لجريدة عمان:
2025-12-13@19:18:34 GMT

ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

بات جلّيا أن التحول الرقمي يعدّ محركًا رئيسًا للتغيير الاقتصادي والاجتماعي في العالم، وسلطنة عُمان ليست استثناءً؛ ففي ظل التقدم التقني والرقمي السريع، تزايدت أهمية ريادة الأعمال الرقمية باعتبارها أداة أساسية لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق تنوّعه الذي تعمل رؤية «عُمان 2040» على تنفيذه؛ إذ تتيح هذه الرؤية السامية إطارًا واضحًا لتسخير الابتكار الرقمي والتقنيات الحديثة من أجل تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة تتماشى مع مستجدات النمو العلمي واحتياجاته، ومن السهل أن نعتبر ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان فرصة ذهبية وفقَ الآراء الداخلية والخارجية للمستثمرين؛ لأسباب متعددة منها بيئة خصبة تعتمد على مجموعة من العوامل الداعمة التي تشمل البنية التحتية الرقمية المتطورة والسياسات الحكومية الداعمة للابتكار التقني والرقمي، ولا غرو أن نؤكد على ذلك استنادا إلى المؤشرات العالمية لقياس الأداء التقني للدول؛ ففي عام 2024م ارتفع التصنيف العالمي لسلطنة عُمان 9 مراكز لمؤشر الحكومة الإلكترونية؛ لتحل في المركز 41 عالميا، وترتفع 26 درجة في مؤشر البنى الأساسية للاتصالات؛ لتحتل المركز 22 عالميا بعد قفزة كبيرة من المرتبة 48، وكذلك في العام الحالي نفسه، صُنّفت سلطنة عُمان من ضمن القائمة الأولى للدول الأكثر جاهزية في الأمن السيبراني.

يعزى هذا التفوق التقني والرقمي بكل أنواعه إلى الرؤية السامية التي حدد معالمها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-، فقد أولت رؤيته السامية عناية خاصة بالتطوير الرقمي ودعم مشروعاته الابتكارية، وهذا ما ترجم واقعا في البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي الذي تبنّى عدة أهداف رقمية وطنية منها دعم الابتكار الرقمي وربطه بالمشروعات الاقتصادية؛ فأظهرت الحكومة العُمانية التزامًا قويًا بتطوير الاقتصاد الرقمي عبر مشروعات البنية التحتية مثل توسعة شبكات الاتصال وتوفير الإنترنت عالي السرعة في مختلف أنحاء البلاد، ويمكن أن يعتبر هذا الاستثمار في البنية التحتية حجر الأساس الذي يمكن لرواد الأعمال الرقميين الاعتماد عليه لتطوير مشروعاتهم التي ستنهض بالاقتصاد الوطني وترفع من مؤشرات التنافسية العالمية.

أطلقت سلطنة عُمان مجموعة من المبادرات لدعم ريادة الأعمال الرقمية، منها: برنامج «إثراء»، وبرامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم تأسيسها وتطويرها، والتي تستهدف توفير الموارد اللازمة لرواد الأعمال لبدء مشروعاتهم ومواصلة تطويرها. كذلك من ضمن هذه المبادرات «الصندوق العماني للتكنولوجيا» الذي يهدف إلى دعم الابتكار التقني بأنواعه وخصوصا التقنيات الرقمية الحديثة عبر عدد من البرامج التدريبية والتمويلية للمشروعات الرقمية الناشئة، وتمويل الشركات الناشئة ذات التوجه الرقمي؛ ليعكس الاهتمام الجاد بتحقيق اقتصاد رقمي متنوع وصُلب، وتتمثل إحدى أبرز الفرص المتاحة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة الذي يواكب التوجه العالمي ومستجداته، وتقدم الأدوات الرقمية وحلولها دافعا فعّالا لتحسين استدامة القطاعات وتنميتها، مثل: الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية والزراعية، وقطاع الصناعات المتقدمة. في ظل تسارع الوعي المجتمعي بعمومه في سلطنة عُمان بأهمية التفاعل الرقمي والبحث عن سبل تحقيق الاستدامة الاقتصادية؛ فإننا نرى ثمّة فرصًا كبيرة للشركات الرقمية الوطنية الناشئة التي يمكن التعويل عليها في تحقيق هذه الاستدامة، وهذا ما يمكن أن نراه واقعا في عدد من الدول الصناعية المتقدمة التي تعتمد في استدامة اقتصادها على مساهمات الشركات الناشئة خصوصا في قطاع التقنيات.

رغم هذه الفرص الكثيرة والواعدة؛ فإننا لا يمكن أن نغفل عن التحديات المصاحبة التي تتطلب من رواد الأعمال التغلب عليها للمضي قدما في تحقيق مشروعاتهم الرقمية بنجاح، ومن هذه التحديات نقص المهارات التقنية المتقدمة التي يتطلبها سوق العمل؛ إذ ما يزال هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات الشركات الرقمية، ولهذا فالعديد من رواد الأعمال يواجهون تحديات في إيجاد الكفاءات الوطنية القادرة على دعم الابتكارات التقنية ومواصلة تطويرها، ما يحدّ من قدرتهم على النمو والتوسع المنافسات العالمية وخوض غمارها، ولعلّ من اليسير مواجهة هذا النوع من التحديات عبر إعادة تشكيل المناهج التعليمية بجميع مستوياتها المدرسية والجامعية لتواكب التقدم التقني ومتطلباته الملحّة، ويمكن التركيز على مضاعفة المدخلات الوطنية في البرامج التقنية والرقمية الجامعية، وهذا ما سبق الحديث عنه وعن آلية تنفيذه في مقالات سابقة. يتمثّل التحدي الآخر في التمويل الذي لم ننكر الدور الحكومي في تنفيذه ودعمه، ولكن مع نمو الاقتصاد الرقمي ومشروعاته الناشئة ما يزال الوصول إلى التمويل المناسب يشكّل تحديًا لرواد الأعمال الرقميين، وخاصة في المراحل المبكّرة من تطوير مشروعاتهم؛ فتتطلب المشروعات الرقمية استثمارات كبيرة في مجال البحوث والتطوير، ولهذا يعتبر توفير هذا التمويل عقبة رئيسة أمام العديد من المبتكرين، ومن الحلول المقترحة لهذا التحدي فتح المزيد من أبواب الدعم والتمويل عبر مؤسسات القطاع الخاص وعبر المستثمرين أصحاب رأس المال وتشجيعهم على الاستثمار ورفد هذه المشروعات الوطنية.

لا تأتي كل هذه الحلول دون بلوغ مستويات عالية من الثقافة الرقمية والوعي بريادة الأعمال في جميع المستويات المجتمعية التي تشمل الفئة المستثمرة، والمشغّلة، والمستهلكة، ويتطلب تشجيع الشباب على تبني روح الابتكار وريادة الأعمال تحولات جذرية في النظام التعليمي؛ لضمان تطوير مناهج ترفد مهارات التفكير النقدي والتقني والتشجيع على الابتكار. كذلك يمكن الدفع بالمزيد من جهود الدعم عن طريق توفير بيئة حاضنة لرواد الأعمال عبر مضاعفة مسرّعات الأعمال الرقمية وحاضناتها، وعبر إنشاء صناديق استثمار تركّز على الشركات الرقمية الناشئة، وتقديم المزيد من الدعم الفني والمالي والمشورة الإستراتيجية على غرار البرامج الوطنية التي ذكرناها آنفا مثل «إثراء» و«الصندوق العُماني للتكنولوجيا»؛ إذ تسهم مثل هذه الحاضنات في تقديم بيئة آمنة لتجربة الأفكار والابتكارات وممارستها، وتسهيل الوصول إلى السوق وتوسيع نطاق العمل. في محيط خارجي، يبرز دورٌ كبيرٌ لكبرى شركات التقنية العالمية التي يمكن لمشروعات ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان الاستفادة من خبراتها عبر التفاعل المباشر وتأسيس الشراكات؛ فيمكن لرواد الأعمال العمانيين الاستفادة من الخبرات العالمية وتطوير أفكارهم عن طريق التعاون مع شركات دولية رقمية كبيرة؛ للدفع من إمكاناتهم التنافسية، ويمكن عبر القنوات الحكومية ومؤسساتها المعنية التفاوض على توسيع اتفاقيات الشراكة مع دول أخرى؛ لتسهيل وصول الشركات الناشئة العُمانية إلى الأسواق الإقليمية والدولية. كذلك يمكن أن نرى أبعادا أخرى للدعم يمكن أن تقدّم إلى المشروعات الوطنية الرقمية الناشئة عبر منحهم الأولوية في العقود الممنوحة لتنفيذ المشروعات الرقمية سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص؛ ليكون وسيلة من وسائل الدعم تضمن استمرارهم وتطورهم.

يحمل المستقبل فرصًا كبيرة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان، وخاصةً مع الجهود المبذولة للتوجّه نحو التحول الرقمي والمنافسة على المستويات العالمية والإقليمية؛ فتوفّر التحولات الجارية نحو الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتقنيات المالية فرصًا كبيرة للأفراد والشركات الناشئة لتقديم حلول مبتكرة تلبّي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، وما نراه من تركيز حكومي عُماني على التنوّع الاقتصادي عبر التحول الرقمي؛ سيؤتي ثماره ولو بعد حين، وسيتسع لدعم القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والخدمات اللوجستية والزراعة؛ فيفتح الأبواب أمام مزيد من الابتكارات الرقمية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ریادة الأعمال الرقمیة الشرکات الناشئة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الجامعة الأمريكية تقود تحالف «استثمر بثقة - DTS» لتطوير قطاع الإلكترونيات في مصر

اختيرت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، لتولي قيادة تحالف «استثمر بثقة - لتخفيف المخاطر عن الشركات التكنولوجية الناشئة (DTS)»، وذلك في إطار مبادرة «تحالف وتنمية» الرئاسية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الجامعات والصناعة من أجل دعم الابتكار وبناء اقتصاد معرفي مستدام.

