تبعات الحرب.. تضخم وتضرر قطاعات حيوية إسرائيلية
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
يواجه اقتصاد إسرائيل تحديات كبيرة بسبب الضغوط التراكمية للحرب العسكرية المستمرة التي تشنها قواته على ثلاث جبهات قتال، ويشير الخبراء إلى أولى تأثيرات الحرب هو تحويل مواردها نحو الأغراض العسكرية بعيداً عن القطاع الخاص.
ووفق فريق إدارة المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “بي إم أي” (BMI) التابعة لـ “فيتش سوليوشنز”، “سيوفر الإنفاق العام بعض الدعم للناتج المحلي الإجمالي، لكن نشاط الاستثمار الخاص -سواء في قطاع الأعمال أو البناء- سيظل منخفضاً”.
ورجح محللو “بي إم أي” أن يكون التأثير الاقتصادي الرئيسي على المالية العامة مع تفاقم العجز إلى 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و6% في 2025، مقارنةً بـ4.2% العام الماضي.
وفي أحدث تقاريرها، تتوقع مؤسسة الأبحاث أن ينمو اقتصاد إسرائيل دون توقعات الحكومة إلى 1% في 2024 و3.5% العام المقبل.
علامات على ضعف الاقتصاد الإسرائيلي بدأت تظهر، وإحداها هي عدم تعافي الاقتصاد بعد أن عاد 300 ألف جندي احتياطي تركوا وظائفهم عقب أحداث 7 أكتوبر 2023 إلى أماكن عملهم، بحسب سيغا توماس، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات “Ensah Advisory Partners”.
وأضاف، “أن العمليات العسكرية المستمرة، التي تشمل تكاليف المعدات والخدمات اللوجستية والأفراد، تفرض ضغوطاً متزايدة على المالية العامة للبلاد، وهو ما جعل وزير المالية الإسرائيلي يطالب المشرعين بالموافقة على زيادة عجز الميزانية لتلبية المطالب المتزايدة للإنفاق العسكري”.
و خفضت “إس آند بي” (S&P) تصنيفها الائتماني لإسرائيل إلى “A” من “+A”للمرة الثانية هذه السنة، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية، بفعل الزيادة الكبيرة في المخاطر الجيوسياسية والأمنية. تأتي خطوة الوكالة بعدما قامت زميلتها “موديز” الشهر الماضي بتخفيض التصنيف إلى “Baa1” من “A2″، والإبقاء على نظرتها السلبية حيال التصنيف. وتوقعت الوكالة عدم تحقيق الناتج المحلي لإسرائيل هذا العام أي نمو.
“ستتزايد الضغوط على اقتصاد إسرائيل نتيجة للحرب المستمرة بعد تعدد الجبهات وبلوغ عتبات الحرب الشاملة”، بحسب محمد شهاب الإدريسي، المدير التنفيذي في معهد الدراسات المستقبلية. وقال: “انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1% في الأسابيع التي تلت السابع من أكتوبر 2023، واستمر الانحدار حتى عام 2024، حيث انخفض بنسبة 1.1% و1.4% إضافية في الربعين الأول والثاني”.
وأكبر المخاوف التي تواجه الإسرائيليين هو التأثير المحتمل على قطاع التكنولوجيا الفائقة، وهو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في البلاد، كما أفاد توماس.
وفي الأمد القريب، رجّح أن تواجه إسرائيل ضغوطاً تضخمية وتباطؤاً في نمو الناتج المحلي الإجمالي، مدللاً على تقديراته بتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.7% على أساس سنوي بين أبريل ويونيو، ومعتبارً أن العواقب طويلة الأجل على اقتصاد إسرائيل تعتمد إلى حد كبير على مدة الاشتباكات العسكرية ومدى استقرار المنطقة.
وأفادت شركة المعلومات التجارية الإسرائيلية “كوفاس بي دي آي” (Coface Bdi) بأن نحو 46 ألف شركة أغلقت أبوابها منذ بداية الحرب وحتى يوليو الماضي، وأن 75% منها شركات صغيرة، بما يشير إلى ضائقة كبيرة في القطاع الخاص.
مع ذلك، فإن اقتصاد إسرائيل “قد يستطيع امتصاص الضغوط المالية الناجمة عن الحرب في الأمد القريب، لكن ذلك قد يأتي على حساب النمو في الأمد البعيد”، كما رجّح توماس.
وأضاف أن صناعة الأسلحة في البلاد، بدعم من التحالفات الدولية القوية، وخاصة مع الولايات المتحدة، تشكل أساساً متيناً للاقتصاد. لكن رغم أنه يمكن أن تساعد صادرات الأسلحة على تعويض بعض التكاليف، إلا أن الحرب الطويلة قد تجبر الحكومة على خفض الخدمات العامة، أو رفع الضرائب، أو زيادة الدين العام.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الاقتصاد الاسرائيلي التضخم تراجع الانتاج الناتج المحلی الإجمالی اقتصاد إسرائیل
إقرأ أيضاً:
تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.
والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.
لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.
والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.
أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.
أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.
هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.
وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.
الأيام الفلسطينية