الكويت .. سد ثغرات قانون الجنسية ومراجعة جميع الملفات القديمة
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
قال رئيس مجلس الوزراء الكويتي بالإنابة ووزير الدفاع ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف إن اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية تقوم بدراسة ملفات الجنسية «بكل دقة».
وأضاف الشيخ فهد اليوسف، في لقاء مع برنامج «60 دقيقة» المذاع على قناة الأخبار، أن «اللجنة العليا» تنظر في جميع الملفات القديمة التي تمت دراستها من قبل إدارة الجنسية بجميع أقسامها.
من جانبه، أكد مدير إدارة المكتب الفني في وزارة الداخلية العقيد حقوقي محمد المزيد ـ خلال اللقاء ـ حرص الإدارة العامة للجنسية ووثائق السفر الكويتية على ترسيخ أسس الهوية الوطنية والحفاظ عليها وتعزيز الانتماء للوطن من خلال ضمان دقة دراسة ملفات الجنسية وفق أعلى المعايير.
واستعرض العقيد المزيد الإجراءات والدراسات الدقيقة لملفات الجنسية والتي تبدأ بورود معلومة من إدارة الجنسية الكويتية يتم رفعها إلى إدارة البحث والمتابعة للنظر بها، لتقوم من جانبها بإجراء تحقيق شامل وبحث وتحرٍ حول الملف وفق الإجراءات المتبعة.وأوضح أنه بعد استكمال التحقيق يحال الملف إلى إدارة المكتب الفني التي تتأكد بدورها من جميع الجوانب وصياغتها بطريقة شاملة من الناحية القانونية ورفعه إلى المدير العام لإجراء دراسة دقيقة والتأكد من استكمال جميع المتطلبات ومن ثم إحالة الملف إلى وكيل القطاع لدراسته بشكل أكثر تفصيلا لضمان تحقيق الدقة والشفافية.
وتابع: ان الإجراء التالي يكون بإحالة الملف إلى أمين سر اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية التي تجري دراسات إضافية للتأكد من صحة البيانات ومن جميع الشروط ومن ثم يرفع الملف إلى «اللجنة» برئاسة رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الدفاع ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف لمناقشته بالتفصيل.
وأضاف أنه عقب عرض الملفات تتخذ «اللجنة» قرارا نهائيا بناء على ما تم استعراضه وتحليله خلال الاجتماع «وهذه الآلية تمثل إطارا شاملا ودقيقا لضمان ودراسة جميع الملفات وفق معايير عادلة وشفافة مع ضمان عدم ظلم أي شخص والتحقق من استيفاء جميع المستحقين للشروط والمعايير المعتمدة».من جانبه، قال مدير إدارة البحث والمتابعة العقيد حقوقي عبدالعزيز العميري إن «الحفاظ على الهوية الوطنية مسؤولية كل مواطن فهي قصة انتماء لهذا الوطن»، مشيرا إلى أن علاقة المزور بالوطن «علاقة مادية فقط».
واستعرض العميري، خلال اللقاء، طبيعة الملفات التي تدرس من قبل «اللجنة» وآلية إثبات حالات التزوير أو الازدواجية والتي «تحتاج إلى فترة كبيرة تمتد إلى مراحل عدة بدءا بالمعلومة وصولا إلى إثبات الدليل ومن ثم عرضها على عدة مسؤولين والتدقيق عليها حتى تصل إلى اللجنة العليا لتحقيق الجنسية ليتم طرحها ومناقشتها في الاجتماع المخصص».
كما استعرض إحدى حالات الحصول على الجنسية الكويتية عن طريق التزوير والتي «سيطبق عليها نص المادة 13 من قانون الجنسية الكويتية»، مبينا أنه «تم إثبات هذه الواقعة بالدليل القاطع والواضح بأنها قد حصلت على الجنسية بناء على أقوال الغش والكذب».
وأشار إلى حالة أخرى حصلت على الجنسية الكويتية «مرتين»، الأولى وفق المادة الأولى من قانون الجنسية والثانية وفق المادة الثامنة استنادا إلى الزوج وقد أثبتت إدارة الجنسية هذه الواقعة عن طريق مخاطبتها الهيئة العامة للمعلومات المدنية ليتبين أنها تحمل اسمين أحدهما حقيقي والآخر وهمي.وأفاد بأن السبب في زيادة أعداد سحب أو فقدان الجنسية الكويتية يعود إلى تلقي معلومات عن التزوير أو ازدواج الجنسية من داخل البلاد وخارجها، مشيرا إلى تعاون جميع مؤسسات الدولة مع وزارة الداخلية في هذا الشأن وتزويدها بالمعلومات ذات الصلة.
وبشأن التعامل مع من يتم سحب جنسياتهم، أفاد العميري بأنه يتم التعامل معهم عن طريق «إدارة من سحبت منهم الجنسية» ليتم إصدار هوية مؤقتة لهم لحين متابعة وتعديل أوضاعهم بحسب الجنسية الحقيقية المكتسبة في السابق ووفق أسمائهم الحقيقية.
ولفت إلى أن «زوال الجنسية الكويتية يأتي إما عن طريق الفقدان أو عن طريق السحب أو عن طريق الاسقاط.. فالفقدان لمن كانت جنسيته بالتأسيس أو بالتجنيس.. والفقدان يطبق على الشخص الذي يحصل على جنسية دولة أخرى بكامل إرادته وفي هذه الحالة يصبح مزدوجا بإرادته لتفقد منه جنسيته الكويتية». واستدرك قائلا: بالنسبة لمن ولد في دولة أجنبية التي تمنح الجنسية بالميلاد ففي هذه الحالة يخير عند بلوغه الـ 21 عاما إما حمل الجنسية الكويتية أو جنسية الدولة الأجنبية التي ولد فيها.
وذكر أن «سحب الجنسية وفق المادة الـ 13» يطبق مع المتجنسين وفق فئات عدة، «الأولى» منها مع من حصل على الجنسية عن طريق التزوير فتسحب منه وممن اكتسبها معه بالتبعية و«الثانية» مع من حكم بأحكام مخلة بالشرف والأمانة و«الثالثة» مع من عزل تأديبيا من وظيفته لأحكام تتعلق بالشرف والأمانة، مشيرا إلى إمكانية سحبها «لمصلحة البلاد العليا» أو إذا كان يؤدي أعمالا تقوض النظام العام، وبشأن المادة الـ 14 المخصصة لإسقاط الجنسية فتطبق مع من يقوم بأعمال تعتبر من وجهة نظر الدولة «خيانة عظمى» سواء كان الشخص داخل البلاد أو خارجها.وأكد العميري أن اكتشاف حالات التزوير في مسائل الجنسية «من العمليات الصعبة والمعقدة وتستغرق فترة كبيرة»، إذ يتم الرجوع إلى ملفات قد تعود إلى 50 عاما، مشيرا إلى وجود ملفات يبدو فيها التزوير واضحا «وهذه لا تستغرق وقتا طويلا» وأخرى تحتاج إلى مخاطبة جهات داخلية وخارجية بحسب الدولة التي ينتمي إليها المزور.
وأشار إلى حالات تزوير للجنسية الكويتية ـ وفق المادة الأولى ـ ينتمي حملتها إلى إحدى الدول العربية وهم في الحقيقة «أبناء عمومة» ووفق المستندات الكويتية «أشقاء»، مبينا أنه تم إثبات التزوير عبر تحريات المباحث والمراقبات ومن خلال فحص الـ «دي.إن.إيه» وقد استغرقت هذه القضية فترة طويلة حتى تم اكتشاف تبعية 132 شخصا إلى الشخص المزور.
وقال إن أعدادا كبيرة قد حصلت على الجنسية الكويتية وفق المادة الثامنة من قانون الجنسية ـ بإعلان رغبة ـ لا سيما بعد فترة الغزو العراقي الغاشم في عام 1990، وقد أكد خبراء دستوريون في اللجنة العليا لتحقيق الجنسية أن القرارات ذات الصلة مخالفة لصريح القانون، مشيرا إلى استمرار النظر فيها لاتخاذ قرارات بشأنها.
ولفت العميري إلى أن جميع حالات التزوير التي يتم إثباتها تأخذ مسارين «جنائي» بإحالة مرتكبها إلى النيابة العامة حتى تتم معاقبته جنائيا و«إداري» بتطبيق نصوص قانون الجنسية سواء بسحبها أو فقدانها.كما لفت إلى أن تطبيق البصمة «البيومترية» أسهم بشكل كبير في كشف حالات التزوير والازدواجية فمثلا «قبل فترة تقدم شخص إلى أحد المنافذ الكويتية وعند إجراء البصمة «البيومترية» اتضح أن لديه بصمة أخرى».
وأشار إلى حالات تم تعديل وضعها من المادتين الخامسة والسابعة إلى الأولى، وقد تم حصر أعدادها و«بحسب القانون لا يجوز تعديل مواد الجنسية وفق آراء الخبراء الدستوريين وإدارة الفتوى والتشريع»، لافتا إلى أن هذا الملف لايزال معروضا على اللجنة العليا وسيتم اتخاذ القرار بشأنه خلال الأيام المقبلة.
من جانبه، قال مساعد مدير إدارة الجنسية العقيد حقوقي تركي الصباح إن عدد من زالت عنهم الجنسية الكويتية سواء بالإسقاط أو السحب أو الفقدان بلغ 4447 حالة بحسب إحصائية اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية و«تلك الحالات أتت نتيجة لبلاغات أو قضايا سابقة تم الحكم فيها وتأكيد عمليات التزوير». ولفت إلى زيادة أعداد العاملين على دراسة هذه الملفات، مستدركا أن «عملية الفقد والسحب مستمرة ولن تتوقف طالما كانت الإدارة موجودة والتزوير موجود.. ونحن له بالمرصاد».
وأضاف العقيد تركي الصباح أن المادة الخامسة من قانون الجنسية الكويتية جاءت بثلاث فقرات الأولى منها خاصة بصاحب السمو أمير البلاد وهي لمن أدى إلى البلاد أعمال جليلة، ويقدر سموه، حفظه الله ورعاه، تلك الأعمال، بينما الفقرة الثانية لمن ولد في الكويت لأم كويتية، وأقام وأتم الدراسة فيها وكان أبوه إما أسيرا أو متوفى أو طلق أمه طلاقا بائنا، بينما أتت الفقرة الثالثة لحملة الإحصاء 65 «من يتواجد في البلاد من عام 1965 وحافظ على الإقامة فيها حتى صدور مرسوم تجنسيه».ولفت إلى أن التلاعب والتزوير بتلك الفقرات يأتي عن طريق اكتشاف «إدارة الجنسية» أن الزوجة مطلقة في الكويت وفي الوقت نفسه تكون متزوجة من نفس الشخص بالخارج، موضحا أن التلاعب في حمل «إحصاء 65» يكون في بعض الحالات مزورا وغير صحيح، إذ تقوم بعض الحالات بالدخول إلى البلاد باسم آخر مشابه له ـ لحامل الإحصاء ـ ويدعي أنه هو من يحمل هذا الإحصاء.
وحذر العقيد تركي الصباح من تأخير إضافة المواليد أو تأخرهم في صرف الجنسية لمن أتم 18 عاما، إذ إنه من المحتمل أن يحال إلى الإدارة العامة للمباحث الجنائية في قسم قانون الطفل والإدارة العامة للتحقيقات لتسجل في حقه قضية إهمال رعاية طفل وبشأن من لم يقم باستخراج الجنسية لمن أتم الـ 18 من العمر «يتم وقف تجديد أي مستندات له وبالمقابل يحرم من دخول الجامعة والبعثات الدراسية وجميع الحقوق كمواطن».
وأشار إلى أن مراكز الهوية الوطنية منتشرة في جميع محافظات البلاد ليتم من خلالها استخراج المستندات بحضور الأب أو الابن نفسه أو حضورهما معا.
وبسؤاله حول تلقي الشكاوى عبر الخط الساخن والتطبيق الحكومي الموحد للخدمات الإلكترونية (سهل)، أشاد العقيد الصباح بالجهود التي يقوم بها المواطنون عن طريق التعاون مع إدارة الجنسية وتقديم البلاغات والشكاوى حول عمليات التزوير.ولفت إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون الجنسية كافية في الوقت الحالي لسد جميع الثغرات من ناحية التعديل سواء فيما يتعلق بالمادتين الخامسة أو الثامنة من قانون الجنسية الكويتية إذ إنه «في السابق كان يتم منح زوجة المواطن الكويتي الجنسية وحاليا لا تحصل عليها».
وأضاف أنه بالنسبة لأبناء الكويتية فقد «أسهمت التعديلات في سد جميع الثغرات في هذا الشأن إذ أتت بعدم حصول أبناء المواطنة الكويتية على الجنسية». وشدد على أن «التعديلات على قانون الجنسية أسهمت بسد جميع الثغرات.. وعند اكتشاف ثغرة جديدة في القانون سيتم تعديلها بقانون».
الأنباء الكويتية
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: اللجنة العلیا لتحقیق الجنسیة الجنسیة الکویتیة من قانون الجنسیة الإدارة العامة حالات التزویر إدارة الجنسیة مجلس الوزراء على الجنسیة وفق المادة الملف إلى مشیرا إلى وأشار إلى ولفت إلى عن طریق ومن ثم إلى أن
إقرأ أيضاً:
نموذج “بوكو حرام”: كيف تستغل الجماعات الإرهابية ثغرات “تيك توك”؟
تشهد نيجيريا موجة جديدة من العمليات الإرهابية، بقيادة جماعة بوكو حرام، وتنظيم ولاية غرب إفريقيا التابع لداعش، في مناطقها الشمالية الشرقية، خاصةً ولاية بورنو التي شكلت بؤرة الصراع الذي خلَّف منذ عام 2009 أكثر من مليوني نازح و40 ألف قتيل.
وقد أسفر المد الإرهابي الجديد في نيجيريا، في إبريل 2025، عن أكثر من 100 قتيل، وترافق مع صدور تقارير حول استخدام تطبيق “تيك توك” في حملات الدعاية والتجنيد. ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 19 مايو 2025، ملخصاً مشتركاً مع وكالة الأنباء الفرنسية لتقريرها بشأن حسابات على التطبيق تروج للأفكار المتطرفة ومعاداة الغرب، بطريقة مشابهة لتلك التي دأب عليها الزعيم السابق لبوكو حرام، أبو بكر شيكاو، قبل مقتله عام 2021.
ويعكس استخدام التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لتطبيق “تيك توك”، اهتمامها بمزاياه في خوض “المعارك الرقمية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع العمليات العسكرية المكثفة والمتصاعدة في ميادين القتال؛ لذلك بثَّت في وقت سابق حسابات تابعة لجماعة بوكو حرام على التطبيق، مقاطع لطائرات مُسيَّرة أثناء مراقبتها مواقع للجيش النيجيري قبيل مهاجمتها.
الإرهاب الرقمي:
انخرطت التنظيمات الإرهابية في استخدام التكنولوجيا الرقمية منذ العقد الأول من الألفية، لتحقيق “الحكامة” و”الفاعلية” في تنفيذ أجندتها ما دامت لا تعود عليها بمخاطر أمنية؛ مستغلة حالة السيولة في الفضاء الرقمي وضعف التنسيق الدولي في الرقابة على المحتويات الإلكترونية مثل الرسائل النصية واستخدام الأقراص المدمجة؛ الأمر الذي سمح بذيوع الكتب الممنوعة من التداول بالطرق التقليدية، وساعد على انتشار الخطب التحريضية ووصفات صناعة الأسلحة اليدوية وإعداد المتفجرات.
كما التفتت هذه التنظيمات إلى أهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للدخول في علاقات “افتراضية” مع مختلف الأوساط الشعبية، ونجحت في تحويل هذه العلاقات، في الكثير من الحالات، إلى علاقات “واقعية” بعد إقناع العناصر المستهدفة بالالتحاق بمعسكرات التدريب والقتال المنتشرة عبر مواقع متفرقة من العالم؛ بل اتضحت خطورة هذا الاستخدام في حالات التحول الفجائي نحو التطرف وترجمته عملياً عبر عمليات الدهس والطعن في شوارع المدن الغربية.
وفي هذا الأفق المحكوم بخلفية “انتهاز الفرص”، عملت التنظيمات الإرهابية على توظيف الوسائط الجديدة مثل “فيسبوك” و”إكس” و”واتساب” و”إنستغرام” و”تليغرام”، ثم في الفترة الأخيرة تطبيق “تيك توك”، المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية العملاقة (Bytedance)؛ لانسجامه مع متطلبات العمل الإرهابي في صورته الهجينة، حيث صارت هذه الجماعات تستخدم “تيك توك” لتعزيز قدراتها في النشر والدعاية والتجنيد عبر بث مقاطع تظهر الأسلحة والذخائر ومشاهد التدريب، وعرض للأموال التي يُحتمل تحصيلها من الهجمات، وترديد خطابات التهديد والتحريض والتضليل. وهذا ما أكدته وكالة الأنباء الفرنسية من مراجعتها لـ19 حساباً على “تيك توك”، قالت إنها تبث بشكل متكرر مشاهد لعناصر يرتدون زياً دينياً، ويحرّضون على العنف ضد الحكومة، ويتعاونون مع حسابات تعرض كميات كبيرة من الأسلحة، وتروج لتسجيلات قديمة لمؤسس جماعة بوكو حرام، محمد يوسف، وأخرى للواعظ السلفي المتشدد عيسى غارو، المعروف بخطاباته العنيفة والذي تم منعه من إلقاء الخطب في الأماكن العامة بولاية النيجر لهجومه على الديمقراطية ومظاهر الحضارة الغربية.
ولعل التجارب السابقة في استخدام “تيك توك” من جانب الجماعات الإجرامية المنتشرة في المنطقة الشمالية الغربية وولاية النيجر بالمنطقة الشمالية الوسطى في نيجيريا، والتي تنوعت أنشطتها بين سرقة الممتلكات وعمليات الاختطاف؛ تُوفر لجماعة بوكو حرام وغيرها تجربة عملية في إدارة المحتوى الرقمي من خلال التطبيق، حيث شرح بولاما بوكارتي، الخبير في شؤون مكافحة التطرف ونائب رئيس مؤسسة “بريدجواي” ومقرها تكساس في الولايات المتحدة، بمنشور على حسابه في منصة “إكس” بتاريخ 17 إبريل الماضي، أن استخدام “تيك توك” بدأ في نيجيريا مع قطاع الطرق.
كما أن هذه التجارب قد استعادها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، الذي تعرَّض عدد من حساباته على “تيك توك” للمنع من إدارة التطبيق بعد استلامها إحاطة من وكالة “ستوريفول” (Storyful) استناداً إلى تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشف في 21 أكتوبر 2019، عن ترويج مقاطع فيديو عبر التطبيق تظهر صور جثث معروضة في الشوارع ومسلحين وأغانٍ تمجد العنف، غير أن معظم الحسابات المعنية لم تصل حينها، بحسب تقرير الصحيفة، إلى حاجز الألف متابع.
وفي تاريخ لاحق، حدَّدت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا الصومالية، يوم 24 أغسطس 2023، موعداً نهائياً لمزودي الإنترنت في البلاد للتوقف عن توفير الوصول إلى “تيك توك”، بجانب “تليغرام” وموقع المراهنة عبر الإنترنت (1xBet)؛ باعتبارها منصات رقمية للدعاية الإرهابية، وذلك في أوج حربها على حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. وفي ذات السياق، وثقت منظمة “هم أنجل” (HumAngle)، المتخصصة في تغطية النزاعات والإرهاب والأزمات الإنسانية في غرب إفريقيا، في أغسطس 2024، نحو 730 مقطع فيديو على “تيك توك” يتم ترويجها عبر 25 حساباً تخضع لإدارة جهات تدعم الجماعات المسلحة.
جاذبية “تيك توك”:
يأتي استخدام تطبيق “تيك توك” من جانب التنظيمات الإرهابية في سياق بحثها المستمر عن أدوات التأثير والانتشار وتنويع مصادر التعبير عن حضورها، وعموماً يمكن تحديد الدوافع المباشرة لاتجاه هذه التنظيمات نحو التطبيق الصيني، فيما يلي:
1- شعبية “تيك توك” لدى الشباب: أصبح تطبيق “تيك توك”، عام 2024، الأكثر تحميلاً في العالم بـ825 مليون مرة؛ ليسجل أكثر من خمسة مليارات عملية تنزيل منذ إطلاقه عام 2017. فيما بلغ عدد مستخدمي “تيك توك” النشطين في نيجيريا وحدها، العام الماضي، قرابة 24 مليون مستخدم.
ويُعتبر الشباب فئة مهمة من رواد التطبيق؛ إذ إن نحو 66% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة، حسب إحصائيات (DemandSage) الصادرة في أوائل مايو 2025؛ لذلك بات التطبيق يشكل هدفاً للجماعات الإرهابية الساعية لتملك أدوات التواصل مع الشباب بغرض التجنيد، وهذا ما أوضحه جهادي سابق انشق عن جماعة بوكو حرام، في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، بقوله إن الجماعات التي اتجهت إلى “تيك توك” هجرت الأساليب التقليدية “المملة” في خطابها، وصارت تتبنى لغة عصرية جذَّابة وذات فاعلية تجاه الشباب، بين 16 و30 سنة، وهي الفئة الأكثر عُرضة للاستقطاب.
2- البث المصور والمباشر: يوفر تطبيق “تيك توك” إمكانية البث المصور والمباشر في ذات الوقت؛ الأمر الذي يتيح التفاعل الحي بين صاحب المحتوى ومتابعيه؛ ومن ثم خلق حالة من الشعور بالثقة المتبادلة يعززها ظهور عناصر التنظيم بوجه مكشوف وملابس تقليدية وملامح مألوفة لدى سكان المنطقة وتداول مفردات معهودة في خطابهم المحلي؛ الأمر الذي تطور في حالات مؤكدة، حسب تقرير وكالة الأنباء الفرنسية، إلى فتح مجال للتحادث من خلال طرح الأسئلة والجواب عليها ووضع التعليقات والتجاوب معها، وهو الأمر الذي عدَّته الوكالة مصدر قلق، خاصة أنه ينطوي على مخاطر أكبر تتمثل في فتح قناة جديدة للتمويل؛ إذ تتلقى بعض الحسابات من متابعيها “هدايا رقمية” قابلة للتحويل إلى نقود.
كما يمكن توقع الأسوأ في حال نجاح هذه التنظيمات، من خلال تكرار مشاهد البث بالصوة والصورة، في إشاعة ثقافة “الجهاد” في الأوساط المُستهدفة، بجعل الدعوة إلى التمرد وحمل السلاح وغيرها روتيناً يومياً يسهم في تطبيع العنف ومظاهر القتل بالمجتمع؛ ومن ثم توسيع حواضنها الشعبية بزيادة أعضائها والمتعاطفين مع مشروعها.
3- قصور الرصد اللغوي للغات المحلية: تعتري أنظمة الرقابة المُعتمدة من طرف “تيك توك” على محتوياته الرقمية، جملة ثغرات تقنية تشكل منافذ لدى العناصر الإرهابية والمتطرفة لتمرير خطاباتها. وعلى الرغم من الاحتياطات التي اتخذتها إدارة التطبيق؛ فإن جهودها على مستوى رصد المحتوى المتطرف ما زالت تتسم بالبطء والقصور.
وأمام تصاعد التحدي الإرهابي، تبدو شراكات التعاون الأمني التي أبرمها “تيك توك” مع الجهات المختصة غير كافية، خاصةً أن مبادرة “التكنولوجيا ضد الإرهاب” (Tech Against Terrorism)، المدعومة من الأمم المتحدة، قد أنهت تعاونها مع التطبيق منذ مطلع 2024.
بيد أن التحدي الأكبر الذي يواجه “تيك توك” في مناطق شمال شرقي نيجيريا، يتمثل في استخدام اللغات المحلية مثل “الفولفولدي” وخاصةً “الهوسا” التي يتحدث بها نحو 72 مليون شخص في غرب إفريقيا، حيث تعجز خوارزميات التطبيق عن تفعيل إشارات فورية بشأن المحتوى المتطرف؛ مما يتيح لهذا المحتوى فترات زمنية من النشر قد تمتد لأسابيع وحتى أشهر قبل حذفه، وذلك بفعل تحدي البث المباشر وغياب إمكانات الحذف الآلي.
4- فتور الاهتمام الأيديولوجي: لعل اعتماد مقاطع فيديو قصيرة عبر “تيك توك” في حملات الدعاية والتجنيد، يؤكد هيمنة الدوافع المادية في عمليات التطرف على حساب القناعات الأيديولوجية؛ ومن ثم يعكس مصداقية التقارير التي تحدثت عن تحكم الميول النفسية والسوسيولوجية والاقتصادية في سلوك الإرهابيين بشكل أكبر من السرديات الدينية. ومن ذلك التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في فبراير 2023، حول دوافع التطرف في دول مثل نيجيريا وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر والكاميرون والصومال، وخلص إلى أن الأيديولوجية “الإسلاموية” ليست الدافع الأساسي للانخراط في المجموعات الإرهابية؛ معتبراً عامل “العمل” هو الدافع الرئيسي بنسبة 40%، يليه “الالتحاق بالعائلة أو الأصدقاء” بنسبة 22%، ثم “العامل الديني” في المرتبة الثالثة بنسبة 17% فقط.
وبالتالي فإن الترويج للتطرف والإرهاب عبر نشر الصور والفيديوهات وليس النصوص الدينية، جاء نتيجة لتعاظم الميول “المادية” في قرارات الشباب المقبل على التطرف؛ ليوفر له التسويغ الشرعي والاطمئنان الديني. ولهذا يرتقب أن يوفر النشاط الإرهابي عبر “تيك توك” تحفيزات إضافية لانخراط الشباب في التنظيمات المسلحة مقابل مكاسب مادية تحت غطاء ديني.
تطوير الاستجابة:
إن توجه التنظيمات الإرهابية نحو الاستغلال المكثف لتطبيق “تيك توك”، باحترافية متزايدة سواء على مستوى المحتوى أم الجوانب الفنية؛ يفرض ضرورة تطوير تكنولوجيا الرقابة في الفضاء السيبراني، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات البنية التحتية الرقمية وتأهيل الكوادر المتخصصة، وهو ما قد يتحقق وفق مسارين اثنين هما:
1- معالجة القصور اللغوي لدى “تيك توك” بإدماج اللغات المحلية في مناطق انتشار الظاهرة الإرهابية ضمن نظام الحماية السيبرانية، وذلك على غرار اللغات الـ75 التي يشملها نظام الإشراف الآلي للتطبيق؛ الأمر الذي يوجب، حسب تقرير منظمة “هم أنجل” في أغسطس 2024، تعزيز التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية؛ من أجل فهم التعبيرات الثقافية والخطابية للغات المحلية، واستيعابها ضمن منظومة الوقاية.
2- انتباه الحكومات إلى إمكانية حدوث طفرة جديدة على مستوى تطور الظاهرة الإرهابية؛ نتيجة الاستخدام الرقمي والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تسجيل تفاعل أكبر وأعمق بين الدعوات المتطرفة والنزعات الشبابية الخاضعة لتقلبات المزاج وإحباطات الفشل والتحولات في القيم الحياتية والأخلاقية؛ ومن ثم تبلور نوع جديد من “الإرهاب الهجين” يجمع بين الدافع الديني والنزعة العدمية؛ مما يجعله أكثر قدرة على الاستقطاب والدفع نحو الفعل، وأقل عُرضة للرقابة الأمنية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”