"الموت أحسن من الاغتصاب".. صرخة ضحية عنف جنسي في الحرب الدائرة في السودان وصلت إلى الأسماع بخلاف صرخات أخرى تقدر منظمات أنها أكبر بكثير من المعلن لم تجد منقذين من أيدي المغتصبين ولا أياد رحيمة تعتني بها بعد الفاجعة لتواجه معاناتها في صمت يضجّ أحيانا بكوابيس تصل حد التفكير في الانتحار للتخلص من الآلام والهروب من الوصم الاجتماعي لضحايا الاغتصاب.



وتحول الاغتصاب إلى سلاح حرب منذ بدء الاشتباكات بالسودان في أبريل/نيسان 2023. ولا يتوقف العنف الجنسي في حرب السودان على الاغتصاب، بل يشمل كذلك الاستعباد الجنسي والاتجار في البشر والحمل القسري على غرار 331 حالة وثقتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان، بحسب ما أكدته رئيسة الوحدة سليمى إسحاق لـ"عربي21".

 ورغم صعوبات الرصد والتوثيق في ظل استمرار الحرب، فقد وثقت المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي ما لا يقل عن 300 حالة حتى الآن.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، هالة الكارب، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن 33 من هذه الحالات الموثقة سجلت في ولاية الجزيرة خلال الفترة الممتدة من الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري عقب الحملات الانتقامية الأخيرة لـ"قوات الدعم السريع" في الولاية.



المأساة أكبر من المعلن

ورغم أن وزارة الخارجية السودانية أكدت، في بيان أصدرته يوم الأحد الماضي، توثيق "ما لا يقل عن 500 حالة اغتصاب بواسطة الجهات الرسمية والمنظمات المختصة ومنظمات حقوقية"، إلا أنها نبهت إلى أن هذه الأرقام لا تعبر عن الواقع، بل "تقتصر على الناجيات من المناطق التي غزتها مليشيا قوات الدعم السريع"، منبهة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من الحالات غير موثقة، ومنها " مئات من المختطفات والمحتجزات كرهائن ومستعبدات جنسيا وعمالة منزلية قسرية، مع تقارير عن تهريب الفتيات خارج مناطق ذويهن وخارج السودان للاتجار بهن"، وفقا للخارجية السودانية.

وعن أسباب عدم رصد هذه الجرائم وسط استمرار الحرب، تتحدث سليمى إسحاق، في تصريحها الخاص لـ"عربي21" عن "معيقات كثيرة للإحاطة بحالات العنف والاغتصاب منها عدم التبليغ من طرف الضحايا، وضعف خدمات الدعم والمتابعة وتشتتها بين الولايات بسبب النزوح". كما أن خبراء كثيرين وناشطين سودانيين نبهوا إلى أن التطورات في السودان، بما في ذلك الانتهاكات التي تطال الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها النساء، لا تحظى بتغطية إعلامية كافية رغم زيادة ملموسة في الاهتمام في بعض المناسبات على غرار اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء الذي يحل في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.

وقد أكد المحامي السوداني معز حضرة، في تصريح لـ"عربي 21"، أن أعداد حالات العنف الجنسي التي رُصدت أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، مسلطاً الضوء على سبب رئيسي يعوق الرصد والتوثيق على غرار ظروف الحرب وتدهور أوضاع البلاد. ويتمثل هذا السبب في "الطبيعة المحافظة للمجتمع السوداني" التي لا تسهل طريق الضحايا نحو البوح بما تعرضن له من جرائم وانتهاكات، ما يدفع حضرة للقول "إننا نعتقد بأن الحالات المسكوت عنها أكبر بكثير مما جرى رصده".




عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
سلاح حرب

تتهم السلطات السودانية "قوات الدعم السريع" بشكل صريح باستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب بهدف "إجبار المواطنين على إخلاء قراهم ومنازلهم لتوطين مرتزقتها"، وهو ما جددت الخارجية السودانية التعبير عنه في بيان سالف الذكر. وفي هذا الإطارـ، تؤكد رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان أن "العنف الجنسي المتصل بالنزاع يُوظّف من أجل التطهير العرقي والتهجير القسري من مختلف المناطق".

ومن المؤشرات على استخدام قوات الدعم السريع الاغتصاب سلاحا في الحرب أن "هذه الانتهاكات تستهدف مجموعات إثنية بعينها، حيث تقتل كل الذكور من تلك المجموعات وتغتصب النساء والفتيات بغرض إنجاب أطفال يمكن إلحاقهم بالقبائل التي ينتمي إليها عناصر المليشيا"، وفقا لبيان الخارجية السودانية الذي أوضح أن "تلك الفظائع تشمل جرائم الاغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكالا أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة والقاسية والحاطّة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن".

غير أن الحالات الموثقة من العنف الجنسي لا تحمل بصمات عناصر "الدعم السريع" فقط، بل تكشف كذلك عن تورط أطراف أخرى في هذه الانتهاكات. وفي هذا الصدد، يؤكد المحامي السوداني معز حضرة "أن العدد الكبير من جرائم العنف الجنسي التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، لا يعني أن الأطراف الأخرى غير متورطة في هذا النوع من الجرائم".

ويتحدث عن "رصد ارتكاب جرائم اغتصاب وعنف جنسي من أطراف أخرى، بما فيها أفراد من القوات المسلحة السودانية، وبعض الحركات المسلحة والقبائل التي تدعم الطرفين".

أكثر من ذلك، "تم توثيق حالات استغلال في ظروف الحرب والمجاعة والنزوح من أجل ابتزاز النساء وتقديم الطعام مقابل الجنس"، بحسب المحامي حضرة، الذي نبه إلى أن استخدام الاغتصاب سلاح حرب من جرائم الحرب مخالف للقوانين الجنائية السودانية والقانون الدولي الإنساني، وكذلك "نظام روما الأساسي" الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية.

وتواصلت "عربي21" مع الخارجية السودانية، ولم تتلق ردا، حتى وقت نشر هذا التقرير، وفي حال أرسلت الرد سوف يتم تعديل هذا النص ليتضمن موقفها.







ضحايا من مختلف الأعمار

دقت الأمم المتحدة جرس الإنذار في عدة تقارير من أن "حوالي سبعة ملايين امرأة وفتاة في السودان تواجه خطر الاغتصاب والعنف الجنسي". ورغم أن الحالات الموثقة تعد بالمئات، إلا أن سليمى إسحاق تنبه إلى أن "حالات العنف الجنسي التي تم توثيقها بشعة جدا" بعضها طال طفلات دون الست سنوات. أما أكبر الناجيات الموثقة حالتها فيناهز عمرها 76 عاما".

وقد رصدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التي ترأسها سليمى أن "النساء الكبيرات في السن رفضن الخدمات والمتابعة بعد تعرضهن للعنف، إذ كان ذلك ثقيلا عليهن نفسيا بشكل كبير". 
حالات الاغتصاب لا تنسى بحسب سليمى إسحاق، ومنها جريمة تتذكرها بحزن ضحيتها فتاة من العاصمة الخرطوم، اقتحمت قوات الدعم السريع منزل أسرتها، واستفراد أحد العناصر بها محاولا اغتصابها، فكان "مغتصبها" يزيد من تعنيفها وضربها كلما لهجت بالدعاء ومناجاة الله، مبديا امتعاضه من رفضها بدعوى أنها فتاة من العاصمة حيث "التحرر" يفترض أن ترحب بما يحدث لها، ثم نهرها بقوله: "ما في لطيف في بس أنا"، ثم تناوب سبعة عناصر على اغتصابها.

وما زالت "هذه الفتاة تعاني من آثار هذه الجريمة" حتى الآن وقد لا تتعافى منها قريبا لأن "التعافي النفسي منها صعب خاصة أن الاغتصاب داخل المنزل يحوّله من مصدر أمان وذكريات الطفولة إلى ذكرى أليمة تركت ندوبا عميقة في نفسية الضحية"، وفقا لسليمى إسحاق.

كما روت هالة الكارب حكايات "جدّات" من جنوب أم درمان تتراوح أعمارهن بين 70 و80 سنة، كنّ قبل الحرب يعملن في خدمة المجتمع تحت إشراف المبادرة التي ترأسها الكارب، وبعد الحرب تعرضن لـ"الاسترقاق"، حيث "أجبرن على القيام بأعمال التنظيف والطبخ وحمل آليات وأسلحة لقوات الدعم السريع"، ويرافق ذلك "تعرضهن للسخرية والحط من كرامتهن وتهديدهن بالسلاح". وقد وثقت الكارب قصة ناجية من هؤلاء الجدات استطاعت أن تبوح بجانب من مأساتها قبل أن تتوفى بعد وقت قصير من تحريرها. ومن ذلك، أن محتجزي النساء كانوا يطلبون منهن الرقص وهم سكارى ويطلقون النار عشوائيا في الهواء، إضافة إلى انتهاكات أخرى جعلت الكارب تقول إنها "لا تستطيع تصور درجة القسوة وانعدام الإنسانية هذه تجاه الجدات اللاتي نسميهن في السودان الحبوبات".


مغتصبات ينتحرن هروبا من الوصم

تستمر المعاناة والندوب الناجمة عن الاغتصاب طويلا، وقد لا تزول أبدا حتى إن الحياة تضيق ببعض الضحايا إلى حد التفكير في وضع حد لحياتهن. واقع وثقه صندوق الأمم المتحدة للسكان عبر ممثله في السودان، محمد الأمين، الذي صرح في يوليو/تموز الماضي أن "بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار". وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جرى توثيق "انتحار 3 نساء في ولاية الجزيرة وحدها"، بحسب ما كشفت عنه هالة الكارب في تصريحات صحافية.

كما أن أغلب حالات الانتحار كانت لضحايا جرائم الاغتصاب الجماعي، بحسب هالة الكارب. إذ تتعرض الضحايا من النساء والفتيات الصغيرات للتعذيب والاحتجاز ونتيجة لذلك يقررن إنهاء حياتهن. كذلك ترتفع مخاطر محاولة الانتحار في صفوف ضحايا الاغتصاب أمام أفراد الأسرة لما له من آثار عميقة على الضحية ومحيطها. وفي هذا السياق، قال المحامي السوداني معز حضرة، لـ"عربي 21"، إن الانتحار لم يطل فقط ضحايا الاغتصاب، "بل تم توثيق انتحار أفراد من أسر الضحايا خاصة ممن شهدوا جريمة الاغتصاب". وهنا، تشير هالة الكارب إلى ضحايا توفين قهراً بعد عودتهن إلى أسرهن لتُدفن معهن تفاصيل معاناتهن، خصوصا أن من بينهن من تعجز عن البوح بمأساتها حيث تعانين في صمت بلا علاج إلى أن يلفظن أنفاسهن. وتستحضر هالة الكارب من الحالات قصة فتاة أكد أهلها أنها تعرضت للاختطاف والاغتصاب الجماعي لشهور من قبل "الدعم السريع"، وقد توفيت قهرا بعد بضعة أيام من عودتها إلى أسرتها.

ورغم أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان لم توثق من جهتها حالات انتحار لضحايا الاغتصاب، إلا أن رئيستها سليمى إسحاق لا تستبعد لجوء بعض ضحايا العنف الجنسي للانتحار، خاصة مع "حالة الوصم ولوم الضحية التي تلاحق النساء دائما"، منبهة في هذا الصدد إلى أن آثار الاغتصاب لا تتوقف عند الضحايا فقط، بل إنه يسبب ندوبا عميقة في المجتمع كله. ووضعت سليمى إسحاق إصبعها هنا على قصور في معالجة هذه الجرائم وكبح تداعياتها يتمثل في "أن الاهتمام غالبا ما ينصب على السياسة والأرقام دون الالتفات إلى نتائج هذه الانتهاكات التي ستؤثر على أجيال كاملة"، ومنها الآثار النفسية، ومخاطر انتشار الأمراض الجنسية، وولادة أطفال نتيجة الاغتصاب، وغيرها من التداعيات الخطيرة التي تستمر طويلا ويتجاوز تأثيرها الضحايا إلى محيطهن.



حالات حمل جراء الاغتصاب

يعتبر الحمل نتيجة التعرض للاغتصاب إحدى النتائج الخطيرة، التي تعرض الضحايا لآثار جسدية ونفسية واجتماعية وخيمة. فقد شددت "هيومن راتس ووتش في مايو/أيار 2023 على أن "الندوب الجسدية والعاطفية والاجتماعية والنفسية التي تعرضت لها الضحايا هائلة".

ورصدت المنظمة حالات الوصم الاجتماعي، منها لإحدى الضحايا "طردها زوجها وأخذ أطفالهما منها، وتُركت في الشوارع" حين اكتشف حملها نتيجة تعرضها للاغتصاب. 

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن قوات الدعم السريع متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة وسط #السودان، شملت القــتل والاحتجاز التعسفي واغتـصاب النساء والفتيات، مؤكدة على أن تصاعد هذه الهجمات الشنيعة مؤخرا ينهي الآمال المتبقية بإيقاف جـرائم الدعم السريع بدون رد… pic.twitter.com/26dgMuJYco — عربي21 (@Arabi21News) November 11, 2024
كما أكدت سليمى إسحاق لـ"عربي 21" توثيق 31 حالة ولادة من حمل ناتج عن الاغتصاب.

هذا إجمالي الحالات التي امتلكت الشجاعة وتوفر لها الدعم والسند للوصول إلى الوحدة، إذ تؤكد رئيسة الوحدة أن عددا أكبر من الضحايا لا يبلغن بسبب ظروف الحرب والسكن في الأرياف البعيدة، قبل أن تخلص مجددا إلى أن " الأرقام الحقيقية أكبر مما هو موثق بكثير".

وفي حين تستمر معاناة النساء اللواتي يضعن أولادا جراء الاغتصاب، يُسلّم مواليدهن في الغالب إلى مؤسسات ترعى الأطفال فاقدي السند في مختلف ولايات السودان. وأحيانا لا تلتقي الأم طفلها بعد ذلك، إذ تفضل معظم الأمهات عدم التواصل مع أطفالهن بسبب "الوصم وتجريم النساء" الذي يشكل عبأ ثقيلا على الضحايا، على حد تعبير هالة الكارب، ما يضاعف معاناة النساء في صمت جراء ندوب العنف الجنسي وانقطاع الاتصال بفلذات أكبادهن، ما يجعلهن في أمسّ الحاجة إلى الدعم والمساعدة.

غير أن الضحايا لا يحصلن على الرعاية والدعم اللازمين في ظل معاناة السودان عموما من ضعف كبير في الخدمات الصحية زاده الحرب والنزوح الكثيف تفاقما. وفي هذا الإطار، تتحدث هالة الكارب عن "قصور في الاستجابة وتوفير بروتوكول التعامل مع حالات العنف الجنسي"، بالإضافة إلى انعدام الدعم النفسي والخدمات الصحية المجانية، ولا سيما ضحايا الاغتصاب الجماعي اللواتي يحتجن أحيانا إلى تدخل جراحي لا يكون متاحاً في ظل انهيار المنظومة الصحية. كما تحتاج العديد من الناجيات للعون المادي لمواصلة حياتهن وفي الغالب لا يحصلن على أي نوع من الدعم، بحسب الكارب.

 وكان خبراء أمميون قد حذروا، في أغسطس/ آب الماضي، من نقص كبير للرعاية والخدمات الصحية والدعم النفسي، وخدمات ما قبل الولادة التي "أصبحت نادرة وغير آمنة أو غير متاحة على الإطلاق بالنسبة للناجيات اللاتي أكملن حملهن حتى نهايته".

ومع ذلك، تقول سليمى إسحاق إن هناك رعاية، لكن جودتها سيئة بسبب الحرب والنزوح، حيث يتم توفير الدعم النفسي للضحايا عن بعد، ولكن صعوبات الاتصال وانقطاع خدماته، تؤثر على وصول النساء إلى الدعم النفسي. وفي السياق نفسه، أشادت إسحاق "بمبادرات شجاعة أنشأت غرف طوارئ لتقديم المساعدة والدعم النفسي رغم أنها لا تستطيع الوصول إلى الجميع". كما أن خدمات الرعاية تختلف من ولاية إلى أخرى. فقد أدى اجتياح "الدعم السريع" ولاية الجزيرة إلى انهيار كبير في المنظومة الصحية ليحرم الأهالي من الخدمات الطبية.




لا غنى عن الدعم الدولي

طالبت سليمى إسحاق بضرورة بذل المجتمع الدولي جهودا من أجل وقف هذه الانتهاكات، وتحسين أوضاع النساء وتسهيل وصولهن إلى العدالة، وتمكينهن نفسيا وجسديا واقتصاديا، لأن سلامة النساء من صميم سلامة المجتمع كله. وفي هذا الإطار، أطلقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل "مبادرة 16 يومًا من النشاط النضاليّ ضد العنف الجنسانيّ" برسالة مفادها أن "نساء السودان وفتياته لسن وحدهن". وقد صارت الحملة حدثا سنويا، إذ تنطلق في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتستمر حتى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.

غير أن نسخة هذا العام من المبادرة تأتي "في خضم أوضاع مأساوية تعاني فيها النساء والفتيات في السودان جراء الحرب والانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها –وما تزال ترتكبها– عناصر "الدعم السريع" في الجزيرة ودارفور والخرطوم ومناطق أخرى في البلاد"، بحسب بيان للوحدة شددت فيه كذلك على ضرورة "حماية النساء في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء من مختلف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها".

ومن هذا المنطلق، شددت المديرة التنفيذية في المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي، في تصريحاتها لـ"عربي21"، على الحاجة إلى "قوانين داخلية صارمة تتصدى لكافة أشكال العنف، بالإضافة إلى التعاون مع المحكمة الجنائية ومنظومة حقوق الانسان الدولية وتسليم الجناة للعدالة"، مع "تبني وتفعيل القوانيين الدولية والإقليمية لمكافحة العنف ضد النساء"، لأن ما يحدث في السودان وفقا لهالة الكارب "ليس وليد اللحظة، بل نتاج أربعة عقود أو أكثر من الحصانة والإفلات من العقاب".

أما المحامي معز حضرة فقد لفت النظر إلى أهمية الجهود الداخلية من أطراف الحرب جميعها، وأول هذه الجهود السماح بدخول أعضاء لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها جنيف، وتسهيل وصولهم إلى المواقع من كل الأطراف المتحاربة، من أجل كشف الحقيقة والوصول إلى الضحايا. وفي انتظار ذلك ستبقى البيانات التي تصدرها أطراف الصراع، بحسب حضرة، غير ذات جدوى ما لم تقترن بجهود حقيقية لإنهاء النزاع "لأن الحرب هي أكبر جريمة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاغتصاب السودان الانتحار الدعم السريع الاسترقاق السودان انتحار اغتصاب استرقاق الدعم السريع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخارجیة السودانیة قوات الدعم السریع النساء والفتیات هذه الانتهاکات ضحایا الاغتصاب ولایة الجزیرة العنف الجنسی الدعم النفسی حالات العنف فی السودان سلاح حرب وفی هذا من أجل فی هذا إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين

رغم اكتمال عمليات تطهير العاصمة السودانية الخرطوم من آخر جيوب التمرد في "صالحة"، في أمدرمان، فإن جملة تحديات تواجه عودة مواطني العاصمة الذين غادروها مجبرين نحو منافي آمنة داخل وخارج السودان، ولم يتبقَ منهم سوى القليل في ظروف إنسانية بالغة السوء وانتهاكات غير مسبوقة في تاريخ السودان؛ مارستها قوات الدعم السريع ضد المدنيين الأبرياء وأحالت العاصمة التي تضج بالحياة إلى مدينة أشباح يخيم عليها الحزن والبؤس، وذلك منذ إطلاقها الرصاصة الأولى.

وتعتبر قضية الخدمات الأساسية التحدي الأكبر أمام عودة المواطنين للخرطوم، بعد التدمير الممنهج لشبكات المياه والكهرباء وسرقة الكوابل الكهربائية وإعادة تصدير محتوياتها النحاسية إلى دول جوار السودان؛ والتي قدرت عائداتها بخمسين مليون دولار.

وخلفت حرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل دمارا واسعا في البنية التحتية للكهرباء في السودان في كل الولايات التي كانت تنتشر فيها قوات الدعم السريع، خاصة في ولايتي الخرطوم والجزيرة، حيث تفاجأ مواطنون عادوا إلى مناطقهم بعد تحريرها بواسطة الجيش السوداني بسرقة محولات الكهرباء من الأحياء والمؤسسات المدنية والأسواق، والعبث بالشبكات الواصلة بين مدن السودان المختلفة بغرض الوصول إلى النحاس، كما تعرضت محطات الكهرباء والسدود في الولايات الآمنة إلى جملة اعتداءات من قوات الدعم السريع بواسطة المسيرات أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، خاصة في ولايتي نهر النيل والشمالية، ما أثر على الموسم الزراعي الشتوي وتسبب في تدني إنتاج معظم المحاصيل وعلى رأسها القمح، المكون الغذائي الرئيس في السودان.

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا حول إمكانية العودة للخرطوم في الظروف الراهنة، فبينما يرى البعض عدم التسرع في العودة قبل اكتمال كافة الأعمال في المحاور الخدمية من صحة ومياه وكهرباء وتعليم، تنادي الغالبية بالعودة الفورية والمشاركة في إعادة الإعمار
وإلى جانب عودة المواطنين للأحياء السكنية، فإن القطاع الصناعي يواجه صعوبات بالغة في العودة إلى مقراته الرئيسة في العاصمة بسبب انقطاع الكهرباء عن المناطق الصناعية والتكلفة العالية للطاقة البديلة، كما أن مؤسسات الدولة تأخرت عودتها لذات الأسباب، بجانب الجدل الواسع هذه الأيام حول أولويات حكومة الدكتور كامل إدريس وبقائها في العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، إلا أن حكومة الأمل نفسها والتي لم يُسمّ منها سوى خمسة وزراء من جملة 22 وزيرا؛ تواجه تعقيدات الشراكة وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، بعد بروز خلافات بين الموقعين عليه حول تسمية الحقائب الوزارية المنصوص عليها في الاتفاق.

وتبذل الهيئة القومية للكهرباء وحكومة ولاية الخرطوم جهودا حثيثة ضمن خطة إعادة الإعمار الشامل لما دمرته الحرب، فيما بادر القطاع المصرفي بتمويل الحصول على أنظمة الطاقة الشمسية للمواطنين وأصحاب المشاريع الصغيرة، للمساهمة في عودة الحياة تدريجيا للعاصمة المهجورة.

كما تلقت الحكومة السودانية بعض الوعود الإقليمية بإعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والجسور ومطار الخرطوم الدولي من جانب المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، بينما لا يزال الدعم الدولي لجهود إعادة الأعمار غائبا ومحيرا.

وتعتبر عودة المياه ضرورة حتمية لعودة المواطنين، حيث تضررت محطات المياه الرئيسة هي الأخرى بفعل العمليات العسكرية، وعاد بعضها جزئيا للعمل وما تزال أعمال الصيانة مستمرة فيها، وساهمت مجهودات الأهالي والمبادرات الخيرية في تشغيل محطات المياه الصغيرة في الأحياء لتخفيف المعاناة على الأسر العائدة من مناطق النزوح، عن طريق الطاقة الشمسية.

وتعد المياه الصالحة للشرب عائقا أساسيا أمام إعمار الخرطوم، فقد تسبب انقطاع المياه والكهرباء عن ولاية الخرطوم خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بفعل مسيّرات الدعم السريع، في انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والحمّى، مما مثل عبئا إضافيا على النظام الصحي الذي يتعافى هو الآخر من تدمير ممنهج من جانب الدعم السريع.

وعلى صعيد الخدمات الأساسية، فإن قلة الخدمات الطبية الأساسية تهدد عودة الآلاف من الأسر التي فرت بحثا عن الرعاية الطبية لكبار السن والمتعايشين مع الأمراض المستديمة، مع الوضع في الاعتبار أن 80 في المئة من البنية التحتية للمستشفيات طالها الخراب أو نُقلت محتوياتها إلى خارج السودان.

وبالتزامن مع المجهودات الحكومية لتهيئة بيئة العودة، تنشط العديد من المبادرات لتشجيع العودة الطوعية للخرطوم بواسطة رجال أعمال وشركات القطاع الخاص، حيث يعود المئات برا من جمهورية مصر العربية (أكبر دولة مستقبلة للاجئين السودانيين)، ومثلهم من ولايات السودان المختلفة، وآخرها مبادرة الناقل الوطني (سودانير) لعودة السودانيين من سلطنة عُمان، وتُتوقع عودة المزيد خلال من اللاجئين في دول الجوار والخليج عقب الفراغ من الالتزامات الأكاديمية للطلاب.

ويؤَمن السودانيون بأن إعادة إعمار الخرطوم مسؤولية تضامنية بين الدولة والمجتمع، لذلك أفلحت جهود مجتمعية في عودة مظاهر الحياة لأحياء العاصمة المختلفة، كما عادت أكبر مسابقة رياضية لكرة القدم في السودان بمشاركة أندية من جميع الولايات بعد توقف استمر لأكثر من عامين، في مظهر يجسد رغبة السودانيين في التعافي من آثار الحرب والنزوح.

وتبقى جدلية الظروف الأمنية هي الفاصلة في طريق العودة، فما زالت بعض أحياء الخرطوم خالية من سكانها وتنتشر فيها التفلتات الأمنية والسرقات، مع استمرار التضخيم الإعلامي من جهات تؤرقها عودة الاستقرار، التي لا تتفق مع أجندتها السياسية. وقد كانت تصور للناس أن الخرطوم تحتاج عشرات السنوات للعودة إلى حالة ما قبل الحرب، وأن تحريرها بواسطة الجيش السوداني ضرب من المستحيل.

وتعد الأوضاع الأمنية تحديا ملحّا لحكومة كامل إدريس، مما دفع وزير الداخلية المعين حديثا الفريق بابكر سمرة للانتقال إلى الخرطوم لممارسة مهامه منها، بجانب وزارات أخرى في طريقها للعودة إلى الخرطوم، ويتوقع مراقبون عودة مجلس الوزراء بكامله نهاية العام الحالي بعد اكتمال عودة الخدمات الأساسية وعودة العاملين في مؤسسات القطاعين الخاص والعام.

وفي خطوة تدعم خيارات العودة، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارا بإغلاق مراكز الجامعات السودانية في الخارج، مما يمهد لعودة المؤسسات التعليمية إلى داخل السودان ابتداء من العام الدراسي الجديد.

وتتسارع الخطى قبل حلول فصل الخريف لإزالة الآثار البيئة، مثل المقابر العشوائية والجثث المنتشرة في بعض المناطق، وإزالة الأنقاض وفتح الطرق ومصارف الأمطار.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا حول إمكانية العودة للخرطوم في الظروف الراهنة، فبينما يرى البعض عدم التسرع في العودة قبل اكتمال كافة الأعمال في المحاور الخدمية من صحة ومياه وكهرباء وتعليم، تنادي الغالبية بالعودة الفورية والمشاركة في إعادة الإعمار. فالمنازل الخالية تحتاج عودة ساكنيها لمباشرة تهيئتها، والأسواق تنتظر رجوع التجار، ومؤسسات الدولة في انتظار موظفيها خاصة بعد قرارات حكومة الخرطوم بعودة موظفيها ابتداء من منتصف حزيران/ يونيو المنصرم.

بينما يترقب الشارع السوداني اكتمال حكومة الأمل وانتقالها إلى الخرطوم، تسابق فرق الصيانة والتشغيل والنظافة الوقت لإنجاز الخطة الإسعافية للعودة حتى نهاية العام الحالي
وبجانب الجهود المجتمعية فإن مسؤولية الدولة هي الأكبر؛ لأن مظاهر العودة عملية ذات دلالات وأبعاد سياسية، أهمها هزيمة مشروع التمرد الهادف إلى استمرار الحرب والنزوح وتدمير البنية التحتية للدولة السودانية، وفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية وفرض الوصاية على الشعب السوداني؛ المتطلع لمستقبل بلا نزاعات بين أبناء الوطن الواحد، ومعالجة جذور الأزمة السياسية.

في المقابل، يراقب المجتمع الدولي والإقليمي بحذر ما يحدث في السودان من تطورات الأوضاع السياسية والعسكرية، بعد الترحيب الواسع بتسمية الدكتور كامل إدريس رئيسا للحكومة الانتقالية، والشروع في تسمية وزرائها من الكفاءات المستقلة حسب المعايير الصارمة لرئيس الوزراء وتجاوز الأحزاب السياسية في هذه المرحلة. ويحظى كامل إدريس بتأييد واسع من الداخل والخارج، وكان آخر المهنئين باختياره؛ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال محادثة هاتفية مع الرئيس البرهان، وهي المحادثة التي طرحت من خلالها الهدنة الإنسانية في مدينة الفاشر، لكن خرقت بواسطة التمرد بعد ساعات من إعلانها.

وبينما يترقب الشارع السوداني اكتمال حكومة الأمل وانتقالها إلى الخرطوم، تسابق فرق الصيانة والتشغيل والنظافة الوقت لإنجاز الخطة الإسعافية للعودة حتى نهاية العام الحالي.

مقالات مشابهة

  • السودان يطالب المحكمة الجنائية الدولية بإضافة عناصر من دول خارجية إلى التحقيق لدورهم في التحريض على الحرب
  • مدير الدفاع المدني في الساحل السوري: الألغام التي زرعها النظام البائد أكبر عائق نواجهه لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية الشمالي
  • المرأة اللبنانية طائر فينيق.. عاشت تحديات الحرب وانتفضت على الأزمات
  • السودان يطالب “الجنائية” بضم أطراف خارجية إلى تحقيقات جرائم الحرب في دارفور
  • بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين
  • سلمى عبدالجبار تدعو شباب السودان إلى لعب دور أكبر في محاربة خطاب الكراهية وتعمير ما دمرته الحرب
  • السودان: تحذير أممي من تفاقم الأزمة الإنسانية في ظل استمرار العنف ونقص تمويل
  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة
  • لجنة المرأة بالبرلمان تناقش مشروع قانون العنف ضد النساء
  • تقدم الجيش ومعاناة المواطنين.. آخر تطورات الأوضاع في السودان