لم ينشغل المجتمع، ولم تنشغل وسائل التواصل الأسبوع الماضي، بمثل ما انشغلت بوفاة طالبة في المرحلة الثانوية بحي النرجس في مدينة الرياض.
لا ندخل في إدانات ولا اتهامات لأنها من اختصاص جهات مختصة، لاشك أنها تبحث ذلك جيداً، وتتقصَّى الأسباب التي أدت، إلى أن تُقرر الطالبة إنهاء حياتها.
ما نأمله، أن تقود وزارة التعليم، بحثاً دقيقاً، وتحريات دقيقة، ومتأنية، وتحركات دون انفعالات، أو أحكام مسبقة.
حتى لا نجد أنفسنا أمام “وتين أخرى”، ينبغي البحث الدقيق، في الأسباب، والدوافع، والتراكمات، التي أوصلت هذه الطالبة الصغيرة، إلى ما وصلت إليه من قرار مأساوي كما حدث.
وحتى لا نجد أنفسنا أمام “وتين أخرى”، ينبغي تشّكيل لجنة من مختصين ومختصات، تجمع المعلومات من كل الأطراف، تفحصها، وتمحِّصها من كافة الجوانب، قبل أن تخبرنا بما توصلت إليه من نتائج.
وبناء على ذلك، قد نجد أنفسنا أمام قرارات، ينبغي اتخاذها، حتى لا تتكرر حالة “وتين”.
لماذا وصلت الطالبة إلى هذا الوضع النفسي العصبي؟
ما الظروف، والملابسات التي أوصلت الطالبة إلى ذلك؟
ما التراكمات التي تضافرت على مدى أعوام لتوصل الطالبة إلى حالة يأس من جدوى حياتها، فتقرر في لحظة إنهاء ذلك؟
لاشك أن قرار إنهاء الحياة، قرار صعب، قرار لا يكون لحظياً، بل نتيجة تراكمات على مدى أعوام، أوصلت صاحبه إلى حالة يأس من تحسن الوضع وتغير الحال.
حالة يأس طويلة مصحوبة بخوف شديد من كل من حولها.
أطراف عدة، كلها قد يكون لها دور فيما وصل إليه حال الطالبة النفسي والعاطفي والعصبي.
حالة يأسٍ انعدم فيها الأمان، وإذا انعدم الأمان، انعدمت معه كل مباهج ومتع الحياة، حالة يأس، تساوت فيها الحياة مع نقيضها فكان قرار إنهاء الحياة.
وأخيراً: نقول لسنا في موقف إدانة أي طرف كان يتعامل مع “وتين” في البيئات التي كانت تنتقل بينها.
وليست الإدانة من اختصاصنا، ولا هي موكلة إلينا،
لكننا نطرح تساؤلات من قبيل:
كم “وتين” مازالت في مدارس بناتنا؟
كم “وتين” تنتظر فرصة لتتخذ القرار الصعب، في ظل غفلة، أو تغافل، أو عدم اهتمام، كل من هم حولها، في بيئات حياتها ؟
ogaily_wass@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: حالة یأس
إقرأ أيضاً:
أعيدوا الحياة إلى النشرة المحلية!
من منّا لم يجلس لساعات أمام نشرات إخبارية محلية دون أن يخرج منها بخبر واحد مفيد؟ بالنسبة لي، أعرف كثيرين مرّوا بهذه التجربة، وربما أنتم أيضا تنتمون إلى نفس الدائرة!
لا تزال العديد من القنوات الإخبارية المحلية العربية تُصرّ على تقديم محتوى روتيني متكرر، يُدرج بتسلسل تقليدي وممل. تبدأ النشرة بتغطية جولة ميدانية لمسؤول، ثم تنتقل إلى مشهد افتتاح مبنى وقص الشريط، أو وضع حجر الأساس، وتنتهي بفعاليات رسمية أو شعبية تكاد تتكرر حرفيا من نشرة إلى أخرى.
تمضي دقائق النشرة وسط هذا التكرار الرتيب حتى تفقد روحها، وتتحول إلى محتوى ميت يُدفن في مقبرة القناة، لا سيما في المحطات الرسمية التي أصبحت بعيدة عن هموم الناس وواقعهم.
