"عم صابر" رجلٌ اختار الوحدة والهروب من صخب الحياة وعبثها. لم يكن ذلك مجرد قرار بالانعزال، بل كان رحلة بحث واعٍ عن موقف تجاه الحياة بكل تعقيداتها. فرض على نفسه عزلة صارمة، وابتعد عن أي صورة تجمعه مع الآخرين. ربما لم يمنح أحدًا فرصة للاقتراب منه، معتقدًا أن النجاة تكمن في عشرة نفسه.
هذا الرجل الذي عاش ومات وحيدًا، لم يكن هاربًا من الناس فحسب، بل كان يبحث عن ذاته في عزلة لم يُرِد أن يشاركه فيها أحد.
وجود الطفل لم يكن مصادفة ؛ بل كان تجسيدًا رمزيًا لفكرة الحياة والموت، والبدايات التي لا تكتمل. رغم قصر حياته، كان هذا الملاك نقطة تحول في مكان العزلة . كأن حضوره السريع جاء ليضع بصمة إنسانية خاطفة ، لكنها عميقة. تركت أثرًا ربما يتجاوز أعمارًا كاملة. سبع ساعات فقط، لكنها حملت معنى الولادة، البراءة، و التسامح بين الحياة والموت.
حين وضعوا الطفل بين ذراعي الرجل الوحيد، بدا كأن الحياة أرادت أن تكسر عزلته حتى بعد موته، ولكن بطريقة هادئة لا تحمل أي صخب. ربما كان الطفل رمزًا يذكّر بأن الحياة عابرة، لكنها دائمًا تترك أثرًا. أو ربما أرادت الحياة أن توصل رسالة مفادها أن الوحدة ليست مطلقة، وأن أكثر الأرواح عزلة قد تجد نفسها في لحظة اتصال عابرة، ولو للحظات قصيرة.
ومع مرور الوقت، غطت الأشجار المكان، ونبتت بصيلات الأمل من الربيع والنرجس والريحان. بقي أهل القرية يتساءلون من الذي زرع الحياة في هذا المكان الصامت.
شاء الرجل أن يحيا وحيدًا في مكان لا يشاركه فيه أحد، وحتى بعد موته، لم يكن مستعدًا لأن يصبح جزءًا من إرث مزدحم. لكن، مثل هؤلاء الذين يختارون الابتعاد عن صخب الحياة، يتركون خلفهم إرثًا مختلفًا. إرثًا لا يُقاس بالكلمات أو الأفعال المباشرة، بل بأثر صامت يتحدث عنه الزمن، كما تحدثت عنه الزهور التي غطت المكان.
هؤلاء الذين تجاهلوا الحياة بكل مغرياتها وعبثها، هم من ألقوا عليها وردة، رغم أنها أمطرتهم وابلاً من الرصاص. فهم من عرفوا مبكرًا سر الحياة وكيف ستتخلى عنهم.
هنيئًا لهم...
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الريحان الربيع النرجس المزيد لم یکن وحید ا
إقرأ أيضاً:
الحياة بعد سهام .. من القاهرة إلى مراكش
يعرض في التاسعة مساء اليوم الثلاثاء الموافق الثاني من ديسمبر الفيلم الوثائقي الطويل "الحياة بعد سهام" ضمن فعاليات برنامج القارة الحادية عشر بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وذلك بحضور مخرجه نمير عبدالمسيح، وهو العرض الأول له بالمغرب العربي.
تمكن الفيلم من أن يرفع شعار كامل العدد في العروض التي أقيمت له ضمن فعاليات الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن العروض الخاصة له، وتعرض بالدورة الـ 18 لبانوراما الفيلم الأوربي نسخة الفيلم التي عرضت بالقاهرة السينمائي والتي تختلف عن نسخة الفيلم التي عرضت في مهرجان كان لأول مرة.
وخلال الأيام القليلة الماضية حصل الفيلم على عدد من الجوائز منها الجائزة الكبرى بمهرجان الفيلم الدولي بإميان بفرنسا، وكما حصل على 3 جوائز أخري بمهرجان Du Grain، وهو مهرجان سينمائي فرنسي مستقل، غالبًا ما يُخصص لأفلام السينما الوثائقية، والأعمال التي تطرح رؤى نقدية أو ملتزمة تجاه القضايا المجتمعية والسياسية، حيث حصل خلاله علي 3 جوائز وهي جائزة الجمهور وجائزة جنة التحكيم الكبرى بالإضافة إلي إشادة خاصة من لجنة محبي السينما.
يعد "الحياة بعد سهام" العمل الوثائقي الطويل الثاني لنمير عبد المسيح، وتصل مدته إلى 76 دقيقة، يستكشف خلالها موضوعات الهوية والانتماء والذاكرة، عبر معالجة إنسانية عميقة تلامس وجدان المشاهد. ينطلق الفيلم من لحظة فقدان نمير لوالدته سهام، التي رحلت عن عالمنا بينما كان لا يزال طفلًا غير مدرك لحقيقة الفقد. ففي عالم الطفولة، تبقى الأمهات خالدات. ومن أجل الحفاظ على ذاكرتها حية، يغوص نمير في تاريخ عائلته الممتد بين مصر وفرنسا، مستعينًا بمرجعيات من سينما يوسف شاهين التي ترافقه في رحلته، ليحكي عن الاغتراب والحب قبل كل شيء، وذلك عند اختفاء سهام، لم يتخيل نمير أنها رحلت إلى الأبد، فبالنسبة له، الأم لا تموت. ينطلق في رحلة لاكتشاف تاريخ عائلته، بين مصر وفرنسا. على خطى سينما يوسف شاهين، تتشكل حكاية منفى، مليئة بالحب، نابضة بالحياة، وخالدة.
ويشارك في بطوته كل من سهام عبد المسيح، وجيه عبد المسيح، نرمين عبد المسيح، نمير عبد المسيح، وهو من إخراج نمير عبد المسيح، وإنتاج كامي لايملي ونمير عبد المسيح، وتصوير نيكولا دوشين، ومونتاج بونوا ألافوين، إيمانويل مانزانو، وصوت رومان ديمني، وموسيقى كلوفيس شنايدر، وإنتاج مصري فرنسي مشترك لشركة عويضة فيلم، ويشارك في إنتاجه كل من Les Films D’Ici، وريد ستار، وإمبيانت لايت، إلى جانب توزيعه بواسطة Meteore Films وSplit Screen.