حين يتحول المال من نعمة إلى نقمة..
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
عين على المجتمع
حين يتحول المال من نعمة إلى نقمة..
يقطع الميراث صلة الرحم.. وتجفى القلوب بين أصحاب الدم الواحد..
هم أبناء بطن واحدة، ينشئون تحت سقف واحد، يجمعهم نفس الفراش ويأكلون من نفس الصحن. ترعاهم أم حنونة وأب قوي يجاهد في سبيل سعادتهم، ثم يشتد عضدهم، يكبرون وتكبر طموحهم. يبلغ الوالدين الكبر فيتوسمون من أولادهم الرحمة في الضعف والوهن.
أجل إنه “المال” تلك النعمة التي من المفروض أن تكون زينة الحياة الدنيا، حوّلها موت الضمائر وطمس القيم إلى نقمة. وأصبح الأشقاء بسببه في خصام فينعزلون ويبتعدون عن بعض، وأحيانا كثيرة يسوقهم أروقة العدالة. والأمر والأصعب من هذا وذاك هو حين تسول لهم أنفسهم. ويعتدون ويتطاولون على أجساد بعضهم مخلفين ندوب تنزف ألما وجفاء، استلموا لهوى المال، متناسين الدم بعروقهم وشرايينهم. واللقب الذي يربطهم، فكيف بالأخ أن يصبح عدوا لأخيه؟ أين تقوى الله في الرحم؟ أين بر الوالدين الذين كسرت ظهورهم في سبيل أولادهم؟
هو موضع في غاية الخطورة مهما أسلنا الحبر لن ننتهي من وصف وجعه، اردنا ان نسلط الضوء عليه ولول بالشيء القليل. للتذكير فغن الذكرى تنفع المؤمنين، مستدلين في ذلك بعينات من مجتمعنا أبطالها إخوة من بطن واحد:
السيدة نصيرة من عنابة:
أخي استغل غيابي.. أخذ منزل أبي ورماني إلى الشارع رفقة ابني
السيدة نصيرة وكما ذكرت من خلال مكالمتها في المركز، كانت متزوجة وراضية بحياتها، فجأة انقلبت الأوضاع. وعادت إلى بيت أهلها تجر أذيال الخيبة مطلقة، احتضنها والداها بصدر رحب وعاشت معه، تقول أن كل إخوتها وأخواتها متزوجون وكلٌ مستقلٌ بحياته. بعد مدة من الزمن توفي الوالدان، وبقيت هي رفقة ابنها في ذلك المنزل، وهو الأمر الذي لم يرق لبعض إخوتها. لم يجدوا الفرصة ولا السبب لإخراجها من المنزل. تعرضت لتعقيدات صحية واضطرت إلى التنقل لولاية أخرى من أجل العلاج، كانت تعاني من إعاقة حركية. فاستغل أخوها الأكبر الفرصة ودخل منزل العائلة وغير الأقفال، ولما عادت وجدت الصدمة، لقد قام بكرائها لأشخاص آخرين، فمن هو الأولى بهذا السكن..؟؟. وما زاد من ألمها أنها لم تجد المساندة من باقي إخوتها، ومن عيشة كريمة تحولت إلى متوسلة تحيا حياة مزرية. فما ذنب امرأة لا حول ولا قوة لها؟ وأين قيم والنخوة من كل هذا؟
سهيلة من الشرق:أفنيت شبابي لأجل أخي ولما كبر تطاول على أملاكي
من جهتها تروي لنا أخرى من شرق البلاد، قصة موجعة حقا، سيدة حملت على عاتقه مسؤولية أخا بعد ان توفي والديهما. اعتبرته ابنها، ورعته برموش أعينها، سهرت وعملت إلى أن وفقها الله وفتح عليها بعمل بسيط، فمشروع في البيت. رويدا رويدا كبر المشروع، لم يأتي النصيب ورضيت بما كتب الله لهان لم تتوانى يوما على رعاية أمانة والديها. فلم يعد لها هم سوى توفير حياة مستقرة لأخيها، فكبر هذا الأخير في العز والدلال. وجد كل شيء متوفراً أمامه على طبق من ذهب، دخل عالم الشغل هو الأخر، وبدأ لعابه يسيل على أملاك أخته. لتوسل له نفسه بأن ينصب على اليد التي سخرها له الله وكانت سببا في رزقه، ويسلبه مبالغ كبيرة. حقا ضربة في مقتل أوجعتها وجعلت القطيعة تحل محلها بينهما بعد أن كان هو العزيز على قلبها.
حليمة من غرب البلادزور هويتي ليستحوذ على تركة أبي
هي قصة أبلغ ما يقال عنها أنها ضرب من الخيال، شابة وجدت نفسها أمام العدالة في قضية إسقاط النسب من اخ لها. ادعى أنه الابن الوحيد لأب ترك ثروة طائلة..
كانت رسالة مكتوبة بحروف اليأس وخيانة تعرضت لها صاحبة الرسالة من أخيها الوحيد، تقول: “تزوج أبي أكثر من امرأة. كلهن بعقد شرعي دون وثائق مدنية، ماعدا والدتي التي كان له معها عقد زواج موثق شرعا وقانونا. طلقّ أغلبهن، وترك في عصمته أمي وسيدة أخرى له ابن معها. لنصبح أنا وأخي الوريثين الشرعيين لتركة أبي، حصل بيينا نزاعات كثيرة، وعدم اتفاق، لنجد أنفسنا أمام العدالة لفك النزاع. لكن الأمر الذي لم أحسب له حساب هو أن أجد أخي يرفع ضدي قضية إسقاط نسب، مدعيا أنني لست أخته، ليستولي وحده على تلك الثروة”..
هذا ما أمكنني اقتطاع من الرسالة للحفاظ على سرية بعض التفاصيل، فهل يعقل هذا..؟ هل يعقل أن يزرو الأخ هوية أخته. من أجل شيء سيرحل في آخر المطاف بكفن ليس فيه جيوب.. فهلّا استفتوا إخوة الإيمان، هذا أخوك، وتلك أختك. لا تستسلموا لجنون حب المال، ولا تسمحوا له بأن يفعل فعلته ويهيمن على عقولكم. فمن ذا الذي أنت تنافسه، وتجره إلى المحاكم؟ إنه أخوك، الذي من المفروض أمامه تهون العقارات والأملاك. فهل امتد الجشع إلى قلوبنا وهل أصبح المال هو كل شيء في حياتنا..؟؟ أين الأخوة أين المصالح المشتركة أين التماسك والتعاون أين ما أوصانا به الله في القرآن الكريم؟ أين خوفنا على بعضنا، وأين حبنا للآخرين؟. وأين حق اليتيم؟ إنه حقا مدهش سواد القلوب لأخوين يتشاجران أمام الناس وكأنهم أعداء، وأقول لمن يتشاجر أين الإيمان بالله؟
إن من الأمور التي قد تفسد الود بين الأخوة والأخوات هو المال الذي جبلت النفوس على حبه. فاجعله سببا لاجتماعك وقوة علاقتك مع إخوتك وأخواتك، بدلا من أن يفرق بينكما. إذ يندى الجبين ألما حينما يتنازع إخوة على إرث وقد يصل الحال بهم إلى المحاكم..، لذا لابد أن يكون هناك. وضوح شديد في الأمور المالية، وتقسيمها بالرضا كما تنصه عليه الشريعة، فعلاقتك بإخوتك وأخواتك ممتدة. إلى أبنائكم وبناتكم فلا تكن سببا في القطيعة وكن خير قدوة لأبنائك في توثيق الصلة وحسن التواصل وليكن كل أخ مع إخوته. وأخواته عونا لهم على الطاعة والاستقامة والعمل الصالح وقد ضرب القرآن لنا مثلا حسنا بتعاون موسى وهارون عليهما السلام. على الدعوة وتبليغ دين الله، ومن كان مقصرًا فليتدارك تقصيره وليعد النظر في تعامله مع إخوته وأخواته.
من كان له أخ أو أخت ميت فالبر باقي وهم أحوج ما يكونون لدعائك واستغفارك لهم وبذل الصدقة عنهم ووقف الأوقاف عليهم.
دمت في رعاية الله ودامت المحبة بينكم..
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
تصاعد الإرهاب في إفريقيا.. هل يتحول الساحل إلى قلب الخطر العالمي؟
تشهد القارة الإفريقية، وتحديدًا منطقة الساحل والصحراء الكبرى، تصاعدًا غير مسبوق في النشاط الإرهابي، حوّل الإقليم خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة مفتوحة للدمار والفوضى. لم تعد الهجمات المسلحة مجرد أعمال متفرقة، بل باتت تعبيرًا عن تمدد منظم لجماعات تزداد قوة وتنظيمًا، وفي مقدمتها "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"داعش-الساحل".
وسط انسحاب تدريجي للقوى الغربية وصعود أطراف فاعلة جديدة كروسيا، بات الساحل الإفريقي يشكل واحدة من أخطر بؤر التهديد في العالم، تتقاطع فيها الأزمات الأمنية بالاقتصادية والإنسانية.
أسباب التصاعد الإرهابيتشير الإحصاءات إلى أن منطقة الساحل وحدها سجلت أكثر من نصف ضحايا الإرهاب على مستوى العالم في عام 2024، حيث قُتل نحو 3،885 شخصًا في 2023 من أصل 7،555 حول العالم.
وفي ظل تفكك الدولة وضعف الحوكمة، تمكّنت الجماعات المسلحة من السيطرة على مساحات واسعة جغرافيًا.
جماعة JNIM تمتلك أكثر من 6،000 مقاتل، بينما تُحكم داعش-الساحل قبضتها على ممرات استراتيجية، وتفرض قوانينها الشرعية على بعض المناطق.
تعززت هذه السيطرة بفعل الانقلابات السياسية المتتالية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والتي خلفت فراغًا أمنيًا خطيرًا.
جماعة JNIM
ومع تراجع الوجود الفرنسي والأمريكي، أخذت موسكو زمام المبادرة، مدعومة بمجموعات أمنية خاصة مثل "فاغنر". في المقابل، تشير تقارير استخباراتية إلى وجود تنسيق غير مباشر بين داعش وJNIM لتقسيم مناطق النفوذ والموارد.
الوجود الفرنسي والأمريكي
من جهة أخرى، لجأت الجماعات الإرهابية إلى أساليب أكثر تطورًا في تنفيذ هجماتها، شملت استخدام المركبات المفخخة والانتحاريين، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال وفرض قوانين متشددة على المجتمعات الريفية. هذه التحولات أسفرت عن سقوط أكثر من 11،600 ضحية عام 2023، بزيادة ثلاثية مقارنة بعام 2020.
السيناريوهات المستقبليةأمام هذا المشهد المعقد، تبدو التوجهات المستقبلية مفتوحة على ثلاثة مسارات رئيسية. السيناريو الأول يتمثل في تمدد التنظيمات الإرهابية نحو بلدان أكثر استقرارًا على الساحل الأطلسي مثل غانا وساحل العاج وتوغو، مما يهدد البنية التحتية الحيوية كالموانئ وشبكات الطاقة.
أما السيناريو الثاني فينذر بتحول الإرهاب إلى مشروع طويل الأمد، من خلال دمج أنشطة غير قانونية مثل التعدين والاتجار بالبشر في هيكل الجماعات المسلحة، وصولًا إلى بناء دويلة إرهابية تمتد من وسط مالي إلى شواطئ الأطلسي.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد يخرج الوضع عن السيطرة دوليًا، مع تحذيرات متصاعدة من احتمال تسلل عناصر إرهابية إلى أوروبا عبر شبكات الهجرة غير النظامية، ما يزيد من احتمالات وقوع هجمات انطلاقًا من العمق الإفريقي.
توصيات استراتيجيةفي ظل هذه المخاطر المتسارعة، تبرز مجموعة من الأولويات العاجلة:
أولًا، ضرورة تعزيز التنسيق الأمني الإقليمي والدولي، بدعم مبادرات مثل "تحالف أكرا"، وتوحيد جهود الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
ثانيًا، عدم ترك فراغ استراتيجي في أعقاب الانسحابات الغربية، والعمل على استعادة توازن الردع عبر الاستخبارات والدعم اللوجستي للقوات الإفريقية.
ثالثًا، الاستثمار في التنمية المحلية، بوصفها خط الدفاع الأول ضد تمدد الإرهاب، من خلال بناء البنى التحتية، وتوفير فرص العمل، وتعزيز التعليم.
رابعًا، التصدي لمصادر تمويل الإرهاب عبر مراقبة الأنشطة غير الشرعية وفرض عقوبات على الجهات الداعمة.
خامسًا، معالجة ملف العائدين من بؤر الصراع، وتفعيل برامج لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمعات، منعًا لتكرار دوائر العنف.
في النهاية أن المشهد الأمني في الساحل الإفريقي لم يعد معزولًا عن العالم، بل بات مرشحًا لتصدير الخطر إلى أوروبا وخارجها. في ظل التراجع الغربي وتنامي التهديدات، تبرز الحاجة إلى مقاربة شاملة تمزج بين الحسم العسكري، والتنمية الاقتصادية، واحتواء المجتمعات المحلية، لوضع حد لهذا الزحف الإرهابي قبل أن يفلت من عقاله.