لجريدة عمان:
2025-12-09@09:57:34 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

وما سيأتي، سيكون له متكئا هنا، سيكون اقتراح إجابات، واشتباك مع الأسئلة الماثلة هنا، بأسماء الاستفهام وحرفي هل والهمزة، وإنه لولا تلك الأسئلة الموجهة والصادمة أحيانا، لما سيمكن الكاتبة الآن البدء بنصوصها الجديدة.

بالرغم أن هذه النصوص مسكونة بالأسئلة، إلا أنه يكمن فيه بوح جميل، وإيحاء ناقد نفسيا واجتماعيا يصل حد المنظومة، لا يخلو من تداعيات النفس تجاه مكانها، بالتزام إنساني ذي مسحة وجودية نبيلة تجاه البسطاء والمستلبين؛ كأن ذاتية النصوص تعكس ذوات الآخرين.

«قلب من الجيلاتين الحي»، نصوص أدبية تجمع الشعر بالخاطرة بالقصة. وهي نصوص تبحث عن شكلها الأدبي كما المضامين الإنسانية هنا. كتبتها الشابة شهيرة حسان، الفنانة التشكيلية أولا، والتي وجدت نفسها في الأدب، ما يعني أن المضامين تستدعي الشكل الإبداعي أكان ذلك أدبا أو فنا.

لم تكتب شهيرة حسان بقصد الكتابة، بل راحت تكتب نصوصها متأثرة بعالم الشغف؛ فيبدو أنه مرة وراء أخرى، استعذبت الفنانة عالم الكلمات، حيث وجدناها تكتب بحرية تامة، غير مقيدة نفسها بقيود الشكل، كأنها تبثنا ما تشعر به إنسانيا. لقد وجدت نفسها في الأدب كما وجدت نفسها في الفن التشكيلي، في الوقت الذي تمارس فيه الكاتبة الباليه والموسيقى.

إننا أمام حالة إبداعية غريبة، تتجه فيها الفنانة نحو الفنون والأدب، ربما بدافع سيكولوجي ما، لكن ما سيهمنا هنا أنها أبدعت نصوصها التجريبية، والتي إن تستمر بها، سنجدها تتجه نحو عالم السرد، قصة ورواية.

والمتوقع فعلا أن تستمر الكاتبة الأردنية الشابة شهيرة حسان في عالم الأدب، كما ستستمر في عالم الفن التشكيلي، كون أن المضمون الذي يسكنها يبحث عن نوع إبداعي يتجلى فيه. وليست الكاتب والفنانة حسان الوحيدة التي تمارس الأدب والفن.

ثمة حضور ذاتي لحسّان، لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، وصولا إلى النفور من الإنجاب، حتى تضمن ألا تنكسر قلوب القادمين الجدد إلى الحياة، في حالة رحيل ما عنهم، فلا تتكرر دائرة الموت؛ «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة»، الذي تبدو فيه فلسفة تشاؤمية من استمرار النوع.

«لا أعرف أي شيء»، لعله النص المفتاح لهذه النصوص في غالبيتها، أو كلمة السرّ، نص يفيض إبداعا في النصف الثاني منه، والذي يصبح النفي فيه إثباتا، حين نفاجأ بقراءة الكاتبة للنفوس بدون أقنعة، برمزية تشويقية ما تلبث أن تصدما جميعا لنصحو، فننجو.

ثمة حضور ذاتي لحسّان (الكاتب والناقد السينمائي الأردني توفي عام1996) والد الكاتبة لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، لكن الذاتية هنا صارت رافعة للحديث عما خارج الذات بالاتجاه للمضامين الإنسانية، لتحديات الإنسان المعاصر، فهي تبدع بالانطلاق من دائرتها الذاتية لتصل ضفتي نهر، فيظهر ما تكتنزه الكاتبة من شعور حقيقي غير متكلف، تجاه من تجرعوا مرارة الغياب، فعاشوا حزانى، مورثين ومورثات عكازاتهم للجيل الجديد، ليستندوا عليه في طريق رحلة العودة. كان «خزّان من الدموع»، خزّانا إنسانيا وإبداعيا لا تملك إزاءه إلا التضامن إلى آخر مدى. حضر الحب هنا، لا كشوق له، ولا نفور منه، بل جاء في شيء من الالتباس؛ فلا حاضنة له ليعيش ويبقى، وسرعان ما يتبدد وهم الانسجام؛ «عندما أتوقف عن الضحك، يعود وجهي إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي أفتح عيني بالكامل»، فهل تسكن في اللاوعي هنا رمزية سياسية ووجودية؟ إذن لا بد أن نفتح العينين قبل فوات الأوان، لأنّ الحب أعمى، لعل نص «إكزيما الذاكرة»، دليل على ما تربطه الكاتبة رمزيا بين الحب كشعور، والوطن كالتزام.

«بقعة من الدم» نص يختزل حال المرأة وألمها، «خريطة من الدماء»، تعكس تاريخها وواقعها، لكنها لا تقف عند الرثاء فقط، ثمة محاولة للتغيير.

استدعت مضامين النصوص أسلوبها البوحي الانفعالي، فظهرت صيغ الإنشاء، كما ظهرت الألوان والملامس والرائحة، عمقت حسيا المسرود، لكن هذه الذاتية ليست منكفئة على ذاتها، فما تلبث أية أسئلة تظهر، إلا وتجد إخبارا عن فكرة داخله، بأسلوب فيه ابتكار ما؛ فهذه مفارقة «المهم أن تكون مولودا»، التي تنحاز إلى المولود لا الوالدة، برمزية تتابع الأجيال في ظروف رتيبة.

لغة شهيرة حسان أبو غنيمة، في مجموعة نصوصها، تنحاز إلى لغة أدب الشباب و«الشابات»، بمصداقية التأثر الواضح بلغة التواصل الاجتماعي اليوم، في سياق لغة سلسة مكثفة بمستوى عال من السبك، تلك هي «الأفواه المنفطرة، في نص «أشياء لا تقال»، فلا نستغرب حياله كيف تلتقي تلك المستويات معا، حينما تكون المصداقية والتلقائية منطلقا للكتابة. إنها لغة قادمة من الشعور كما في «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة».

تأمل نص كلاكيت-المشهد الأول- آخر مرة، يشي بوضوح إمكانيات السرد المشوق لدى الكاتبة، بالرغم من اختلاطه بالخاطرة خصوصا في جزئه الأخير، ولعل القراء والقارئات كبوصلة للكاتبة، سيتوقفون في معظمهم عنده، للتشجيع على كتابة القصة والرواية في المستقبل.

لنا الحق أن نتلمس ما سوف يأتي من نصوص جديد، تتبلور باتجاه عالم السرد، من خلال تطور الوعي على الشكل والمضمون معا، بعد حالة الاشتباك-التجريب هنا، لا ليهدأ الانفعال، ولا لتزول الدهشة والصدمة، بل للمزيد من الاكتمال، خصوصا في ميزة توظيف الحواس، وبخاصة الملمس واللون كما يتيسر لها كفنانة تشكيلة أيضا، فيتجلى مضمون النصوص القصيرة إبداعا قصصيا محسوسا، في ظل امتلاك طول نفس سردي، وتزهد بالنصوص التي جاءت على شكل الشعر المنثور.

كانت هذه النصوص «بوستات» على الفيسبوك، صارت كتابا بين أيدينا، لعلها تذهب بالكاتبة وبنا إلى آفاق كتابية جديدة.

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

ربما تستمر في عالم السرد، في ظل شغفها في التعبير، ولكن المهم هنا التثقيف الذاتي والاطلاع على عالم الأدب، حيث تكون الموهبة والشغف رافعتين تشكل معها رافعة الوعي روافع كتابة نص جاد، ينطلق من التجريب وصولا إلى شكل أدبي مميز أكثر تبلورا.

وقع الكتاب في 140 صفحة من القطع الصغير، وصدر عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع

تصميم الغلاف: سهى الأعرج

لوحة الغلاف: الفنانة شهيرة حسان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه النصوص

إقرأ أيضاً:

كيف تتحكم في نفسك عند الغضب؟ .. عالم أزهري يوضح

قال الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، إن الغضب شعور إنساني فطري، لكن السؤال الذي يشغل كثيرين هو: إزاي نتحكم في غضبنا؟ وإزاي أصلاً ما نغضبش؟، موضحًا أن الغضب نوعان: غضب محمود وآخر مذموم.

 فالغضب المحمود هو استنكار الخطأ وعدم قبوله، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا بقصة السيدة صفية رضي الله عنها حين عُيّرت بقِصرها، فقال النبي كلمة لو مُزجت بماء البحر لغيّرت طعمه، في إشارة إلى أثر الكلمة والغضب غير المنضبط.

أوضح الدكتور قابيل، خلال لقاء تلفزيوني ، اليوم الاثنين، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب إلا غضبة للحق، بلا ظلم ولا شحناء، مستدلًا بقول الشاعر: "وإذا غضبت فإنما هي غضبة للحق لا ظلم ولا شحناء"، أما الغضب المذموم فهو ما يصاحبه عصبية وصوت مرتفع وقرارات خاطئة قد تقود إلى الندم، لافتًا إلى أن القرآن الكريم دلّ على اللين كوسيلة لتهدئة الغضب: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾.

أذكار المساء.. عبادة تحفظك حتى الفجر وتمنح قلبك طمأنينةدعاء المطر كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .. احرص عليه الآن

وبيّن أن مركز الغضب في المخ يقع في الجزء الأمامي، لذلك يجب عند اشتعال الغضب بالوضوء وترك المجلس والاستعاذة بالله، لأن الغضب أشبه بالنار التي يطفئها الماء. وأكد وجود ما أسماه "غضب النور"، وهو غضب المسؤول أو الأم والأب الذي ينبه المخطئ ويضيء له طريق الصواب دون عنف أو تجاوز.

وأضاف أن الغضب قد يدفع الإنسان إلى قرارات لا عودة فيها، مثل الطلاق أو الاستقالة أو قطع العلاقات، وهو ما يسميه علم النفس "اللاعودة"، لذلك شدد على ضرورة التريث من 20 إلى 30 دقيقة قبل اتخاذ أي قرار في لحظة انفعال، لأن معظم القرارات الخاطئة تُتخذ في لحظة غضب.

وأكد على قيمة زكاة المعاملات وحسن التصرف، موضحًا أن المطلوب ليس أن يكون الإنسان باردًا يرى الخطأ ويسكت، وإنما أن يغضب ثم يتصرف بحكمة، ويغفر بعد الغضب، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.


 

طباعة شارك أسامة قابيل الغضب مركز الغضب الطلاق

مقالات مشابهة

  • السراحنة يطالب حسان بزيارة ميدانية لمخيم البقعة وعين الباشا
  • هل النبي يونس عاش داخل هرم أوناس ؟.. عالم مصريات يحسم الجدل
  • كيف تتحكم في نفسك عند الغضب؟ .. عالم أزهري يوضح
  • “أدبي جدة” يقيم حفلاً تكريميًا للفائزين بمسابقة النصوص المسرحية
  • أصدقاء وأقارب يهنئون رند حسان بعيدها التاسع
  • حسان يوجّه بصيانة وتأهيل متحف أم قيس وترميم القرية التراثية
  • حسان يوجِّه بإجراء توسعة وصيانة لمدرسة إربد الثانوية الشاملة للبنين
  • معرض مسقط الدولي للمجوهرات
  • عالم زلازل تركي يحذر من كارثة ويقدم مقترحاً
  • د.هبة عيد تكتب: كيف تصنعنا الأرواح حين نتلاقى