لم يكن الهجوم الأخير الذي استهدف مجمع الصناعات الدفاعية والجوية بأنقرة (توساش)، وتبناه حزب "العمال الكردستاني"، الاختبار الوحيد الذي واجه مبادرة القوميين "الاستثنائية" حال إطلاقها من قبل زعيمهم دولت باهتشلي، بل تبعته سلسلة اختبارات، رسمت في غالبيتها مشهدا مركبا ومعقدا، وفق مراقبين.

وفي مقابل تلك الاختبارات، كان لافتا أن المواقف والإجراءات التي تبعت مبادرة باهتشلي القومي فرضت جوا انتخابيا مبكرا، فيما سلطت الضوء على احتمال ترشح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان لولاية ثالثة في 2028 ومدى قدرته على تحقيق ذلك، استنادا للدستور الجديد الذي يدعو له مرارا.

وتستهدف مبادرة حليف إردوغان القومي بالتحديد مؤسس "العمال الكردستاني" المسجون عبد الله أوجلان، وتقوم على معادلة من شقين: "تعال وألق خطابا في البرلمان أعلن فيه حل الحزب وإلقاء سلاح حزبك" على أن يتم بعد ذلك منحك "حق الأمل".

وفي البداية حظيت المبادرة بنبرة إيجابية من غالبية الأحزاب في البلاد، وكانت أولى خطوات بناء الثقة الخاصة بها السماح لعائلة أوجلان بزيارته للمرة الأولى منذ 4 سنوات في السجن الذي يقبع به بجزيرة إمرالي ببحر مرمرة.

لكن سرعان ما تبدّلت هذه الحالة بعد هجوم "توساش"، وما تبعه من ضربات نفذها الجيش التركي ضد مواقع "العمال الكردستاني" في سوريا والعراق وإجراءات اتخذتها وزارة الداخلية التركية بحق رؤساء بلديات محسوبة على الأحزاب الكردية، وفي مقدمتها "المساواة والديمقراطية" (ديم).

وأسفرت إجراءات الداخلية التركية، خلال الأيام الماضية، عن عزل 4 رؤساء بلديات، واعتقال أحدهم، وهو رئيس بلدية إسنيورت في إسطنبول، أحمد أوز، مما أثار موجة غضب واسعة عبّر عنها مسؤولو أحزاب كردية وآخرين في أكبر أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري).

السلطات ربطت قرارات العزل والاعتقال بتهم "الإرهاب"، ومن المتوقع أن تواصل إجراءاتها في المرحلة المقبلة على أن تستهدف رؤساء 37 بلدية آخرين يديرها الأكراد، وفقا للصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.

ويعد حزب "ديم" حاليا ثالث أكبر حزب سياسي في تركيا، ويشغل 57 مقعدا في البرلمان، وكان مرشحوه قد فازوا بمنصب رؤساء البلديات في 10 مدن و58 منطقة إقليمية وسبع مقاطعات.

إعادة انتخاب إردوغان

تشير المعطيات القائمة في الداخل التركي حتى الآن إلى أن الزعيم القومي باهتشلي لا يزال متمسكا بـ"المبادرة" التي طرحها على أوجلان المسجون، وبينما أكد على ذلك لمرتين، فقد فتح في المناسبة الثانية، قبل أسبوع، قضية ترشح الرئيس التركي لولاية ثالثة.

وكان حليف إردوغان القومي قال في البرلمان، في الخامس من نوفمبر الحالي، إن إعادة انتخاب إردوغان "الخيار الطبيعي والصحيح"، وأضاف أن حزبه مستعد لدعم التحركات الرامية إلى "إجراء التعديلات الدستورية اللازمة".

ووفقا للدستور التركي، لم يعد مسموحا لإردوغان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2028. ومع ذلك، يسمح القانون بإجراء استثناء، ويمكن للرئيس، في ولايته الثانية، الترشح في حال دعا البرلمان إلى انتخابات مبكرة.

وفي المقابل، وفي حال أراد التحالف الحاكم إجراء تعديلات دستورية سيكون من الصعب عليه فعل ذلك، بسبب افتقاره إلى أغلبية الثلاثة أخماس في البرلمان اللازمة لإجراء انتخابات جديدة أو حتى تعديل الدستور.

وبالعودة إلى الوراء كان إردوغان أعلن في مارس الماضي أن انتخابات البلديات التي جرت حينها "ستكون الأخيرة" بالنسبة له.

لكنه عاد، وفي أعقاب كلمات حليفه، ليشير قبل يومين إلى أنه منفتح على الترشح لولاية أخرى إذا أراد الشعب ذلك، قائلا: "ما دام الله يمنحنا الحياة وتوافق أمتنا، سنستمر في خدمة تركيا والأمة التركية".

ويوضح الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن أحد دوافع إردوغان للانفتاح على الحالة الكردية يتعلق بمشروع تعديل الدستور.

وكان هذا الدافع بات واضحا بشكل أكبر بعد فشل الرهانات على عملية التطبيع بين حزب "العدالة والتنمية" من جهة و"الشعب الجمهوري" من جهة أخرى.

وبعد انتهاء الانتخابات البلديات، التي حقق فيها "الشعب الجمهوري" فوزا ساحقا، التقى إردوغان مع زعيم الأخير مرتين، وكان صلب النقاشات يدور حول المساعي المتعلقة بوضع دستور جديد للبلاد.

وتلا تلك اللقاءات اتجاه "العدالة والتنمية" الحاكم لإجراء حوارات مع بقية أحزاب المعارضة، بينها الكردية، وفي مقدمتها "ديم".

ولم يفض ما سبق عن أي نتائج حتى الآن على صعيد تعديل الدستور، ووضع آخر جديد.

ورغم أن الباحث علوش وضع المسار المذكور كدافع أساسي في مبادرة الحل المتعلقة بالقضية الكردية يشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى دوافع أخرى.

شكلية أم واقعية؟

يعتقد الباحث أن الدوافع الأخرى التي تكمن وراء "مبادرة الحل" تذهب باتجاه أن تركيا تسعى إلى تطوير استراتيجيتها ضد "العمال الكردستاني" بالاعتماد على مسارين، الأول أمني (داخلي وخارجي) والثاني سياسي.

وتستهدف أنقرة من خلال المسار السياسي خلق حالة يمكن أن تعيد بموجبها "إنتاج عملية سلام جديدة"، وهو ما يمكن التماسه من الموقف الذي يتخذه باهتشلي، بحسب علوش.

ولن يؤثر المسار الأول على الثاني وبالعكس، إذ ستبقى تركيا تتعامل بشكل مزدوج مع النهج الأمني والسياسي في التعاطي مع التهديدات المتعلقة بـ"العمال"، المصنف على قوائم الإرهاب لديها.

كما توجد دوافع إضافية وراء "مبادرة الحل" وترتبط بالتحولات التي حصلت بعد حرب السابع من أكتوبر. ويتابع علوش: "كل ما سبق شكّل تحولا في الحالة السياسية التركية تجاه المسألة الكردية".

لكن في المقابل يعتبر الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن المبادرة التي طرحها زعيم "الحركة القومية" في البلاد كانت "عقيمة" وتم اختصارها بأوجلان وكأنه يمثل كل الأكراد.

ويعتبرها أيضا في حديثه لموقع "الحرة" "شكلية" وأنها "لا تبحث عن حلول بقدر ما تؤسس لشيء ظاهري بأن الحل في أيدينا ونحن من نقول لكم تعالوا واجلسوا عل الطاولة ولبوا الشروط التي نضعها".

ومن المفترض أن يسبق "مبادرة الحل" تحضيرات على مستوى الرأي العام والإعلام، إن كانت جدية، وفق جوناي.

ويضيف، بعدما أشار إلى الثقة المعدومة بسبب ما شهدته السنوات الماضية من مواجهات دامية أنه "كان يفترض أن يتم أخذ العبر من مسار الحل السابق، وأن يكون هناك تعامل مع الجانب السياسي للأكراد الموجودين في البرلمان".

"عقبات ومصالح"

"المبادرة" التي اقترحها الزعيم القومي حليف إردوغان كان سبقها خلال الأسابيع الماضية سلسلة من الخطوات التمهيدية، وحصل الأولى منها في بداية شهر أكتوبر عندما توجه نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (ديم) داخل البرلمان، وأجرى معهم محادثة قصيرة.

بعد ذلك بدأ باهتشلي، بالتدريج، إطلاق تصريحات تتعلق بالقضية الكردية وعملية السلام في البلاد.

وفي مناسبتين منفصلتين قال إن تحركه "كان متعمدا" في إشارة للمصافحة، وإنه يهدف إلى البحث عن السلام في تركيا.

