يهدد تغير المناخ كل العالم، ويقود إلى زيادة وتيرة ظواهر الطقس القاسية كموجات الحر والجفاف والأعاصير والفيضانات، لكن دولا ومدنا بعينها ستكون مهددة أكثر من غيرها بتبعات ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

ولتخيل شكل المستقبل الذي قد يجلبه مناخ أكثر حرارة وجفافًا، فما علينا إلا أن ننظر إلى جزأين بعيدين من العالم يريد الرئيس الأميركي المنتخب لولاية ثانية دونالد ترامب أن يسيطر عليهما: غرينلاند وقناة بنما.

كلا المكانين نالتهما تصريحات ترامب الأيام الأخيرة، وأصر على أنهما يشكلان أهمية بالغة للأمن القومي الأميركي، وهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما أحد أهم المعابر المائية عالميا، والاستحواذ على غرينلاند من الدانمارك، مما أثار التساؤلات حول دوافعه للسيطرة على منطقتين تشهدان تدهورًا في النظام البيئي جراء التغير المناخي.

ترامب الابن زار غرينلاند مؤخرا (رويترز) القاسم المشترك بين غرينلاند وبنما

بخلاف أن هاتين المنطقتين تتمتعان بالسيادة الوطنية، فإنهما يشتركان في شيء آخر وهو التأثر بشكل كبير بتغير المناخ بطرق تفرض تحديات وشيكة على الشحن وحركة التجارة البحرية العالمية التي تمر 6% منها عبر قناة بنما.

فبسبب ارتفاع درجات الحرارة، تسارع ذوبان السطح وانفصال الركام الجليدي في غرينلاند بحدة غير مسبوقة خلال العقدين الماضيين بسبب التحولات في الطقس، فقد ذاب ما يقدر بنحو 28 ألف كيلومتر مربع من الصفائح والأنهار الجليدية في غرينلاند على مدى العقود الثلاثة الماضية، وهي مساحة تعادل تقريبا حجم ولاية ماساتشوستس الأميركية.

ويشير هاري زيكولاري عالم الجليد بجامعة فريجي في بروكسل -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن عام 2019 سجل رقمًا قياسيًا لمقدار خسارة غرينلاند الجليدية، حيث تسبب ضغط التلال في سحب الهواء الرطب من وسط المحيط الأطلسي، مما أدى إلى أكبر نسبة ذوبان للثلج منذ عقود.

إعلان

ويضيف "تسببت حالة سحب الهواء هذه إلى ارتفاع درجة الحرارة بنسبة 40% عن الدرجة المتوسطة بالمنطقة مما أدى لذوبان 40% من الثلج الموجود بالجزيرة، وهو ما يعادل ملياري طن من ثلجها".

وتتسارع هذه الظاهرة، وتثير تساؤلات عدة حول كيفية تفاعل غرينلاند مع ارتفاع درجة الحرارة، حيث تظهر التوقعات أن درجة واحدة مئوية من الاحتباس الحراري تتسبب نهاية المطاف في رفع مستويات سطح البحر بمقدار مترين ونصف المتر لمئات السنين من الآن.

ووفق وكالة ناسا، فإن هذا له آثار ضخمة على العالم أجمع، فإذا ذاب الجليد بالكامل، فإن غرينلاند أكبر جزيرة في العالم، وتتكون من طبقة جليد دائمة تعادل نحو 4 أخماس مساحتها، وتحتوي على كمية كافية من المياه، مما قد يتسبب في ارتفاع مستويات سطح البحر بما يصل إلى 23 قدمًا.

نظام قناة بنما يواجه تهديدات متزايدة من ارتفاع مستويات سطح البحر (رويترز) ضحية التغير المناخي التالية

وما يحدث في جزيرة غرينلاند قد ينعكس سلبًا على قناة بنما التي يضربها تغير المناخ من عدة زوايا، حيث يواجه نظامها الخاص تهديدات متزايدة من ارتفاع مستويات سطح البحر، مما قد يتسبب في حدوث فيضانات وتآكل ضفاف القناة المائية.

كما تواجه القناة شكلا آخر من أشكال تغير المناخ، حيث تعاني من انخفاض منسوب المياه نظرًا لتأثر البلد بالتغير المناخي وانخفاض معدل هطول الأمطار التي تمثل المياه الناتجة عنها خمس قناة بنما.

وتستخدم القناة مياه الأمطار كمصدر للطاقة التي تحرك السفن وترفعها 26 مترًا فوق سطح الأرض حتى تتمكن من عبور سلسلة جبال البرزخ القارية، لكن قلة الأمطار التي شهدها البلد شتاء 2023 قلصت منسوب خزانات المياه.

وذلك العام، تسبب الجفاف الطويل في حدوث اضطرابات واسعة النطاق في القناة، وانخفضت مستويات المياه -إلى مستويات قياسية تاريخيًا- في بحيرة غاتون الاصطناعية التي تزود القناة بالمياه لتشغيل بوابات مرور السفن.

إعلان

وفرضت السلطات قيودا على عبور السفن اليومية منذ 30 يوليو/تموز 2023، مع تمديد هذه القيود لفترة 10 أشهر على الأقل، للحفاظ على المياه العذبة بالبحيرة. فبمرور كل سفينة، تفقد 200 مليون لتر من المياه العذبة في البحر، وهددت طوابير سفن الشحن الكبيرة المصطفة لأسابيع بانتظار دورها في عبور القناة بالضغط على سلاسل التوريد العالمية.

وقد بدأت هذه الأزمة عام 2019، وكان يناير/كانون الثاني الأكثر جفافًا خلال الـ110 أعوام الأخيرة، وتوقف هطول الأمطار مع موجات الحر وهبوب الرياح، وتبخرت نسبة كبيرة من مياه الأنهار والأحواض التي تغذي القناة بالمياه، وانخفضت المياه خلف سد غاتون بمقدار 1.8 متر عما ينبغي، وتراجعت المياه العذبة إلى 3 مليارات متر مكعب من المياه، في حين تحتاج القناة -لتعمل- إلى 5.2 مليارات طن من المياه العذبة.

ووجد العلماء أن السبب المباشر هو "النينيو" وهي ظاهرة مناخية طبيعية يمكن أن تستمر لعدة سنوات، لكنهم وجدوا أن تغير المناخ قد يطيل أيضًا فترات الجفاف ويرفع درجات حرارة المنطقة.

مصائب المناخ عند ترامب فوائد

بالنسبة لترامب نفسه الذي يرى أن تغير المناخ "خدعة" يقول زيكولاري "هذه المخاطر البيئية المحدقة بغرينلاند وقناة بنما لا تبدو له كما نصورها في التقارير والأبحاث البيئية والمناخية وتوثقها الأقمار الاصطناعية، فترامب يعول على أن الاحتباس الحراري يجعل الأماكن التي يطمع في السيطرة عليها أكثر أهمية لحركة الشحن والتجارة العالمية دون الالتفات إلى أي تبعات بيئية".

Greenland is beautiful!!! ???????? pic.twitter.com/PKoeeCafPz

— Donald Trump Jr. (@DonaldJTrumpJr) January 7, 2025

وثمة الكثير من الدلالات المناخية التي تعكس أطماع ترامب، فوفق تقرير حديث صادر عن مجلس القطب الشمالي، ارتفعت حركة السفن بالقطب الشمالي بنسبة 37% على مدى العقد الماضي، مع انخفاض الجليد البحري، وقد يؤدي المزيد من الذوبان إلى فتح المزيد من طرق التجارة.

إعلان

ولعل هذا ما دفع القوى المنافسة للولايات المتحدة إلى تبني نفس النظرة التوسعية البعيدة التي يتبناها ترامب، فقد أبدت الصين اهتمامًا كبيرًا بطريق جديد عبر القطب الشمالي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، اتفقت الصين وروسيا على العمل معًا لتطوير طرق الشحن في القطب الشمالي.

وفي غرينلاند، قد يفتح تراجع الجليد مناطق لحفر النفط والغاز وأماكن لاستخراج المعادن الحيوية، خاصة أن هذه الجزيرة تتمتع بثروة معدنية ونفطية هائلة، وهي حقيقة جذبت بالفعل اهتمامًا دوليًا، وأثارت مخاوف بشأن الأضرار البيئية التي لا يبدو أن ترامب يوليها اهتماما.

وتقودنا مبررات الاستيلاء على غرينلاند إلى قناة بنما ذلك الممر المائي الحيوي الذي يمتد على مسافة 80 كيلومترا عبر وسط بنما، مستخدمًا سلسلة من السدود والخزانات لربط المحيط الهادي ومنطقة بحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، ويوفر للسفن قطع مسافة أكثر من 10 آلاف كيلومتر للإبحار حول كيب هورن عند آخر بقعة من الجزء الجنوبي لأميركا الجنوبية، لذا فهي عنصر محوري لا غنى عنه في التجارة العالمية.

وإلى جانب انزعاجه من منافسة الصين ثاني أكبر مستخدم للقناة بعد الولايات المتحدة، يبدو ترامب منزعجًا من الرسوم الباهظة المفروضة على السفن الأميركية العابرة للقناة، والتي فرضتها بنما بسبب التحديات البيئية مثل انخفاض مستويات المياه نتيجة التغير المناخي.

وبالنظر لما تتعرض له هذه المناطق من غرينلاند وقناة بنما، يقول عالم الجليد بجامعة فريجي "اهتمام ترامب بكليهما يعني نوعا من الاعتراف الضمني بتغير المناخ والتحديات العالمية التي يخلفها".

ويضيف "ما يثير الاهتمام حقًا أن ترامب يعتقد أن السيطرة على هذه الأماكن سيجعل الأمر أفضل، لكن التحدي الذي تواجه تطلعاته أن تغير المناخ تتسارع تبعاته في الظهور أكثر من أي وقت مضى، وعندما يصل إلى نقطة تحول فلا يمكن الرجوع عنها".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المیاه العذبة فی غرینلاند تغیر المناخ من المیاه قناة بنما

إقرأ أيضاً:

روسيا تفجر مفاجأة وتكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت ’’ترامب’’ للاتفاق مع اليمن (تفاصيل خطيرة)

يمانيون /

كشفت مصادر عسكرية روسية عن تفاصيل جديدة تكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب إلى اللجوء للحلول الدبلوماسية مع اليمن، بعد فشل ذريع للحملة العسكرية التي أطلقها ضد صنعاء. وفقاً لمجلة “فوينيه أوبزرينيه” الروسية المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن الأحداث الأخيرة كشفت عن مفاجآت استراتيجية غيرت موازين القوى في المنطقة. الصحيفة قالت إن الوثائق تشير إلى أن قوات صنعاء نجحت في تحقيق إنجازات نوعية ضد القوات الأمريكية، حيث تمكنت من إسقاط ما لا يقل عن 20 طائرة مسيرة من طراز MQ-9 Reaper، التي تعد من أكثر الأنظمة الأمريكية تطوراً وباهظة التكلفة.
لكن الصدمة الكبرى جاءت مع الادعاءات اليمنية بإسقاطها لطائرة مقاتلة من الجيل الخامس F-35A Lightning II، بالإضافة إلى عدة طائرات F-16C Fighting Falcon، وهو ما شكل ضربة استراتيجية للتفوق الجوي الأمريكي. وأضافت: في مارس الماضي، أطلق البنتاغون عملية عسكرية واسعة أطلق عليها اسم “الفارس الخشن”، تحت إشراف الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية.
شملت الخطة نشر مجموعتين من حاملات الطائرات، بالإضافة إلى أسراب من القاذفات الاستراتيجية وطائرات الاستطلاع، بهدف تدمير البنية التحتية الصاروخية اليمنية خلال 30 يوماً. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال الأمريكية. وأردفت إن المصادر العسكرية تشير إلى أن القوات اليمنية استخدمت تكتيكات مبتكرة في مواجهة التفوق التكنولوجي الأمريكي.
حيث نجحت أنظمتها الدفاعية -التي يعتقد أنها من طراز “بوك” الروسية- في إقامة كمائن ناجحة للطائرات الأمريكية، مستفيدة من المعرفة الدقيقة بالجغرافيا اليمنية وتضاريسها الصعبة.
وقد أدت الخسائر المتتالية في الطائرات المسيرة إلى شل قدرات المراقبة والاستهداف الأمريكية بشكل ملحوظ. وبينت أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نقلاً عن مصادر في البنتاغون، كشفت أن الخسائر الأمريكية تجاوزت السبع طائرات مسيرة من طراز MQ-9 خلال شهر واحد فقط، مما أثر بشكل كبير على القدرات الاستخباراتية الأمريكية في تتبع تحركات المقاومة اليمنية.
كما أشارت التقارير إلى أن الطائرات المقاتلة الأمريكية واجهت صعوبات غير متوقعة في اختراق المجال الجوي اليمني، حيث كشفت الأحداث أن تقنيات التخفي في طائرات F-35 لم تكن فعالة كما كان متوقعاً. وأوضحت أن النتائج غير المتوقعة للعملية العسكرية أدت إلى تحول جذري في الموقف الأمريكي.
فبعد أسابيع من الحملة المكلفة التي لم تحقق أي من أهدافها الاستراتيجية، اضطر الرئيس ترامب إلى تغيير مساراته، حيث بادر باللجوء إلى الوساطة العمانية لإنهاء التصعيد.
القرار الأمريكي جاء بعد تقييم واقعي للمخاطر، حيث أدركت الإدارة الأمريكية أن الاستمرار في المواجهة العسكرية قد يؤدي إلى مزيد من الإحراج الاستراتيجي وخسائر مادية وبشرية غير مبررة. واختتمت بالقول: المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية أكد أن هذه التطورات ستمكن اليمن من تحويل تركيزه بالكامل نحو الجبهة الفلسطينية، في إشارة واضحة إلى استمرار العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية.
الخبراء العسكريون يرون أن هذه الأحداث تشكل نقطة تحول في موازين القوى الإقليمية، حيث أثبتت قوة محلية قدرتها على مواجهة أعتى الجيوش العالمية بأسلوب غير متماثل، مستفيدة من الإرادة القتالية العالية والمعرفة التكتيكية العميقة بمسرح العمليات.

مقالات مشابهة

  • محمد علي الحوثي: دورنا في البحر الأحمر ضمانة للأمن العربي ومصر وقناة السويس
  • المليارات السبعة التي أهدرناها لقصف بلد لا نعرف موقعه على الخريطة
  • قناة عبرية تكشف: قوات الجيش العاملة في غزة تلقت تعليمات جديدة
  • اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا
  • روسيا تفجر مفاجأة وتكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت ’’ترامب’’ للاتفاق مع اليمن (تفاصيل خطيرة)
  • جدل حول مقاتلة “إف-55” التي تحدث عنها ترامب مؤخرا
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب
  • ما هي الملفات التي تناولتها محادثات ترامب في الإمارات؟
  • آنا دي أرماس تحسم الجدل حول علاقتها بتوم كروز
  • أمينة خليل تحسم الجدل حول علاقتها بالمصور أحمد زعتر