مساجد تحت الحصار وطعن بالشوارع .. ماذا يحدث في بريطانيا؟
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
سرايا - قالت صحيفة إندبندنت إن أعمال الشغب في مدن مثل ليفربول وليدز وبلفاست تحولت إلى حالة من الفوضى خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما اشتبك بلطجية اليمين المتطرف مع شرطة مكافحة الشغب، ووقعت حوادث متعددة من الاعتداءات على الأقليات العرقية في الشوارع، في حين أصدر رئيس الوزراء كير ستامر تحذيرا صارما للجناة، ووعدهم بأنهم سوف يندمون على العنف.
ووصفت الصحيفة -في تقريرين منفصلين- حلقة العنف التي اجتاحت المملكة المتحدة بأنها أعمال شغب عنصرية، وقالت إن ادعاءات كاذبة انتشرت على الإنترنت أشعلت المشاعر المعادية للإسلام والعنصرية، وذلك بزعمها أن المشتبه به (17 عاما) من لانكشاير، كان طالب لجوء مسلما وصل إلى المملكة المتحدة في قارب.
واستعرضت الصحيفة -في تقرير لنادين وايت- بعض الحوادث العنيفة التي واجهتها الأقليات العرقية في بريطانيا هذا الأسبوع، حيث أشعل حشد من أقصى اليمين النار في فندق في روثرهام يستخدم لإيواء المهاجرين، واشتبكوا مع الشرطة وسمعت بينهم هتافات باسم الناشط المناهض للمسلمين ومؤسس رابطة الدفاع الإنجليزية اليمينية المتطرفة تومي روبنسون.
وأظهرت لقطات صادمة -حسب وصف الصحيفة- رجلا أسود يتعرض للهجوم من قبل مجموعة كبيرة من الرجال البيض المتطرفين في حديقة مانشستر، أسقطوه على الأرض وركلوه ورماه رجل ملثم بسياج معدني، ولكن الشرطة شكلت دائرة حوله لحمايته من الغوغاء.
وفي حادثة منفصلة في نفس المدينة، تعرضت 3 فتيات مسلمات للبصق ولمحاولات تمزيق حجابهن، وكتب أحد المواطنين على الإنترنت "اضطر والدي إلى اصطحاب 3 فتيات مسلمات إلى المنزل من الاحتجاج في مانشستر لأن الأوغاد كانوا يبصقون في وجوههم ويحاولون تمزيق حجابهن"، وأضاف "أنتم حثالة عنصرية فظيعة".
وفي محطة قطار ليفربول تعرض رجل مسلم للطعن، كما تعرض سائق تاكسي لهجوم في منطقة هال ووجهت إليه إساءات عنصرية، وسُمع رجل في اللقطات التي أظهرت الحادث وهو يقول "تعالوا يا شباب، دعونا نحطمها"، يعني سيارة الضحية.
وكتبت مقدمة البرامج في هيئة الإذاعة البريطانية مونيكا بلاها على حسابها بمنصة إكس (تويتر سابقا) "سائقو سيارات الأجرة الآسيويون في "هال" مستهدفون عنصريا أيضا. أُجبر بعضهم على ترك العمل في أكثر أيام الأسبوع ازدحاما بسبب الإساءة والتخريب".
وتعرض رجل أسود للهجوم في بريستول في لقطات صادمة تمت مشاركتها على إكس يوم السبت الماضي، وهرعت شرطة مكافحة الشغب إلى مكان الحادث بالهراوات عندما كان الرجل يحاول الدفاع عن نفسه.
وأظهر مقطع فيديو آخر تم تداوله عبر الإنترنت مجموعة من الركاب السود يختبئون في حافلة في سندرلاند لتجنب حشد غاضب، وأفادت صحيفة ذو ميرور البريطانية أن مثيري الشغب في سندرلاند ألقوا الحجارة على ممرضات هيئة الخدمات الصحية الوطنية الفلبينيات اللائي كن في طريقهن إلى العمل أثناء اندلاع الفوضى.
من ناحية أخرى، حاصر مثيرو الشغب مسجد ساوثبورت، مما أجبر المصلين فيه على الاختباء خوفا على سلامتهم، وفي أعقاب ذلك، اضطرت مئات المساجد إلى تكثيف تدابيرها الوقائية تحسبا لمزيد من أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد، وفقا للمجلس الإسلامي في بريطانيا.
في هذه الأثناء اتخذ رئيس الوزراء كير ستارمر موقفا صارما وأصدر تحذيرا لبلطجية أقصى اليمين العنصريين الذين يثيرون أعمال شغب في المدن والبلدات البريطانية، مؤكدا "ضمان" مواجهتهم للعدالة السريعة و"القوة الكاملة للقانون"، وقال إنهم "سوف يندمون" على عنف الغوغاء الذي يمارسونه.
وقال ستارمر في بيان لأولئك الذين يقفون وراء الكواليس المروعة في هال وهاليفاكس وليفربول ولندن وساوثبورت وروثرهام "أضمن لكم أنكم ستندمون"، وبالفعل تم القبض على أكثر من 100 شخص في أعقاب الاضطرابات العنيفة يوم السبت الماضي.
وكان بلطجية عنيفون يرتدون أقنعة ويضعون أعلام القديس جورج -حسب وصف الصحيفة- قد ألقوا الكراسي وأشعلوا طفايات الحريق على الشرطة خارج فندق هوليداي إن إكسبريس الذي يؤوي بعض المهاجرين، وهتف المشاغبون المناهضون للهجرة "أخرجوهم"، "لم يعد مرحبا بكم بعد الآن" وشجعوا بعضهم على مهاجمة الفندق.
وحملت مجموعة أخرى من الشباب لافتة كتب عليها "إيقاف القوارب يعني إيقاف الطعنات" وسمعت هتافات مسيئة أخرى تستهدف المسلمين والمهاجرين، وحطمت المجموعة النوافذ للدخول إلى الفندق في مرحلة ما، قبل إشعال النار في صناديق القمامة والأثاث.
وبعد أن أدلى ستارمر ببيانه مباشرة، كشفت وزارة الداخلية عن تقديم دعم إضافي لحماية المساجد وغيرها من النقاط الساخنة المحتملة في جميع أنحاء البلاد، وقال رئيس الوزراء إنهم "ليسوا متظاهرين" وأوضح أن سلوكهم العنصري "لن يتم التسامح معه".
وذكرت الصحيفة أن العنف ضرب المدن والبلدات في جميع أنحاء المملكة المتحدة بعد استخدام معلومات مضللة لإشعال التوترات في أعقاب مقتل 3 فتيات في ساوثبورت، حيث حاصرت حشود اليمين المتطرف مسجدا هناك قبل إشعال النار في سيارة للشرطة.
وفي حديثها عن المشاهد المروعة في روثرهام، قالت النائبة المحلية سارة شامبيون "أنا قلقة للغاية بشأن تصاعد العنف الذي نشهده في هوليداي إن، الأشخاص الذين يتسببون في الضرر ويهاجمون الشرطة لا يمثلون مدينتنا وأنا أشعر بالاشمئزاز من تصرفاتهم. هذه فوضى وترهيب إجرامي وليست احتجاجا".
ومن جانبها أعطت وزيرة الداخلية، إيفات كوبر، الضوء الأخضر للشرطة لاستخدام تدابير صارمة، وقالت "إن الهجوم الإجرامي العنيف على فندق يؤوي طالبي اللجوء في روثرهام أمر مروع للغاية".
وأطلقت الحكومة خطة أمنية وقائية للمساجد بقيمة 29.4 مليون جنيه إسترليني ستساعد المدارس الإسلامية أيضا -حسب الصحيفة- ويعني ذلك أنه يمكن تقديم أفراد أمن إضافيين للمساجد المعرضة لخطر الاضطرابات العنيفة، مما يوفر للمجتمعات الدعم الحيوي والطمأنينة.-(وكالات)
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
مساجد زنجبار والقوة العُمانية الناعمة
ليس بعيدًا عن مسجدَيْ السيد حمود وماليندي، اللذين تحدثتُ عنهما في المقال السابق، هناك مسجد فرضاني «مسجد الجمعة» المطل على الميناء، وهو الذي أعاد بناءَه الشيخ سعيد بن سيف المحرمي الحارثي، بعد أن تهدّم بسبب إعصار وقع في أبريل من عام 1846. يقول الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي في كتابه «البوسعيديون حكام زنجبار»: «رغم أنّ الشيخ سعيد كان يعاني من مرض الشلل في بعض الأوقات، إلا أنه كان يُصرُّ على أن يكون موجودًا أثناء العمل في المسجد، وكان يتنقل محمولًا».
ويضيف أنّ الشيخ المحرمي هو الذي أنشأ أيضًا في الوقت نفسه المسجد الكبير المسمى «جيثاليلا»، وقد أعَدّ لنفسه مقرين أحدهما في مسجد الجمعة، والآخر في مسجد «جيثاليلا»، يراقب العمل في المسجدين. وأفادني الشيخ عبدالله بن حميد البحري عن هذه التسمية أنّ: «جيثاليلا هو اسم تاجر هندوسي كان يعيش بجوار المسجد، ونسب الناس المسجد إليه تسميةً فقط؛ والأصل أنّ اسم المسجد هو مسجد المحرمي. لكن حُوِّل الاسم عام 1986، إلى جامع الاستقامة».
ومن المساجد التاريخية في «المدينة الحجرية»، مسجد «بني رواحة»، وكان يؤم المصلين فيه الشيخ سالم بن محمد الرواحي، وبعد صلاه الظهر كان يتبعه أصحاب الحاجات، إذ كان مقصدًا للعامة في حلِّ مشكلاتهم. وتميّز المسجد منذ بداياته بإقامة حلقات درس بين صلاتي المغرب والعشاء، اشتملت على تعليم القرآن، ومن يختمه ينتقل إلى تعلُّم كتاب «تلقين الصبيان» للإمام نور الدين السالمي، ثم كتاب «الوضع - مختصر في الأصول والفقه»، لأبي زكريا يحيى بن الخير بن أبي الخير الجناوني، وكان ممن يصلي فيه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الذي كان يقرأ كتابًا ويُناقَش فيه.
ومن الكتب التي قرأها للحضور كتاب «تحفة الأعيان في سيرة أهل عُمان» للإمام السالمي -كما أخبرني بذلك الشيخ سعود بن حمد الرواحي- وتعاقب على المسجد أكثر من إمام، منهم الشيخ سعيد بن محمد الكندي، الذي عمل على تدريس القرآن الكريم، وعاد إلى عُمان بعد الانقلاب فعُيِّن قاضيًا، وكذلك الشيخ شامس بن عبد الله بن شامس الرواحي. ومن الأئمة المتأخرين للمسجد الراحل سالم بن محمد البلوشي، من قريات، والذي عاش فترة في زنجبار قبل أن يعود إلى عُمان.
من المساجد التي زرناها في المدينة الحجرية مسجد اللمكي الذي بناه الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي، وزرنا قبره في ساحة بيته. كما زرنا مسجد المنذري الذي بناه الشيخ محمد بن سيف المنذري عام 1866، وقبره هو ابنه في الساحة الأمامية للمسجد. وهناك أيضًا مسجد رجب في منطقة «ماجستك» والذي بناه رجب عبدالرزاق لوغان عام 1896، أواخر حكم السلطان حمد بن ثويني وبداية حكم السلطان حمود بن محمد. وما زالت الصلوات تقام في هذه المساجد حتى الآن.
من المساجد القديمة في زنجبار، مسجد كيزيمكازي في منطقة ديمباني، حيث تشير الحفريات إلى أنّ هذا المسجد هو الأقدم الذي لا يزال قيد الاستخدام في زنجبار، ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 500 هجرية، 1107 ميلادية، وأعيد بناؤه بشكل كبير عام 1184 هجرية، 1770 ميلادية، باستخدام أساس المسجد الأصلي والجدار الشمالي الذي كان لا يزال قائمًا. يحتوي الأساس على محراب صلاة مع نقش مكتوب بأحرف كوفية على اليسار، تخلد ذكرى بناء المسجد على يد الشيخ أبي موسى الحسن بن محمد، وهناك نقش آخر قريب على اليمين مكتوب باللغة العربية، ويذكر تاريخ إعادة البناء. وللمسجد بئر ماء يستفيد منها المصلون للوضوء، كما أنّ هناك عدة قبور، من بينها -حسبما هو مكتوب- «قبر الشيخ علي عمر، والسيد عبدالله سيد بن شريف، وموانا بنت ميمادي، وابنها مفعول علي عُمر»، والمسجد في منطقة تبعد عن المدينة الحجرية بسبعين كيلومترا.
لا يمكن لنا ونحن نتحدّث عن جوامع ومساجد زنجبار، إلا أن نتطرق إلى أحدثها، وهو جامع زنجبار الذي بُنِي على نفقة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في منطقة «مازيزيتي» على الشارع العام؛ وهو معلم إسلامي ومنارة ثقافية لما يحتويه من مكتبة ضخمة، ويشغل مساحة تزيد على خمسة عشر ألف متر مربع، ويشتمل على مرافق متعددة في مقدمتها قاعة الصلاة الرئيسية التي تتسع لألفٍ وثلاثمائة مصلٍّ، ومصلى خارجي، ومصلى للنساء يَسَع ثلاثمائة مصلية، كما جُهِّز الجامع بفصول دراسية ومختبر للغات والحاسب الآلي، ويضم كذلك قاعة متعددة الأغراض ومكتبة، ويتميّز بمعماره الفريد الذي يمزج بين الأصالة والمعاصرة، وتتجلى العمارة العُمانية والأفريقية في تصاميمه، حيث تبرز النقوش الإسلامية التي تزيِّن جدرانه وردهاته، وحاليًّا يتميز الجامع أنّ معظم مسؤولي زنجبار يصلون فيه، وقد أدينا هناك صلاة الجمعة يوم التاسع من مايو 2025، وممّا لاحظتُ أنّ الجامع بحاجة إلى بعض الصيانة، ولا بأس أن يخطب فيه -بعض الجمع- أئمة عمانيون ممن يتكلمون اللغة السواحلية.
