لم تتأخر الكنيسة الأرثوذكسية يوماً عن دعم مشروعات الترميم الخاصة بالأديرة تحت إشراف قطاع الآثار الإسلامية والقبطية أو حتى السعى لإدراج أى من آثارها ضمن قائمة اليونسكو للتراث، سواء المادى أو غير المادى مع وجود بعض التحفظات على توفير حياة هادئة ومستقرة للرهبان بالنسبة للأديرة المأهولة بالنساك.

وقال البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، خلال مقال نشره فى عدد مجلة الكرازة، المنبر الإعلامى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بتاريخ 13 نوفمبر 2020، إن هناك فارقاً قوياً بين التراث الإنسانى المادى والحجرى الذى تشرف عليه وزارة الآثار والسياحة باعتبارها آثاراً لا يوجد من يرعاها أو يصونها، أمّا الأديرة فهى تراث إنسانى «عامر بسكّانه من الرهبان»، ويشرف عليها الرهبان جيلاً بعد جيل عـبر 17 قرناً من الزمان، وحافظوا عليها وصانوها من كل ناحية، ولا يصح أن يُعامَل معاملة الأحجار والآثار الصماء.

وأوضح البابا تواضروس أن القرار الجمهورى رقم 550 لسنة 2018م اهتم بإدارة مواقع التراث العالمى التى لا تجد من يرعاها أو يهتم بها، وهذا لا ينطبق على الأديرة المحفوظة منذ قرون برهبانها القاطنين فيها، وقبل أن توجد وزارة للآثار نفسها فى مصر كراعية للآثار، أو منظمة اليونسكو على مستوى العالم.

واستكمل: «بالطبع دخول منطقة وادى النطرون (الإسقيط - مكان النُسك) إلى مواقع التراث العالمى فى هيئة اليونسكو أمر مُشرِّف وإضافة لمصر ولكن نرى ألّا يكون هذا الدخول على حساب الحياة الرهبانية المستقرة والهادئة، وعلى حساب الإدارة الكاملة لكل دير وحسب المادة الثالثة من الدستور المصرى الذى يعطى الحق للمسيحيين فى اتباع شرائعهم وتقاليدهم فى إدارة شئونهم، وبالتالى ليس مقبولاً تدخُّل أيّة جهة فى إدارة الأديرة تحت أىّ مُسمّى».

وتابع: «نأمل أن تهتم وزارة الآثار والسياحة بالآثار القبطية (الأديرة والكنائس) التى لا تجد من يصونها ويحفظها ويقوم بصيانتها. أمّا أديرتنا العامرة فهى محفوظة بفضل الحياة الرهبانية التى لم تنقطع يوماً فيها، ولا يجوز بعد هذه القرون الطويلة أن يتم التدخل فى شئون الأديرة والرهبان تحت أى مُسمّى، والكنيسة القبطية لم تتأخر يوماً عن دعم مشروعات الترميم الخاصة بالأديرة تحت إشراف قطاع الآثار الإسلامية والقبطية».

الكنيسة المصرية دعمت ملف رحلة العائلة المقدسة بالمعلومات والمواد المصورة خاصة فى «درنكة وجبل الطير والقاهرة» وسط حالة من الفرحة

وقال د. مصطفى جاد، العميد الأسبق للمعهد العالى للفنون الشعبية، وخبير التراث اللامادى باليونسكو، لـ«الوطن» إنه خلال عمله السنوات الثلاث فى ملف الاحتفالات الشعبية المرتبطة بالعائلة المقدسة، كانت جميع المؤسسات الثقافية والأهلية والدينية تدعم تسجيل الملف، خاصة الكنيسة المصرية التى دعمت الملف بالكثير من المعلومات والمواد المصورة، خاصة فى درنكة، وجبل الطير، والقاهرة وكانت هناك حالة من الفرحة المصرية أثناء العمل فى الملف الذى سجل أعلى عدد موافقات بين المؤسسات والأفراد وصل إلى حوالى 800 موافقة كانت سبباً مباشراً فى قبول الملف واحتفال العالم به.

«جاد»: «يونسكو» عند إدراجها التراث «المادى واللا مادى» تتخذ تدابير فعالة لحمايته سواء الثقافى أو الطبيعى لمواجهة الأخطار المهددة للآثار

وأضاف «جاد» أن هناك فرقاً بين تسجيل الآثار (التراث المادى) والمرتبط باتفاقية 1972، والتراث الشعبى أو التراث اللامادى المرتبط باتفاقية 2003، ولكل اتفاقية شروطها فى تسجيل الملفات، فإذا كان الملف مرتبطاً بالآثار فإن الاتفاقية تحدد مفهوم الآثار بأنه الأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المبانى، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، والنقوش، والكهوف، ومجموعات المعالم التى لها جميعاً قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم.

وواصل: «المنظمة بمجرد إدراج التراث المادى واللامادى تتخذ التدابير الفعالة لحماية التراث الثقافى والطبيعى الواقع فى إقليمها والمحافظة عليه وعرضه، تعمل الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية، كل حسب ظروفها وفى حدود إمكاناتها، على «اتخاذ سياسة عامة تستهدف جعل التراث الثقافى والطبيعى يؤدى وظيفة فى حياة الجماعة، وإدماج حماية هذا التراث فى مناهج التخطيط العام».

وتقوم المنظمة بتأسيس دائرة أو عدة دوائر لحماية التراث الثقافى والطبيعى والمحافظة عليه وعرضه، وتزويد هذه الدوائر بالموظفين الأكفاء، وتمكينها من الوسائل التى تسمح لها بأداء الواجبات المترتبة، كما تقوم بتنمية الدراسات والأبحاث العلمية والتقنية، ووضع وسائل العمل التى تسمح للدولة بأن تجابه الأخطار المهددة للتراث الثقافى والطبيعى.

وتابع: «تقوم اليونسكو باتخاذ التدابير القانونية، والعلمية، والتقنية، والإدارية، والمالية المناسبة لتعيين هذا التراث، وحمايته، والمحافظة عليه وعرضه وإحيائه، وتدعم إنشاء أو تنمية مراكز التدريب الوطنية والإقليمية، فى مضمار حماية التراث الثقافى والطبيعى، والمحافظة عليه وعرضه، وتشجيع البحث العلمى فى هذا المضمار».

وأوضح أن الشروط التى يجب توافرها فى الأثر هى أن يكون الأثر تحفة عبقرية خلاقة من صُنع الإنسان، تمثل إحدى القيم الإنسانية المهمة والمشتركة، لفترة من الزمن أو فى المجال الثقافى للعالم، سواء فى تطور الهندسة المعمارية أو التقنية، أو الفنون الأثرية، أو تخطيط المدن، أو تصميم المناظر الطبيعية، تمثل شهادة فريدة من نوعها أو على الأقل استثنائية لتقليد ثقافى لحضارة قائمة أو مندثرة، وغيرها من الشروط.

وأضافت المنظمة فيما يتعلق بالشروط الثقافية أن تكون مثالاً بارزاً على نوعية من البناء، أو المعمار أو مثالاً تقنياً أو مخططاً يوضح مرحلة مهمة فى التاريخ البشرى، وأن يكون مثالاً رائعاً لممارسات الإنسان التقليدية، فى استخدام الأراضى، أو مياه البحر بما يمثل ثقافة، أو التفاعل الإنسانى مع البيئة وخصوصاً عندما تُصبح عُرضة لتأثيرات لا رجعة فيها، ويشترط أن يكون مرتبطاً بشكل مباشر أو ملموس بالأحداث أو التقاليد المعيشية، أو الأفكار، أو المعتقدات، أو الأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية العالمية الفائقة، وترى اللجنة أن هذا المعيار يُفضل أن يكون استخدامه بالتزامن مع معايير أخرى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الآثار القبطية السياحة الدينية العائلة المقدسة أن یکون

إقرأ أيضاً:

البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر

 

في مشهدٍ يُجسّد التقاء القيم الإنسانية بالصلابة العسكرية، وزّع الإعلام الحربي اليمني مشاهد مصوّرة لعملية بحث وإنقاذ نفذتها القوات البحرية اليمنية لطاقم السفينة «إترنيتي سي»، بعد أيام من استهدافها وإغراقها في التاسع من يونيو نتيجة خرقها قرار الحظر البحري المفروض على موانئ الكيان الصهيوني.

لم تكن العملية مجرّد ردع عسكري ينتهي بإغراق هدف معادٍ فحسب، بل امتدت لتُبرز جانبًا آخر من أخلاقيات المعركة اليمنية، وهو الالتزام الإنساني تجاه الأرواح، حتى وإن كانت من طاقم سفينة اخترقت الحظر وتعاونت مع عدو الأمة. وعلى مدى يومين متواصلين، خاضت فرق البحرية اليمنية عملية بحث معقدة وسط أمواج البحر المفتوح، حتى تمكنت من إنقاذ 11 فردًا من طاقم السفينة، بينهم جريحان تلقيا الرعاية الطبية اللازمة، في حين تم انتشال جثة أحد أفراد الطاقم من داخل السفينة قبل غرقها، ونُقلت إلى ثلاجة مستشفى ميداني.

إن ما كشفته المشاهد المصوّرة من لحظات الإنقاذ، يعكس بجلاء أن العمليات العسكرية اليمنية لا تنطلق من نزعة عدوانية أو عقلية انتقام، بل من رؤية منضبطة تُحكمها القيم والمبادئ، وتوازن بين مقتضيات الحرب وضرورات الإنسانية. هذه هي المدرسة التي تخرّج منها المجاهدون اليمنيون، الذين لم تمنعهم قسوة المواجهة ولا حرارة الميدان من الالتفات إلى الجريح والناجي، أياً كان انتماؤه أو موقعه.

وفي تسجيلات موثّقة، أدلى طاقم السفينة باعترافات صريحة، مؤكدين أن «إترنيتي سي» كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش (إيلات) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مهمة تجارية لصالح الكيان الصهيوني، انطلاقًا من ميناء بربرة في الصومال، في حين تم إدراج ميناء جدة السعودي كوجهة ظاهرية لغرض التموين والتمويه.

لم تكتفِ هذه الاعترافات بتأكيد مشروعية العمل العسكري اليمني، بل حمَلَت معها إدانة ضمنية للكيان الإسرائيلي ولكل من يتعاون معه تجاريًا، إذ وجّه أفراد الطاقم رسائل واضحة وصريحة إلى شركات الملاحة الدولية: «توقفوا عن المتاجرة مع إسرائيل، فالبحر لم يعد آمنًا لمن يخترق قرارات الشعوب الحرة ويستخف بدماء الفلسطينيين.» كما لم يتردد أفراد الطاقم في التعبير عن اعتذارهم للشعب الفلسطيني، مؤكدين أن ما حدث لم يكن خيارًا شخصيًا لهم، بل قرارًا فُرض عليهم في إطار العمل التجاري الدولي.

إن هذا التطور النوعي، الذي يجمع بين البعد الإعلامي والعسكري والإنساني، يؤكد أن البحرية اليمنية لم تعد مجرد قوة دفاعية تحرس المياه الإقليمية، بل أصبحت قوة إقليمية فاعلة ترسم خطوطًا حمراء وتفرض معادلات جديدة في قلب البحر الأحمر وخليج عدن. فلم تكن عملية استهداف «إترنيتي سي» مجرد ضربة عسكرية فحسب، بل كانت رسالة استراتيجية مزدوجة: واحدة موجهة للعدو الصهيوني بأن الحصار لن يمرّ، والأخرى موجهة لكل من يتعامل معه بأنهم تحت طائلة الاستهداف.

لقد غيّرت هذه العملية قواعد الاشتباك، وأعادت تعريف مفهوم السيادة البحرية في زمن الصراع الشامل. فاليمن، رغم العدوان والحصار، لم يتخلّ عن مسؤوليته القومية، بل تصدّر مشهد الردع البحري دفاعًا عن فلسطين وعن كرامة الأمة، في الوقت الذي صمتت فيه أنظمة تمتلك أساطيل بحرية وجوية لكنها رهنت إرادتها للوصاية الأجنبية.

إن رسالة طاقم السفينة، التي بثّها الإعلام الحربي، لم تكن عابرة، بل تعبّر عن حجم التأثير اليمني في وعي الأعداء والمتواطئين، وتؤكد أن من يخاطر بالإبحار نحو موانئ الاحتلال، يخاطر بمصيره وسمعته وربما بحياته.

وفي المحصلة، فإن عملية «إترنيتي سي» لم تكن مجرد نجاح أمني أو عسكري، بل نموذج متكامل لعملية نوعية جمعت بين الحسم والرحمة، وبين الصرامة والإنقاذ، لترسل إلى العالم أجمع صورة ناصعة عن مقاومة تعرف متى تضرب، ومتى تُنقذ، ومتى تتحدث بلسان الأخلاق والمبادئ.

هذه هي اليمن… تصنع المعجزات في زمن الانحدار، وتُبحر بثقة من بحر العزة نحو شاطئ الحرية، حاملةً لواء القدس، وراية الأمة، وضمير الشعوب.

 

 

مقالات مشابهة

  • النخلة تراث عبر التاريخ مبادرة مجتمعية لطلبة سمد الشأن بالمضيبي
  • الكنيسة القبطية تشارك في حفل السفارة المغربية
  • البابا لاوُن الرابع عشر يوافق على منح لقب ملفان الكنيسة للقديس جون هنري نيومان
  • أقوى رد من أحمد موسى بعد الهجوم عليه من الإعلام العبري
  • أحمد موسى يخرج عن صمته بعد الهجوم عليه من الإعلام العبري
  • ندوة لشباب ملتقى لوجوس مع قداسة البابا تواضروس
  • «حكايات الشجرة المغروسة» (6).. جذور الكنيسة الأرثوذكسية في عظة البابا تواضروس
  • قداسة البابا يلتقي مع شباب لوجوس في حلقات نقاشية
  • ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟
  • البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر