول جزر المحيط الهادئ على إيلاء الأولوية لمصالحها الوطنية، وهو ما بدا واضحاً في قمة (PALM10)، التي استضافتها اليابان مؤخراً.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
اليمن ينهض .. ومعادلات النفوذ القديمة تتهاوى
يمانيون / تقرير
باتت التقارير الدولية تحاول فهم المعادلة التي أمكن لليمن النهوض بالاستناد عليها، والخروج من قيود عدوان الثمان سنوات إلى التحدي ومواجهة القوة العالمية الأمريكية، وتواصل هذه التقارير المستمرة -وبمختلف لغات العالم- الرصد والتحليل للتجربة اليمنية في الثبات أمام التحديات الكبيرة التي تقف خلفها أمريكا.
فاليمن كما تخلص هذه التناولات، لم يعد مدافعا فقط عن سيادته، بل ومهاجما ضد قوى الاستكبار التي تحاول ترسيخ معادلة الاستباحة للشعوب العربية ونهب خيراتها. وعليه صارت عمليات الرصد والتحليل تحسب خسائر هذه القوى التي تتصدرها أمريكا والكيان الإسرائيلي، سواء في استهدافها اليمن، أو بتسببها في تحركه بقواته المسلحة إلى آفاق واسعة من الاستهداف.
في كيان العدو، حدد اليمن لعملياته بنك أهداف بسقوف مفتوحة باتت محرجة للأعداء، وصلت إلى حد محاصرة الكيان، وتضييق حركة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، في مشاهد متكررة لم يشهد لها تاريخ الصراع العربي مع القوى الامبريالية مثيل.
وفي كل مرة تأتي بيانات القوات المسلحة لتؤكد على أن الفعل اليمني المساند لفلسطين مستمر بلا أي خطوط، حتى مع تنفيذ الأعداء هجمات جبانة على المنشآت المدنية في اليمن، يبقى مسار الدفاع عن النفس والانتصار لمظلومية الفلسطينيين أمرا ثابتا غير قابل للمقايضة بأي حال. هذا الحضور البارز الذي صار يمثله اليمن أصبح يدفع الكثير إلى تقزيم المستوى الذي صار عليه الأمريكي والإسرائيلي عند الحديث عن المواجهة مع اليمن وما آلت إليه أو ما تحققه من نتائج، ففي الإعلام الروسي يبرز التأكيد على نجاح اليمن في الرد وكبح جماح القوة الأمريكية بالنظر إلى الحجم وطبيعة القدرات العسكرية بين صنعاء وواشنطن.
فمجلة “فوينيه أوبزرينيه” الروسية المتخصصة في الشؤون العسكرية تصف الجيش الأمريكي بأنه “الأعظم في العالم”، لكنها أيضا ترى انتكاسته بعد أن تحرك ضد اليمن بناء على توجيهات ترامبية صارمة، وتذكر المجلة أن “ترامب كان قد أصدر أوامر في مارس الماضي بتنفيذ عملية عسكرية كاسحة ضد اليمن، تضمنت تحريك مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية إلى البحر الأحمر، بالإضافة إلى أسراب من القاذفات الاستراتيجية، بهدف تدمير البنية التحتية الصاروخية لقوات صنعاء خلال 30 يومًا.”
التحرك بهذه القوة والعتاد والخطة المدروسة والمحددة زمنيا، لا شك بأنه أعطى المعركة زخما وأهمية أكبر، ربما تعمد ترامب حينها تضخيم مناخات الحملة، بقصد إرهاب اليمنيين إلا أن الأمر ارتد عليه، فصار يمثل واحدا من مؤشرات التراجع. إذ رغم هذا الإعداد، إلا أن الزمن تمدد أكثر فأكثر حتى صار مجهولا كيف يمكن تحديد سقف له، وبالتزامن غفلت الحسابات الأمريكية عن رد الفعل اليمني، ليأتي الأمر بالفعل كاسحا، ولكن في اتجاه وضع حد للشطحات الأمريكية التي لا تزال تركن إلى تلك الهالة التي زرعتها في نفوس العالم عن قدرتها المطلقة في ضرب أي مكان من العالم وفرض إرادتها بالقوة.
ومثّل الانسحاب الأمريكي وإعلان وقف إطلاق النار شاهدا قويا للمنصات الإعلامية والبحثية على أن ما خاضته أمريكا في عدوانها على اليمن وتلقيها للضربات الانتقامية كانت بالفعل مغامرة فاشلة، والاستمرار فيها كان يمكن أن يسفر عن نسف نهائي للتأثير الذي كان يُحدثه الحضور الأمريكي، فاليمن لم يكن فقط قادرا على امتصاص آثار الهجمات العدوانية التي كشفت جُبن العدو لاستهدافه الأعيان المدنية، وإنما كان مهاجما بتكتيكات لافتة اتسمت بالتفوق، وبالسخرية من المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية.
يؤكد تقرير بريطاني نشره موقع “ميدل إيست مونيتور” أن انسحاب أمريكا من المعركة “أعاد رسمَ موقع اليمن في خارطة التوازنات الإقليمية؛ إذ أثبت اليمنُ أنه لم يعد مُجَـرّد قوة محلية يدافع عن حدوده، بل أصبح فاعلًا إقليميًّا قادرًا على التأثير المباشر في معادلات الأمن البحري والتجارة الدولية“.
التقريرُ البريطاني أكد أيضا أن “إعلانَ واشنطن وقفَ العدوان منح اليمنيين دفعةً سياسيةً ومعنويةً كبيرةً، ورسّخ صورتهم كقوةٍ ذات قدرة عالية على خوض معاركَ مركَّبة وتتحدى هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها”.
