موقع حيروت الإخباري:
2025-12-09@03:01:42 GMT

فقط لأنه قد رحل

تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT

فقط لأنه قد رحل

 

كتب / ناصر توفيق

ربع قرن ويزيد سنوات، مرت على رحيل الحبيب عمر الجاوي، وصاحب أشهر وأخطر القضايا الوطنية، وصاحب حقوق الإنسان، والمناضل من أجل مجتمع مدني، يحترم فيه الإنسان وتصان حقوقه وكرامته.

سنوات طوال كالدهر، على رحيل أشهر عنيد وطني، وصاحب أجمل أسلوب في الخطابة، وصاحب أجمل ضحكة، وسخرية هادفة.

• سنوات طوال كالدهر، مرت على أشهر المتعففين وأشهر المتسامحين، وأكثر الناس فدائية، وأجملهم مصاحبة، وأحب الناس إلى الناس، والأب الروحي لأدباء الوطن.

• سنوات طوال كالدهر، وصمتا تاريخيًا.. السياسي بالبلاهة والبلادة، بعد أن كان يفور ويمور بقدرة رجل وأحد تمحور حوله أكبر اصطفاف وطني معارض في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، رجل كان قلب المعارضة ولسانها وضميرها وجزءً أصيلًا من تاريخها وعنوانها الوطني وعنفوانها، بعد تاريخ من الاختباء والركود والتمسح بأركان الأنظمة، وبرحليه تكررت الحدوثة ” عادت حليمة إلى عادتها القديمة “.

• سنوات طوال كالدهر، مات فيها الحلم بغد أفضل والقادم أجمل والمستقبل أكثر إشراقًا وبإنسان أكثر فدائية. وأصبح الناس أكثر واقعية ولسان حالهم يكرر صباح مساء،” يد لا تقدر عليها بوسها ” ورجولتهم تشكلها يوميًا مثل سيء “إذا يدك تحت الحجر جرها بالبصر “.

وفلسفتهم في الحياة ” سلطان غشوم ولا فتنة تدوم”.

• سنوات طوال كالدهر، من رحيل الحبيب عمر، أصبح خلالها الطفيليون أصحاب نظام أو معلقين بنظام، أصبحوا أصحاب شهوات وأمان وأحلام في السيطرة والحلم والشراء. وأصبح الفاعلون التاريخيون (وهم أغلبية الناس) يتمايلون لكسب أسباب عيشة هي إلى الكفاف أقرب. وأصبح ضمير الأمة ووعيها التاريخي وذاكرتها خدم نظام ومبرري سياسيات وأصحاب أمنيات للالتحاق بنظام يلحقهم بطبقات المجتمع العليا حتى وإن كانت بعضا من تنويعات الجهل والجهالة وعصابات القتل، وأكثر الناس سفاهة وتنطعًا.

• سنوات طوال كالدهر، تحول فيها الوطن الذي خرج من أقصاه إلى أقصاه في مسيرات للحلم بصناعة اليمن الحديث والحالم بالإسهام مرة أخرى في صناعة التاريخ إلى مزرعة للتدجين.

وبعد أن كان مقالًا في جريدة يخلق اصطفافًا وطنيًّا، أو اختلافًا في الرأي أو خلافًا، أصبحت الأغلبية أبواقًا لنظام حكم هو إلى الهمجية أقرب بسلوك للصوص ألصق. فقط لأنه الرجل الذي حمل الحلم وباح به وخلق اصطفافات حوله وتحمل من أجله الكثير، رحل بحلمه عنا وعدنا جميعًا إلى مرحلة القطيع مرة أخرى. فقط لأنه الرجل كان يشكل جريدة ويشكل حزبًا ويمثل قطاعًا شعبيًّا مهمًّا.

• سنوات طوال كالدهر – كان الرجل معارضًا حيويًّا وفاعلًا وعاقلًا للنظام والقانون – وكان النظام يستمد منه جودة وعنوانه المدني – والنظام هنا (الرجل الأوحد فيه). وكان الرجلان لاعبين رئيسيين في صياغة حيوية سياسية عنوانها (حكومة ومعارضة) ـ وكانا الأوحديين القادريين على التعبير عن متطلبات النظام بكل تشعباته، والمعارضة بكل مفارقاتها وأحلامها.. كان الرجلان عنوانًا لحيوية سياسية هما قطباها.. فكان رحيل عمر بالمقابل ترحيلًا لحيوية ومدنية النظام (كتلة أو فردًا) إلى أجل غير مسمى.
• عانى الناس خلال السنوات الأخيرة كثيرًا من المهانة وكثيرًا من إهدار الحق المدني، وكثيرًا من الفاقة والعوز، وكثيرًا من إهدار ماء الوجه. ولم يحرك أحد ساكنًا، ولم يحتج ولم يدفع أحد، الناس إلى الاحتجاج ورفع الصوت. وأصبح المجتمع بين ليلة وضحاها سادة وعبيدًا / سفهاء ومعوزين/ أغنياء بالبركة وفقراء بالضرورة، أصحاب نظام أو خدم نظام. وأصبح الخطاب الموجه للناس – وفي هذا الجو الأكثر مأساوية – فارتفعت الأصوات التي تعلي بالناس ضرورة إطاعة ولي الأمر، أو تحول الخطاب إلى مجرد عيون حمراء تحذر الناس حتى من مجرد الحديث الخافت عن سادية النظام وقمع الحكومة وناهبي المال العام، والمنح الدراسة.

• حكومة فاشلة تجبر الناس على الجلوس أيامًا بلياليها أمام نوافذ الصرافين أملا في الحصول على حق، تصر الحكومة على أنه هبة منها تعطيه متى شاءت وتمنعه متى شاءت.

أرامل وعجزة وأيتام وفتيات في عمر الزهور – حولتهم الحاجة – إلى متسولين وأشباح وبائعي متعة حرام لقاء ما يمكن أن يملأ المعدة ويسكت بكاء واحتياح الأطفال.

حكومة أجبرت ضمير وعقل وروح الشعب على التحول إلى مجرد أبواق وبائعي كلام ومروجين لكل أشكال الزندقة السياسة وإجازة أكل المال العام.. وحولتهم إلى كائنات هامشيه نهمه تسعى وبأي شكل اللحاق بناهبي المال العام، وهم على قفاء من يشيل ويشار لهم بملايين الدولارات.

هناك أحزاب ومؤسسات حكم مدني، مصابة بالسكتة الدماغية.. فقط لأن الأستاذ عمر الجاوي البطل، والغائر على سيادة الوطن وكرامة شعبة.. قد رحل.

المصدر: موقع حيروت الإخباري

إقرأ أيضاً:

بعضٌ من حكاية الكَدِيسَة

الكديسة اسم للهرة في عامية أهل السودان، والمذكر كَدِيس. ولعل الأصل نوبي أو تركي. وعند الجاحظ في كتاب الحيوان لفظ السِنّور وذكر من صفات السنانير أنها طيبة الفم، وأن عليها من المحبة والإلف والأنس والدنو، ما ليس مع الكلب ولا مع الحمام، ولا مع الدجاج، ولا مع شيء مما يعايش الناس.
ومن صفاتها أن الحيات تخافها، وأن الفيل يفزع من السنور فزعًا شديدًا. وجيفة السنّور منتنة ـ كما يذكر كتاب الحيوان ـ قالوا: لما مات القصبي رُجم بالسنانير الميتة…
قرأت قبل يومين عن “تكتيك القطة الميتة” في الإعلام السياسي والعسكري حيث يُطلق خبر صادم أو فاضح أو مثير للجدل عمدًا لصرف انتباه الإعلام وتشتيت أذهان الجمهور عن قضية أو فشل أكثر ضررًا. صاغ هذا التكتيك لينتون كروسبي، وكأنه إلقاء “قطة ميتة” على مائدة طعام والناس يأكلون مما يُجبر الجميع على الانصراف عن الأكل، والتركيز على ذلك المشهد بدلًا من الانشغال بالمشكلة الأساسية.
ألا ترون هذه الأيام ونحن نتابع انتصارات جيشنا وانكسارات التمرد، كيف تعمد غرف صناعة الشائعات إلى إطلاق خبر صادم يصرف الأنظار عن أحداث الساعة؟!
ويسمّي (الخوَّاجة) ذلك الفعل الدعائي باسم القطط الميتة، وليس الكلاب الميتة، فالقوم يحبون الكلاب حبًا جمًا مثل حبنا للكدايس أو أشد.
أما تفضيل القطط (الكدايس) عند المسلمين فهو نابع من الدين، فقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بالطوافين عليكم والطوافات. وفي صحيح البخاري: “دخلت امرأة ممن كان قبلكم النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تصيب من خشاش الأرض”. والهرة وصفها الجاحظ أيضا بأنها من الخلق الذي يؤثر على نفسه، يُلقَى إليها بالشيء الطيب وهي جائعة، فلا تزال ممسكة على جوعها حتى يقبل ولدها فيأكل… وهذا من علامات الرحمة في هذا الحيوان.
واقتراب القطة من شخص بعينه فيه رسالة روحية عميقة. إنها ليست مجرد (عابر سبيل)، بل هي رسول رحمة.
من العجب الذي رأيت؛ كنا نصلي في مسجد بمشعر منى أيام الحج برفقة استاذي حسن الزين. كانت قطة تدخل المسجد ونحن في انتظار الصلاة فتتخطى الناس جميعا وترقد أمام حسن. تكرر هذا مرات، فسألت البروفيسور حسن: ما لهذه القطة تأتي إليك من دون الناس؛ تتخطى الصفوف وتقترب منك أينما جلست فتمد يدك تمررها بلطف على ظهرها… ابتسم الزين واكتفى بالقول: “أبوي كان عنده تلتاشر كديسة” أي أن أبي كان عنده ثلاث عشرة قطة!
تأملت ذلك، وحسبته من مظاهر الصلاح في ذلك الرجل الذي عرفنا فيه الزهد والتوكل، وقد حضرت معه موقفا أرويه بغير حرج فهو الآن في رحمة الله تعالى.
ظللت أسائل نفسي عن منظر القطة مع حسن الزين حتى سمعت أحد المتحدثين في فيديو بالأمس عن معنى اقتراب القط من إنسان، فمما ذكر أن ذلك إشارة لتوسعة في الرزق، ودليل على صفاء القلب وأنه قلب محفوف بالرحمة. وأيضا علامة التوكل فالقطة تعيش متوكلة بالفطرة على خالقها، واقترابها من شخص ما تذكير بالتوكل على الله.
لما اتصلت بأستاذي في السودان وأخبرته بأن الاختيار قد وقع عليه لأداء الحج بتكلفة كاملة وتقديم ورقة علمية في منشط علمي، فاجأني بالاعتذار لأن جواز سفره يحتاج للتجديد، والوقت ضيق ولم تبق سوى أيام قليلة من الحج!
تيسّر الأمر بحمد الله، وفوجئت به يصل إلى مكة دون إحرام وعرفت السبب أنه لم يحمل معه ما يشتري به ملابس الإحرام. خرج من السودان وهو لا يحمل ريالا واحدا، وهذا من التوكل الذي عرفناه عنده ورجاء ما عند الله تعالى: “قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين”. في اليوم التالي لهذا الموقف حصل لأستاذنا الزين بسط في الرزق حتى إنه بادر إلى شراء هاتف كان يتمنى شراءه.
إن لنا في قصص التوكل والرحمة عبرة وأي عبرة في هذا الزمان الذي يتجرد فيه بعض بني البشر من كل القيم!
في هذا اليوم الذي أكتب فيه خبرٌ عن مُسيّرات ضربت روضة أطفال في مدينة كالوقي بجنوب كردفان وقتلت العشرات من الصغار وذويهم دون رحمة أو إنسانية.
ما لبعض الناس ينحطون إلى هذه الدرجة؟ أهؤلاء الناس من طينة البشر؟
معروف عن السودانيين حساسيتهم من قتل الحيوان الأليف؟ فكيف بقتل الأبرياء من النساء والأطفال.
تسلمت يوم أمس من أستاذنا البروفيسور الطيب علي أبو سن كتابه “الشعر الشعبي عند الرباطاب”. وتوقفت عند رثاء قطة من أحد الشعراء الرباطاب الحاج عثمان الكليباوي. القطة المسالمة اسمها (سانتوت)، أوسعها أحدهم واسمه عثمان ضربًا بالنبّوت حتى ماتت. يقول الشاعر:
في شان الله يا سانتوت
وكل الحي وراه الموت
مرقت فسحة كايسة القوت
يا الضربوكي بالنبّوت
عثمان اصلو ما خصاه
يضرّب فيها بالعصا
حتى هاشم اخيو معه
يكشحو بيها بي الواطه
عثمان ضربُه مالو قياس
بالفرار وفوق الراس
خلينا الورر لا باس
تكتلوا في كدايس الناس؟
والورر هو الورل، والمعنى: لا بأس من قتل الورل فهو حيوان غير مستأنس، ولا حرج من قتله. أما قتل الحيوان المسالم مثل القطط فهذا عيب كبير في أعراف القبيلة.

دكتور عثمان أبوزيد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/07 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة هل الفيل كفيل؟2025/12/07 تسريبات وافتراضات مقتل دقلو2025/12/07 قوم لا للحرب قوم مجرمون مثلهم مثل كل من قتل أو آذى نفساً بغير وجه حق2025/12/07 أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟2025/12/06 ثالوث الإنكار لتبرئة الغزاة2025/12/06 العاقل من اتعظ بغيره!2025/12/06شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات مقترحات لبناء سودان جديد 2025/12/06

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • محافظ سوهاج: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ ٤ سنوات
  • الأرصاد لـ المواطنين: ارتدوا الملابس الشتوية طوال اليوم
  • زمن عجيب!
  • عودة النازحين السوريين بعد عام على سقوط الأسد: الفرحة لا تُخفي مرارة الواقع
  • د. نزار قبيلات يكتب: جابر جاسم.. أيقونة الزمن الجميل
  • انخفاض كبير في درجات الحرارة.. أمطار غزيرة ورياح محملة بالأتربة تجتاح مناطق واسعة طوال الأسبوع
  • ماسك صباحي لا تستغني عنه لترطيب البشرة في الشتاء
  • بعضٌ من حكاية الكَدِيسَة
  • نائبة أوكرانية: ما يجري «هجوم واسع» وكييف تتعرض لقصف مكثف طوال الليل
  • فرق المعامل بشركة المياه تتوجه للمراقبة اليومية طوال 24 ساعة