لا يزال بالإمكان إحياء النشرة المحلية وإعادة وهجها، وذلك عبر خطوات عملية تُعيد ربطها بالناس، وتمنحها أهمية حقيقية في عيون المشاهدين
تغفل هذه القنوات عن الأساس الحقيقي للإعلام، وهو إيصال معلومات تمسّ حياة الجمهور المحلي مباشرة، لأن هذا الجمهور يتأثر بطبيعة الخبر ومحيطه. وكلما كان الخبر أكثر صلة باهتماماته، زادت قيمته وارتفعت نسبة التفاعل معه.
الخبر المحلي لا يقل أهمية عن الخبر الإقليمي أو الدولي. فالصحفية مارغريت سوليفان وصفت الصحافة المحلية في واشنطن بوست بأنها "نبض الديمقراطية"، فيما قال ستيفن والدمان، المؤسس المشارك لمبادرة "تقرير من أجل أمريكا": "إذا فقدنا الصحافة المحلية، فسنفقد قدرتنا على معرفة ما يحدث في منطقتنا".
ورغم هذا، لا يزال بالإمكان إحياء النشرة المحلية وإعادة وهجها، وذلك عبر خطوات عملية تُعيد ربطها بالناس، وتمنحها أهمية حقيقية في عيون المشاهدين، منها:
أولا: افتتاح النشرة بخبر محلي يهم الجمهور مباشرة
ينبغي أن تبدأ النشرة بخبر يمس حياة المواطنين اليومية أو شبه اليومية، مثل: تحذير المزارعين في منطقة ما من اجتياح محتمل للجراد قد يقضي على محاصيلهم، أو خبر عن انتشار عقاقير سامة أو مخدرة في الأسواق المحلية والمدارس، أو الإعلان عن تمديد خط مواصلات عامة إلى منطقة نائية.. إلخ.
الخبر المحلي المؤثر هو ما يعطي النشرة قوتها في الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة مثلا، تُعد نشرات الطقس المحلية الأكثر تكرارا على مدار اليوم، نظرا لارتباطها المباشر بحياة السكان. فمن خلالها يتم الإعلان عن تعطيل المدارس، أو إصدار تعليمات لحركة الطيران، أو التحذير من أعاصير مدمرة، كما تتابعها شركات التأمين لتقدير المخاطر وربطها بأسعار التأمين على المنازل.
وأظهرت دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة الطقس والمناخ والمجتمع الأمريكية أن الانتقال من التحذيرات الحتمية إلى التحذيرات الاحتمالية بشأن الأعاصير يمكن أن يقلّل الوفيات والتكاليف المجتمعية بمقدار يتراوح بين 76 و139 مليون دولار سنويا، بفضل تحسين القرارات وتقليل اللجوء غير الضروري إلى مراكز الإيواء.
يمنح الناس اهتمامهم الأكبر لما يلامس حياتهم اليومية ويؤثر في واقعهم المباشر، وليس لما يجري في أماكن بعيدة عنهم. من هنا، تصبح استجابة القنوات الإخبارية المحلية لاحتياجات جمهورها ضرورة وليست خيارا
ثانيا: تعزيز النشرة بقصص إنسانية من داخل المجتمع
ينبغي للمنتجين أن يدمجوا محتوى توعويا يساهم في تعزيز التواصل الثقافي والمجتمعي بين المواطنين، عبر تسليط الضوء على قصص إنسانية لأفراد من المجتمع، وليس فقط على نشاطات المسؤولين. مثل هذا المحتوى يعزز شعور المشاهد بالانتماء والهوية.
ثالثا: إشراك كوادر إعلامية من أبناء المناطق المحلية
من المهم تعيين مذيعين ومراسلين من أبناء المناطق المستهدفة، ممن يمتلكون خبرة العمل الصحفي بالدرجة الاولى وثقافة المجتمع المحلي ويعرفون احتياجاته وهمومه. فظهور وجوه مألوفة على الشاشة يعزز ثقة الجمهور بالأخبار، ويقوّي مصداقية النشرة والقناة نفسها.
في الختام..
يمنح الناس اهتمامهم الأكبر لما يلامس حياتهم اليومية ويؤثر في واقعهم المباشر، وليس لما يجري في أماكن بعيدة عنهم. من هنا، تصبح استجابة القنوات الإخبارية المحلية لاحتياجات جمهورها ضرورة وليست خيارا. فنجاح النشرة المحلية يبدأ من وعي القائمين عليها بأهمية هذا الجمهور، وينعكس مباشرة على مصداقية المحطة واستمراريتها، خصوصا أن تمويلها في الغالب يأتي من أموال هؤلاء الناس أنفسهم؛ دافعي الضرائب الذين يستحقون محتوى إعلاميا يعبّر عنهم، لا عن غيرهم.