يقود هذه المبادرة مركز ريادة الأعمال والابتكار بكلية أنسي ساويرس لإدارة الأعمال ومركز الإلكترونيات النانوية والأجهزة بكلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تسريع وتيرة الابتكار وتعزيز تنافسية مصر في قطاع التصميم والتصنيع الإلكتروني.

وقد وقّع الدكتور أحمد دلّال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بروتوكول التعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إيذانًا ببدء العمل الرسمي في تأسيس التحالف.

ويأتي هذا المشروع في ظل نمو متسارع يشهده النظام البيئي للشركات الناشئة في مصر خلال العقد الماضي، مدعومًا برؤية مصر 2030 وتزايد الاستثمارات في رأس المال المخاطر، إلا أن الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا العميقة ما زالت تواجه تحديات تتعلق بارتفاع تكلفة المعدات والكوادر والخبرة التقنية.

ويهدف التحالف إلى سد هذه الفجوات من خلال إنشاء منظومة متكاملة تُسهم في دعم الشركات التكنولوجية الناشئة وتقليل المخاطر التي تواجهها، بما يرسخ مكانة مصر كقائد إقليمي في مجال الابتكار في الإلكترونيات والتكنولوجيا العميقة.

يضم تحالف «استثمر بثقة - DTS» تسعة شركاء محليين من قطاعات مختلفة تشمل الأوساط الأكاديمية، والقطاع الخاص، والقطاع العام، والمستثمرين، وجهات التمكين، وهم:

الجامعة الأمريكية بالقاهرة (ممثلة في مركز ريادة الأعمال والابتكار ومركز الإلكترونيات النانوية)، جامعة الزقازيق، مجموعة العربي، الشركة الناشئة EMASS، جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، Flat6Labs، DEN VC، Startup Factory Venture Studio، وMeska AI.

وتتمثل أهداف التحالف في دعم توطين تصميم وتصنيع الإلكترونيات، وزيادة معدلات التصدير، وبناء القدرات البشرية لتلبية احتياجات الصناعة، وتشجيع الابتكار من خلال الهاكاثونات، وتطوير مناهج تعليمية متوائمة مع متطلبات السوق، إلى جانب تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإلكترونيات، وتعزيز حماية الملكية الفكرية، ودعم دمج الشركات الناشئة في الأسواق، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأوضح الدكتور يحيى إسماعيل، مدير مركز الإلكترونيات النانوية والأجهزة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن هذا التحالف يمثل استجابة لحاجة حقيقية في السوق المحلية قائلاً: «التحالف لا يركز فقط على تطوير البرمجيات، بل يهدف إلى تعزيز قدرات مصر في تصميم وتطوير الأجهزة الإلكترونية، وتوسيع قاعدة الابتكار الصناعي. لقد آن الأوان لتطبيق خبراتنا الإقليمية هنا في وطننا ودعم القطاع الخاص ليكون قادرًا على المنافسة عالميًا»

من جانبها، أكدت الدكتورة هالة بركات، مدير مركز ريادة الأعمال والابتكار بالجامعة، أن التحالف يمثل منصة وطنية للتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة في منظومة الابتكار، مضيفة: «رأينا في مبادرة تحالف وتنمية فرصة مثالية لجمع شركائنا المحليين والدوليين نحو هدف وطني استراتيجي. لقد عملنا على بناء شراكات تعزز دور الجامعات في تسويق نتائج البحث العلمي ودعم الشركات الناشئة المبتكرة».

بدوره، أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن مبادرة «تحالف وتنمية» تعكس التزام الدولة بتطبيق نموذج التكامل بين الجامعات والصناعة، مشيرًا إلى أن التحالفات الفائزة تمثل نواة حقيقية لبناء قطاعات اقتصادية مبتكرة ذات قدرة تنافسية، وتُجسد توجه الدولة نحو التنمية المستدامة القائمة على المعرفة والبحث والابتكار.

مقالات مشابهة

  • الجامعة الأمريكية بالقاهرة تقود تحالف لتطوير قطاع الإلكترونيات
  • 520 طالبا وطالبة في انطلاق مسابقة «يوم السرد القرآني الأول» بصلالة
  • رئيس جهاز تنمية المشروعات: نقدم برامج وخدمات لدعم المشروعات الناشئة ونشر ثقافة ريادة الأعمال
  • الجامعة الأمريكية تقود تحالف «استثمر بثقة - DTS» لتطوير قطاع الإلكترونيات في مصر
  • العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل
  • البحث العلمي تشارك بمشروع YIELD لتعزيز ريادة الأعمال في التكنولوجيا العميقة
  • دور الأوقاف في تمكين ريادة الأعمال
  • ملتقى ريادة الأعمال في زراعة الجيل الخامس يوصي بإنشاء مركز عربي للبيانات الزراعية
  • سلطنة عمان والبحرين يناقشان تسويق منتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بين البلدين
  • إعلان النتائج وتتويج الفائزين بجائزة ريادة الأعمال والابتكار بمحافظة الداخلية