وجامعُ زنجبار يقودني إلى الحديث عن القوة العُمانية الناعمة الفاعلة في الشرق الأفريقي كله، ألا وهي جمعية الاستقامة الخيرية الدولية؛ فهي تشرف على ثلاثة وخمسين مسجدًا في زنجبار وحدها، منها ثلاثة عشر جامعًا تقام فيها صلوات الجمعة والأعياد. وحسب إفادة الشيخ عبدالله البحري أحد نشطاء الجمعية في زنجبار وإمام مسجد السيد حمود، فإنّ الجمعية «تشرف على إدارة جزء من هذه الجوامع والمساجد إشرافًا تامًّا، وتبقي بقية المساجد تحت إشراف أصحابها، لكن بالتعاون مع الجمعية في بعض الجوانب، مثل توفير الأئمة والمدرسين، وإعداد خُطب الجمعة والعيدين، وتوفير المصاحف والكتب الدينية والسجاجيد، وكذلك توفير التمور أيام شهر رمضان». وما لفت نظري أنّ ثقافة حضور النساء للمساجد في زنجبار معدومة على ما يبدو، إذ تخلو معظم المساجد من مصليات النساء.
في الواقع لم يقتصر دور المساجد في زنجبار على إقامة الصلوات فقط؛ فقد اضطلعت بدور طليعي في بث العلم، وأخرجت علماء كثيرين، ومن تلك المساجد مسجد «بني رواحة» في ماليندي، الذي اهتم بالعلم وكان يُنظِّم حلقات لقراءة وتدارس علم الفقه والعقيدة.
والحديث عن مساجد زنجبار لا يخلو من المفارقات، بمعنى أنّ بعض المساجد تحتاج الآن إلى صيانة ومتابعة من أبناء وأحفاد بانيها، ومن هذه المفارقات أنّ مسجد الشيخ ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي وهو مستشار السيد سعيد، رمّمته المهندسة فاطمة كارة وهي مسلمة هندية، وعند زيارتنا للمسجد، طلب القائمون عليه مساعدة لدفع فاتورة الكهرباء، وهو مبلغ زهيد. أما مفارقات مسجد السيد حمود البوسعيدي في «بوبوبو»، فقد قال لنا بعض المصلين إنّ المسجد من دون ماء الآن، وإنّ كثيرًا من المصلين تركوه لهذا السبب.
وقلتُ لنفسي: «سبحان الله.. هذا الرجل الذي أنفق ماله في سبيل الله، لا يجد مسجدُه الآن ماء للوضوء!».
سبق لي أن تحدّثتُ عن التنوع المذهبي في زنجبار، وهكذا فإنّ الزائر يرى في حي واحد عدة مساجد، في دلالة مهمة على التعايش الديني والمذهبي؛ ففي حي ماليندي -مثلًا- تجد مساجد للإباضية وللسُنّة، وعلى مقربة من ذلك وأنت تتجول في طرقات الحي، ستشاهد مسجدًا للخوجة الإثني عشرية، وبقربه مسجد للبهرة، وآخر للإسماعيلية، وغيره للآغا خان.
ولم يقتصر التسامح والتعايش بين أبناء الدين والواحد فقط؛ بل شمل الأديان كلها؛ فبرغم أنّ غالبية سكان زنجبار مسلمون، وبنسبة تزيد على 95%، فإنّ هناك في المقابل كنائس لمختلف الطوائف النصرانية، ومنها الكنيسة الأنجليكانية الموجودة داخل ما يسمى بـ«سوق العبيد»، وكنيسة أخرى كاثوليكية ضخمة، وهناك معبد للهندوس، الذين رغم أنّ عددهم قليل، فإنهم موجودون في الجزيرة من مئات السنين، وكما أوضح لنا دليلنا السياحي أنّ «لهم في الجزيرة ستة معابد قديمة، برغم قلة عددهم، وأنّ هناك عددًا أقل من طائفة السيخ ولهم معبد قديم في الجزيرة». إنّ كثرة المساجد في زنجبار -خاصة في المدينة الحجرية- وتنوعها لهو شاهد على درجة كبيرة من التسامح والتعايش بين أهل الجزيرة تحت حكم العُمانيين، ممّا يدحض أكاذيب المرشدين السياحيين وكتب الغربيين المغرضين التي تحاول النيل منهم.