ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
بات جلّيا أن التحول الرقمي يعدّ محركًا رئيسًا للتغيير الاقتصادي والاجتماعي في العالم، وسلطنة عُمان ليست استثناءً؛ ففي ظل التقدم التقني والرقمي السريع، تزايدت أهمية ريادة الأعمال الرقمية باعتبارها أداة أساسية لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق تنوّعه الذي تعمل رؤية «عُمان 2040» على تنفيذه؛ إذ تتيح هذه الرؤية السامية إطارًا واضحًا لتسخير الابتكار الرقمي والتقنيات الحديثة من أجل تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة تتماشى مع مستجدات النمو العلمي واحتياجاته، ومن السهل أن نعتبر ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان فرصة ذهبية وفقَ الآراء الداخلية والخارجية للمستثمرين؛ لأسباب متعددة منها بيئة خصبة تعتمد على مجموعة من العوامل الداعمة التي تشمل البنية التحتية الرقمية المتطورة والسياسات الحكومية الداعمة للابتكار التقني والرقمي، ولا غرو أن نؤكد على ذلك استنادا إلى المؤشرات العالمية لقياس الأداء التقني للدول؛ ففي عام 2024م ارتفع التصنيف العالمي لسلطنة عُمان 9 مراكز لمؤشر الحكومة الإلكترونية؛ لتحل في المركز 41 عالميا، وترتفع 26 درجة في مؤشر البنى الأساسية للاتصالات؛ لتحتل المركز 22 عالميا بعد قفزة كبيرة من المرتبة 48، وكذلك في العام الحالي نفسه، صُنّفت سلطنة عُمان من ضمن القائمة الأولى للدول الأكثر جاهزية في الأمن السيبراني.
أطلقت سلطنة عُمان مجموعة من المبادرات لدعم ريادة الأعمال الرقمية، منها: برنامج «إثراء»، وبرامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم تأسيسها وتطويرها، والتي تستهدف توفير الموارد اللازمة لرواد الأعمال لبدء مشروعاتهم ومواصلة تطويرها. كذلك من ضمن هذه المبادرات «الصندوق العماني للتكنولوجيا» الذي يهدف إلى دعم الابتكار التقني بأنواعه وخصوصا التقنيات الرقمية الحديثة عبر عدد من البرامج التدريبية والتمويلية للمشروعات الرقمية الناشئة، وتمويل الشركات الناشئة ذات التوجه الرقمي؛ ليعكس الاهتمام الجاد بتحقيق اقتصاد رقمي متنوع وصُلب، وتتمثل إحدى أبرز الفرص المتاحة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة الذي يواكب التوجه العالمي ومستجداته، وتقدم الأدوات الرقمية وحلولها دافعا فعّالا لتحسين استدامة القطاعات وتنميتها، مثل: الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية والزراعية، وقطاع الصناعات المتقدمة. في ظل تسارع الوعي المجتمعي بعمومه في سلطنة عُمان بأهمية التفاعل الرقمي والبحث عن سبل تحقيق الاستدامة الاقتصادية؛ فإننا نرى ثمّة فرصًا كبيرة للشركات الرقمية الوطنية الناشئة التي يمكن التعويل عليها في تحقيق هذه الاستدامة، وهذا ما يمكن أن نراه واقعا في عدد من الدول الصناعية المتقدمة التي تعتمد في استدامة اقتصادها على مساهمات الشركات الناشئة خصوصا في قطاع التقنيات.
رغم هذه الفرص الكثيرة والواعدة؛ فإننا لا يمكن أن نغفل عن التحديات المصاحبة التي تتطلب من رواد الأعمال التغلب عليها للمضي قدما في تحقيق مشروعاتهم الرقمية بنجاح، ومن هذه التحديات نقص المهارات التقنية المتقدمة التي يتطلبها سوق العمل؛ إذ ما يزال هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات الشركات الرقمية، ولهذا فالعديد من رواد الأعمال يواجهون تحديات في إيجاد الكفاءات الوطنية القادرة على دعم الابتكارات التقنية ومواصلة تطويرها، ما يحدّ من قدرتهم على النمو والتوسع المنافسات العالمية وخوض غمارها، ولعلّ من اليسير مواجهة هذا النوع من التحديات عبر إعادة تشكيل المناهج التعليمية بجميع مستوياتها المدرسية والجامعية لتواكب التقدم التقني ومتطلباته الملحّة، ويمكن التركيز على مضاعفة المدخلات الوطنية في البرامج التقنية والرقمية الجامعية، وهذا ما سبق الحديث عنه وعن آلية تنفيذه في مقالات سابقة. يتمثّل التحدي الآخر في التمويل الذي لم ننكر الدور الحكومي في تنفيذه ودعمه، ولكن مع نمو الاقتصاد الرقمي ومشروعاته الناشئة ما يزال الوصول إلى التمويل المناسب يشكّل تحديًا لرواد الأعمال الرقميين، وخاصة في المراحل المبكّرة من تطوير مشروعاتهم؛ فتتطلب المشروعات الرقمية استثمارات كبيرة في مجال البحوث والتطوير، ولهذا يعتبر توفير هذا التمويل عقبة رئيسة أمام العديد من المبتكرين، ومن الحلول المقترحة لهذا التحدي فتح المزيد من أبواب الدعم والتمويل عبر مؤسسات القطاع الخاص وعبر المستثمرين أصحاب رأس المال وتشجيعهم على الاستثمار ورفد هذه المشروعات الوطنية.
لا تأتي كل هذه الحلول دون بلوغ مستويات عالية من الثقافة الرقمية والوعي بريادة الأعمال في جميع المستويات المجتمعية التي تشمل الفئة المستثمرة، والمشغّلة، والمستهلكة، ويتطلب تشجيع الشباب على تبني روح الابتكار وريادة الأعمال تحولات جذرية في النظام التعليمي؛ لضمان تطوير مناهج ترفد مهارات التفكير النقدي والتقني والتشجيع على الابتكار. كذلك يمكن الدفع بالمزيد من جهود الدعم عن طريق توفير بيئة حاضنة لرواد الأعمال عبر مضاعفة مسرّعات الأعمال الرقمية وحاضناتها، وعبر إنشاء صناديق استثمار تركّز على الشركات الرقمية الناشئة، وتقديم المزيد من الدعم الفني والمالي والمشورة الإستراتيجية على غرار البرامج الوطنية التي ذكرناها آنفا مثل «إثراء» و«الصندوق العُماني للتكنولوجيا»؛ إذ تسهم مثل هذه الحاضنات في تقديم بيئة آمنة لتجربة الأفكار والابتكارات وممارستها، وتسهيل الوصول إلى السوق وتوسيع نطاق العمل. في محيط خارجي، يبرز دورٌ كبيرٌ لكبرى شركات التقنية العالمية التي يمكن لمشروعات ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان الاستفادة من خبراتها عبر التفاعل المباشر وتأسيس الشراكات؛ فيمكن لرواد الأعمال العمانيين الاستفادة من الخبرات العالمية وتطوير أفكارهم عن طريق التعاون مع شركات دولية رقمية كبيرة؛ للدفع من إمكاناتهم التنافسية، ويمكن عبر القنوات الحكومية ومؤسساتها المعنية التفاوض على توسيع اتفاقيات الشراكة مع دول أخرى؛ لتسهيل وصول الشركات الناشئة العُمانية إلى الأسواق الإقليمية والدولية. كذلك يمكن أن نرى أبعادا أخرى للدعم يمكن أن تقدّم إلى المشروعات الوطنية الرقمية الناشئة عبر منحهم الأولوية في العقود الممنوحة لتنفيذ المشروعات الرقمية سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص؛ ليكون وسيلة من وسائل الدعم تضمن استمرارهم وتطورهم.
يحمل المستقبل فرصًا كبيرة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان، وخاصةً مع الجهود المبذولة للتوجّه نحو التحول الرقمي والمنافسة على المستويات العالمية والإقليمية؛ فتوفّر التحولات الجارية نحو الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتقنيات المالية فرصًا كبيرة للأفراد والشركات الناشئة لتقديم حلول مبتكرة تلبّي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، وما نراه من تركيز حكومي عُماني على التنوّع الاقتصادي عبر التحول الرقمي؛ سيؤتي ثماره ولو بعد حين، وسيتسع لدعم القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والخدمات اللوجستية والزراعة؛ فيفتح الأبواب أمام مزيد من الابتكارات الرقمية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ریادة الأعمال الرقمیة الشرکات الناشئة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
26 شركة ناشئة في «Hub71» تنضمّ إلى برنامج جوجل للذكاء الاصطناعي
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت Hub71، منظومة التكنولوجيا العالمية في أبوظبي، بالتعاون مع «جوجل» عن إطلاق برنامج مسرّع جوجل للشركات الناشئة Google for Startups Accelerator، وهو برنامج مشترك يهدف إلى تمكين الشركات الناشئة المتخصّصة في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة Hub71+ AI، وتعزيز الابتكار في القطاعات ذات الأولوية انطلاقًا من أبوظبي.
وتمّ اختيار 26 شركة ناشئة من مجتمع Hub71 للانضمام إلى الدفعة الأولى ضمن منهج دراسي مصمم خصيصًا لها يمتد لثلاثة أشهر.
وبموجب انضمامها، ستتمكن الشركات الناشئة التي تم اختيارها من الحصول على فرصة الوصول إلى شبكة جوجل العالمية والتي تضم مرشدين ومهندسين وقادة منتجات، بالإضافة إلى أرصدة «جوجل كلاود».
وستتأهل الشركات الناشئة الأفضل أداءً للحصول على رصيد تصل قيمته إلى 300 ألف دولار وهي أعلى فئة متاحة من الدعم عبر هذا البرنامج على مستوى العالم، كما سيتم النظر في منح الشركات الناشئة رصيدًا من «منصّة جوجل كلاود»، بما يُعزز قدراتها التقنية بشكل أكبر.
واستفادت هذه الشركات الناشئة المنضمّة بالفعل إلى مجتمع Hub71، من دعم تمويلي سابق يصل إلى 500 ألف درهم، يشمل 250 ألف درهم كخدمات دعم عيني، ودعم نقدي بقيمة 250 ألف درهم خلال اتفاقية الأسهم المستقبلية SAFE، بالإضافة إلى برنامج إرشاد مُخصّص.
ومن خلال برنامج مُسرّع جوجل للشركات الناشئة، تُتاح لها الآن فرصة الوصول إلى شبكة قوية من الشركاء والخبراء التقنيين وفرص تطوير الأعمال ضمن منظومة Hub71+ للذكاء الاصطناعي، مما يُعزز قدرتها على التوسع عالميًا انطلاقًا من أبوظبي.
وقال أحمد علي علوان، الرئيس التنفيذي لـ Hub71: يُعدّ إطلاق برنامج مسرّع جوجل للشركات الناشئة في أبوظبي، إنجازًا مهمًا لتعزيز مكانتنا كمركز عالمي لابتكارات الذكاء الاصطناعي، وبالتعاون مع جوجل، سنُمكّن رواد الأعمال من تطوير تقنيات متقدمة تستجيب لتحديات العالم الواقعي، ونطمح إلى أن تتمكن هذه الشركات الناشئة في أبوظبي من التنافس على الساحة العالمية وأن تتصدر وتقود الطريق نحو تحقيق أهدافها وأن يكون لعملها تأثيره المستدام.
ومن جهته، قال دورون أفني، نائب الرئيس للشؤون الحكومية والسياسة العامة للأسواق الناشئة في «جوجل»: عمل الشركات الناشئة على قيادة مسيرة تطوير حلول الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات العالمية الملحّة، وتهدف شراكتنا مع Hub71 إلى تزويد هذه الشركات بالموارد التي تمكّنها من التقدّم بشكل أسرع وأكثر تأثيرًا، ومن خلال هذا البرنامج، نتيح للشركات الناشئة ضمن مجتمع Hub71 فرص الوصول إلى الخبرات والبنية التحتية العالمية، لتطوير حلول ذكاء اصطناعي تساهم بإحداث فارق ملموس على المستويين الإقليمي والدولي.