د. محمد عبدالله شرف الدين
فعلًا؛ لو لم يحتل اليهودُ فلسطينَ، وافترضنا -تخيُّلًا- أن فلسطينَ أرضًا وإنسانًا طاهرةٌ من دنس اليهود، فكيف ستكونُ طبيعةُ علاقاتنا مع اليهود والنصارى؟
لقد أنزل اللهُ تعالى مع نبينا محمد -صلواتُ الله عليه وعلى آله- القرآنَ الكريم، كتابَ هداية، وبيانَ رُشد، واسترشاد، وحدّد فيه معالمَ الهداية، ومن تلك المعالم تحديد العدوّ، وإلا لكانت العداوات عشوائية ومزاجية، فقال تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ؛ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا، مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٥، ٤٦].
فتسميةُ العدوّ، وتحديدُه بالاسم والصفات نعمةٌ ومِنَّةٌ إلهيةٌ للناس ورحمةٌ من الله حتى لا ترهق قواهم بحثًا عن العدوّ، وهذا -للأسف- مغيَّبٌ عن الفكرِ الإسلامي، ومناهجه، وبرامجه التعليمية.
لن نقول: إذَا لم تكن قضية فلسطين؛ لأوجدها الله، كما تقولُ المجبرة، وإنما نعتقدُ ونؤمنُ، ونثقُ بالله تعالى، ونقطعُ بأن العدوَّ رقم (١)، الأشدَّ عداوة للذين آمنوا هم (اليهود)، حتى وإن لم توجد قضيةُ فلسطينَ، فقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ، ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)، [سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٨٢]، ولا تنطبق مواصفاتُ النصارى التي وردت في الآية على نصارى العصر؛ إذ أهمُّ صفة ضدية هي (الاستكبار).
لا مصلحةَ لما يحدث في العالم الإسلامي إلا للوبي الصهيوني (أمريكا، إسرائيل)، وأمريكا هي عصارةُ النصرانية المستكبرة، و”إسرائيل” عصارة اليهودية.
إن مصطلح (اليهود) في القرآن الكريم يصنّفهم بفريق الشر، والخداع، والإجرام، لا يستثني من تحت مظلته أحدًا، ونصارى العصر هم ضحية اليهود، كحال طائفة النفاق.
فجاء التحذير الإلهي الواسع في القرآن الكريم من ثلاثي الشر: (اليهود، النصارى، المنافقين)، واختزال خطرهم في قضية فلسطين، يحجّم مؤامراتهم، ويقزّمها، في عملية كمال الانفصال عن الأحداث والقرآن الكريم.
وللنمذجة لا الحصر؛ الحرب الناعمة خطر يفتك بالأمة، الحروب الاقتصادية ضد الأُمَّــة؛ لإماتة من سلم من الحرب الصُّلبة، الطوائف التكفيرية، القاعدة والوهَّـابية وأخواتهما خنجرٌ في خاصرة الأُمَّــة، ليبيا مشتعلة، والسودان متصارعة، والصومال منقسمة، والعراق مستنزفة، وسورية مستباحة، والخليج بقرة حلوب، ستُذبَح إذَا جف حليبها، وعدوان عالمي على اليمن.
ووراء ذلك كله هم اليهود، بدعم أمريكي، وتمويل منافقي الأُمَّــة.
إن فلسطين هي المتراسُ الأول والمتقدم للأُمَّـة لمواجهة عدونا عدو الله وأنبيائه، مجاهدو الإسلام في فلسطين يدافعون عن لبنان، وسورية، ومصر، والأردن، والعراق، وكل أرض الإسلام، وَإذَا سقط المتراسُ الأول والمتقدم؛ سيسقط عالم الإسلام.
إن الغرب الكافر -على رأسهم العدوّ الأمريكي والإسرائيلي- يتطلعون بنهم وشراهة شديدة لنهب أرضنا، وسرقة ثرواتنا، ويعملون على ذلك بكل جد واجتهاد، ولا يردعهم إلا الجهاد في سبيل الله.
وهذا ما يدركه محور الجهاد والمقاومة، فأسند الشعب الفلسطيني في معركة هي ليست معركة الشعب الفلسطيني وحده؛ إنما معركة الإسلام ضد الكفر، بين جموع الإسلام ضد جموع الكفر والنفاق، وميدانها وساحتها المركزية هي أرض فلسطين، وإن لم يحسم المسلمون تلك المعركةَ في ذلك الميدان؛ ستُفتَحُ ميادينُ مركزيةٌ للمعركة في ساحات دول إسلام آخر.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
محمد عبد الجواد يكتب: فسيكفيكهم الله
منذ بدء الخليقة، شرّف الله مصر بأنها حائط الصد الأول للمنطقة ومقبرة الغزاة والمتربصين بدءا من الحيثيين والهكسوس والمغول والحملات الصليبية والحملة الفرنسية والإنجليز والعدوان الثلاثي وأخيرا إسرائيل، التي تلقنت درسا عام 1973 لم تنسه حتى اليوم ومازال كابوسا يطارد قادتها وشعبها في اليقظة والمنام.
مصر الأرض التي كرمها الله من فوق سبع سماوات ومشي على أرضها عدد كبير من الأنبياء منهم يوسف ويعقوب وموسى وعيسى، ودفن في أرضها عدد كبير من الصحابة في البهنسا بالمنيا والشهداء بالمنوفية واحتضنت آل البيت بعدما تآمر عليهم ملوك بني أمية فكانت لهم الملاذ الآمن من البطش والظلم والطغيان، فدعوا لها بإخلاص أن يحفظها الله، لذلك كانت طوال تاريخها سلة غذاء العالم في أوقات القحط والجوع.
مصر كنانة الله في أرضه ذُكرت في القرآن 5 مرات تصريحا وأكثر من 30 مرة تلميحا، ستظل محفوظة ومؤيدة وواحة للأمن والأمان، لذلك قال نبي الله يوسف ((ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين))، وقال كليم الله موسى ((اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم)) .
وستظل مصر رمانة الميزان في الشرق الأوسط والبوصلة التي توجه العالم الحائر في زمن التخبط والنور الذي يهدي الجميع في الظلام مهما تعرضت للمكائد والمؤامرات، لذا تخرج من كل كبوة تواجهها منتصرة بفضل الله وكرمه.
مصر التي حاولت قوى الشر إسقاطها والتحكم في مقدراتها بعد ثورة عام 2011 نجحت في الصمود في وجه الجميع وخرجت منتصرة مهما أثخنتها جراح الغدر من القريب قبل الغريب وضربت جحافل الإرهاب في مقتل وطهرت أرضها من دنسهم في سيناء والصحراء الغربية ودفعت في سبيل ذلك الكثير من دماء أبنائها الذكية.
ولم تتوقف كتائب الشهداء ولم ينجح المتآمرون في جر شعبها إلى التناحر والانقسام ووقف الجميع صفا واحدا للدفاع عن الأرض والعرض ورفع علم بلدهم خفاقا إلى عنان السماء رغم المشاكل والأزمات الاقتصادية الخانقة التي أنهكت الشعب وتركت ندبات غائرة على وجهه وداخل روحه، لكنه بقي صامدا يدافع عن بلده في أحلك الظروف ولم يتخل عن وطنه رغم معاناته المريرة.
مصر التي راهن الجميع على سقوطها بإشعال الأزمات الاقتصادية أبت السقوط لأنها مؤيدة من الله إكراما لمن فيها من الغلابة والطيبين فلجأ المتربصون إلى سلاح آخر وهو افتعال الأزمات وإشعال الفوضى على حدودها.. ففي الغرب صراع شرس بين القبائل والمرتزقة داخل ليبيا ومن الجنوب الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، ومن الشرق تأجيج نار حرب الإبادة على غزة لإجبار أهلها على الفرار إلى سيناء لتنفيذ مخطط التهجير القذر. ويضاف إلى ذلك المواقف العربية المتخاذلة التي تظهر عكس ما تبطن وتمد يد العون للغرب وتضحي بالمصالح القومية العربية وحولتها إلى شعارات لدرجة أن الملوك والأمراء والرؤساء العرب يهرولون إلى أمريكا وأوروبا بسبب وبدون سبب ويتكاسلون عن المشاركة في القمة العربية التي من المفروض أن تناقش مستقبل ومصالح العرب في عالم ليس للضعيف فيه مكان ويزيدون الطين بلة بمنح تريليونات الدولارات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويغدقون عليه الهدايا في الوقت الذي يبخلون فيه على أهل غزة ويرفضون مساعدة المنكوبين من أبناء جلدتهم بل ويتآمرون عليهم مع أعدائهم بلا خجل أو حياء ويظهرون في الأوقات الصعبة للعرب وكأنهم أموات على قيد الحياة ولا يعنيهم سوى تأمين كراسي حكمهم المهترئة التى نخرها سوس الظلم والإهانة والمهانة والنطاعة وحماية أموالهم التي كدسوها في بنوك الغرب بعد أن حرموا منها شعوبهم وضيقوا عليهم.
وفي كل مرة تثبت لهم مصر أنها تمرض ولا تموت وتخرج من كل محنة تتعرض لها أقوى مما كانت بفضل عناية ورعاية الله لها ولكنهم لا يستوعبون الدروس أبدا، لكنها تقول للجميع أنا الدليل الذي يقود الجميع مهما واجهت من مشاكل وتعرضت لمحن ومؤامرات تطبيقا لنص الآية الكريمة: ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)).
مصر ستظل إلى يوم الدين حصن العرب وبوصلة الشرق الأوسط وحاضنة الجميع بلا مقابل، لأن هذا قدرها الذي شرفها الله به ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (( إذا فتح الله لكم مصر فاتخذوا منها جيشا فإنهم خير أجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم الدين)) فمصر هي الدولة الوحيدة التي لا فرق فيها بين المسلم والمسيحي ويحتفل فيها المسيحي برمضان والأعياد الدينية ويحتفل فيها المسلمون بعيدي الميلاد والقيامة ولم تعرف العنصرية إليها سبيلا، بشكل عام اذا استثنينا بعض الموتورين دعاة الفتنة الذين يحاولون شق الصف وإشعال نار الفرقة لكن خابت مساعيهم وذهبت أدراج الرياح، لأنها كما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي هي التي صدرت الإسلام وعلمت القرآن للبلد التي نزل فيه القرآن.
ورغم كل المحاولات والجهود التي تبذل لإضعاف مصر فإنها ستبقى قوية وعزيزة وعصية على الكسر والتطويع والاحتواء لأن من يحفظها ويرعاها هو الله وليس لأحد فضل في ذلك، لأن الله يسخر له من يخدمها ومن يريد كسرها يكسره ويقصمه الله مهما كانت قوته وجبروته، لأنها مصر قلب العالم بلد القرآن وقراء القرآن وستظل عامرة مهما تعرضت للمشاكل فهي البلد الوحيد في العالم الذي يستضيف 10 ملايين لاجئ وليس بها مخيمات والجميع يعيش حياته كأنه مواطن، لأن الله شرفها ذلك وأراد لها أن تكون قبلة الجميع تطعم وتعلم وتعالج وهي مأوي المشردين وستبقى يد الله تسندها إذا مالت وترفعها إذا وقعت وسيجعل لها السيادة على الجميع مهما عصفت بها المشاكل وزادت أعداد المتربصين والكارهين شاء من شاء وأبى من أبى.