بغداد اليوم - متابعة

تخنق "أزمة شح الدولار" مجموعة من الاقتصادات الناشئة، سواء لجهة عوامل وسياسات داخلية تؤثر على توافر العملة الصعبة وتداولها، وكذلك تأثر تلك الدول بعوامل خارجية ذات صلة بالتداعيات المباشرة وغير المباشرة للأزمات الدولية والتطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم.. فما هي أبرز تلك الأسباب؟

يُمكن تلخيص أبرز أسباب أزمة الدولار في بعض الاقتصادات الناشئة في عدد من العوامل الأساسية، على النحو التالي:

توازن المعاملات الدولية: إذ كانت الاقتصادات الناشئة تعتمد بشكل كبير على وارداتها من الخارج، مثل السلع والخدمات، فإنها ستحتاج إلى الدولار لإجراء تلك الصفقات.

وفيما تعاني بعض تلك الاقتصادات من عجز في ميزان المعاملات (الفرق بين الواردات والصادرات)، فإن هذا يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار مقابل العملات المحلية، ما يؤدي بدوره إلى نقص الدولار في السوق المحلية.

كلفة الديون الخارجية: تثقل كلفة الدين كاهل البلدان النامية، التي تحتاج إلى توفير الدولارات لسداد تلك الديون وفوائدها. وإذا كان هناك تخوف من عدم قدرة هذه الدول على سداد ديونها، فإنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار، وبما يزيد من صعوبة الحصول على العملة الصعبة.

التطورات الجيوسياسية والاقتصادية: التوترات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، النزاعات السياسية وما يصاحب ذلك من فرض العقوبات الاقتصادية، تؤثر على استقرار العملة المحلية وتقويض الثقة فيها، وبما يجعل الناس (المستثمرون) والشركات يبحثون عن ملاذ آمن، وعادةً ما يتمثل هذا الملاذ في الدولار الأميركي، الأمر الذي يرفع الطلب عليه.

تراجع تدفقات رأس المال: في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، تنخفض معدلات الاستثمار في دول ناشئة، ويقوم المستثمرون بسحب أموالهم واستثمارها في أماكن أكثر استقراراً وأماناً، مع هروب الأموال الساخنة.

تقلبات أسواق السلع: إذا كانت الاقتصادات الناشئة تعتمد بشكل كبير على صادرات السلع الأساسية مثل النفط أو المعادن، فإن تقلبات أسعار هذه السلع يؤثر بشكل كبير على عائداتها، وهذا من شأنه الضغط على العملة المحلية وزيادة الحاجة إلى الدولار لتمويل الواردات.

السياسات المحلية: بعض الدول الناشئة تتبني سياسات لتقييد تدفق رأس المال خارج البلاد، وهذا يمكن أن يؤثر على قدرتها على الحصول على الدولارات بسهولة.

لماذا تعاني البنوك المركزية من نقص الدولار؟

يقول مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريح صحفي إن واحداً من أهم الأسباب التي تُعقد أزمة الدولار بالنسبة لعديد من الاقتصادات حول العالم، لا سيما الاقتصادات الناشئة، هو ما يتعلق بتبعات التطورات العالمية، على النحو الذي تسبب في تعطل حركة التجارة الدولية، بعد جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا.

حالة اللايقين

ويضيف إلى ذلك "حالة اللايقين التي فرضتها الأزمة الاقتصادية العالمية والتي يعيشها العالم حالياً، ذلك أنها عطّلت بدورها كل ما له علاقة بدخول عملات صعبة لعديد من الاقتصادات خاصة في اقتصادات بعض البلدان الناشئة".

ويشير هنا إلى التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) والذي كشف عن تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي، معتبراً أن ذلك التراجع "أمر منطقي" بسبب حالة عدم اليقين التي فرضتها الجائحة، الأمر الذي جعل كثيراً من المستثمرين يتوقفون عن الاستثمار بشكل أو بآخر، أو لصالح التوجه لقنوات استثمارية بديلة.

مصر تلجأ لهذه الإجراءات من أجل توفير الدولار

قالت الأمم المتحدة، إن الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الإجمالي انخفض 12 بالمئة عام 2022، إلى 1,3 تريليون دولار، وذلك بعد انخفاض حاد في العام 2020 وانتعاش قوي في العام 2021.

بحسب (أونكتاد)، فإن هذا "التباطؤ كان مدفوعا بالأزمات العالمية المتعددة، وهي الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الديون".

توقّع (أونكتاد)، أن يتواصل الضغط الهبوطي على الاستثمار الأجنبي المباشر في العام 2023.

وازداد الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية 4 في المئة إلى 916 مليار دولار، ويمثل أكثر من 70 في المئة من التدفقات العالمية، وهي حصة قياسية. ورغم ذلك، يتركز هذا النمو في عدد صغير من الاقتصادات الناشئة الكبيرة.

التوترات الجيوسياسية

ويتحدث عنبر ضمن أبرز الأسباب المعززة لأزمة الدولار بالنسبة لبعض الاقتصادات الناشئة، عن أثر العقوبات الاقتصادية سواء من جانب روسيا والغرب والولايات المتحدة، وانعكاسات تلك العقوبات على البلدان النامية، مشيراً إلى استخدام سلاح الطاقةمن قبل روسيا لمحاولة تركيع أوروبا كأحد أهم الأسباب التي أثرت بشكل كبير على اقتصادات تلك البلدان، على اعتبار أن ذلك قد خلق حالة كبيرة من التضخم المستورد فضلاً عن التضخم الموجود بالأساس من البداية، وبما أدى لارتفاع تكلفة الطاقة والضغط على العملة الصعبة.

ومن بين الأسباب التي يسوقها مستشار البنك الدولي أيضاً في تصريح صحفي ما يرتبط بتعطل سلاسل الإمداد وكذلك استخدام سلاح الغذاء في الحروب القائمة، وبما يرفع كلفة الواردات، الأمر الذي يستنفد قدرات بلدان نامية ومواردها المالية الدولارية.

وينوه في الوقت نفسه أيضاً إلى تأثر مصادر النقد الأجنبي الوارد لتلك الاقتصادات، سواء من التحويلات أو القطاع السياحي والاستثمارات المباشرة، تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها العالم، وفي ظل الضبابية الحالية التي لا يمكن لأحد التكهن بمصيرها.

ولا يستثني عنبر في الوقت نفسه الجدل الدائر حول "مستقبل الدولار" نفسه كعامل أساسي من عوامل الأزمة، لجهة سعي دول مجموعة البريكس إلى عملة خاصة مع التوسع في الدول الأعضاء، ومن ثم تهديد الدولار الأميركي، وبالتالي فإن عدم القدرة على التكهن بمستقبل العملية الأميركية يثير مخاوف المستثمرين.

ويختتم تصريحاته بالإشارة إلى أن "استمرار الوضع الراهن من شأنه أن يتسبب في نكبات كبرى وتعقيدات أكبر، خاصة أن كمان عدم استقرار الخريطة الاقتصادية يدفع بعدم استقرار الخرائط السياسية أيضاً".

عوامل مشتركة

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، بلال شعيب، في تصريح صحفي، إلى أن ثمة أسباب مشتركة بين عددٍ من البلدان النامية تفاقم أزمة العملة الدولارية، يأتي في مقدمتها العجز الهيكلي في الميزان التجاري، على اعتبار أن معظم الاقتصادات الناشئة تعتمد على الدولار في معاملاتها الخارجية، لكن ليست لديها مصادر قوية للعملة، ويتراجع حجم صادراتها في مقابل حجم الواردات.

ويشير إلى عامل آخر مرتبط باعتماد كثير من تلك الاقتصادات على واردات السلع الاستهلاكية وليست الواردات الاستراتيجية التي يمكن أن تقدم قيمة مضافة تستفيد منها تلك الدول، بما يعني أنه يتم استيراد مواد للاستهلاك سواء مواد غذائية أو ملابس وغير ذلك وليست مواد خام يمكن أن تحقق قيمة مضافة من خلال تصنيعها وإعادة تصديرها وبما يدر بالعملة الصعبة.

علاوة على أن تلك الاقتصادات لديها مشكلة في التصنيع نظراً لتقادم التكنولوجيا والآلات والمعدات، وبما يحرمها من فرص تصديرية تدر عائداً دولارياً.

ويضيف إلى العوامل المذكورة ما يتعلق بارتفاع عدد السكان في تلك البلدان مع عدم توزيعهم توزيعاً جغرافياً بشكل صحيح، فضلاً عن "شراهة الاستهلاك" ولا سيما مع ارتفاع معدلات الشباب في هذه الاقتصادات مقارنة بأوروبا على سبيل المثال، حيث الاستهلاك المنظم وارتفاع المعدلات العمرية للسكان.

ويشدد شعيب في الوقت نفسه على أن عديداً من الاقتصادات الناشئة بحاجة شديدة إلى التوسع في الإنفاق على مشاريع التنمية والنمو الاقتصادي، وبالتالي تستخدم الموارد الدولارية المتوافرة في البنية التحتية على سبيل المثال، أو تضطر إلى اللجوء للاستدانة من الخارج.

كما يتحدث الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه عن ارتفاع كلفة الديون، وهي الأزمة التي تزيد مع تباطؤ معدلات النمو وبما يشكل ضغطاً على الأسواق الناشئة، وفي ضوء ارتفاع معدلات الفائدة، وبما يرفع كلفة الاقتراض ويتسبب في الضغط على الموازنة مع تقليص قدرة الدولة على التنمية والتوسع في برامج الحماية الاجتماعية.


المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الاقتصادات الناشئة الاستثمار الأجنبی البلدان النامیة العملة الصعبة من الاقتصادات بشکل کبیر على أزمة الدولار یمکن أن

إقرأ أيضاً:

«Hub71» تتعاون مع «ياس للاستثمار» لتعزيز استثمارات التكنولوجيا

 
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت Hub71، منصّة التكنولوجيا العالمية في أبوظبي، عن تحالف استراتيجي مع «ياس للاستثمار»، المتخصّصة في إدارة صناديق الاستثمار متعدّدة العائلات، يهدف إلى تمكين الشركات الناشئة الواعدة من خلال ربطها بمصادر رأس المال الخاصّ، لفتح الأبواب أمام فرص استثمارية استراتيجية تدفع نموّ الشركات الناشئة وتوسّع أعمالها.
وتسهم المكاتب العائلية اليوم بدور متزايد الأهمية كمصادر لرأس المال طويل الأجل، إذ توفّر للشركات الناشئة أكثر من مجرد تمويل، فهي تقدم لها التوجيه والخبرة والدعم الاستراتيجي اللازم لنموّها. ومن خلال منصة «برزة التكنولوجيا»، المبادرة الحصرية من Hub71 لربط مكاتب العائلات الإقليمية، بأكثر من 300 شركة ناشئة ضمن منظومتها، تفتح الشراكة الجديدة قنوات جديدة لرأس المال الخاصّ لدعم الشركات في مراحلها التأسيسية الأولى وخلال مراحل التوسّع، كما تعمل أيضاً على تسهيل التعاون بين الشركات لتحفيز الابتكار والنموّ.
ومن جهة أخرى، ستلعب «ياس للاستثمار» دوراً محورياً في توسيع مشاركة المستثمرين، من خلال تسريع قدرة الشركات الناشئة على مواءمة منتجاتها مع احتياجات السوق، وتوسيع عملياتها، ودخول أسواق جديدة. كما ستتعاون مع Hub71 في تطوير ملفات تعريف دقيقة للمستثمرين المنضمين إلى «برزة التكنولوجيا»، مما يُعزز فرص المواءمة بين الشركات الناشئة والمستثمرين المناسبين بطريقة أكثر استراتيجية وفعالية.
وقال أحمد علي علوان، الرئيس التنفيذي لـHub71: «يُعد تعزيز الاستثمار وتدفق الصفقات المؤسسية حجر الأساس لنمو الشركات الناشئة. ومن خلال شبكة برزة التكنولوجيا التي تجمع نخبة المكاتب العائلية، تفتح Hub71 آفاقاً جديدة لترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا. وتمثل شراكتنا مع ياس للاستثمار خطوة إضافية نحو تعزيز الروابط بين المكاتب العائلية والشركات الناشئة الواعدة، مما يمهّد الطريق لفرص استراتيجية وصفقات ذات أثر ملموس».
ومن جانبه، قال يعقوب السركال، الرئيس التنفيذي لشركة ياس للاستثمار: «نحن فخورون بتعاوننا مع Hub71 لتعزيز بيئة استثمارية أكثر قوّة وكفاءة في أبوظبي. ونهدف من خلال تعاوننا إلى التقريب بين المكاتب العائلية والشركات الناشئة الواعدة، لتنفيذ استثمارات استراتيجية تُحقق قيمة مضافة حقيقية لكلّ من المستثمرين ورواد الأعمال على حدّ سواء».

أخبار ذات صلة ثقة الشركات في الإمارات ترتفع لأعلى مستوى خلال 2025

مقالات مشابهة

  • الأزمات تحاصر السودانيين وسط مخاطر صحية وأمنية وغذائية كبيرة
  • تحذير من العراق.. متحور كورونا الجديد ينتشر بسرعة ويصيب الملقحين
  • 79 مريضا فى خطر .. متحدث الصحة الفلسطينية: قوات الاحتلال الإسرائيلي تحاصر مستشفى العودة شمال قطاع غزة
  • شكل جديد للعولمة - وجهة نظر صينية
  • «Hub71» تتعاون مع «ياس للاستثمار» لتعزيز استثمارات التكنولوجيا
  • أفقر 75 دولة في العالم تسدد ديوناً قياسية للصين
  • أميركا توقف التوصية بلقاح كورونا للحوامل والأطفال الأصحاء
  • روسيا تطلب اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث أزمة أوكرانيا
  • الدول النامية تغرق في ديون الصين.. سداد قياسي في 2025
  • مديرية الأمن العام تسيّر بعثتها لأداء مناسك الحج