آثار "حمير" وملوك اليمن تعيدها الأمطار إلى الأضواء
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
لطالما فتن الطراز المعماري العريق والمميز في المدن التاريخية اليمنية الباحثين والزوار والمهتمين بالمعمار الأول للحضارات التي قامت في جنوب شبه الجزيرة العربية، لا سيما تلك القصور الطينية والقلاع التاريخية وما احتوت من نقوش ومنحوتات بديعة تجسد تاريخها الزاهي، لكن هذا الإرث المعماري التاريخي والشاهد على حقب زمنية عاشتها البلاد بات اليوم يتهاوى أمام أبنائه جراء تساقط الأمطار الغزيرة التي جرفت أو تسببت في أضرار جزئية أو كلية في بعض الأماكن التاريخية والمباني الأثرية.
وشهدت صنعاء القديمة المدينة المأهولة منذ أكثر من 2500 عام، خلال أغسطس (آب) الماضي انهيار منازل تاريخية وتعرض أخرى لانهيار جزئي وتساقط بعض أسقف المنازل المتهالكة منها مما أثار حالة من الهلع والخوف بين الأهالي، وبفضل جهود السكان المحليين تم إنقاذ الأسر من تحت الأنقاض.
إهمال السلطات الحوثية
وأشار الحسن الجلال، أحد سكان الحي، الذي تعرض منزله للانهيار على رؤوس ساكنيه أن المنازل المجاورة لمنزل أسرته باتت مهددة بالسقوط بسبب إهمال السلطات الحوثية وعدم الاستجابة لمناشدات السكان.
وأوضح الجلال أن "الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية التابعة للحوثيين ترفض أي محاولات لإصلاح أو ترميم هذه المنازل، بحجة أن ذلك من اختصاصها، مما يعرض حياة السكان للخطر".
وعبر الجلال عن شكره وتقديره لأبناء الحي في نجدتهم في إنقاذ حياة عائلته، مؤكداً أن "الدفاع المدني لم يصل إلى المكان إلا بعد ساعتين من إبلاغهم بحادثة سقوط البيت على ساكنيه".
وتعد صنعاء واحدة من أقدم المدن المأهولة، ولديها تاريخ عريق وتمتاز بطابع معماري فريد، مما أهلها لأن تكون ضمن المدن التاريخية العالمية، وهي واحدة من مدن العالم الأكثر جمالاً.
وصنفت مدينة صنعاء القديمة ضمن مواقع التراث العالمي لـ"اليونسكو" بسبب طابعها التاريخي المميز، والخصائص المعمارية الفريدة لمبانيها المتعددة الطوابق والمزينة بأشكال هندسية، لكن الأمطار الغزيرة تشكل تهديداً وجودياً للمواطنين وخطراً على التراث الإنساني والتاريخي للمدينة.
حلول جذرية
وينتقد سكان صنعاء القديمة، سلطات الحوثيين الانقلابية، بسبب عدم قيامها بإيجاد حلول جذرية للمحافظة على هذه المنازل من الاندثار أو السماح للمواطنين بترميمها في ظل عجز الجهات المعنية في القيام بمسؤولياتها.
وأبدى السكان شعورهم بالخيبة لعدم استجابة السلطات الحوثية لنداءات استغاثتهم من أجل التدخل لإنقاذهم، بعد ارتفاع منسوب المياه لمستويات قياسية، واجتياحها حاراتهم وصولاً إلى منازل بعضهم، مخلّفة أضراراً متفاوتة.
أكبر القلاع التاريخية والأثرية
ولم تقتصر الأضرار على صنعاء فحسب، بل امتدت إلى مدن تاريخية أخرى مثل مدينة زبيد التاريخية التي صنفتها اليونسكو عام 1993 على قائمة التراث.
وتعرضت قلعة زبيد، التي تعتبر من أكبر القلاع الأثرية في اليمن، لانهيار جزء كبير من واجهتها الشمالية، كما تضررت أسقف الثكنات الغربية التي تضم متحف الموروث الشعبي.
وتشكل "زبيد" موقعاً ذا أهمية أثرية وتاريخية، إضافة إلى أنها كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وحظيت بأهمية في العالم العربي والإسلامي طيلة قرون من الزمن بفضل جامعتها الإسلامية وتقع في محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر غرب البلاد.
أما مدينة "ثلاء" الواقعة في محافظة عمران، شمال غربي العاصمة صنعاء، والتي تعد واحدة من المدن التاريخية العريقة في اليمن، تعود أصولها إلى فترة مملكة حمير، فقد تعرض أحد أبراجها الشمالية للتضرر بسبب الأمطار الغزيرة.
وأكدت الهيئة العامة للآثار التابعة لسلطة الحوثيين تضرر أحد أبراج الجهة الشمالية من سور مدينة ثُلاء التاريخية وهو ما يعد تهديداً لتراث ثلاث مدن عريقة من مدن اليمن مصنفة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
نداء حكومي لإنقاذ آثار ملوك اليمن
هول الكارثة دفع الحكومة الشرعية لمطالبة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالتدخل العاجل لحماية المناطق الأثرية المتضررة جراء الأمطار والسيول التي اجتاحت عدداً من المدن التاريخية. وجاء ذلك في رسالة بعثها سفير اليمن لدى "اليونيسكو" محمد جميح إلى المدير العام لـ"اليونيسكو" ومدير مكتب "اليونيسكو" الإقليمي لدول الخليج واليمن.
وتوثق الكتب التاريخية أن "حمير" قبيلة عربية يرجع نسبها إلى جدها الجاهلي حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الذي كان ملك اليمن، وإليه نسبة الحميريين، وكان شجاعاً مظفراً. ويقول المؤرخون العرب، إنه حكم بعد أبيه سبأ، وعاصمة ملكه صنعاء، وإنه غزا، وافتتح حتى بلغ بعض غزواته الصين، واتخذ تاجاً من الذهب، فكان أول من تتوج به، وأنجب ستة أبناء، ومنهم تفرعت قبائل مملكة حمير، وملوك اليمن. ولقب بحمير لكثرة لبسه الثياب الحمر، وكان يكتب بالمسند على جميع سلاحه، وفي الجبال التي يمر بها، ثم حوله إلى الخط الحميري المنسوب إليه. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملوك حمير، الذين كانوا في عهده، إلا أن عصرهم الأكثر ازدهاراً كان قبل ذلك.
وأوضح جميح في حديث سابق لـ "اندبندنت عربية" أن السفارة خاطبت "اليونيسكو" بصورة عاجلة لتحريك جزء من المبالغ لدى صندوق المنظمة الخاص بالطوارئ للتحرك وحماية عدد من المناطق الأثرية والتاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي.
وأضاف أنه "مع استمرار هطول الأمطار بفعل التغير المناخي الذي يضرب البلاد طلبنا توسعة الدعم، ورفعنا المناطق المتضررة في كافة المناطق مثل صنعاء وزبيد وشبام ورداع وغيرها من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي"، مؤكداً تلقيهم مساعدات عاجلة تتعلق ببعض المعدات الخاصة بحماية المباني من الأمطار مثل الطرابيل المخصصة لتغطية المنازل في صنعاء وزبيد ودعامات لحماية الأسقف والمباني في بعض الأماكن المعرضة للانهيار كإجراءات طارئة.
وعلى نحو غير مسبوق يشهد اليمن الغارق في مأساة أخرى تتعلق بالنزاع المستمر منذ نحو 10 سنوات سيولاً وفيضانات جارفة سببها سقوط الأمطار الغزيرة مع تزايد ظاهرة التغير المناخي التي رفعت وتيرة هطول الأمطار وشدتها في ظل ضعف البنية التحتية الخاصة بمجاري وتصريف مياه الأمطار والسيول.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن آثار تراث فيضانات اهمال على قائمة التراث المدن التاریخیة الأمطار الغزیرة التراث العالمی
إقرأ أيضاً:
قوة خفية وراء الجفاف.. كيف يمتص الغلاف الجوي الرطوبة؟
أظهرت دراسة جديدة أن حاجة الغلاف الجوي وتعطشه المتزايد للماء يُفاقم الجفاف عالميا، حتى في المناطق التي لم يتغير فيها معدل هطول الأمطار، إذ يسحب الهواء الحار الرطوبة من التربة والنباتات، ما يفاقم الحرائق وانهيار المناطق الزراعية.
وأوضحت الدراسة التي أجراها فريق من العلماء في جامعة أكسفورد وجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، أنه على مدار الأربعين عاما الماضية، ازدادت حدة الجفاف بنسبة 40% حول العالم، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى أن الهواء أصبح يتطلب كميات أكبر من المياه مقارنة بالسابق.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4تقرير يظهر فجوة خطرة في مراقبة الجفاف عالمياlist 2 of 4أوروبا تواجه خطر الجفاف بعد موجات حرارة قياسيةlist 3 of 4الجفاف يضرب صناعة الكاكاو في كوت ديفوارlist 4 of 4الجفاف المتزايد يؤجج حرائق كاليفورنياend of listوحسب الدراسة التي نُشِرت في مجلة "نايتشر" يرتبط الجفاف ارتباطا وثيقا بكيفية تفاعل الهواء الحار مع الرطوبة، فهو يسحب كمية أكبر من الماء من الأسطح، ولذلك تهطل أمطار غزيرة في المناطق الاستوائية، بينما تفقد الصحاري الماء بسرعة من تربتها.
يعزى الجفاف تقليديا إلى قلة هطول الأمطار. لكن هناك عاملا آخر مؤثرا، وهو الطلب التبخيري للغلاف الجوي، والذي يُسمى "إيه إي دي"(AED)، إذ يعمل كإسفنجة عملاقة، تسحب الرطوبة من التربة والأنهار والنباتات بسرعة أكبر من قدرتها على تعويضها.
ويقول كريس فانك، المؤلف المشارك في الدراسة ومدير مركز مخاطر المناخ بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا "يعتمد الجفاف على الفرق بين إمدادات المياه (من الأمطار) والطلب الجوي على المياه، ويكشف هذا الأخير عن زيادات كبيرة في الجفاف مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.
إعلانفمع ارتفاع درجة حرارة الهواء، يمكنه الاحتفاظ بمزيد من الرطوبة، وحتى مع ثبات الرطوبة النسبية، يمكن للهواء الساخن سحب المزيد من المياه، وقد أثار هذا التنافس بين هطول الأمطار والطلب التبخيري للغلاف الجوي سؤالا مهما: أيهما يتزايد أسرع؟
قياس عطش الغلاف الجوي
على الرغم من أن الخبراء يعرفون ظاهرة الجفاف الشديد منذ سنوات، فإنه لم يُجرَ قياس دقيق وعالمي لتأثيرها باستخدام بيانات واقعية، وبدون ذلك، ظل التنبؤ بالجفاف والاستعداد له أمرا صعبا.
واستخدم الفريق بيانات مناخية عالية الدقة، جُمعت على مدى أكثر من قرن، وطبّقوا نماذج متطورة تأخذ في الاعتبار عوامل مناخية متعددة، وليس فقط درجة الحرارة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة سولومون جيبريتشوركوس، وهو خبير في المناخ المائي بجامعة أكسفورد "لا توجد طريقة مباشرة لقياس مدى عطش الغلاف الجوي بمرور الوقت، لذلك، استخدمنا بيانات مناخية عالية الدقة، وطبقنا أحدث النماذج لقياس الطلب التبخيري الجوي، نماذج تأخذ في الاعتبار متغيرات مناخية متعددة، وليس فقط درجة الحرارة".
قارن الباحثون إمدادات المياه، بناء على هطول الأمطار، مع مؤشر "إيه إي دي" باستخدام عدة مجموعات بيانات عالمية، وأظهر التحليل أن الطلب التبخيري للغلاف الجوي قد ازداد بوتيرة أسرع من هطول الأمطار، وهذا يُشير إلى اتجاه مُقلق نحو ظروف أكثر جفافا".
وقال فانك "أجد هذه النتائج مثيرة للقلق، لكنها ربما لا تكون مفاجئة إلى حد كبير. معظمنا على دراية بالارتفاع السريع في درجات حرارة الهواء، لكن معظم الناس قد لا يدركون العلاقة بين هذا الاحترار وتأثير الغلاف الجوي المجفف".
وأضاف أن ارتفاعا صغيرا في درجات الحرارة يمكن أن يعزز بشكل كبير قدرة الهواء على سحب الرطوبة من المحاصيل والمراعي والغابات.
إعلانوتدعم هذه الدراسة نتائج سابقة تُشير إلى أن موجات الجفاف ستزداد شدة مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، ولا تقتصر هذه المشكلة على المزارعين فحسب، بل تُهدد إمدادات الغذاء والمياه، وقد تُفاقم عدم الاستقرار السياسي والصراعات.
وقال فانك "لمواجهة اتجاهات الجفاف المتزايدة، نحتاج إلى توقع وإدارة الأحداث المتطرفة التي تؤدي إلى زيادات مثيرة للقلق في مخاطر الجفاف".