«الجنجويد» القادم.. «حركات محاصصة جوبا حليفة الحركة الإسلامية»
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
«الجنجويد» القادم.. «حركات محاصصة جوبا حليفة الحركة الإسلامية»
د. أحمد عثمان عمر
1
يتساءل البعض عن السبب وراء انخراط حركات محاصصة جوبا الانتهازية في الحرب الراهنة من مواقع دعم الجيش المختطف والتحالف مع الحركة الإسلامية، بالرغم من إدعائها الحياد في البداية ومحاولتها مسك العصا من المنتصف.
فبحسب احد زعمائها أن هناك اتفاقا “تحت التربيزة” قد تم في جوبا، وكانت التسريبات تزعم ان هذا الاتفاق بين هذه الحركات و”الجنجويد” على الهيمنة على السلطة تدريجيا حتى تصبح خالصة لأبناء اقليم دارفور في المركز.
والواضح أن حركات محاصصة جوبا الانتهازية جميعها بما فيها الحركة الشعبية جناح عقار، قد فضلت مصالحها المباشرة والآنية من ناحية، وغامرت بمستقبلها حسب قراءة قد لا تكون صحيحة. جوهر هذا الموقف هو المشاركة في سلطة ضعيفة ومنهكة، تمكنها من تحقيق مكاسب آنية ما كانت ان تتحقق لها في حال انضمامها لمعسكر الجنجويد، مع فتح الطريق أمامها للانقضاض على السلطة مستقبلا في حال توطيد مواقعها في السلطة في مرحلة الضعف الماثلة.
والمتأمل لما تمارسه هذه الحركات الانتهازية في ارض الواقع، يدرك تماما أنها توظف الحرب من اجل تحقيق مكاسب و رسملة مشاركتها فيها سياسيا وسلطويا.
2
فالحرب مثلا حققت سيطرة مالية كاملة لهذه الحركات عبر هيمنتها على وزارة المالية وموارد البلاد الشحيحة ، واخراجها من دائرة الرقابة والتصرف فيها كيفما اتفق ، تحت دعاوى تمويل الحرب وبمباركة الحركة الاسلامية التي تحكم عبر واجهاتها العسكرية ، خصوصا بعد انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م. والحرب سمحت ايضا لهذه الحركات على اعادة تمويل نشاطها العسكري المساند للجيش المختطف على حساب الخزينة العامة، وهي ايضا مكنتها من تحقيق وضع عسكري افضل عبر تكوين القوات المشتركة، كما مكنتها من تواجد عسكري أوسع في اماكن لم يكن بإمكانها التواجد فيها قبل الحرب، وثبتتها شريكا وحيدا في السلطة المغتصبة بعد اندلاع الصراح المسلح بين طرفي اللجنة الامنية (قيادة الجيش المختطف والجنجويد). كذلك مكنتها الحرب من الحصول على نفوذ سياسي واسع في المركز ، عبر تثبيت اقدامها في مواقع حكومية اكتسبتها عبر محاصصة جوبا، اصبحت بعيدا عن متناول شركائها في السلطة وخرجت عن دائرة سيطرتهم. والصراع بين وزير المالية غير الشرعي ورئيس المجلس الانقلابي حول اقالة مدير عام الضرائب يؤكد ذلك. فبالرغم من اقالة ذلك المدير من قبل الرئيس الانقلابي غير الشرعي، بقي مباشرا لمهام عمله تحت حماية وزير المالية مخرجا هذه المؤسسة الهامة من سيطرة مجلس الانقلاب ومن هم خلفه. وحتما خلفية وزير المالية وانتماءه للحركة الإسلامية ، لا يمنع القول من أنه يتصرف الان وفقا لحصة حركته عبر محاصصة جوبا لا كعضو سابق/حالي في الحركة الإسلامية.