التسليم بأن المعركة جلبت لأمريكا الخزي وساهمت في ظهور قوة فاعلة، قد سرّب بدوره أيضا القناعة داخل أمريكا والكيان بأن اليمن ليس بتلك السهولة التي تصورها ترامب ومؤسسته العسكرية، فثمة قوة غير القدرات العسكرية هي التي تمنحه هذا التمكين في المواجهة وتجاوز آثار الهجمات على منشآته، والحفاظ على الروح المعنوية العالية والوثّابة، ما يجعل أمر السيطرة عليه واستعادة القدرة في التحكم بحركة الملاحة في البحر الأحمر، وتمكين العدو من مواصلة جريمة التمدد ابتداء من غزة، أمرا مستحيلا، إنها قوة الإيمان لو أنهم يفقهون.. تؤكد صحيفة “جلوبس” العبرية أن الغارات الجوية التي شنّها جيش العدو الإسرائيلي على اليمن -وآخرها الهجوم واسع النطاق على ميناءي الحديدة والصليف- لم تُضعف اليمنيين كما كان متوقعًا، بل ساهمت في تعزيز تماسكهم الداخلي. كما أكدت الصحيفة بأن “صناع القرار في “تل أبيب” ظنّوا أن استهداف البنية التحتية ومصادر الإمداد سيُضعف موقف صنعاء، إلا أن الوقائع على الأرض تكذب هذا التصور، حيث أظهرت القوات اليمنية قدرة متقدمة على تجاوز آثار القصف ومواصلة الرد بشكل منظم.” حسب الصحيفة.
ومع تلاشي أمل العدو في الحصول على نتائج، تراجعت الخيارات العسكرية، ما مثّل له نكسة أخرى، حيث ترى الصحيفة أنه “لم يعد أمامه سوى مسارين: إما التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة الجبهات بما فيها الجبهة اليمنية، أو الاستمرار في القصف الذي لا يؤدي إلا إلى تصليب الموقف اليمني وتعزيز مكانة أولئك الذين يتحدّون الغارات بدلًا من الانهيار تحتها.”
قبل أيام ايضا اعترف العميد تسفيكا حايموفيتش القائد السابق لسلاح الدفاع الجوي في “جيش” العدو الإسرائيلي بعجز “إسرائيل” عن تحقيق أي نصر عسكري على اليمن، مشبّهًا هذا العجز المستمر بفشل الاحتلال في كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس في قطاع غزة.
بل إن الهجمات العدوانية وظهور عدم جدواها سرّبت حالة من الإحباط في أوساط العدو، ما جعل التحليلات العسكرية تتجه باتجاه عكسي لتشكك في أهدافها، ولتؤكد غياب الرؤية من هذه الهجمات، ما يجعلها عقيمة وبلا جدوى.
ويرى الكاتب الصهيوني ” شموئيل إلماس” في تقريره لصحيفة “جلوبس” أن الهجوم الأخير الذي شاركت فيه 15 طائرة مقاتلة ونفذت عشرات الضربات الجوية بعد قطعها مسافة تجاوزت 2000 كيلومتر، تم تقديمه في الأوساط العسكرية الإسرائيلية على أنه “إنجاز تقني، لكنّه يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية”.
من هنا تعقدت عملية استهداف مقومات القوة اليمنية، لتتنامى أفقيا ورأسيا، بحيث أصبحت من تفرض صيغة أي اتفاق، كما لوحظ مع أمريكا التي انصاعت في اتفاق وقف إطلاق النار مع اليمن، لفصل العمليات ضد الكيان الصهيوني، وكما تجلى بإدخال القوات المسلحة لميناء حيفا ضمن قائمة الأهداف، ليصير الكيان مكشوفا من أي حماية.. يقول موقع “إسرائيل ديفينس” إن “الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية اليمنية – التي تُقدر مدياتها بين 1600 و2000 كيلومتر – ما زالت تطلق باتجاه “إسرائيل” رغم تعزيز منظومة الدفاع الجوي بمنظومة “ثاد” الأمريكية إلى جانب “آرو” الاسرائيلية”.
تناوُل التجربة العسكرية اليمنية في مواجهة الطاغوت الأمريكي لفت أنظار العالم أيضا إلى أن اليمنيين قد أخذوا على عاتقهم أن يعدّوا العدة مستفيدين من التقنية التكنلوجية، ثم بلغ بهذا العالم إلى القناعة بأن اليمن بالفعل وصل إلى مرحلة تجعل منه قوة مؤثرة عمليا، وهو ما جرى ملامسته في عميات القوات المسلحة التي ظهرت كأمر إعجازي، تقطع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ما يزيد عن الـ(2000) كيلو متر لتضرب عمق العدو، كما تتجاوز أسطورة القوة البحرية الأمريكية وأنظمتها الدفاعية، وتضرب أساطيلها، وتجبرها على الفرار، فضلا عن إسقاط الطائرات.. لذلك يرى العميد “تسفيكا حايموفيتش” القائد السابق لسلاح الدفاع الجوي في “جيش” العدو الإسرائيلي بأن القوات اليمنية حققت تقدما كبيرا في المجال الصاروخي. ويُسلِّم حايموفيتش بأن القوات اليمنية أصبحت تمتلك قدرة تصنيع ذاتي لصواريخ باليستية متقدمة تُطلق اليوم من الداخل اليمني نحو أهداف في عمق الأراضي المحتلة.. ويزيد “حايموفيتش” على ذلك بالتأكيد على أن هذه الصواريخ لم تعد مستوردة أو تعتمد على دعم خارجي مباشر، بل تُنتج محليًا بعد سنوات من التعلم والتطوير الذاتي
المصدر / موقع أنصار الله