يجب أن يكون تاريخ بريطانيا في إرساء القانون الدولي ودعمه مصدرا للاعتزاز. فقد كانت المملكة المتحدة ذات يوم في صدارة الدول التي تحاكم جرائم الحرب وتحمي حقوق الإنسان الدولية وتشارك في وضع اتفاقية جنيف. غير أن حكومات حديثة تعاملت مع القانون الدولي بازدراء، إذ شرَّعت إدارات متعاقبة تابعة لحزب المحافظين ما ينتهك اتفاقية التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي بعد شهور من إقرارها، وانتهكت اتفاقية اللاجئين بخطة رواندا، وكررت التهديد بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولقد سنحت بالانتخابات العامة فرصة لإعادة ضبط المسار. فكان من أوائل ما قامت به حكومة ستارمر أن أوقفت محاولة المملكة المتحدة لإعاقة قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع في حكومته يوآف جالانت. كما استأنف رئيس الوزراء الجديد تمويل وكالة أونروا لغوث اللاجئين.

غير أن هذه الخطوات الإيجابية لا تحكي القصة الكاملة. فقد دعا ديفيد لامي حينما كان في المعارضة إلى نشر المشورة القانونية بشأن مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل. ومنذ تولى السلطة، يزعم لامي أن نشر المشورة «عملية شبه قانونية ومن المهم أن أتبع الإجراءات بالطريقة الملائمة». والحكومة لديها السلطة المطلقة لنشر المعلومات بموجب الفقرة الثامنة والسبعين من قانون المعلومات لعام 2000. أما قرار عدم النشر فهو قرار سياسي.

غير أن بوسعنا أن نرى لمحة من رؤية الحكومة القانونية في مذكراتها المقدمة بشأن الاعتراضات المستمرة على مبيعات الأسلحة لإسرائيل (إذ لا تزال حكومة ستارمر تدافع عن القضية). يبدو أن موقف الحكومة لا يزال بصفة عامة هو أن مبيعات الأسلحة قانونية لأن إسرائيل لا تنتهك القانون الدولي. غير أن الحكومة تعتمد بصورة كبيرة على الضمانات المقدمة من إسرائيل نفسها. وليس من الواضح ـ في هذه الأوراق على الأقل ـ ما لو أن المملكة المتحدة قد بذلت أي جهد للتحقق من مزاعم إسرائيل.

إن قضية مبيعات الأسلحة المرفوعة على الحكومة أمر يتعلق بالقانون المحلي. ولكن للمملكة المتحدة أيضا التزامات (بل ومسؤوليات محتملة) بموجب القانون الدولي. في مايو، انتهت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذه تتضمن التعذيب والقتل والعنف الجنسي واستعمال التجويع ضد المدنيين باعتباره وسيلة حرب. وفي يوليو قضت محكمة العدل الدولية بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة غير قانوني. وانتهت إلى أن إسرائيل انتهكت حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير واستحقاقهم للتخلص من «التمييز العنصري والفصل العنصري».

في غداة حكم محكمة العدل الدولية، كلفتني منظمة (العدالة العالمية الآن)، وهي منظمة تنموية غير حكومية، بتقديم مشورة قانونية حول ما إذا كانت المملكة المتحدة (أي أفراد في الحكومة) قد تكون انتهكت القانون الدولي بدعمها أنشطة إسرائيل. وحينما تقوم دولة أو فرد بتقديم «عون أو مساعدة» تيسِّر جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو انتهاكا لقانون دولي آخر، فمن الممكن معاملة أي منهما كما لو أنه ارتكب هذه الأخطاء بنفسه. فلو أن أسلحة أو معلومات من أسلحة المملكة المتحدة أو معلوماته ـ على سبيل المثال ـ قد استعملت في عمليات تتضمن تعذيبا أو قتلا، قد تقرر محكمة أن المملكة المتحدة أسهمت في هذه الأخطاء.

في أغلب الحالات تتحمل الدولة أو الفرد مسؤولية قانونية في حال «المعاونة والمساعدة» مع معرفتهما أن هذه المساعدة سوف تسهم «وفقا لمسار الأحداث الطبيعي» في ارتكاب الخطأ. وفي الجرائم الأشد خطرا، من قبيل الإبادة الجماعية أو انتهاك حق تقرير المصير، لا يلزم إثبات المعرفة. وبما أن كثيرا من جوانب علاقة المملكة المتحدة بإسرائيل تخضع للسرية، فمن المستحيل معرفة النطاق الكامل لمساعدة المملكة المتحدة أو معرفتها. غير أن هناك دواعي منطقية للقلق.

تتجاوز «المعاونة والمساعدة» المقدمة من المملكة المتحدة لإسرائيل كثيرا مبيعات الأسلحة. فاتفاقية التبادل التجاري بين البلدين تمنح كلتا الدولتين القدرة على الوصول إلى أسواق إحداهما الأخرى بشروط تفضيلية. والأراضي المحتلة مدمجة في اقتصاد إسرائيل. وبعض الشركات تجري أعمالا في هذه الأراضي قبل نقل المنتجات إلى إسرائيل للتصدير. ومن الصعب الاعتقاد بأن مسؤولي الحكومة لا يعرفون أن تيسير التبادل التجاري الذي يتيح لإسرائيل و/أو لشركات إسرائيلية التربح من الأراضي المحتلة يعين ويساعد الاحتلال الإسرائيلي. فبدلا من التفاوض من أجل اتفاقية أقوى، قد يتوقع المرء مراجعة، وبخاصة في ما يتعلق باتفاقية تساعد إسرائيل على التربح من احتلال غير مشروع بما يضع المملكة المتحدة يقينا في موضع انتهاك القانون الدولي.

والمملكة المتحدة أيضا تقدم المعلومات والمساعدة (وكذلك مبيعات الأسلحة). وثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الحكومة تعرف أن هذا ييسر ارتكاب أخطاء. وقد قال مارك سميث ـ المعني بكشف تجاوزات وزارة الخارجية ـ بشأن هجوم إسرائيل على غزة: إن «أي شخص لديه الحد الأدنى من فهم هذه الأمور يمكن أن يرى أن جرائم حرب تُرتكب...جهارا، وعيانا، وبانتظام». وفي شهر مارس، قالت أليشيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية (آنذاك)، في فعالية لجمع التبرعات لصالح حزب المحافظين: إنها تعتقد أن الحكومة تلقت مشورة قانونية مفادها أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي.

لقد انتهى تحقيق تابع للأمم المتحدة إلى أن سلوك إسرائيل يعكس مبدأ الضحية. ويقتضي هذا المبدأ استعمال قوة غير متناسبة ضد المدنيين من أجل ردع المقاومة. ولو أن لدى الحكومة أسبابا للاعتقاد بأن إسرائيل تستعمل هذا المبدأ في غزة، فمن الصعب أن تنكر معرفتها بأن توفير المعونة والمساعدة لعمليات إسرائيل سوف ييسر «في مسار الأحداث الطبيعي» ارتكاب أخطاء. وفي حين أن لامي يميز بين الإمداد بأسلحة «هجومية» وأسلحة «دفاعية»، فلا قيمة للإشارة إلى أن عمليات إسرائيل في غزة هي جميعا عمليات توصف بـ«الدفاع عن النفس».

ثمة احتمال كبير بأن تكون المملكة المتحدة مذنبة ـ هي أو أفراد فيها ـ بمعاونة ومساعدة انتهاكات ثابتة أو مزعومة من إسرائيل للقانون الدولي. والحقيقة تكمن في المعلومات المتعلقة بمبيعات الأسلحة، وتبادل المعلومات، والتجارة، والمشورة القانونية التي لا تزال الحكومة تحافظ على سريتها دون الجمهور. ومن المفارقات أن تكون الحكومة وحدها هي التي تعرف على وجه اليقين ما لو أن المملكة المتحدة تنتهك القانون الدولي. إن على المملكة المتحدة، وهي عضو في مجال الأمن التابع للأمم المتحدة، واجبا بأن تكون قدوة في احترام القانون، وحكومة حزب العمال الآن لديها فرصة لأن تكون أفضل من الحكومات السابقة وعليها التزام بذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المملکة المتحدة القانون الدولی مبیعات الأسلحة أن إسرائیل أن تکون غیر أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

البنك الدولي: الحكومة الأردنية تُظهر التزاما راسخا بمسار الإصلاحات وتنفيذ أهداف البرنامج

صراحة نيوز-كشف البنك الدولي، أن برنامج رأس المال البشري في الأردن، الذي موّله بقرض قيمته 300 مليون دولار، “حقق تقدما” في تنفيذ الإصلاحات المؤسسية والاجتماعية، تماشيا مع أهدافه الإنمائية، موضحا أن الحكومة أظهرت “التزاما راسخا” نحو الإصلاحات لضمان استمرار التقدم نحو تحقيق النتائج المرجوة من البرنامج.

وأظهر تقرير حالة التنفيذ والنتائج الصادر عن البنك الدولي للبرنامج،  أن البرنامج، الممول عبر آلية تمويل سياسات التنمية والذي وافق عليه مجلس المديرين التنفيذيين في 27 حزيران 2024، أكمل صرف كامل التمويل المخصص البالغ 300 مليون دولار بنسبة 100%.

وتمثل النتائج المتحققة مؤشراً على فاعلية تدخلات البرنامج في تعزيز قدرات القطاعات الاجتماعية الحيوية، وتحسين استجابة الدولة للصدمات المناخية والطوارئ التي تؤثر على التعليم والصحة والمجتمع، وفق التقرير.

وأشار التقرير إلى أن البرنامج يدعم جهود الحكومة في مسارين رئيسيين؛ أولهما تحسين الحوكمة وفعالية القطاعات الاجتماعية، وثانيهما تعزيز القدرة على الصمود وحماية الأسر من الصدمات المناخية.

ويعرض التقرير أن البرنامج “استمر في تقديم نتائج متماشية مع أهدافه”، وأن الأردن حافظ على ملكية واضحة لمسار الإصلاحات، خصوصا في القطاعات الاجتماعية، بما يشمل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، إذ أظهرت البيانات أن تقييم التقدم نحو تحقيق الهدف التنموي كان “مرضياً إلى حدٍّ ما”، بينما صنّف تقرير المخاطر الإجمالي بالـ “متوسط”.

وبيّن التقرير أن نظام إدارة الموارد البشرية القائم على الكفاءات “أصبح مطبّقا بالكامل”، ما يسهم في تعزيز فعالية العاملين في القطاع العام.

وفي قطاع التنمية الاجتماعية، وضعت وزارة التنمية الاجتماعية معايير وتصنيفات واضحة لعدد من المهن الاجتماعية، بما يمهّد للترخيص الكامل لهذه المهن مع نهاية عام 2025.

وفي التعليم، أدى تبسيط إجراءات الترخيص إلى إنشاء 87 مؤسسة تعليمية خاصة جديدة حتى تموز 2025، إلى جانب خفض متوسط مدة الموافقة على الترخيص من 12 شهرا إلى 6 أشهر.

وفي القطاع الصحي، تجاوزت جهود مكافحة الأمراض المرتبطة بالتدخين أهدافها المقررة، من خلال تسجيل المزيد من الراغبين في الإقلاع عن التدخين وتدريب أطباء الرعاية الأولية على خدمات الوقاية والتوعية الصحية.

ويُظهر الإطار الزمني للمؤشرات أن المستشفيات الحكومية المستهدفة ستصل إلى نسبة تشغيل تزيد عن 82% للنظام بنهاية 2025، بينما يبلغ الهدف لتغطية مراكز الرعاية الصحية الأولية 30%.

وفي إطار تعزيز الصمود والقدرة على مواجهة الصدمات المناخية، نجح البرنامج في تنفيذ الإطار الوطني للطب الاتصالي، حيث جرى ربط 5 مستشفيات حكومية بعيدة بمركز الصحة الرقمية الأردني، بما يتيح أكثر من 4,000 استشارة طبية عن بُعد شهريا، مع خطط للتوسع لاحقا.

وفي قطاع التعليم، أثبت بروتوكول التعليم الإلكتروني للطوارئ، المُعتمد في آذار 2025، فعاليته خلال موجة الحر في آب 2025، عندما تمكن 450,000 طالب من الوصول إلى المنصات التعليمية لمواصلة التعلم بدون انقطاع.

كما كشف التقرير عن تقدم كبير في تطوير وحدة الاستهداف المناخي ضمن السجل الوطني الموحد، مع توقع اعتمادها الكامل بنهاية العام، إذ دعمت التجارب الأولية لهذه المنظومة 3,400 أسرة متضررة من الفيضانات، ما يعزز قدرة النظام على الاستجابة للصدمات المناخية المفاجئة.

وفي مجال الحماية الاجتماعية، أدى تطبيق قرار مجلس إدارة الضمان الاجتماعي رقم 48 لعام 2024 إلى زيادة عدد الشباب الذكور العاملين في القطاع الخاص والمساهمين في الضمان الاجتماعي إلى 23,170 شخصا، بزيادة قدرها 9,170 عن خط الأساس، بينما انخفضت مشاركة الشابات العاملات إلى 8,248، مقارنة بالخط الأساس البالغ 11,000، في وقت تتواصل فيه الجهود لرفع المشاركة النسائية.

ويؤكد التقرير أن المؤشرات الرئيسية للبرنامج تمضي في الاتجاه المخطط له، إذ تستهدف الحكومة الوصول إلى 300 مؤسسة تعليمية جديدة مرخّصة عبر الإجراءات المبسطة بنهاية 2025، وتسجيل 10,000 مشارك في برامج الإقلاع عن التدخين، وتدريب 75 طبيباً في الرعاية الأولية. كما يستهدف البرنامج زيادة اعتماد بروتوكولات الطوارئ التعليمية وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية المرتبطة بالصدمات المناخية.

مقالات مشابهة

  • الرئيس العراقي: حريصون على تطوير العلاقات مع بريطانيا وتعزيز التعاون المشترك
  • إسرائيل تواصل انتهاك سيادة سوريا وتتوغل في ريف القنيطرة
  • البنك الدولي: الحكومة الأردنية تُظهر التزاما راسخا بمسار الإصلاحات وتنفيذ أهداف البرنامج
  • ولي عهد بريطانيا “متأثر بشجاعة” الأطفال المصابين النازحين من غزة
  • ولي عهد بريطانيا متأثر بشجاعة الأطفال المصابين النازحين من غزة
  • متظاهرون في برلين يطالبون الحكومة الألمانية بوقف دعم إسرائيل
  • ستوكهولم.. المئات يحتجون على انتهاك "إسرائيل" وقف النار بغزة
  • احتجاجات في العاصمة السويدية على انتهاك “إسرائيل” لاتفاق وقف النار بغزة
  • دميترييف: الولايات المتحدة ستكشف أزمة الهجرة والجريمة في بريطانيا تحت قيادة ستارمر
  • سفير سوريا لدى الأمم المتحدة: انتهاك السيادة لا يمكن السكوت عليه