كانت هناك رغبة فى التوسع منذ القرن الثالث عشر، أو كانت مجرد رغبة فى فرض السلطة قد انتشرت أوروبا التى استخدمت المراقبة بشكل عملى لتطوير تقنياتها. وسيسمح ذلك لأوروبا باكتشاف وغزو العالم فى الوقت الذى كان بعض سكان الأرض لم يلتقوا عمليًا من قبل، فقد رأينا أن أمريكا لم تكن على دراية بكل من أوروبا وآسيا وأن المعلومات استغرقت فى المتوسط قرنين للانتقال من الصين إلى أوروبا.


كيف نستطيع تفسير ديناميكية أوروبا فى مواجهة الحضارات العربية والأفريقية والآسيوية والأمريكية؟ إن الحضارات الأخرى قوية وفى بعض الأحيان تشكل تهديدا، مثل الإمبراطورية التركية التى كانت آخر من هدد أوروبا حتى منتصف القرن السابع عشر ولكن المبادرة دائمًا ما تفوتها.
يمكن القول إنه كان هناك نوع من التفاؤل يسكن المجتمعات الأوروبية.. وبالفعل بدأ التوسع الأوروبى مع سيطرة القوى المسيحية على البحر الأبيض المتوسط بعد فتح مضيق جبل طارق فى عام ١٢٩١. وقد استخدم المستكشفون الأوروبيون علم المثلثات والبوصلة لتحديد مواقعهم من السواحل وكانت البوصلة معروفة جيدًا عند الصينيين الذين أهملوا تطبيقاتها العملية.
وفى الحقيقة، يوفر الصيد والتنقيب عن الملح الخبرة البحرية اللازمة وعندما منع الأتراك توسع الأوروبيين نحو الشرق، قام هؤلاء بتوجيه أنظارهم إلى الجنوب والغرب مما جعل من الممكن الوصول إلى الهند.
وعند التقاء المنطقتين البحريتين، نرى أن البرتغال وقشتالة تمتلكان التقنيات البحرية الأكثر تقدمًا ورست القوارب على طول سواحل أفريقيا حيث تم إنشاء منطقة مسيحية فى سبتة عام ١٤١٥.
كانت الجزر أول ما تم احتلاله حيث انطلقت رحلة واسعة ووصلت إلى الرأس الأخضر عام ١٤٤٤ وعبرت حتى سيراليون ثم وصلت إلى الكونجو حوالى عام ١٤٤٦. وولدت أحلام الوصول إلى آسيا عن طريق مباشر قد ولدت على الشواطيء الأفريقية.
كان الذهب من غانا يمول عمليات الاستكشاف التى أدت إلى اكتشاف طريق رأس الرجاء عام ١٤٨٢، ثم قام فاسكودا جاما بالدوران حول الأرض من عام ١٤٨٨ إلى عام ١٤٩٧ وكان هذا خبر مهم وغريب قد انتشر على الفور فى جميع أنحاء أوروبا. وحتى لو لم يتم عبور الأرض بالكامل حتى نهاية القرن الثامن عشر عن طريق البحر وفى نهاية القرن التاسع عشر عن طريق البر، فإن القرن السادس عشر يفتح حقبة جديدة ألا وهى فترة الإنسان الذى يوحد الكوكب.
وكان هذا هو وقت الاكتشافات وغزو العالم واقتحام مجموعات سكانية جديدة لم تكن على علم بوجودها.
ولم تكن هذه العملية بدون أضرار كبيرة.. تم ارتكاب إبادة جماعية هائلة فى أمريكا الجنوبية بينما كان من المنتظر أن تحدث نفس الأسباب نفس التأثيرات فى أمريكا الشمالية. ولا شك أن اكتشاف أمريكا هو ثمرة غير متوقعة لسلسلة من الأخطاء. وفى وقت استعادة غرناطة، اعتقد كريستوفر كولومبوس أنه استثمر فى مهمة «روحانية» وكان قد حصل على الوسائل بفضل إيزابيل دى كاستيل.
وعندما اكتشف أمريكا، لم يكن بقية العالم على دراية بوجود هذا الربع من الأراضى الناشئة التى أصبحت فخًا لخمسة وسبعين مليونًا من الهنود الحمر، أى سدس البشرية فى ذلك الوقت الذين أحرزوا خلال عزلتهم النسبية كثيرا من التقدم فى علم الفلك والحساب.
لقد كانت كثافة الماياس غير عادية حيث وصلت إلى خمسين نسمة لكل كيلومتر مربع بفضل زراعة الذرة وبعض المحاصيل. لكن الأمريكيين الأصليين لم يكونوا قادرين على مقاومة الغزاة الأوروبيين لأن وسائل الاتصال المحدودة لديهم لم تسهل تركيز القوات ونظامهم السياسى المعقد أعاق تعبئة الدفاع.
وخلال عشرين عامًا تمكن الغزاة من الاستيلاء على الجزر الأمريكية وبالكاد مرت عشرين عامًا أخرى حتى سيطروا على تسعين بالمائة من سكان أمريكا المتركزين فى ٢ كم من ٤٢ مليون كيلو متر مربع من القارة.. لقد حولهم الغزاة إلى قوة عاملة أسيرة تذوب كالثلج فى الشمس تحت الصدمة الميكروبية والفيروسية.
ووقع حدث فريد من نوعه فى تاريخ البشرية ألا وهو انخفاض إجمالى عدد سكان أمريكا بشكل حاد من حوالى خمسة وسبعين مليون نسمة فى عام ١٤٩٢ إلى اثنى عشر أوخمسة عشر مليونًا فى عام ١٥٥٠. تم إنقاذ بقية السكان من خلال المبشرين.
وفى عالم اليوم، يتم تقديس التغيير وإدانة الجمود فى حين أن التغيير يفرض نفسه على الإنسان دون الحاجة إلى التعجيل به. وبالنسبة لحضارات الأزتك والماياس والإنكا، فمن الواضح أن الوقت قد فات حيث تم تدمير كل شيء.. والسؤال الذى يطرح نفسه حاليا: ما هى الدروس التى يمكننا استخلاصها من هذا الموضوع لمستقبل البشرية؟
معلومات عن الكاتب: 
أندريه بوير.. أستاذ جامعى، مهتم بقضايا التنمية البشرية والصحة العامة. يطرح، فى مقاله، رؤيته لعملية العولمة.
 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أوروبا غزو العالم الصين لم تکن

إقرأ أيضاً:

ميراث.. "البنات"

استغاثة عبر أحد المواقع ومقطع فيديو منتشر على السوشيال ميديا، لفتاة تدعى "الدكتورة هبة" تشكو فيها من التهديدات التى باتت تلاحقها من عائلة والدها الذين يطالبون بحقهم فى الميراث، على الرغم من أن كل الممتلكات نقلت بعقود رسمية لها فى حياة والدها.

الفتاة هى الابنة الوحيدة للمستشار الراحل يحيى عبد المجيد، محافظ الشرقية وأمين عام مجلس الدولة الأسبق، والتى أكدت، عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، تعرضها لمحاولات نزع ممتلكاتها من قبل بعض الأقارب الذين يستغلون نفوذهم.

وأوضحت أنها تواجه أحكامًا غيابية صدرت دون إخطارها، وقضايا كيدية تهدف إلى إجبارها على التنازل عن حقوقها.

وأعربت عن قلقها من التهديدات المباشرة والمراقبة والتتبع الذي تتعرض له، مما يهدد سلامتها الشخصية ومستقبلها، وأرفقت مستندات قانونية تؤكد ملكيتها الشرعية للممتلكات، وأن بعضها لم يكن ملك والدها الراحل، بل تم تسجيله باسمها مباشرة.

الفتاة الشابة قالت إنها غير متزوجة وهى تنفق من عوائد إيجار ممتلكاتها، وأضافت: "هذه الثروة جمعها أبي من سنوات عمله فى إحدى الدول العربية، ونقلها باسمي حتى لا أحتاج لأحد، وتساءلت لو أخذوها مني أترمي فى الشارع؟

الفتاة التى أبدت تخوفها من نفس مصير حفيد عائلة الدجوي، الذي لقي مصرعه في ظروف مأساوية مرتبطة بنزاع على الميراث، تفاعل معها الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكل حكي تجربته المماثلة والتى غالبا ما يعاني منها نسبة كبيرة من البنات فى مجتمعنا.

بالطبع الشرع والقانون يحدد الأنصبة فى الميراث عند وفاة الوالد، لكن غالبا ما يستحوذ الأخوة الذكور على كل الممتلكات ويماطلون فى إعطاء أخواتهم البنات نصيبهن من الميراث، بحجة أن ثروة العائلة يجب ألا تخرج لـ"الغريب" وهو زوج وأبناء الابنة، يحدث هذا فى القرى فاذا كان الميراث بيت أو قطعة أرض، فيتم فى أفضل الأحوال إعطاء البنت مبلغا زهيدا مقابل حقها، وهى ترضخ لذلك مراعاة لصلة الرحم، ولذلك تصر العائلات فى القرى والصعيد على تزويج البنات لأبناء عمومتها، حكت لى سيدة ريفية بأن والدها يصر على نقل ملكية قطعة أرض صغيرة إلى ابنه الذكر الوحيد، وحرمانها هى وأخواتها البنات الثلاثة من الميراث، بحجة أن الابن هو من يحمل اسمه وبالتالي ميراثه.

الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق، كان له رأى حاسم فى هذا الأمر، حيث أكد أن تقسيم الميراث بحسب الشريعة الإسلامية مختلف عن تصرف المالك في ماله وأملاكه وهو على قيد الحياة. مؤكدا أيضا على عدم المساس بأحكام المواريث التى تدخل حيز التطبيق بعد الموت وليس قبله، حيث يتمتع المالك أثناء حياته بحق التصرف في أمواله كيفما يشاء دون عدوان أو إهدار، وأيّد قيام الأب بكتابة أملاكه لبناته لحماية حقوقهن وسترهن في الدنيا.

في 5 ديسمبر 2017 وافق مجلس النواب على تعديل قانون المواريث، حيث تم النص على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، كما تعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثاً بالحبس 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.

قصص كثيرة مليئة بالشجن فى قضية الميراث، فالقوانين لن تفلح فى تغيير صفات البشر الذين تربوا على معتقدات وعادات ينقصها الانصاف، ويعززها الظلم.

مقالات مشابهة

  • إيران: الحرس الثوري والجيش ينفذان عملية الرد على أمريكا
  • “قبيصي" يشهد البرنامج التدريبي "مديرالمستقبل في القرن الواحد والعشرين" بالفيوم
  • تهنئة خاصة: للدكتور علي العجارمة لحصله على الدكتوراه بامتياز من جامعة ويستكليف الأمريكية!
  • ملتقى «دراية» يسلّط الضوء على الاتجاهات الحديثة في السياحة
  • مؤتمر صحفي يتحول إلى ساحة مشادة قبل نزال القرن بين كانيلو وكروفورد
  • باحث: غلق مضيق هرمز يؤثر على أسعار الطاقة عالميا ويهدد أمريكا
  • د. هشام فريد يكتب: هل اتفقت أمريكا مع إيران على نتنياهو بعد أن أصبح عبئًا عليها !؟
  • ميراث.. "البنات"
  • قبل نحو 48 ساعة من ضربة أمريكا.. صور فضائية تكشف تحركات إيرانية وما كانت تحاول فعله في منشأة فوردو
  • عولمية الحرب…واقليمية المعركة الإسرائيلية الايرانية … رؤيا تحليلية