ولم يكن الرئيس التركي بمعزل عما يجري، وبعدما أيد خطوة المصافحة في بداية أكتوبر قائلا إن تركيا يجب أن تكون قادرة على حل "المشكلات"، دون أن يلجأ شعبها إلى الإرهاب علّق على المبادرة التي اقترحها حليفه القومي داعيا إلى "عدم التضحية بنافذة الفرصة التاريخية التي فتحها تحالف الشعب".

ويعتقد الباحث علوش أنه توجد "عقبات تعترض إنجاح عملية التحول فيما يتعلق بالمسألة الكردية".

ويقف وراء العقبات اعتبارات على رأسها أن المبادرة مصممة بشكل أساسي لإحداث شرخ كبير داخل "العمال الكردستاني" بين قيادتين الأولى في قنديل والثانية أوجلان.

ويضاف إلى ما سبق أن "الانفتاح يشكل تحديا كبيرا للعمال، فيما يتعلق باتخاذ خياراته وتحديدها تجاه مبادرة باهتشلي".

وبتقدير الباحث فإن "تأثير أوجلان على العمال الكردستاني تراجع، مقارنة بما كان عليه خلال السنوات الماضية"، ولذا فإن "القيادة الراديكالية في قنديل ستكون أكثر تأثيرا في تحديد خيارات العمل تجاه مبادرة باهتشلي"، بحسب قوله.

ومن جهته يرى الباحث جوناي أن اختيار باهتشلي لأوجلان بشكل مباشر يعتبر "إشكاليا"، لأن "المجتمع التركي لن يقبل بفكرة أن يكون لأوجلان دورا بهذا الحجم وأن يخاطب الناس في البرلمان".

وعلى أساس ذلك يعتقد الباحث أن "المبادرة لم يكن لها أي ضابط.. وتجلى ذلك بالأعمال التي تبعت تصريحات باهتشلي، سواء من جانب العمال الكردستاني الإرهابي والهجوم الذي نفذه على (توساش) أو ما رأيناه على صعيد عزل رؤساء البلديات".

ويشير الواقع في البلاد الآن إلى أنه "لا يوجد استعداد لتحقيق المبادرة"، ويتابع الباحث التركي أن ما حصل خلال الفترة الأخيرة كان "لإظهار حزب الحركة القومية كطرف لا يعيق الانفتاح مع الأكراد"، كما لا يستبعد جوناي أن "يكون وراء الأمر مصالح سياسية للحزب الحاكم".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: العمال الکردستانی فی البرلمان مبادرة الحل فی البلاد

إقرأ أيضاً:

محافظ بني سويف: مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» نموذج للتكامل بين الدولة والمجتمع المدني

أكد الدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، أن المبادرات الصحية تمثل ركيزة أساسية في تحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، مشيراً إلى أن المبادرات الرئاسية مثل "100 مليون صحة" ومبادرة القضاء على فيروس C والكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم ودعم صحة الأم والجنين، أسهمت بشكل كبير في رفع كفاءة القطاع الصحي وتوسيع نطاق الخدمات، خاصة في المراكز والقرى والمناطق الأكثر احتياجاً.

وأوضح المحافظ أن تلك المبادرات تُعد جزءاً من رؤية شاملة تتبناها المحافظة تحت مظلة رؤية مصر 2030، والتي تستهدف تحسين جودة حياة المواطنين وتحقيق التنمية الاقتصادية وتفعيل مبادئ الحوكمة. وأشار إلى أن بني سويف كانت أول محافظة تطلق "وثيقة توحيد جهود العمل الأهلي" التي تنظم عمل أكثر من 200 جمعية ومؤسسة مجتمع مدني، بما يضمن توحيد الجهود وتوجيهها نحو أولويات التنمية.

جاء ذلك خلال اجتماع المحافظ لمتابعة مستجدات مبادرة "عيون أطفالنا مستقبلنا" الخاصة بالكشف المبكر عن أمراض العيون لتلاميذ المرحلة الابتدائية، بحضور وفد من المؤسسة العالمية لأندية الليونز المنفذة للمبادرة، إضافة إلى قيادات مديريات الصحة والتعليم والتضامن والأزهر، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني.

وأشاد المحافظ بالمبادرة مؤكداً أنها ليست مجرد حملة فحص بل مشروع متكامل يجمع بين الفحص والتوعية والعلاج والمتابعة، مشدداً على أهمية التنسيق بين الجهات المعنية، وموضحاً أن المبادرة سيتم دمجها ضمن إطار وثيقة توحيد العمل الأهلي لضمان استدامتها وتعظيم مردودها.

كما ثمّن المحافظ جهود المؤسسة العالمية لأندية الليونز، والتعاون البنّاء بين مديريات الصحة والتعليم والتضامن والأزهر، مؤكداً أن ما يتحقق في بني سويف يعكس نموذجاً ناجحاً للشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، وخطوة مهمة نحو تحسين صحة التلاميذ وبناء جيل قادر على التعلم والإنتاج.

من جانبه، أشاد الدكتور عرفة قيقه رئيس المبادرة بدعم المحافظ، واعتبره قوة دفع كبيرة لتعظيم دور المبادرة في تلبية احتياجات الأطفال، مشيراً إلى أن المبادرة الأم "Sight For Kids" التي انطلقت عام 2002 نجحت في خدمة أكثر من 50 مليون طفل حول العالم، وأن بني سويف تُعد من أكثر المحافظات التزاماً بخطط التنفيذ.

وأوضح أن تنفيذ المبادرة سيجري على ثلاث مراحل تشمل: المسح الشامل للتلاميذ، ثم فحص الحالات داخل مدارس مركزية مجهزة، وأخيراً تسليم النظارات الطبية أو إجراء العمليات الجراحية للحالات التي تحتاج، مع متابعة دقيقة لضمان تقديم العلاج المناسب.

وقدّم الدكتور هاني جميعة وكيل وزارة الصحة عرضاً حول الوضع الصحي المتعلق بأمراض الإبصار لدى الأطفال، مؤكداً إمكانية علاج معظم المشكلات إذا اكتُشفت مبكراً، فيما أكدت أمل الهواري وكيل وزارة التربية والتعليم جاهزية المدارس لاستقبال مراحل التنفيذ. كما أعلن الشيخ عبد الموجود عبد الله استعداد الأزهر الشريف للتعاون الكامل، وأكدت الدكتورة هبة الجلالي تقديم التضامن الاجتماعي الدعم اللازم للحالات التي تتطلب تدخلات إضافية.

وخلال الاجتماع، كلّف المحافظ الدكتور محمد جبر معاون المحافظ بالتنسيق مع رؤساء المراكز والوحدات المحلية لتسهيل أعمال الفحص داخل المدارس، وضمان تجهيز المدارس المركزية كوحدات فحص متكاملة، موجهاً بأهمية توفير بيئة مريحة للأطفال خلال الفحص وتقديم الخدمة بأعلى درجات الإنسانية.

كما وجّه المحافظ بتكثيف التوعية المدرسية حول صحة العيون، وتعزيز مشاركة أولياء الأمور، وضمان المتابعة اليومية لنتائج الفحص، وعدم الاكتفاء بمرحلة الكشف، بل توفير العلاج لكل طفل في الوقت المناسب.

يذكر أن المؤسسة العالمية لأندية الليونز، التي تأسست عام 1917 وتضم أكثر من 1.4 مليون عضو في أكثر من 200 دولة، تُعد من أكبر المؤسسات الداعمة لمشروعات الصحة والتعليم والإغاثة، وقدمت منحاً تجاوزت 1.2 مليار دولار، وتشتهر ببرامجها في مجال فحص النظر وتوفير النظارات الطبية ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة حول العالم.

مقالات مشابهة

  • تصل لـ 40%.. مبادرة «كلنا واحد» تواصل تخفيضاتها على الملابس الشتوية
  • الرياض تواصل استعراض ثقافة الشام بحضور آلاف الزوّار ضمن مبادرة "انسجام عالمي 2
  • طيران ناس يطلق مبادرة «رحلة أدب» لتعزيز محتوى الأدب والشعر السعودي عبر المنصات الرقمية
  • من مسك إلى العالم.. 20 مبادرة شبابية تتجاوز الحدود وتقود مستقبل الابتكار عالميًا
  • ختام البرنامج الـ3 من مبادرة الحزم التدريبية لكوادر الإدارة الحكومية
  • «الطاقة» تحتفي بالبحّارة ضمن مبادرة «تواصل مع أهلك» بالتعاون مع سُلطة موانئ دبي
  • "سيل" تقود مبادرة بيئية كبرى في حي عكاظ بمشاركة 800 متطوع و800 شتلة
  • غدًا.. انطلاق مرحلة جديدة من مبادرة لحمة هنية لمواطنى الداخلة بالوادي الجديد
  • محافظ بني سويف: مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» نموذج للتكامل بين الدولة والمجتمع المدني
  • «الأوقاف» تُطلق مبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدي