الفضيلة والتخويف
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
سبتمبر 27, 2024آخر تحديث: سبتمبر 27, 2024
دارين المساعد
كاتبة سعودية
ما الذي يجبر الإنسان على الصمت وتجاهل السؤال إذا كان يملك الاجابة؟ إنهما الحياء والجهل لأنهما صفتان لا تلتقيان بالمعنى إنما تشتركان بالحاجة الى المعرفة والتطوير. فإن تسليط الضوء بالتوعية على كل جوانب الحياة يغلق المسافات بينهما فلا تشتركان في شيء.
أما القلق من حكم الآخرين هو قناع تشكل رغما عنّا في الطفولة وارتديناه طوال سنوات حياتنا. بتفعيل الوالدين لثقافة العيب والحرام هذا مما جعل من الأجيال الناشئة على مر عقود يشعرون بالغرابة من أنفسهم ومما يحدث في داخلهم من استعداد لاتخاذ الدور المادي في عملية الخلق.
الكُل في مجتمعاتنا بلا استثناء نشأ على معتقدات العار من غريزته الطبيعية. مرّت عقود وعاش البعض ومات الاكثرية دون فهم لهذه المشاعر وتوجيهها بالطريقة السليمة. تحقيقاً للضوابط الاجتماعية فإن التوعية الأولية مهمة الوالدين لكنهما أيضاً يحملون نفس المعتقد بأن الجنس مرتبط بالعار ويبثون هذا الموروث من خلال التخويف والتهديد بالعواقب والأمراض والموت الى ابنائهم ظناً منهم أن هذا هو أنسب سلوك لتعزيز العفة.
وتبعاً لذلك فإن الخوف لم يمنع الشباب من الممارسات العابرة وتفعيل التعلق بها لسريّتها بل حرر طاقات سيئة للمجتمع من قضايا اغتصاب وتحرش لا يردعها قانون أو عرف. صورة عن انفجار غريزة وتمرّد يَجُبُ ما قبله. وهو نتيجة حتمية للكبت الطويل تحت حراسة الجهل والخزي. لأن إخفاء المشاعر والتعامل معها بسريّة يساهم في تدفق الأفكار الظلامية وينمّي الشيطان من خلال هذا التدفق كل حزن وألم ويقود الإنسان إلى الرغبة في تفريغ اوجاعه بالآخرين واعتبارهم أجساد لتلقي الملامة بحجة اللذة لا اشخاص يتشاركون معه العاطفة والسلام. السلوكيات الشاذة والعنيفة نشأت من الصمت وانعدام التنوير والحوار.
عمود النور والمكان المقدس تعبر عن الأعضاء التناسلية للجنسين باللغة السنسكريتية وهي لغة قديمة من اللغات الأربعة بعد الثمانين في الهند .
ونلاحظ الإشارة هنا إلى أهمية نقاوة التعبير عن هذه الأعضاء وذكرها بطريقة مُلهمة يحفز انتمائنا لها وارتباطها بمشاركتنا الفعالة في حفظ النوع البشري. الكلمة أداة تعبر الى القلب والعقل دون تصريح مسبق حسب ماتحمله من معنى. والتعبير السليم برمجة لغوية من ركائز التوعية بالثقافة الجنسية. ثم من خلال التعبير يفهم الفرد من مرحلة الطفولة المتقدمة بأن الجسد ملكية خاصة لا يجوز لمخلوق التعدّي عليه او التنمر على شكله او تهميش مهمته السامية الممنوحة له من الخالق سبحانه وتعالى.
الجسد مادة نتعامل بها مع الأشياء والأشخاص، ويؤثر بالآخرين مادياً ومعنوياً من خلالنا، ويتأثر بنا بطريقة تفكيرنا، يخزن مشاعرنا في العظام والعضلات وفي القلب والأعصاب والشرايين. وهذا يفعل الانسجام الفكري بين الشريكين عند اللقاء ويعزز الارتباط ويفعّل لغة تواصل أكثر حميمية وألفة يمكن استغلالها في توطيد العلاقة وفهم الذات وتحرير المشاعر والتعبير عن المحبة والانسجام وهي لغة مباشرة من الخافية _ العقل الباطن _ تستقبل وترسل الترسبات والموروثات والتوجهات الفكرية والأحاسيس الوجدانية وتتعامل معها باللذة والاستمتاع.
وهذه التأثيرات القريبة يجب أن تكون واضحة لكل البالغين حتى يختار كل منهم شريكه دون خوض للعلاقات المتعددة وانتقال الكثير من الصدمات والأفكار عبرها حتى يرهق الجسد والوجدان معاً وتتكرر عليهما البصمات من خوض التجارب العشوائية.
العلاقات العابرة تجعل من الألم رغبة ومن الحزن احتياج، تختلط المفاهيم وتغيب الحقيقة عن العقل. ويقود القلب طوال المرحلة أعمى البصيرة يجر أذيال الخيبة بعد كل استغلال، يبحث الفرد عن نفسه في الآخرين، ويتعلق الإشباع الغريزي تحت مسمى الحب دون توافق فكري تبنى على أساسه علاقة صحيّة يدرك أطرافها واجباتهم وحقوقهم، تتفشّى التسليّة بالقلوب والوعود وتعظم صغائر التصرفات وتصغر الكبائر في عين المذنب العاشق، وكل الكلمات وما يعقبها من احساس مشروط بالجنس ويتفرع عنه باعتباره نواة العلاقة.
إنقاذ هذا الجيل يبدأ من التوعية ومن انفتاح العائلة على الحديث الصريح وتخطي الاحراج ومتابعة الأبناء وتنقية مكتسباتهم العلمية. العفة جزء من مصفوفة القيم التي تبدأ من معرفة الفرد لحقوقه الإنسانية والاجتماعية والوعي بحاجاته وكيف يلبيها باستحقاق عالي ومنزه عن الخطأ والاستغلال والحرام، الفضيلة لا يمكن فرضها بالتخويف لكنها تنبت حيث يجد المرء قيمته الإنسانية.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
خطر النوبات القلبية يتراجع.. وظهور أمراض جديدة
أظهرت دراسة أميركية حديثة تراجعا كبيرا في معدلات الوفيات الناتجة عن النوبات القلبية خلال العقود الخمسة الماضية، مقابل ارتفاع لافت في أنواع أخرى من أمراض القلب المرتبطة بعوامل مثل السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم.
ووفقا لدراسة نُشرت في دورية جمعية القلب الأميركية، فقد انخفضت وفيات النوبات القلبية بنحو 90 بالمئة، بينما تراجعت الوفيات الناتجة عن أمراض القلب عامة بنسبة 66 بالمئة منذ عام 1970.
لكن في المقابل، ارتفعت الوفيات الناتجة عن الرجفان الأذيني، وفشل القلب، وأمراض القلب المرتبطة بضغط الدم بنسبة 81 بالمئة، بحسب تحليل شمل بيانات حكومية بين عام 1970 و2022.
وقالت الدكتورة سارة كينغ، من جامعة ستانفورد والمشرفة على الدراسة، إن تطور التشخيص والعلاج ساهم في تقليل وفيات النوبات القلبية، لكن "عبء أمراض القلب لم يختف"، مشيرة إلى أن تغير نمط الحياة وزيادة متوسط الأعمار أدى إلى بروز تهديدات قلبية جديدة.
وبحسب التقرير، فقد شكلت النوبات القلبية 54 بالمئة من وفيات أمراض القلب في عام 1970، لكن النسبة انخفضت إلى 29 بالمئة بحلول عام 2022، في حين ارتفعت نسبة الوفيات الناجمة عن فشل القلب بنسبة 146 بالمئة، والوفيات المرتبطة بضغط الدم بنسبة 106 بالمئة.
ووفقا للخبراء، فإن عوامل مثل قلة النشاط البدني، وزيادة معدلات السمنة والسكري من النوع الثاني، وسوء التغذية، كانت من الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع بعض أمراض القلب الأخرى التي باتت تهدد صحة شريحة واسعة من السكان، خاصة كبار السن.
كما لفتت الدراسة إلى تأثير التحول الديموغرافي، مع بلوغ جيل "البيبي بومرز" (المولودين بين عام 1946 و1964) سن الشيخوخة، ما يعد عاملا إضافيا في ارتفاع معدلات فشل القلب واضطرابات نظم القلب، التي كانت نادرة الحدوث قبل عقود.
وفي تعليقها على نتائج الدراسة، قالت الدكتورة لاتا بالانيابان، أستاذة طب القلب في جامعة ستانفورد: "لقد حققنا تقدما كبيرا في مواجهة النوبات القلبية، لكننا نواجه الآن تحديات قلبية جديدة تتطلب استراتيجيات مختلفة في التوعية والوقاية والعلاج".