يرتبط السلام سلوكيًّا بما تفرغه القيم من منهجيات تؤطرها أفعال الفرد مع مرور الأيام، فتغدو مسارًا له وآفاقا رحبة يبني عليها رؤاه، ويصنع حولها آراءه واتجاهاته الفكرية. وهذه الأخيرة ستكون منبثقة من اعتلاجاته النفسية، التي ستكون عناوين جانبية من كتاب فهرسته الأيام من خلال الأحداث المعاشة منذ نعومة الأظافر.
ستصنف الأحداث أفعالها وفق معطيات السلوك المعرفي والذي كما أسلفنا هو النتيجة الحقيقية التي لا مراء فيها ولا جدال حولها؛ كونها تشربت من التربية المؤسسة لركائز الفكر. فكل تصرف أو ردة فعل سيكون محاكا للركيزة المزروعة في قناعة الفهم. وبالتالي لن يكون هناك أي تضاد أو تناقض في التفكير أو التفسير. إن سلمنا جزافا وجود فكر آخر ومنهجية أخرى تحاول أن تدحض ما تسمعه، سنطرح سؤالًا جزافا على أنفسنا، لماذا لن يكون هناك أي تناقض؟! لماذا نتأكد ونجزم بكل معان التأكيد؟!. الجواب سيكون مرتبطا ومتصلا بروح القناعة التي أسست تلك الثقة، وصممت بنيان الاقتناع من خلال التغذية
الفكرية (أيًا كانت)
والتي كانت بمثابة أساس البنيان العقلي وصمام الاستيعاب الفكري. كون هذا الاستيعاب
الفكري لم يتأت من فراغ وإنما أخذ من كل مراحل المنهجية الفكرية، والتي ستكون غالب استنباطها المعارف والمعلومات والبيانات الحقيقية، والتي ستكون مصادرها موثوقة قطعًا. هذه المتتالية الفكرية لا تبني لذاتها مكانة إلا إذا كانت قد اقتنعت بأن كل ما يغذيها نافعًا ومفيدًا. هذا التوازن العقلي مرده بالتأكيد في الأول والأخير مدى قدرة العقل على تأطير مفهومه لكل ما من شأنه تدثير النفس بطمأنينة الثقة العلمية التي نهل منها عن طريق الحواس المرتبطة بمزج المعرفة بالمعلومة وتشكيلها كمنظومة متكاملة من القناعة المعرفية. نعم ستتربع تلك المنظومة الفكرية على عرش الصناعة الفكرية بامتياز، صناعة السلام الفكري المعرفي لا يتأتى إلا بتوفر المنظومات المذكورة آنفا.. كما أنها لن تجد لها مكانًا بسهولة في المساحات الشاسعة من السماوات الفكرية المتعددة في الزمن الراهن، حيث التقنيات تراهن على بذل المزيد من الابتكارات، وحيث التحدي العلمي لا تنطفئ جذوته.. بل كل يوم في اشتعال وتأجج. فالسلام الفكري لا ينفك بارتباطه بالسلوكيات المنبثقة على هيئة تراكمات بنت أعشاشها منذ أن كان الإنسان جنينا في بطن أمه. ولا تسطع شمسه المعرفية إلا إذا شحذنا تلك الجذوة المغموسة في قلب القيم، لتغدو منهجًا مؤطرا لكل فعل أو رد فعل، وتصبح هوية يعرف بها السلوك المعرفي الأخلاقي. لكن يبقى السؤال الذي دائما ما يتردد في الأذهان.. هل كل إضافة فكرية ومستنبطة من عصارة الأفكار.. تكون مقبولة ومفهومة من قبل العقول الأخرى أيا كانت ثقافتها وعلمها؟!. أعتقد بأن المفاهيم باتت في تغيير كمي ونوعي وذلك حسب الاتجاهات الفكرية والمسالك العلمية والمناهج المتنوعة والثقافات المرتبطة بالبيئة التي نشأت وترعرعت فيها. ولذلك نرى الردود الفعلية المختلفة (إيجابية - سلبية). وما على الإنسان الواعي إلا أن يتقبل وجهات النظر المختلفة ويكيفها لتتوافق مع وجهة نظره (إن اقتنع بذلك) وإن لم يقتنع فما عليه إلا أن يحترمها. فارتباط السلام الفكري سلوكيًّا ينصبّ في الأخير في بوتقة التصالح مع النفس ومعنى ذلك التصالح مع الأفكار الأخرى دامها تتوافق مع الأخلاق والسلوكيات القيمة، والتي لا ترتبط بالديانات أو ما شابه؛ لأن مصدرها بالتأكيد تربية راقية سامية.. ومنبعها أخلاق رفيعة تسطع من شمس الاحترام ونبل التقدير.
ماجد بن علي الهادي كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بدءًا من يونيو 1989.. الملكية الفكرية تصدر 20 ألف براءة اختراع
أعلنت الهيئة السعودية للملكية الفكرية إصدار ومنح براءة الاختراع رقم 20 ألفًا في محطة نوعية تعكس النمو المتسارع في منظومة الملكية الفكرية والابتكار، وتؤكد على التقدم المحقق في حماية حقوق المخترعين وتمكينهم من تحويل أفكارهم إلى أصول قانونية محمية.
ويمثل هذا الإنجاز تتويجًا لمسيرة امتدت لأكثر من 3 عقود، بدأت في يونيو 1989 مع تأسيس مكتب البراءات السعودي، وتقديم أول طلب براءة في عام 1989، وصولًا إلى منح أول براءة اختراع في عام 1995.
ومنذ ذلك الحين، شهد منح البراءات في المملكة تطورًا تدريجيًا، مدفوعة بتأسيس الهيئة السعودية للملكية الفكرية وتطوير الأنظمة والإجراءات، والتي أسهمت في منح براءة الاختراع رقم 10 آلاف في عام 2022.
وبعد أقل من 3 سنوات، وبفضل تسارع إجراءات الفحص مُنحت البراءة رقم 20 ألفًا في أبريل 2025، في دلالة واضحة على تطور البيئة التنظيمية، وارتفاع كفاءة الخدمات، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية حماية الابتكار.
دعم بيئة الابتكار
ويأتي هذا الإنجاز متزامنًا مع ارتفاع ملحوظ في إقبال السعوديين على تسجيل براءات الاختراع، إذ أصدرت الهيئة 345 براءة اختراع لأفراد سعوديين خلال الربع الأول من عام 2025، محققة نموًا بنسبة 16% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
أخبار متعلقة قبول : غداً اخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصةوزير الخارجية يبحث تعزيز الشراكة والمستجدات الإقليمية مع نظيره الأمريكي
من أول طلب في 1989م إلى البراءة رقم 20,000 في 2025م
رحلة ملهمة تسارعت فيها وتيرة الابتكار، وتحوّل الإبداع من فكرة إلى حقٍ محمي.#الملكية_الفكرية pic.twitter.com/HzlWDq07nG— الملكية الفكرية (@SAIPKSA) July 2, 2025
ويعكس هذا الارتفاع المتواصل ثقة المبدعين والمبتكرين في المنظومة الوطنية لحماية الملكية الفكرية، ويؤكد فاعلية الجهود المبذولة في دعم بيئة الابتكار وتحفيزها، وتمكين الأفراد من تحويل أفكارهم إلى حقوق قانونية مصانة، تُسهم في تعزيز مكانة المملكة كمحور إقليمي للابتكار والإبداع.
الدور الحيوي للمبتكرين
وأشاد الرئيس التنفيذي للملكية الفكرية د. عبدالعزيز بن محمد السويلم، بالدور الحيوي للمبتكرين في دعم التقدم الصناعي والمعرفي.
وأكد التزام الهيئة بمواصلة الدعم والتحفيز للقطاع الابتكاري الوطني، وأن كل براءة تُمنح اليوم تمثل قصة نجاح، وأن حماية الإبداع ليست نهاية الطريق، بل بدايته.
ودعت الهيئة جميع المبتكرين والمهتمين إلى الاستفادة من خدماتها عبر موقعها الرسمي هنا.