1 في الحلقة الماضية، قلت إن خروج السيد الرئيس البرهان من القيادة لمباشرة مهام انتظرت حضوره في المشهد طويلًا، بعيدًا عن حصار القيادة العامة، كان منعطفًا مهمًا وحاسمًا. كانت أولى مهام قائد الجيش هي توفير الموارد للحرب التي تبدو أنها ستكون طويلة، وثانيًا الحصول على إمداد مستمر للأسلحة والذخائر. والأهم هو إحداث نقلة نوعية في تسليح الجيش بما يتلاءم مع طبيعة حرب المدن.


2
يقول صاحب كتاب (الحروب الحضرية في القرن العشرين)، أنتوني كينغ (Urban Warfare in the Twenty-First Century Anthony King):
إن الحروب الحضرية أصبحت الشكل الأكثر شيوعًا للصراعات في عصرنا، خاصة مع نمو التوسع الحضري وزيادة الكثافة السكانية في المدن. توفر بيئة معقدة للقتل بسبب البنية التحتية المكتظة، المباني العالية، والشوارع الضيقة، مما يجعل العمليات العسكرية التقليدية غير فعالة.
ركز الكاتب كنغ على استخدام التكنولوجيا الحديثة وضرورتها في حرب المدن، مثل الطائرات بدون طيار، والأسلحة الدقيقة، والتقنيات الاستخبارية المتطورة. وأشار إلى أن الطائرات بدون طيار (Drones) وقال انها أصبحت أداة رئيسية للاستطلاع والهجمات الدقيقة، مما يساعد على تقليل المخاطر على القوات البرية. وكذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم لتحليل البيانات واكتشاف التهديدات بشكل أسرع، إضافة إلى الأسلحة الذكية مثل القنابل الدقيقة التي تقلل من الأضرار الجانبية في المناطق المكتظة والاتصالات المتطورة واستخدام شبكات متقدمة يسمح بتنسيق أفضل بين الوحدات المختلفة. كما أكد على أهمية التعاون بين القوات البرية والجوية لتأمين السيطرة على المناطق الحضرية.
3
حين بدأت الحرب، كانت القوات المسلحة تعتمد بشكل كبير على سلاح الطيران لاضعاف العدو، وهو سلاح على أهميته إلا أن فعاليته في حرب المدن ضعيفة. إضافة إلى مخاطر شتى في استخدام الطيران في مناطق الكثافة السكانية، مما قد يوقع أضرارًا شتى تلحق بالمدنيين.
4
بعد خروج الرئيس البرهان، شاهدنا انفتاحًا على الدول التي تملك أسلحة تكنولوجية حديثة استخدمت من قبل في حرب المدن، أهمها الطائرات بدون طيار (Drones). بدأ شراء الطائرات بدون طيار من إيران في صفقات متتالية (طائرات المهاجر)، ثم الصين و تم استجلاب طائرات من أذربيجان، ثم من تركيا أخيرًا، إضافة إلى أنظمة أخرى وأسلحة نوعية حاسمة في حرب المدن.
كانت معركة الحصول على السلاح والذخائر بالخارج أشد ضراوة من معارك الداخل؛ فشراء الاسلحة من السوق العالمى يمثل مشكلة كبيرة في ظل تربص كفيل المليشيا بكل الجهات المتعاملة مع الجيش. إضافة إلى ذلك، فإن توصيل السلاح إلى داخل السودان كان يواجه عراقيل كبيرة. قال لنا الرئيس البرهان إن هناك بواخر تحمل أسلحة احتُجزت لمدة ثلاثة أشهر في البحر. أدى ذلك إلى اللجوء إلى شراء الأسلحة وتوصيلها باستخدام طرق متعددة، والتعاون مع دول صديقة ساهمت في تسهيل إدخال الأسلحة النوعية والذخائر إلى السودان.
5
كما قال أنتوني كينغ، فإن استخدام التكنولوجيا في حرب المدن، كالتي يخوضها الجيش حاليًا، كان حاسمًا. وبالفعل، شاهدنا مئات من الشباب المقاتلين المهرة في استخدام الطائرات بدون طيار يستخدمونها بكفاءة عالية، مما ساهم في إضعاف قوة العدو بصورة كبيرة. أصبحت المسيرات عنصرًا مهمًا في تقدم الجيش وحسم المعارك. كان استخدام التكنولوجيا هو المرتكز الخامس والحاسم في الحرب ولا يزال، وتزداد أهميته يومًا بعد يوم.
6
المرتكز السادس في استراتيجية الجيش هو التكتيك الذي اشتغل به الجيش في حربه الحالية. لاحظت هنا أن الجيش عمل بتكتيك “الوثبات المتقدمة”. فمنذ أن انفتح الجيش وكسر الطوق ليباشر مرحلة الهجوم المباشر على العدو، بعد شهور من الكمون والدفاع المستميت عن مناطقه وثكناته، لاحظت أنه يثب من مرحلة إلى أخرى دون اندفاع بناءً على الخطة الاستراتيجية.
مثلًا، لاحظت أنه بعد فك الحصار عن المهندسين، لم يندفع الجيش مباشرة إلى الخرطوم أو عبور الكباري. بعد وثبة المهندسين، استغرق زمنًا في التحضير والتخطيط، ثم أعقبها وثبة عبور الكباري، ومن ثم أوقف تقدمه في منطقة المقرن.
أيضًا، يمكن أن تلاحظ هذا التكتيك عندما تم تحرير مدينة سنجة؛ لم يندفع مباشرة لتحرير مدني، إنما استغرق وقتًا في تحركاته في كافة منطقة الجزيرة حتى تم تطويق مدني بالكامل، ثم وثب لتحريرها من أكثر من اتجاه.
سألت بعض الإخوة العسكريين عن هذه الفكرة، ولماذا الجيش لا يبني على انتصاراته ونجاحه ويتقدم باستمرار؟ قالوا لي إن كل مرحلة من مراحل الحرب بحاجة إلى تخطيط مختلف من ناحية القوات والسلاح، مع ضرورة تأمين الأرض التي تم تحريرها، وهذا بحاجة إلى زمن وتدبير الاحتياجات المتجددة، بالإضافة إلى أهمية العمل الاستخباري الممنهج لتأمين تحركات الوحدات نحو الوثبة القادمة.
7
المرتكز السابع والأخير يتعلق بالعمل السياسي والمجتمعي. ويمكن تسجيل ثلاث ملاحظات:
الأولى: تتعلق بحشد الشعب وتعبئته لمواصلة دعمه للجيش، وهو ما فعله الاستنفار العام الذي وفر للجيش دعمًا بقوات المشاة، فأصبحت أعداد المستنفرين والمتطوعين والمجاهدين بالآلاف. ساهم ذلك في تأمين كثير من المدن التي كان التمرد يهددها، إضافة إلى مشاركة مجموعات كبيرة من المستنفرين مع الجيش في الخطوط الأمامية للقتال، مما أدى أيضًا لجعل الشعب أكثر انفعالًا وتفاعلًا مع المعارك التي يخوضها الجيش في كافة مسارح العمليات.
الثانية: أن الجيش نجح في إنهاء حالة الحياد التي كانت تتخذها الحركات المسلحة في بداية الحرب، وانضمت للقتال إلى جانبه، وهو الشيء الذي أحدث فرقًا في ميزان القوى، وخاصة في مدن غرب دارفور ومحور الصحراء.
الثالثة: نجاح الجيش في اتخاذ تكتيك “فاوض وقاتل”. وضع الجيش تلك الاستراتيجية منذ الأسبوع الثالث للحرب حين وافق على الذهاب لمنبر جدة و بعد الالتزامات التي أقرها إعلان جدة، ظل الجيش متمسكًا بما جاء في الإعلان وضرورة تنفيذ التزاماته قبل الدخول في أي مفاوضات أخرى، وظل في نفس الوقت يقاتل ويمضي في تنفيذ استراتيجيته العسكرية التي وضعها منذ اليوم الأول، والتي تقضي بدحر التمرد نهائيًا.
8
من خلال تتبعي لتفاصيل ما دار ويدور من معارك وتحركات الجيش في كافة مسارح العمليات، بدا لي أن أدون ما كتبت في الحلقات الثلاث من هذا المقال. هي ملاحظات وقراءة وتتبع من موقعي كصحفي ليس لديه خبرات واسعة بالخطط العسكرية والاستراتيجيات. أرجو أن تثير هذه الملاحظات الإخوة العسكريين، ليبدأوا في الكتابة عن معركة الكرامة بصورة أكثر عمقًا ومعرفة، لتتضح صورة واحدة من أهم المعارك التي خاضها الجيش السوداني في تاريخه بل في تاريخ الأمة كلها.
إنها معركة تستحق أن تُكتب فيها المجلدات التي تدون فيها الأفكار والخطط والعمليات التي نفذت في معركة الكرامة ، مما يمكن الأجيال القادمة من معرفة كيفية صمود القوات المسلحة وانتصارها النهائي المأمول، ولتصبح شاهدة على التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوداني في سبيل دحر الغزاة المرتزقة، وفي مقدمته جيش الوطن.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الطائرات بدون طیار فی حرب المدن إضافة إلى الجیش فی

