الجزيرة:
2025-05-31@02:45:20 GMT

لماذا قتل السنوار ليس نصراً لنتنياهو؟

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

لماذا قتل السنوار ليس نصراً لنتنياهو؟

حقَّقتْ إسرائيلُ للتوّ هدفًا كبيرًا آخرَ في الحرب بإعلانها قتلَ يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. حقيقة أن السنوار هو مهندس عملية "طوفان الأقصى" والشخصية القوية، التي تزعّمت الحركة بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي الراحل إسماعيل هنية في طهران، تجعل من استهدافه نُقطة تحول كبيرة في مسار الحرب بين إسرائيل وحماس.

وسيكون بمقدور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الادعاء بأن إسرائيل تمضي قدمًا في تحقيق نصر في غزة. مع ذلك، فإن الآثار الهائلة، التي خلّفتها الحرب على إسرائيل نفسها، وعلى القضية الفلسطينية والشرق الأوسط عمومًا، لن تنتهي بنهاية السنوار. لا يزال نحو مائة رهينة إسرائيلية محتجزين في غزة، ولم تتمكن إسرائيل بعد من استعادتِهم على الأقل. ويُمكن أن نتوقع أن فرص استعادة هؤلاء الرهائن أحياء عبر إبرام صفقة أصبحت أكثر تعقيدًا بعد اغتيال السنوار. كما أنه من الصعب التكهن بالكيفية التي ستمضي بها الحرب على غزة بعد هذا التطور.

ولا تقل طريقة اغتيال السنوار في أهميتها عن حدث اغتياله نفسه، فمن جانب، فإن الرواية الإسرائيلية التي تقول إن اغتياله كان محض صدفة، دون تخطيط مسبق من المخابرات والجيش الإسرائيليين، تحمل في طياتها محاولة لتبرير السياسة الإسرائيلية في استهداف بنية أنفاق حماس. إذ لولا تلك السياسة لما اضطر أن يخرج من النفق، فيقتل. وهي بهذا المعنى تسعى لتغطية الفشل في قتل الرجل على مدار عام من الحرب.
ولكن إقرار إسرائيل، من جانب آخر، بوجود السنوار وسط مقاتليه خلال عملية قتله يدحض ادعاءاتها السابقة بأنه كان يتحصن في الأنفاق ويحتمي بالرهائن الإسرائيليين لديه؛ للحفاظ على حياته وللبحث عن خروج آمن له من غزة.

وينبغي التأكيد على أن الاعتقاد بأن رحيل السنوار سيؤدي على الفور إلى انهيار كامل للمقاومة الفلسطينية يتعارض مع ثلاثة مُعطيات مُهمة:

الأول: أن استمرارية النشاط المسلح للمقاومة في هذه الحرب لم يتأثر بشكل كامل باغتيال بعض القادة البارزين لحماس مع الأخذ بعين الاعتبار أن قتل السنوار سيكون أكثر تأثيرًا على الحركة، مقارنة باغتيال قادة في كتائب القسام، وباغتيال هنية، بالنظر إلى دوره الكبير في إدارة الحرب. والثاني: أن الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون بحوزة المقاومة الفلسطينية يُشكلون ورقة ضغط قوية على خيارات إسرائيل. والثالث: أن نجاحًا مُحتملًا لإسرائيل في القضاء على نشاط المقاومة بشكل كامل، لن يعني بأي حال أنها حسمت الحرب لصالحها. إن مُعضلة اليوم التالي لنهاية الحرب لا تقل تعقيدًا عن الحرب نفسها. كما أن الأهداف الأكثر أهمية لإسرائيل في الحرب والمتمثلة في تهجير سكان غزة وإخراج القطاع من معادلة الصراع لا تزال تصطدم بصمود الفلسطينيين، رغم ويلات الحرب، وبرفض المجتمع الدولي؛ لتفريغ غزة من سكانها.

علاوة على ذلك، فإن حماس لا تزال قادرة على الاحتفاظ بهيكلها التنظيمي على المستوى السياسي على الأقل حتى بعد اغتيال زعيمَين لها في هذه الحرب.

إنّ الهدف، الذي أعلنه نتنياهو في بداية الحرب، وهو القضاء على حماس، لم يكن واقعيًا أصلًا؛ لأن الحركة تستمدّ قوتها أولًا من قدرتِها على التكيّف مع التكاليف الكبيرة التي تكبّدتها على مستوى القادة منذ تأسيسها وحتى اليوم. وثانيًا من كونها حركة تحرر وطني تستمد شرعيتها الفلسطينية من مقاومة الاحتلال. وقد أثبتت تجارب العقود الطويلة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن جميع الحركات الفلسطينية لم تنتهِ رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها على المستوى التنظيمي. وثالثًا من حقيقة أن حركة حماس تحظى بحيثية فلسطينية واسعة، وستبقى كذلك. وحتى مع التقديرات الإسرائيلية، التي تتحدث عن قتل أكثر من خمسة عشر ألف مقاتل من حماس خلال العام الماضي من الحرب، فإن الحركة لا تزال تحتفظ على الأقل بما يقرب من ضُعف هذا العدد من المقاتلين.

من المرجح أن تظل حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة قادرة على مواصلة القتال على الأرض لفترة طويلة حتى مع اغتيال شخصية قوية ومؤثرة مثل السنوار.  وأي رهان إسرائيلي على أن تصفية السنوار ستؤدي إلى انهيار القدرة القتالية للمقاومة الفلسطينية، لن يؤدي سوى إلى تعقيد التصورات الإسرائيلية لليوم التالي في غزة بعد نهاية الحرب.

لا شك أن تصفية السنوار تمنح نتنياهو نصرًا معنويًا جديدًا في الحرب بعد اغتيال هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وجيل كامل من القادة الكبار في الحزب، لكنّ ترجمة هذا النصر إلى نصر إسرائيلي إستراتيجي في الحرب سواء على جبهة غزة أو على جبهة لبنان أكثر صعوبة.

كما أن هذه الاغتيالات، وإن تُساعد إسرائيل في احتواء التداعيات الكبيرة لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول عليها، لن تُغير من حقيقة أن الوضع الجديد، الذي أفرزته الحرب على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى مستوى الشرق الأوسط، يجعل من الصعب على إسرائيل تجاهل هذه الإفرازات وكأن شيئًا لم يحدث، أو اعتبار حدث مثل اغتيال السنوار نصرًا، هو أبعد عن ذلك بكثير.

وفي المحصلة، توضح المكاسب التي حققتها إسرائيل في الحرب بعد مرور أكثر من عام عليها الهوة بين النصر التكتيكي والنصر الإستراتيجي. ولا تزال إسرائيل بعيدة عن النصر الإستراتيجي، ليس فقط بسبب استحالة القضاء على حماس كتنظيم فلسطيني، وعلى حزب الله كتنظيم لبناني، بل أيضًا بسبب أنها تُدير الحرب من منظور اعتقادها بأنها قادرة على تغيير الشرق الأوسط، وتصفية القضية الفلسطينية.

وما يُعمّق من هذه الهوّة أن إسرائيل لم تستفد من واقع ثابت تكرس في تجربة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المُمتد لعقود طويلة، وهو أنّ غطرستها في إدارة الصراع لم تجلب لها قطُّ استقرارًا أمنيًا طويل الأمد، ولم تُحوّلها إلى دولة طبيعية في محيطها.

وفي هذه الحرب، فإنَّ الغطرسة لم تؤدِ في الواقع سوى إلى تعميق صورتها كدولة متمردة على القانون الإنساني والدولي، ومُهددة للاستقرار الإقليميّ.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بعد اغتیال إسرائیل فی فی الحرب لا تزال فی غزة

إقرأ أيضاً:

إشارات خاطفة رأيتها للتو في إسرائيل

قضيت للتو أسبوعا في إسرائيل، وفي حين أنه قد لا يبدو أن أمورا كثيرا تغيرت ـ فالحرب الطاحنة في غزة لا تزال مستمرة ـ شعرت بشيء جديد هناك للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر سنة 2023. لا يزال من المبكر أن أصفه بالحركة متسعة القاعدة لمناهضة الحرب، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث قبل رجوع جميع الرهائن. لكنني رأيت إشارات خاطفة إلى أن المزيد من الإسرائيليين من اليسار إلى الوسط بل وفي بعض أجزاء اليمين ينتهون إلى أن استمرار هذه الحرب وبال على إسرائيل أخلاقيا أو دبلوماسيا أو استراتيجيا.

فمن الوسط كتب رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت مقالة في صحيفة هاآرتس لم يدخر فيها جهدا لمهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، فذهب إلى أن «حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا غرض، وبلا أهداف أو خطة واضحة وبلا فرص في النجاح. فما نفعله في غزة الآن هو حرب إبادة تقوم على قتل إجرامي عشوائي قاس ولا حدود له لمدنيين». وخلاصة مقاله أنه «نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب».

ومن اليمين، لديكم أمثال أميت هاليفي، عضو حزب الليكود الحاكم التابع لنتنياهو نفسه، وهو مناصر عتيد للحرب ويرى أن تنفيذها كان أخرق. قامت حكومة نتنياهو بتعليق عضوية هاليفي في لجنة شؤون الخارجية والدفاع في الكينيست بعد تصويته ضد مقترح بتوسيع قدرة الحكومة على إصدار أوامر استدعاء طارئة لجنود الاحتياط الإسرائيليين. وفي حوار مع صحيفة يديعوت أحرونوت بعد إقالته، قال هاليفي إن «هذه الحرب خدعة. لقد كذبوا علينا فيما يتعلق بإنجازاتها. [وإسرائيل] تخوض حربا منذ عشرين شهرا بخطط فاشلة...ولا تحقق نجاحا في تدمير حماس».

ومن اليسار يائير جولان، وهو زعيم تحالف ليبرالي إسرائيلي يطلق عليه (الديمقراطيون)، وقد قال في حوار مع الإذاعة الإسرائيلية إن «إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة، مثلما كانت جنوب أفريقيا، لو لم نرجع إلى التصرف بما يليق ببلد عاقل. والبلد العاقل لا يقاتل مدنيين، ولا يمارس هواية قتل الأطفال الرضع، ولا يضع لنفسه هدفا يتمثل في طرد شعب».

وبعد أن أثار تعليقه عن «الهواية» استنكارا، أوضح جولان ـ وهو نفسه من أبطال حرب غزة ـ أنه لم يكن يوجه اللوم للجيش، وإنما للسياسيين الذين يوسعون الحرب لأسباب لم تعد لها علاقة باحتياجات أمن إسرائيل الوطني.

وبرغم أن جولان كان ينبغي أن يستعمل كلمة مختلفة، لكيلا يمنح اليمينيين الإسرائيليين أداة يسيرة لتشويهه، فالحقيقة أنه لم يحصل صحفي أجنبي مستقل تقريبا على إذن بالتغطية من غزة مباشرة. وحينما تنتهي هذه الحرب وتتشبع غزة بالصحفيين والمصورين الدوليين يجوبونها في حرية، فسوف تتم تغطية وتصوير المستوى الكامل للموت والتدمير، وسوف تكون فترة عصيبة للغاية على إسرائيل ويهود العالم.

وإذن فقد أصاب جولان في تنبيهه لأمته بوضوح لتتوقف حالا، وتتوصل إلى إيقاف لإطلاق النار، وإرجاع الرهائن، وإدخال قوة دولية وعربية إلى غزة والتعامل مع فلول حماس في وقت لاحق. فحينما تكون بالفعل في حفرة، عليك أن تتوقف عن الحفر.

المؤسف أن نتنياهو مصرٌّ على الحفر، زاعما أن بوسعه أن يقصف حماس إلى أن تسلِّم بقية الرهائن الإسرائيليين الأحياء البالغ عدهم قرابة العشرين، وذلك لأن أعضاء ائتلافه القوميين المتدينين أخبروه بأنه في حال إيقافه الحرب فإنهم سوف يطيحون به. ولذلك يسعى الجيش الإسرائيلي إلى المزيد والمزيد من الأهداف الثانوية، والنتيجة هي مصرع مدنيين من غزة كل يوم.

أوضح عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هاآرتس سبب ذلك وهو أن «كثيرا من القصف يكون في الواقع محاولات لاغتيال قادة حماس بينما هم مع أسرهم. وهؤلاء المسؤولون ما عادوا يعيشون في بيوت خاصة أو بنايات سكنية، وإنما هم في العادة داخل مخيمات مزدحمة بآلاف المدنيين. وحتى عند إعلان الجيش عن خطوات احترازية عديدة، تسفر هذه الهجمات عن قتل جماعي».

وليس ارتفاع خسائر المدنيين في غزة هو السبب الوحيد أو حتى السبب الغالب لتحول المزيد من الإسرائيليين على الحرب. فالسبب ببساطة هو أن الحرب أنهكت المجتمع كله، ويشير هاريل إلى أن علامات هذا الإنهاك حاضرة في كل شيء من «تزايد عدد المنتحرين (التي لا يعلنها الجيش) إلى الأسر التي تتفكك والأعمال التي تنهار. وتتجاهل الحكومة هذه التطورات وتنثر وعود النصر».

ولا يقتصر الأمر على أصوات السياسيين الناضجين الذين يقولون إن الحرب طالت على إسرائيل. فهناك أيضا أفعال يقوم بها أبرياء في الرابعة من العمر. فخلال رحلتي، سمعت قصة من المذيعة الإسرائيلية الشهيرة لوسي أهريش، وهي أول مذيعة أخبار عربية مسلمة في قناة كبيرة ناطقة بالعبرية. كنت وهي قد وصلنا إلى حوار أجريناه معا في تل أبيب بأعين شبه مغمضة وقد استيقظ كلانا في قرابة الثالثة صباحا على دوي صافرات الإنذار بالغارات إذ تدعونا إلى الاستتار من هجمة صاروخية حوثية. وفي صافرة الإنذار هذه أمر لافت ومثير للقلق، لكنك يجب أن تكون راشدا كي تدركه.

لماذا أقول هذا؟ لأن إسرائيل تحيي في كل عام ذكرى جنودها ومدنييها الذين قضوا نحبهم في حروبها بإنذار لمدة دقيقتين. فحيثما يكون الإسرائيليون ويسمعون ذلك الصفير يتوقفون، ويركنون سياراتهم على جوانب الطرق، ويصمتون منصتين إلى هذا الصفير المستمر المغاير للصفير المستعمل في التحذير من الغارات. حكت لي أهريش أنه في ذكرى العام الحالي انطلقت الصافرة الوطنية في موعدها المحدد «فإذا بالذعر ينتاب ابني آدم البالغ من العمر أربع سنوات، وكان يلعب على الأرض، فيمضي ليلملم لعبه كي يذهب بها إلى الغرفة الآمنة في البيت».

«قلت له ’لا. ليس عليك أن تفعل هذا. هذا صفير مختلف. هذا صفير الوقوف احتراما للأبطال الذين حافظوا لنا على الأمان ولم يعودوا معنا».

وعندما يتعين على الأطفال ذوي الرابعة من العمر أن يتعلموا التمييز بين مختلف أصوات صافرات الإنذار، ما تقف له احتراما وما يدعوك إلى لملمة لعبك والمسارعة إلى غرفة بلا شبابيك، تكون الحرب قد طالت أكثر مما ينبغي.

لو أن كثيرا من الإسرائيليين يشعرون أن قادتهم أوقعوهم في شرك، فكثير من أهل غزة يشعرون بالمثل. وبرغم أن استطلاع الرأي في غزة أمر صعب، لكن حركة مناهضة الحرب تنشط هناك أيضا، برغم أن حماس قد تقتل من يتظاهرون. وقد تبين لاستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني المستقل للبحوث السياسية والمسحية، ومقره رام الله، على سكان قطاع غزة أن 48% يؤيدون المظاهرات المناهضة لحماس التي اندلعت في عدة أماكن في الأسابيع الأخيرة.

فلكم أن تتيقنوا من أنه لن يكون قادة إسرائيل وحدهم من يواجهون الحساب عندما تصمت البنادق أخيرا في غزة. فسوف يعيش قادة حماس مكللين بالعار. لقد هاجموا مجتمعات حدودية إسرائيلية في السابع من أكتوبر سنة 2023، ولما ردت إسرائيل كما كان متوقعا، قدم المدنيون من أهل غزة قربانا بشريا ليحظوا بتعاطف العالم مع قضيتهم، في حين اختبأ القادة من حماس في الأنفاق وبالخارج. ولا تزال حماس تعمل، لكن غزة الآن باتت غير قابلة لاحتواء الحياة. ومع ذلك، لا تزال قيادة حماس تقول في عناد إنها لن تسلم من بقي لديها من الرهائن الأحياء ما لم توافق إسرائيل على الرحيل من غزة والرجوع إلى وقف مفتوح لإطلاق النار.

فعلا؟ يجب أن ترحل إسرائيل عن جميع غزة وتقبل بوقف إطلاق النار؟ يا لها من فكرة عظيمة. لو حققت حماس ذلك «النصر»، سيكون معنى هذا أن حماس خاضت كل هذه الحرب ـ ففقدت عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين ولم يسلم حولها غير مبان قليلة في غزة - من أجل الرجوع بالضبط إلى ما كان لدى حماس في السادس من أكتوبر سنة 2023، فقد كان هناك وقف لإطلاق النار، وإسرائيل كانت خارج غزة.

لهذا وحده، سوف يتذكر التاريخ قادة حماس باعتبارهم «حمقى». حسبوا أنهم يطلقون حرب نهاية العالم على إسرائيل فأطلقوها على شعبهم ومنحوا نتنياهو رخصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا فأضعف ذلك قبضة إيران على كلا البلدين وكذلك على العراق وساعد في إخراج روسيا من سوريا، فكانت هزيمة نكراء لـ«شبكة المقاومة» ذات القيادة الإيرانية.

ولكن المشكلة تكمن هنا. فنتيجة لعمليات نتنياهو العسكرية، باتت للبنان وسوريا والعراق والسلطة الفلسطينية في رام الله ـ ناهيكم بالمملكة لعربية السعودية ـ حرية كبيرة الآن في الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدرجة لم تحظَ بها من قبل حينما كانت الشبكات الإقليمية التابعة لإيران شديدة القوة.

نعم، نتنياهو فعل ذلك. لكنه أيضا لا يضيع فرصة لتضييع فرصة للسلام. نتنياهو اليوم يرفض بعناد حصاد ما بذره بنفسه. ولن يفعل الشيء الوحيد القادر على إطلاق سياسات المنطقة بأسرها، وهو أن يفتح طريقا، مهما كان طويلا، إلى حل الدولتين مع إصلاح السلطة الفلسطينية.

فلا عجب أن يعزف دونالد ترامب عن تضييع الوقت مع نتنياهو، خاصة وأنه لا يستطيع تحقيق أي مكاسب مالية من ورائه، وأيضا لأن نتنياهو لن يسمح له بأن يدخل معه التاريخ.

وكلما قلت للإسرائيليين إن نتنياهو يرتكب خطأ تاريخيا ـ هو التخلي عن السلام مع المملكة العربية السعودية لصالح اليمينيين المتطرفين الذي يبقونه في السلطة ـ سألوني بدورهم «وهل تظن أن ترامب قادر على إنقاذنا؟». وهذا السؤال هو العلامة القصوى على أن بلدكم الديمقراطي في مأزق.

كان عليّ أن أوضح أن ترامب يذهب إلى البلاد التي لديها ما تعطيه ـ من نقود أو وطائرات، أو عملات ترامب الميمية أو عملات ميلانيا الرسمية الميمية أو صفقات أسلحة أو صفقات فنادق أو مراكز بيانات ذكاء اصطناعي ـ ولا يذهب إلى البلاد التي تطلب منه شأن إسرائيل.

وإنصافا لترامب، قد لا يكون ترامب على علم بمدى تغير إسرائيل داخليا. بل إن كثيرا من اليهود الأمريكيين لا يفهمون مدى ضخامة وقوة المجتمع الأرثوذكسي المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى رؤيتهم لغزة باعتبارها حربا دينية.

«وبيبي بيدق في أيدي هؤلاء، فهو ليس اللاعب الحقيقي» حسبما أوضح أفروم بورج، الرئيس السابق للكنيست، مشيرا إلى اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل. «قل لهم إن إسرائيل يمكن أن تقيم سلاما مع المملكة العربية السعودية، فترى أنهم يهزون أكتافهم قائلين إنهم في انتظار المسيح. قل لهم إن بإمكانهم إقامة سلام مع سوريا، وسيقولون لك أن الشعب اليهودي يمتلك سوريا أصلا، فهي جزء من إسرائيل الكبرى. كلِّمهم عن القانون الدولي، وسوف يكلمونك عن القانون التوراتي. كلِّمهم عن حماس، يكلموك عن العماليق (أعداء بني إسرائيل التوراتيين)».

خلص بورج ـ أستاذ العلاقات بين الدين والدولة ـ إلى أن الانقسام الحقيقي اليوم في إسرائيل ليس بين المحافظين والتقدميين وإنما «بين قبيلة يهودية وقبيلة ديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي التي تحقق النصر الآن. ولو كانت الصهيونية في الأصل انتصارا للقومية العلمانية على اليهودية الدينية، فما يجري اليوم هو انبعاث لليهودية القومية الدينية على حساب الديمقراطية».

وهكذا، بعد أسبوع، رجعت إلى الوطن، لأكتشف أن مثل المسرح الإسرائيلي قائم في أمريكا وإن على نطاق أكبر. أمر غريب أن نرى كيف أن ترامب ونتنياهو يستعملان كتاب قواعد واحدا لتخريب بلدين ديمقراطيين. وسؤالي الوحيد: أي من الرجلين سيسبق الآخر في أن تشعل دوافعه الاستبدادية أزمة دستورية؟

كلاهما متهم بمحاولة تخريب القضاء والدولة العميقة في بلده، أي جميع المؤسسات التي تقوم عليها سيادة القانون. والهدف في حالة ترامب هو تحقيق الثراء له شخصيا ونقل الثروة في البلد من الأقل امتيازا إلى الأكثر امتيازا. والهدف في حالة نتنياهو هو الهرب من اتهامات الفساد العديدة الموجهة له، ونقل السلطة والثروة من الوسط الإسرائيلي المعتدل الديمقراطي إلى المستوطنين وغلاة المتدينين. وهذه المجموعة هي التي سوف تبقي ائتلاف نتنياهو في السلطة طالما أنه يعفي غلاة المتدينين من القتال في غزة ويسمح للمستوطنين بمواصلة مسيرتهم لضم الضفة الغربية اليوم وغزة غدا.

عند انتخاب نتنياهو في نوفمبر 2022 وبدئه تشكيل ائتلافه اليهودي العنصري، كتبت مقالا في الصباح التالي بعنوان «إسرائيل التي عرفناها انتهت». آمل أن أكون قد تسرعت فيما قلت، لكن أملي أكبر في ألا أضطر إلى كتابة المقال نفسه في حق أمريكا عما قريب.

سيكون لدى عام 2026 الكثير ليقوله عما لو أن بالإمكان احتواء طائفتي ترامب ونتنياهو. ففي هذا العام سوف يتعين على نتنياهو إجراء انتخابات وسوف يواجه ترامب انتخابات التجديد النصفي. والملتزمون بالديمقراطية واللياقة في البلدين لديهم مهمة واحدة فيما بين الآن وذلك الموعد: هي التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم، من أجل الفوز بالسلطة.

وكل ما عدا ذلك غير مهم. وكل شيء معلق على هذا.

مقالات مشابهة

  • كتاب ومحللون إسرائيليون: لماذا لم ننتصر بعد 600 يوم من الحرب؟
  • كشف تفاصيل مقترح ويتكوف.. إسرائيل تعلن إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة
  • إشارات خاطفة رأيتها للتو في إسرائيل
  • نتانياهو يعلن اغتيال قائد حماس في غزة محمد السنوار
  • رسميا.. نتنياهو يعلن اغتيال محمد السنوار
  • نتنياهو يزعم تمكن الاحتلال من اغتيال محمد السنوار في قطاع غزة
  • لأول مرة.. نتنياهو يعلن اغتيال محمد السنوار
  • غيّرنا وجه الشرق الأوسط - نتنياهو يؤكد: اغتلنا محمد السنوار
  • إسرائيل تزعم اغتيال القيادي في حماس محمد السنوار
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل