الزاوية القادرية.. مقر المتصوفة الأفغان في القدس
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
الزاوية القادرية من المباني القليلة في القدس التي حافظت على تخطيطها ونسيجها المعماري الأصليين دون أي تغيير جوهري، واستمرت في وظيفتها الأصلية. وقد وُقفت على هذه الزاوية أوقاف كبيرة في العهد العثماني.
وكان مقهى الجنينة في محلة القطانين وقفا على الزاوية، وعَمل فيها عدد كبير من الموظفين، وارتادها العديد من سكان مدينة القدس والوافدين إليها.
تقوم على رعاية الزاوية عائلة الأفغاني منذ قرون، وتسهر على تسيير وتنمية الأوقاف الخاصة بها، ورعاية وخدمة مريديها وضيوفها.
أنشأها محمد باشا، محافظ القدس الشريف في العهد العثماني عام ( 1043هـ/ 1633م)، وكان ممن أولوا الطرق الصوفية اهتماما كبيرا. وأوقفها على أتباع الطريقة القادرية حسب ما يُشير إليه نقش تأسيسي في أعلى مدخلها.
وينص النقش على ما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم هذه زاوية مولانا وسيدنا قطب العارفين وسلطان الأولياء الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره العزيز. سنة 1043هـ/ 1633م" .
ويطلق على الزاوية أيضا اسم الزاوية القادرية نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، مؤسس الطريقة الصوفية القادرية في العالم الإسلامي، ويتم تعيين شيخ وإمام الزاوية بأمر من القاضي، وبطلب من جماعة الصوفيين والدراويش الموجودين في الزاوية، والذين لديهم الحق في طلب تغيير شيخ وإمام الزاوية إذا رأوا منه أي تقصير حسب ما ورد في سجلات المحكمة الشرعية في القدس.
وذكر الشيخ الصوفي عبد الغني النابلسي أثناء رحلته إلى القدس في عام 1690م عند زيارته للزاوية القادرية أن شيخها آنذاك كان اسمه موسى المغربي.
وتسمى أيضا الزاوية الأفغانية بسبب إقامة مجموعة من أفغان القدس بها في العقود الماضية، وتولى بعضهم إدارتها. وقد توارث مشيختها جماعة من المسلمين الأفغان منذ أواخر العهد العثماني، وحوّلوا التصوّف فيها إلى طريقة "ابنِ عُلَيْوةَ" أحمد بن مصطفى العلوي (ت: 1934م)، مؤسس الطريقة العلاوية الشاذلية.
وكان من بين المشايخ القدامى الذين مروا على الزاوية الحاج عبد الله بن رحمدل شاه الأفغاني، وهو شيخ من أصل تركي ولد في مدينة قره باغ غزني في أفغانستان عام 1890، وتولى مشيخة الزاوية الأفغانية بمدينة القدس عام 1938 وترأسها حتى تُوفي عام 1979.
سكنت أسر من عائلة الأفغاني الموجودة في القدس مدة طويلة داخل الزاوية، لكنها قررت تفريغها للتصوف، فسكنت في منازل البلدة القديمة القريبة منها.
وخُصصت الزاوية لاستقبال وإيواء الحجاج الأفغان الذين كانوا يتوافدون بالآلاف سنويا للإقامة في القدس في طريق ذهابهم أو عودتهم من فريضة حج البيت الحرام في مكة المكرمة.
ومثل كثير من المسلمين في بقاع الأرض، جعل الأفغان مدينة القدس محطة لهم في رحلة العبادة، كما خصصت عدد من الزوايا للشعوب الإسلامية الأخرى في زمن الدولة العثمانية.
تقع الزاوية الأفغانية في حارة الغوانمة، في الصّف الشمالي من طريق برقوق، الذي يصل بين باب الغوانمة -أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك– وطريق الواد، وجنوب غربي الزاوية النقشبندية.
مرافق الزاويةللزاوية القادرية واجهتان خارجيتان: غربية وجنوبية. الواجهة الغربية بسيطة البناء تتكون من مجموعة من المداميك الحجرية المهذبة متوسطة الحجم، ولم يُفتح فيها سوى شبابيك صغيرة لتأمين إضاءة طبيعية لغرف الزاوية، والواجهة الجنوبية هي الواجهة الرئيسية، وفُتح فيها المدخل الوحيد للزاوية.
يرتفع مدخل الزاوية 3 درجات عن مستوى أرضية الشارع، ويحد المدخل من كل جانب مصطبة حجرية. وفُتح باب الزاوية داخل حنية (قبة مقوسة) متراجعة يعلوها عقد مدبب.
وثبِّتت في صدر هذا العقد لوحة حجرية نقشت فيها كتابة بخط النسخ تتكون من 4 أسطر، ويفصلها عن بعضها خراطيش بسيطة التكوين. ويضم هذا النقش اسم الزاوية وطريقتها الصوفية واسم صاحب الطريقة وتاريخ البناء.
ويؤدِّي مدخل الزاوية إلى ممر قصير طوله 1.9 متر وعرضه 1.5 متر، معقود بقبو برميلي، ويقود إلى ساحة مكشوفة مستطيلة الشكل تبلغ مساحتها حوالي 400 متر مربع.
الجزء الأكبر من هذه الساحة مزروع بأصناف متعددة من الأشجار والنباتات، مما يتفق والوصف الذي ورد في الوقفية قبل 4 قرون، ويحيط بهذه الساحة من الجنوب والغرب 11 خلوة أو غرفة صغيرة للصوفية، تتشابه في شكلها وتخطيطها لكنها تختلف في مساحاتها.
لكل خلوة باب وشباك صغير يطل على الساحة، تقع في الجهة الشمالية من الساحة المكشوفة مرافق الزاوية وقاعة الاجتماعات الخاصة بالصوفية، وهي مكونة من طابقين: الأرضي أصلي، والعلوي أضيف لاحقا واستخدم سكنا لشيخ الزاوية.
تضم الزاوية مسجدا يقع إلى الشرق من المدخل ويمكن الوصول إليه بواسطة سلم، وهو بذلك من المساجد المعلقة. وتخطيطه مستطيل يتألف من قاعة للصلاة قسمت بواسطة عقد مدبب إلى قسمين، غطي كل قسم من القاعة بقبة ضحلة، وفُتح في جدران القاعة 12 شباكا لإدخال النور والهواء إليها.
احتفالات وطقوسوتقيم الزاوية الأفغانية 3 احتفالات دينية سنويا بمناسبة رأس السنة الهجرية وذكرى مولد الرسول الشريف وذكرى الإسراء والمعراج، وتفتح أبوابها طيلة شهر رمضان المبارك للمصلين والمعتكفين.
كما يحافظ المتصوفون على إقامة نشاطين دينيين أسبوعيا ليلة الجمعة وليلة الاثنين، إذ يلتقون مع شيخ الزاوية ويُنظّمون حلقات للذكر والأناشيد الدينية والمدائح النبوية والدروس العلمية، ويحرص المشاركون فيها على خصوصية هذه الحلقات إذ يُمنع خلالها التصوير واستقبال وسائل الإعلام.
يتراوح عدد المتصوفين في الزاوية بين 200 و300، ويصل عدد المشاركين في الاحتفالات السنوية داخلها إلى آلاف، وتعتبر عائلة الأفغاني المسؤولة الوحيدة عن هذه الزاوية الوقفية، واستمر مشايخ العائلة على رعاية المكان وإعماره وإشغاله جيلا بعد جيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی القدس
إقرأ أيضاً:
كاتب أميركي: 4 أسئلة حاسمة على ترامب التفكير فيها قبل الضربة
يقول الكاتب دانيال بايمن إن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يجيب على 4 أسئلة رئيسية قبل الإقدام على أي عمل عسكري ضد إيران.
وحذر في مقال له نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية من أن أي خطة لضرب إيران تتطلب تفكيرا عميقا حول التكاليف والمخاطر، مشيرا إلى أن ترامب منح نفسه مهلة أسبوعين مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: أوكرانيا تلجأ لحل غير تقليدي لتعويض النقص بالجنودlist 2 of 2إعلام إسرائيلي: نفتقر لإستراتيجية خروج وإيران تجيد التصويبend of listوفيما يلي الأسئلة الأربعة التي يعنيها الكاتب:
1. ما الهدف من العملية الأميركية؟ذكر بايمن أن الأهداف المحتملة تتراوح بين محدودة وواسعة النطاق. والهدف المباشر والأكثر إلحاحا هو تدمير البرنامج النووي الإيراني أو عرقلته بشكل كبير، خاصة أن إسرائيل رغم نجاحها في ضرب منشأة "نطنز"، لم تمسّ منشأة "فوردو" شديدة التحصين.
ويمكن للولايات المتحدة، وفقا للكاتب، أن توسّع أهدافها لتشمل تقويض النظام الإيراني نفسه، من خلال ضرب الجيش والبنية التحتية الإيرانية، ما قد يزيد الضغط على طهران لتقديم تنازلات نووية وربما وقف دعمها للجماعات الوكيلة.
أما الخيار الأقصى، يقول الكاتب، فهو تغيير النظام، وهو خيار لم يُعلن رسميا، لكنه مطروح ضمنيا، مضيفا أن تنفيذ مثل هذا الهدف دون غزو شامل سيكون صعبا جدا، وغالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية.
2. كيف ترد إيران؟
ويرجّح الكاتب أن ترد إيران على أي هجوم بمحاولة استهداف أميركيين، سواء عبر وكلائها في الشرق الأوسط أو من خلال عمليات "إرهابية" دولية، مشيرا إلى أن ذلك عمل قد يوحّد العالم ضدها. وقد تشمل الردود أيضا مهاجمة حلفاء واشنطن في المنطقة، خصوصا من يساهمون في تسهيل الضربات.
ورغم أن بعض وكلاء إيران قد تعرّضوا لضربات قوية ويبدون حذرين حاليا، فإن إيران قد تدفعهم لتنفيذ ردود رمزية على الأقل.
ويستطرد بايمن بأن أحد الخيارات الخطيرة أيضا هو استهداف تدفق النفط في الخليج، رغم أن ذلك قد يضرّ باقتصاد إيران نفسه ويوحّد خصومها ضدها، وقد تكتفي طهران بالتهديد، مما قد يرفع أسعار النفط مؤقتا ويضغط اقتصاديا على الأسواق العالمية.
إعلان 3. ما العواقب طويلة الأمد؟ويحذر الكاتب أيضا من أنه حتى لو انتهت الحرب المفتوحة في غضون أسابيع، فإن تبعاتها قد تمتد لسنوات. ومن أبرز المخاوف إمكانية تسريع إيران جهودها نحو امتلاك سلاح نووي، خاصة إذا انسحبت من معاهدة عدم الانتشار النووي وبدأت برنامجا سريا خارج رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن الصعب ضمان رصد جميع أنشطة التسلّح، حتى لو كانت لدى إسرائيل وأميركا قدرات استخباراتية متقدمة، يقول بايمن.
وكذلك، قد تشن إيران هجمات انتقامية بعد انتهاء الحرب بمدة طويلة، مثلما حاولت اغتيال جون بولتون بعد عام من مقتل قاسم سليماني القائد السابق لـفيلق القدس الإيراني.
4. ما التكاليف البديلة لهذه العملية؟
ويؤكد الكاتب أن تركيز الولايات المتحدة على إيران يُضعف أولوياتها الإستراتيجية في آسيا، حيث يجب أن تركّز على مواجهة الصين، كما أن الموارد العسكرية والوقت السياسي الذي تُخصصه واشنطن لأزمة إيران، يستهلك ما هو مخصص لقضايا كبرى مثل تايوان أو بحر جنوب الصين. أما الحرب في أوكرانيا، فقد أصبحت شبه منسية في ظل الأزمة الإيرانية المتصاعدة.
ويلفت بايمن الانتباه إلى أن الحرب مكلفة أيضا من الناحية المالية، فبينما كلّف التدخل ضد الحوثيين في اليمن أكثر من مليار دولار، فإن أي عملية ضد إيران ستكون أكثر تعقيدا وتكلفة، كما ستضطر واشنطن إلى استنفاد علاقاتها وتحالفاتها لتأمين الدعم، ما قد يترك تأثيرا على ملفات أخرى.
وأضاف بايمن أنه إذا تبيّن لترامب أن الأهداف العسكرية قابلة للتحقيق، وأن الرد الإيراني يمكن احتواؤه، وأن العواقب طويلة الأمد ليست مدمرة، وأن التكاليف البديلة ليست باهظة، فقد يُعد الهجوم على إيران خيارا إستراتيجيا مبررا.
وختم بأن النجاح لن يُقاس بالضربات الأولى، بل بوجود خطة واضحة لتحويل المكاسب الميدانية إلى نفوذ سياسي طويل الأمد، مع إدراك الرأي العام والكونغرس لحجم التضحيات المطلوبة، فالحرب مع إيران، إن بدأت، لن تكون لحظة تكتيكية عابرة، بل بداية لإستراتيجية ممتدة لسنوات.