ربما يثير هذا السؤال التعجب لدى الكثيرين ولسان حالهم يقول: كيف نتشكك أو نسأل عن وجود فن موسيقي في عالمنا العربي ونحن نبدع الموسيقى منذ زمن بعيد، وكان لدينا دائمًا أمهر العازفين، بل لدينا معاهد متخصصة في الموسيقى تحفل بأساتذة مرموقين ويتخرج منها مئات الموسيقيين، وعلى رأسها المعهد العالي للكونسيرفاتوار؟ غير أننا لا ينبغي أن نندهش عندما نعرف أن هذا السؤال نفسه (هل لدينا فن موسيقي؟) هو سؤال قد سأله أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا منذ ستين عامًا في كتاب صغير الحجم ولكنه عظيم الشأن بعنوان «التعبير الموسيقي».
عندما نتحدث عن فن الموسيقى هنا، فإننا نعني الموسيقى الخالصة pure music أو موسيقى الآلات instrumental music، أي الموسيقى الصادرة عن الآلات الموسيقية وحدها والتي تُكتَب خصيصًا لها، وهذه هي أيضًا الموسيقى التي يرى فؤاد زكريا أننا في الشرق نفتقر إليها باعتبارها فنًّا مستقلًا بذاته لا يحتاج إلى أي وسيط آخر غير لغة الموسيقى ذاتها؛ فالموسيقى الشرقية عنده يغلب عليها الطابع الغنائي، وألحان هذه الموسيقى فقيرة سطحية وتخلو من الهارموني. وهو في ذلك يقول: «الموسيقى الشرقية لا تملك بذاتها أية قدرة تعبيرية، وإنما تكاد تجربتنا الموسيقية كلها تنحصر في الأغاني وحدها. فإذا بحثت عن موسيقى خالصة، فلن تجد إلا محاولات بدائية قصيرة خفيفة، لا تعبّر عن شيء، وليس لها شأن يُذكر بجانب الأغاني، ولا تؤثر على الجمهور أدنى تأثير رغم سهولة فهمه لها؛ إذ إنها من دون كلمات الأغنية عاجزة تمامًا» (التعبير الموسيقي، ص. 68). بل إنه زاد على ذلك، فرأى أن معاني هذه الأغاني تتسم برومانتيكية ساذجة، واهتمام مفرط بمشكلة الحب وحالة التأوه والتباكي.
والواقع أن الحكم القاسي الذي وصف به فؤاد زكريا حال الموسيقى لدينا بقوله: «ليس لدينا فن موسيقى بالمعنى الصحيح» هو حكم يُسَاء فهمه عادةً كما ذكر هو نفسه في حواري معه المنشور في مجلة إبداع (في يونيو 2000)؛ فهو يقصد كما يصرّح بذلك: أن لدينا موسيقى ولكن ليس لدينا موسيقى خالصة قادرة وحدها على الاستغناء عن الكلمات؛ لأن كل ما يُسمى عندنا بالموسيقى هو عزف مصاحب للكلمات، والناس لدينا لا تتذوق إلا هذا النوع من الموسيقى؛ وبالتالي فهي لا تعرف الموسيقى الخالصة وغير قادرة على تذوقها. وعندما قلت لفؤاد زكريا -في حواري معه- إنني أعرف مؤلفين موسيقيين قد أبدعوا موسيقى خالصة، ومنهم صديقي المبدع راجح داود الذي قدّم أعمالًا تنتمي إلى الموسيقى الخالصة المطبوعة بروح شرقية تدخل في بنائها مقاطع مكتوبة لآلة العود؛ قال فؤاد زكريا: إنني للأسف لا أعرف موسيقى راجح داود، ولكن لنفرض أن مثل هذه الأعمال على مستوى عال جدًا من الإتقان، هل تستطيع هذه الأعمال أن تشق طريقها وسط الجماهير. هذا لا يمكن أن يحدث إلا عندما يتحوّل هذا الإنتاج الفني إلى ظاهرة، بحيث تستطيع أن تغيّر من وعي الناس وأذواقهم.
والحقيقة أنني لا أجد في مُجمل الرؤية السابقة ما يمكن أن نختلف عليه إذا كنا بصدد الكلام عن الموسيقى الخالصة أو موسيقى الآلات كما تتمثل في قوالب موسيقية معيّنة كالسيمفونية والكونشرتو والصوناتا، إلخ. ومع ذلك، فإننا نلاحظ أن هذه القوالب الموسيقية ليست هي الشكل الوحيد لتطوّر الموسيقى؛ فلقد تطوّرت وسائط التعبير في الموسيقى بحيث أصبحت متداخلة: فالموسيقى ذات البرنامج program music، ومنها -على سبيل المثال- «موسيقى الفيلم»، تنطوي أحيانًا على إبداع فن موسيقي خال، رغم أنها موسيقى قد تم تأليفها أصلًا من أجل فيلم ما، أي لكي تكون مصاحبة لأحداث فيلم ما، بل إنها قد ترتبط ارتباطا حميمًا -بذلك الفيلم- ومع ذلك فإن مثل تلك الموسيقى يمكن عزفها منفصلة بمنأى عن الفيلم الذي اقترنت به من خلال أعظم الفرق الأوركسترالية في العالم، ومن ذلك -على سبيل المثال- أعمال المؤلِّف الموسيقي الفذ إنيو موريكوني Ennio Morricone.
ومثل هذا يمكن أن يُقال عن بعض الأغاني الفريدة في الغرب والشرق التي يمكن عزف موسيقاها وحدها بمنأى عن الكلمات، ومع ذلك فإنها تلقى إعجاب الناس من مشارب وبيئات مختلفة حول العالم؛ فالموسيقى عندئذ تكون خالصة قادرة بذاتها على التعبير، حتى إن كانت تُوصف أحيانًا بأنها موسيقى خفيفة. وإن تساءلنا عن أمثلة واضحة على ذلك في موسيقانا الشرقية الغنائية، فيكفي أن نتأمل تأليف المقاطع الموسيقية الطويلة في بعض روائع الأغاني التي ألّفها عظام من أمثال: السنباطي وعبدالوهاب وفريد، ويكفي أن نتأمل بعض الجُمل الموسيقية البديعة لدى الموجي وكمال الطويل والرحبانية، وهي جُمل موسيقية تامة، وإن كانت متسلسلة، وهي تتسم بطابع من الرومانتيكية، ولكنها ليست رومانتيكية ساذجة بأية حال.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تساقط الشعر.. هل يمكن إيقافه نهائيًا؟
يُعد تساقط الشعر والصلع من أكثر المشكلات الصحية الشائعة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، وتؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان الثقة بالنفس والشعور بعدم الراحة النفسية.
الأسباب وراء تساقط الشعروهناك عدة عوامل داخلية تلعب دورًا رئيسيًا في تساقط الشعر، أبرزها العوامل الوراثية، واختلال التوازن الهرموني، والإجهاد، والاضطرابات النفسية، ونقص بعض العناصر الغذائية الضرورية.
ويمكن للبيئة المحيطة، واستخدام بعض الأدوية والمنتجات الكيميائية، قد تكون من الأسباب الإضافية التي تؤثر سلبًا على صحة الشعر، وفقا لما نشر في موقع The Health Site.
هل يمكن إيقاف تساقط الشعر نهائيًا؟أكدت الدراسات الطبية، وفقًا للتقرير، أنه لا يمكن إيقاف تساقط الشعر بشكل دائم، إلا أن من الممكن السيطرة عليه والتقليل من حدته من خلال اتباع أنماط حياة صحية وطرق علاجية فعالة، وتشمل:
ـ إتباع نصائح غذائية ونمط حياة صحي:
أوصى الخبراء بضرورة اتباع نظام غذائي متوازن، غني بالفيتامينات والمعادن والبروتينات، خاصة الحديد، الذي يلعب دورًا هامًا في تقوية بصيلات الشعر.
كما تم التأكيد على أهمية تقنيات تقليل التوتر، مثل اليوجا والتأمل، إلى جانب ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، لدورها في تحفيز الدورة الدموية ونمو الشعر.
ـ العلاجات الطبية والحديثة:
أشار التقرير إلى فعالية بعض الأدوية، مثل: المينوكسيديل، الذي يعمل على تحفيز نمو الشعر من خلال تحسين تدفق الدم إلى فروة الرأس.
كما تُستخدم أدوية أخرى لموازنة الهرمونات وبالتالي الحد من تساقط الشعر.
ـ العلاجات الطبية:
وهناك طرق حديثة لعلاج تساقط الشعر، مثل: العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP)، حيث تُستخلص الصفائح الدموية من دم المريض وتُحقن في فروة الرأس لتقوية البصيلات وتحفيز النمو.
كما يعتبر العلاج بالليزر أحد الخيارات الفعالة لتحفيز الدورة الدموية وزيادة كثافة الشعر.
ـ زراعة الشعر:
وفي الحالات المتقدمة، يمكن اللجوء إلى زراعة الشعر، حيث يتم نقل بصيلات سليمة من مناطق كثيفة في فروة الرأس وزراعتها في المناطق المتضررة، ما يساعد في استعادة النمو الطبيعي للشعر.