إقرأ أيضاً:

«أمريكية الشارقة» تحتل المرتبة 272 عالمياً وتسجل أعلى تصنيف لها في «كيو إس»

الشارقة: «الخليج»


حققت الجامعة الأمريكية في الشارقة أعلى تصنيف لها على الإطلاق في تصنيفات «كيو إس» العالمية للجامعات، بعدما قفزت 60 مركزًا لتحتل المرتبة 272 على مستوى العالم لعام 2026 حسب الإصدار الذي أعلن عنه اليوم، والذي يضع الجامعة ضمن أفضل 18 بالمئة من مؤسسات التعليم العالي المصنفة دوليًا، مواصلة بذلك مسارها التصاعدي المستمر منذ عام 2018. جاءت هذه النتائج لتعكس صعود الجامعة في عدد من المؤشرات، أبرزها السمعة الأكاديمية، والسمعة الوظيفية، والاستشهادات العلمية لأعضاء الهيئة التدريسية.


على المستوى العالمي، جاءت الجامعة في المركز الثالث من حيث نسبة أعضاء الهيئة التدريسية الدوليين والرابعة من حيث تنوع الطلبة الدوليين. أما على مستوى دولة الإمارات، فقد تصدّرت الجامعة جميع المؤسسات التعليمية من حيث السمعة التوظيفية لدى أصحاب العمل وتنوّع جنسيات طلبتها، وحلّت في المركز الثاني من حيث نتائج التوظيف. كما حافظت الجامعة على موقعها ضمن أفضل ثلاث جامعات في الدولة وفي نسبة أعضاء هيئتها التدريسية الدوليين، وصعدت في تصنيفات السمعة الأكاديمية لتكون في المرتبة الثالثة لهذا العام.

وقالت الشيخة بدور القاسمي، رئيسة الجامعة الأمريكية في الشارقة: «يمثل هذا الإنجاز تأكيداً إضافياً على الرؤية المشتركة لتطوير الجامعة كمركز عالمي للتميّز الأكاديمي والأبحاث ذات الأثر الفعلي في الحياة الواقعية، والانفتاح الدولي الفاعل. وتُشكّل مسيرتنا المستمرة في النمو خلال السنوات الأخيرة ثمرة الاستثمار المستهدف في كوادرنا البشرية، وتعزيز الشراكات المؤسسية، وتوحيد الغايات والأهداف. وسنواصل نمونا كمؤسسة بحثية متقدمة، تلتزم بتقديم تعليم عالي الجودة، وقادرة على المنافسة في الساحة الدولية، وتعدّ طلبتها للقيام بأدوار قيادية تستند على الذكاء والتميّز والنزاهة في عالم تتزايد تعقيداته وتحدياته».


وفي تعليقه على هذا الإنجاز، قال الدكتور تود لورسن، مدير الجامعة: «إنّ هذا التقدّم هو ثمرة لرؤية مؤسسية واضحة، وقيادة فاعلة، وتفاني أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية والطلبة في تحقيق التميّز الأكاديمي والبحثي».


كما تعكس هذه النتائج حجم الاستثمارات التي خصصتها الجامعة في الفترة الأخيرة لدعم التوظيف الأكاديمي، وتطوير المرافق والبنية التحتية، وتحسين البرامج التعليمية، وتعزيز البحث العلمي والابتكار المؤثر. وكانت الجامعة قد أنشأت خلال العام الماضي ستة مراكز بحثية جديدة، وعززت إمكانياتها في مجال البحث العلمي، مع تركيز واضح على تحقيق أثر فعلي في الحياة الواقعية.


ومن أبرز إنجازاتها البحثية تسجيل براءات اختراع لعلاج موجّه لسرطان الثدي باستخدام جسيمات دهنية صممت لإيصال العلاج مباشرة للخلايا المصابة بالسرطان باستخدام الموجات فوق الصوتية، إلى جانب إنجازات بحثية أخرى مثل تطوير أجهزة رادار صغيرة للطائرات من دون طيار، وإطلاق أول شركة ناشئة من الجامعة تحت اسم «كلايم أكت» لتوفير حلول لتداول الكربون بشفافية باستخدام تقنيات متقدمة.


كما شهدت الجامعة زيادة في عدد برامجها الأكاديمية بنسبة تقارب 33 بالمئة خلال العامين الماضيين، لا سيما في برامج الماجستير والدكتوراه.


وقال الدكتور لورسن:«إن الجامعة مهيأة لمرحلة جديدة من التميّز والريادة على المستوى العالمي بفضل منظومتنا الأكاديمية المتنوعة التي تشمل 33 برنامج بكالوريوس، و48 برنامجًا فرعيًا، و21 برنامج ماجستير، و8 برامج دكتوراه، إلى جانب نخبة مكونة من 354 من أعضاء الهيئة التدريسية، يحمل نحو 92 بالمئة منهم أعلى المؤهلات العلمية، ووجود بيئة طلابية حيوية متعددة الثقافات».

مقالات مشابهة

  • «أمريكية الشارقة» تحتل المرتبة 272 عالمياً وتسجل أعلى تصنيف لها في «كيو إس»
  • علماء يجدون طريقة لاستخراج الفضة باستخدام زيت الطهو
  • والي الشمالية يشيد بدور جهاز المخابرات العامة في معركة الكرامة
  • غموض يلف مصير طيار بعد إسقاط طائرة جنوب غرب إيران
  • اللواء طيار هشام الحلبي: أمريكا تجهز نفسها لضرب إيران
  • اجتماع تنسيقي برعاية الجيش لضمان توزيع عادل لمياه نبع اللبوة
  • باستخدام بكتيريا نافعة.. علماء يبتكرون بطاريات قابلة للذوبان
  • الإعلام الإيراني يتحدث عن صواريخ تطلق لأول مرة ضد إسرائيل
  • آخر كلمات طيار الطائرة الهندية قبل تحطمها
  • الباز لعزة مصطفى: يجب فصل العقل عن العاطفة في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران