علي جمعة: يمكن النظر الفوضى كمحفز للإبداع والابتكار
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
صرح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق، أن مفهوم "الفوضى" لا يجب أن يُفهم بمعناه السلبي فقط، بل يمكن إعادة النظر فيه باعتباره محفزًا للإبداع ومصدرًا للابتكار، مشيرًا إلى أن الفوضى ليست دائمًا مرادفة للارتباك والضياع، بل قد تكون حالة تسبق النظام والإبداع.
الفوضى في سياق الفلسفة والدينواستشهد جمعة بما ذكره الكاتب الأمريكي تشاك بولانيك، الذي يرى أن ما يُسمى بالفوضى هو نظام جديد لم نتمكن بعد من فك شفراته، وكذلك بما قاله كيري ويندل ثورنلي، مؤسس ديانة الفوضى، الذي اعتبر أن النظام السائد ما هو إلا نوع من الفوضى.
وأكد جمعة أن غياب التوحيد والإيمان بأن العالم مخلوق بتقدير إلهي دقيق، أدى إلى التناقض في تفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية. وأضاف: "السؤال هنا: هل ما نراه حولنا هو تنوع خلاق أم فوضى عشوائية؟"
الفوضى والإبداعوأشار جمعة إلى رأي الأب ديف فليمنج الذي يرى أن الفوضى ليست بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل قد تكون خطوة أساسية في الإبداع والخلق. وأوضح الدكتور جمعة: "الإنجيل يؤكد أن الكون خُلق من فوضى، وهذا يتفق مع ما نفهمه في الإسلام عن القدرة الإلهية التي خلقت الكون من عدم."
وأضاف: "المشكلة ليست في الفوضى بحد ذاتها، بل في ردود فعل البشر تجاهها، سواء كانوا حكامًا أو محكومين. الفوضى قد تكون مصدرًا للإبداع إذا أحسنّا التعامل معها، لكن إذا اعتبرناها خطرًا يجب القضاء عليه دون تفكير، فإننا نفقد فرصة ثمينة للإبداع."
الفوضى والاستقراروأكد جمعة أن محاولة القضاء التام على الفوضى والسيطرة المطلقة على المجتمع قد تؤدي إلى تقييد الإبداع الإنساني.
وقال: "الاستقرار الحقيقي لا ينبع من فرض النظام فقط، بل من التوازن بين الإبداع والنظام، وهو ما يُمكن أن يتحقق من خلال فهمنا العميق للفوضى كجزء من دورة الخلق والإبداع."
دعوة للتفكرواختتم الدكتور علي جمعة حديثه بدعوة الجميع إلى التأمل في المفهوم الحقيقي للفوضى وإعادة النظر في ردود أفعالنا تجاهها. وأكد أن الإسلام، كدين شامل، يدعو إلى التوازن بين النظام والإبداع، ويحثنا على التعامل مع التحديات بروح منفتحة تؤمن بأن كل شيء في هذا الكون يسير بتقدير إلهي حكيم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة الفوضى والإبداع الدكتور علي جمعة
إقرأ أيضاً:
حينما تكـــون فـــي قــائمــة الأرشــــيف !
عبد العزيز السليماني
أرسل ما تشاء من رسائلك القصيرة أو الطويلة، فلا صوت يصدح، ولا جواب يأتي، ولا أبواب تُفتح لقراءة ما تودّ قوله! هذا هو حال الكثير من الناس الذين يضعون تصنيفًا شخصيًّا للبشر؛ كلما بَعُدت درجة الأهمية بالنسبة لهم، كلما كنت بعيدًا عن مرمى التواصل معهم.
أصبحت خدمة الرسائل «الوتسابية» من أكثر وسائل التواصل استخدامًا بين ملايين البشر، سواء كان هذا التواصل صوتيًّا أو كتابيًّا أو مرئيًّا.
في أماكن مختلفة، تجد الناس يشغلون أوقاتهم في مراسلة الآخرين والتواصل معهم، لكن بعض الناس، حتى وإن كان التواصل معهم من أجل العمل، لا يردون على المكالمات الهاتفية، وتبقى الرسائل «الوتسابية» معلقة دون أن تحصل على إذن أو إيضاح لما بها من كلمات.
هذه الأفعال تصدر من فئة معينة من الناس، سرّ ذلك هو أنهم يرون أنك لست مهمًّا بالنسبة لهم، حتى وإن كنت شخصًا بسيطًا «على باب الله». اهتمامات هذه الفئة هي قطع كل حبال التواصل مع الآخرين، حتى وإن لم يكن الأمر يتعلق بطلب شخصي.
عندما تسأل نفسك: لماذا لا يرد على الاتصال؟ ترى من الواجب ألا تزعجه، وتكتفي بإرسال رسالة يتيمة، لتفاجأ بأنها هي الأخرى تظل «عالقة في مكانها»، وتعلم أنك في قائمة الانتظار، وتتمنى الحصول على الرد. والواقع الذي تتنبه له فيما بعد أن كل رسائلك القديمة والحديثة محبوسة في خانة الأرشيف أو تابوت المهملات ــ كما يسميه البعض.
أصبحت «المصلحة» هي التي تحرّك الكثير من الناس نحو اتجاهات الحياة، والارتباط بالأشياء، والتواصل مع الآخرين. وغياب «المصلحة» هو ما يُخرج البعض من نطاق الإنسانية إلى التعامل مع الغير بطريقة غير آدمية. فطالما أنك لست من المُرحّب بتواصلهم معهم -حتى وإن كنت نقيًّا، غير مؤذٍ أو متسلق- تبقى بعيدًا عن «العين والقلب».
عندما تلتقي بشخص لا تريد منه شيئًا سوى أنك تظن به خيرًا، وتخبره بأنك دوما تحاول الاتصال به صوتيًّا وكتابيًّا، وتطالبه بمعرفة الجواب الذي يُقنعك ويفك عنك شر التساؤلات والتخمينات وسوء الظن أحيانًا! تجده يُسرع لفتح كتاب «المبررات»، يذكر لك بأنه مشغول جدًّا في أعماله اليومية، أو لم ينتبه لكثرة الرسائل التي تصل إليه، أو ليس لديه الوقت الكافي للرد حتى وإن قرأ ما كتبت. لذا، فهو «عذر أقبح من ذنب». لكن، لو كانت هناك مصلحة تُرجى منك، فستجده متصلًا طوال الوقت، ولربما منحك اهتمامًا خاصًّا ووقتًا أطول من أي شيء آخر يعترض طريقه.
بعض الناس يتبنى فكرة الرد فقط على الأرقام المسجلة في هاتفه، أما الأرقام الأخرى فلا يرد عليها، حتى وإن كانت لا تطالبه بشيء أو تلزمه بأمر. يرى بأن حياته يجب أن يُسخّرها لنفسه، دون أن يعي أن عليه حقوقًا يجب أن يؤديها للآخرين.
من خلال المواقف والأحداث نكتشف أن أرشفة الرسائل في الهواتف النقالة قد حرمت البعض من فرصة الحصول على الردود، وأصبحت عبارة عن «صندوق مظلم» يرمي فيه بعض الناس مطالب الآخرين، أو يحجب البت في بعض الأمور المهم الرد عليها.
باختصار شديد، الحياة لم تُخلق من أجل الهروب من الآخرين أو تصنيفهم على حسب «المصلحة»، وإنما البشر سواسية في الحصول على الحقوق وأداء الواجبات. فلو لم يكن لدى الآخر شيء عندك، لما طرق بابك. تأكد بأن كف اليد عن مساعدة الغير سلوك سوف يحاسبك الله عليه يومًا، وربما تقع في شر أعمالك إذا اعتقدت بأن حوائج الناس لا تُقضى إلا من خلالك.
بعض المواقف والتصرفات تكشف الكثير من السواد الذي يُخفيه البعض عن الآخرين، فمثلًا عندما تتصل بشخص ما وتجد حسن استقباله لمكالمتك، ثم يدر وجهه عنك، لتجد نفسك غير مرغوب في الرد عليه، فأفضل الأشياء أن تحفظ كرامتك، وأن تنأى بنفسك جانبًا عن هذه النوعية من البشر الذين لا يهمهم إلا أنفسهم، ويُغلّبون مصلحتهم فوق أي شيء.