3
ونذر تنمر هذه الحركات واستقوائها بالحرب كثيرة ، لا تقتصر على استعراض القوى وفرد العضلات الواضح في موضوع مدير الضرائب ، ولكنها تمتد لتشمل ما صرح به رئيس الحركة الأخرى وحاكم اقليم دارفور في قناة الجزيرة من تصريحات هامة، ورطت قيادة الجيش غير الشرعية بثلاثيها المعروف ، ووضعتها في موضع الشريك الكامل للجنجويد في نهب البلاد، بسكوتها عن ذلك النهب وهي عالمة به علم اليقين. وعدم رضا الحركة الإسلامية المختطفة للجيش لهذا السلوك ، تبدى في البوست الذي نشرته محققة الحركة مع قيادة الجيش المختطف وهاجمت فيه حاكم دارفور هجوما شرسا، يشي بوجود شروخ في التحالف بين المتحاصصين ربما تتسع مستقبلاً. وهذا الهجوم يأتي في اطار سكوت تام يساوي الرضا عما يقوم به وزير المالية المحسوب على الحركة الأسلامية وفقا لتاريخه. يضاف إلى ما تقدم الطريقة الغريبة التي استبق بها عضو احدى هذه الحركات ورئيس وفد التفاوض إلى جدة للتمهيد لمحادثات جنيف موقف سلطة الأمر الواقع، وإعلانه مقاطعة منبر جنيف قبل صدور موقف رسمي بذلك. والجرأة على استباق الموقف الرسمي حتى وان جاء مطابقا لاحقا، لا تقتصر على محاولة احراج تلك السلطة ودفعها لاتخاذ هذا القرار لأن الولايات المتحدة الامريكية رفضت تمثيل حركات المحاصصة في المفاوضات، بل هو فرد للعضلات وثقة في ابتزاز السلطة الضعيفة الهشة وتمرير موقف المقاطعة. أي أنه يعكس ثقة هذه الحركات في قدرتها على فرض ارادتها على السلطة الانقلابية المعزولة والمهزومة عسكريا في ارض المعركة، وخطوة في سبيل فرض سلطتها كاملة مستقبلا، خصوصا وان تصريحات حاكم دارفور لقناة الجزيرة تؤكد انتباهه إلى امكانية السيطرة على الحكم من وراء حجاب كما فعل زعيم الجنجويد سابقا. اي انه منتبه لضعف هذه السلطة غير الشرعية امام من يمتلك السلاح ويشارك في السلطة، وليس لضعفها فقط في مواجهة من يحاربها.
4
مفاد ما تقدم هو أن حركات المحاصصة تعلم أن اي تغيير نحو حكم مدني يمثل نهاية حتمية لها، بحكم أنها حركات صغيرة محدودية النفوذ والشعبية ، وأنها غير مؤهلة للتحول إلى مؤسسات مدنية تنافس على السلطة من مواقع العمل الجماهيري. لذلك لا بديل أمامها من الالتحاق بسلطة مفروضة بقوة السلاح، تحقق عبرها مصالحها الانية وتؤسس لسلطتها الديكتاتورية القادمة ، حينما تضعف هذه السلطة كفاية ويحين وقت قطافها. فحركات المحاصصة قررت الانحياز إلى الجيش المختطف لعلمها بأن سلطته ضعيفة وأنه في أمس الحاجة لدعمها مما يمكنها من فرض شروطها، ولم تلتحق بالجنجويد لأنهم الطرف الأقوى عسكريا ولا تستطيع فرض شروطها عليهم. فبحساب الربح والخسارة، فضلت هذه الحركات الانتهازية الانضمام إلى السلطة الضعيفة لابتزازها ، إلى حين ان تصبح قادرة على الإطاحة بها واستلام السلطة كاملة. أي ان هذه الحركات رأت أن الفرصة مؤاتية لتوظيف الحرب لمصلحتها حتى تحصل على مكتسبات آنية، وتؤسس لاستلامها السلطة في المستقبل. وهذا يعني اننا امام مليشيات جديدة تحلم بحكم الدولة ، وأمام جنجويد جديد تربيه سلطة الأمر الواقع أمام أعيننا تماما كما ربت الجنجويد الذي يقاتلها الان، وتموله على حساب المواطن المغلوب على أمره، وتطلق يده في ممارسات فساد غير مسبوق . ولسنا بالطبع في حاجة للقول بأن هذا النوع من الجنجويد ، مصيره الوحيد هو الحل، يشمله شعار الثورة “يا برهان ثكناتك أولى مافي مليشيا بتحكم دوله” و ” العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”. فحركات المحاصصة الحالية، هي حتما جنجويد المستقبل، من حيث أنها مجرد قوى مرتبطة بسلطة غير شرعية، ليس لديها غير سلاحها الذي تستعمله لفرض ارادتها والحصول على السلطة بقوة السلاح من وراء حجاب او مباشرة عند تحققها من عجز السلطة غير الشرعية عن منعها. والمطلوب هو رفض مشاركة هذه الحركات الانتهازية في اي سلطة، مع عدم الاعتراف بمحاصصة جوبا، وصولا إلى حلها جميعا وتسريح مقاتليها ودمجهم في المجتمع المدني، وشعبنا أكثر من قادر على ذلك.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
الوسومالجنجويد الحركة الاسلامية حركات دارفورالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجنجويد الحركة الاسلامية حركات دارفور
إقرأ أيضاً:
4 أسئلة توضح أبرز معوقات تشكيل الحكومة في السودان
الخرطوم- عزا سياسيون ومحللون -تحدثوا للجزيرة نت- المخاض العسير لتشكيل الحكومة في السودان، إلى خلافات مكتومة وضغوط متزايدة من حركات مسلحة حليفة للجيش السوداني وقيادات عسكرية رفيعة، لفرض شخصيات بعينها ليكونوا وزراءَ في الحكومة المرتقبة.
ويكتنف الغموض مصير تشكيل الحكومة الجديدة في السودان بعد ما يزيد عن شهر من تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في 19 مايو/أيار الماضي، دون تحديد سقف زمني لإعلانها، لكن مصادر مقربة من رئيس الوزراء أكدت للجزيرة نت أن تشكيل الحكومة قطع أشواطا متقدمة، وتوقعت أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا.
وقال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة -الشريكة في الحكم بموجب اتفاق جوبا- معتصم صالح للجزيرة نت إن من أبرز معوقات تشكيل الحكومة غياب آلية واضحة وشفافة لاختيار الوزراء، لا سيما في ظل إعلان رئيس الوزراء رغبته في تشكيل حكومة من الكفاءات (تكنوقراط) دون إشراك أو التشاور الفعّال مع القوى السياسية والمجتمعية الداعمة لمؤسسات الدولة.
وتستعرض الجزيرة نت فيما يلي أسئلة وأجوبة شارحة لمعوقات تشكيل الحكومة في السودان:
ما معوقات تشكيل الحكومة في السودان؟أشار الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة أن النهج الذي يتبعه رئيس الوزراء يُضعف قاعدة التوافق الوطني، ويغذّي حالة من الشك والتوجس لدى الفاعلين السياسيين، مما يعيق بناء حاضنة سياسية مستقرة تُعين الحكومة على أداء مهامها.
وقال الأمين العام الأسبق لمجلس الوزراء السودان الدكتور عمر محمد صالح للجزيرة نت إن اختيار الوزراء الذين سينفذون برنامج الحكومة يمثل حجر الزاوية في نجاح التنفيذ، ولذلك فإن تمسك أطراف اتفاقية جوبا ببعض الوزارات المفتاحية في التغيير -كالمالية والمعادن والضمان الاجتماعي- دون مبررات واضحة يضع أولى العثرات أمام تنفيذ البرنامج.
إعلانوأضاف أن الأمل ما زال معقودا على حكمة أصحاب القرار، في المجلس السيادي والحركات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء، بالاجتماع عاجلا لتجاوز هذه الأزمة ومآلاتها، لا سيما وأن الحرب ما زالت مستعرة، مما يستوجب توحد الجهود للقضاء على التمرد أولا.
ما أثر الخلافات مع الحركات الموقعة على اتفاق جوبا على تشكيل الحكومة؟أفاد المحلل السياسي عثمان ميرغني للجزيرة نت بأن تأخر إعلان التشكيل الوزاري مرده عدة عوامل:
أولا: مشاورات أولية بشأن توصيف الوزارات نفسها، والاجتهاد في تقليصها، مع عدم إلغاء اختصاصاتها، وهذه المرحلة انتهت بخطاب رئيس الوزراء الذي أعلن فيه تحديد 22 وزارة. ثانيا: إعلان الوزراء يتطلب التشاور مع دوائر عدة من المكون العسكري، لتسمية وزيري الداخلية والدفاع، ومجموعة السلام (اتفاق جوبا) لتسمية وتخصيص 5 وزارات، ثم مشاورات ثنائية مع المرشحين.ويرى مراقبون أن الخلافات مع الحركات المسلحة يمكن أن تكون من أهم الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة في السودان، حيث تتمسك ليس بحصتها في الثروة المنصوص عليها في اتفاقية جوبا فحسب، بل بنفس الوزارات وربما الوزراء السابقين من خلال الضغط السياسي والإعلامي.
وفي السياق قال الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة معتصم صالح إن بعض القوى السياسية والاجتماعية تبذل جهدا خارقا عبر الإعلام، وما وصفه بـ"الأقلام الصفراء"، لتجاوز اتفاق جوبا أو تحجيم دوره، مما يثير توترا غير مبرر في المشهد.
وأفاد بأنه لا يرى أن أطراف العملية السلمية (الموقِّعة على اتفاق جوبا) تشكّل عائقًا أمام تشكيل الحكومة، فالاتفاق حُسم بشكل واضح وغير قابل للتأويل حول نسب مشاركتها في السلطة، كما أن مكونات الفترة الانتقالية توافقت قبل توقيع الاتفاق على عدد الوزارات المخصصة لها وطبيعتها وأهميتها.
وقال ميرغني إن "مجموعة السلام" -في إشارة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا- تتميز بقدرات سياسية تسمح لها بمرونة التفاوض، وقد ترى أن أنصبتها الوزارية السابقة كانت مميزة ولا ترغب في التخلي عنها، لكن ذلك أمر متروك للتفاهم مع رئيس الوزراء، وقابل للأخذ والرد.
ما دور الإسلاميين في تأخير تشكيل الحكومة؟يشير بعض المحللين إلى وجود تدخلات من إسلاميين وتأثيرهم في الغرف المغلقة على تشكيل الحكومة، بعد أن عادوا إلى واجهة الأحداث بقوة بعد دورهم الكبير في إسناد الجيش في حربه ضد الدعم السريع، لكن الإسلاميين بمسمياتهم المختلفة ظلوا يؤكدون أنهم لن يشاركوا في السلطة، ولم يطلبوا منصبا أو ثمنا لدفاعهم عن بلادهم.
ويقول عثمان ميرغني إن الإسلاميين حتى الآن خارج دائرة هذه الأزمة، ويمكن وصف وضعهم بـ "المراقب بحذر"، فهم لم يتحمسوا لاختيار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لكامل إدريس رئيسا للوزراء، لكنهم لم يعترضوا، ثم طوروا موقفهم للموافقة عليه، وأتوقع أنهم سيمضون أكثر إلى مربع دعمه سياسيا، وذلك لأن كامل شخصية مستقلة ولا يرغب بالدخول في مواجهة مع أي طرف.
في حين يرى معتصم صالح أن هناك جهات إقليمية ودولية تتحفّظ على مشاركتهم، خشية عودتهم إلى واجهة السلطة، كما أن بعض القوى الداخلية تعارض وجودهم في الحكومة، "ورغم ذلك، لا أرى أن لهذا الرفض أو التوجس تأثيرا في تأخير تشكيل حكومة أعلن رئيسها سلفا أنه سيشكلها من الكفاءات" حسب قوله.
إعلان ما الذي يمنع تشكيل الحكومة الجديدة؟قال المحلل السياسي، وأمين الإعلام السابق بحزب المؤتمر الوطني إبراهيم الصديق إن "الأصل في تشكيل الحكومة أنها حكومة تكنوقراط لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، وبالتالي فإن الحديث عن طرف سياسي غير دقيق".
وقال الصديق إن "السبب الأكثر دقة الذي يمنع تشكيل الحكومة هو غياب الخبرة السياسية لدى رئيس الوزراء كامل إدريس والمحيطين به بالقدرة على إقناع شركاء السلام بالمناصب المخصصة لهم"، وأشار إلى أن هذا الأمر كان يمكن تجاوزه بتأجيل غير المتفق عليه إلى وقت لاحق.
لكن عثمان ميرغني أكد أن الأزمة لم تكن قط في التفاهم مع مجموعة الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، بل في حرص البعض على استغلال التفاهمات للتأثير على قدرة رئيس الوزراء في تشكيل حكومته بعيدا عن الأزمات.
ويشير ميرغني -الذي تصفه بعض الدوائر الإعلامية بالمقرب من رئيس الوزراء- إلى أنه ليس هناك مانع الآن من تشكيل الحكومة، وقال للجزيرة نت إن "تشكيل الحكومة شبه مكتمل، وأتوقع أن يبدأ رئيس الوزراء في إعلانها قريبا، وسيكون المحك بعد ذلك في ما تطرحه من خطط وسياسات".