نرجسية ترامب والعودة للاستعمار
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
حاتم الطائي
◄ قرارات ترامب تتوافق مع طبيعته النرجسية والشعبوية
◄ "نهج الصفقات" يُهيمن على سياسات ساكن البيت الأبيض
◄ النزعة الاستعمارية لترامب تتجلى في قضية قناة بنما وكندا
لم تكن القرارات التي اتِّخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدقائق الأولى من تولي منصبه في العشرين من يناير، مُفاجئة لنا كمُراقبين ومُحللين للسياسات الأمريكية، ولم نستبعد ذلك الخطاب المليء بالشعبوية وتعمُّد توجيه سهام النقد اللاذع- وربما غير الملائم- لكل من يُخالفه الرأي وخصوصًا الحزب الديمقراطي، وتلميحاته المُباشرة إلى فشل إدارة سلفه جو بايدن أثناء حضوره، كل ذلك كان مُتوقعًا.
ورغم أنَّ الكثير من المُحللين يُصنِّفون ترامب على أنَّه "غير مُتوَقَّع"، إلّا أنه في المقابل مُتوَقَّع تمامًا، ترامب مُتوَقَّع منه أن يُمارس شعبويته التي باتت تُعرف بـ"الترامبية" في كل حديث وكل كلمة، ولا يُخفي ذلك أبدًا؛ بل يتباهى به ويتفاخر. ولا شك أنَّ مثل هذه الصفة تعكس نرجسيةً حادةً في شخصيته الغريبة والبعيدة كُل البُعد عن أي نهج سياسي أمريكي عُرف من قبل. نعم الشعبوية- كخطاب سياسي- ليست جديدة على الساحة السياسة في أمريكا أو العالم، لكنها لم تصل لهذه الدرجة من الفجاجة والوضوح على لسان وتصرفات الرجل الأول في أمريكا، وزعيم أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم! ترامب النرجسي يتملكه شعور عميق بالفوقية على كثير من الفئات، ويعكس هذه النرجسية ويرغب في "نقلها" إلى أتباعه، ليزيد لديهم الشعور بالتفوُّق العرقي. نرجسية ترامب تدفعه دائمًا إلى تنفيذ رغباته المُلحة في الاستحواذ على كل شيء، على الأموال والاستثمارات، والتكنولوجيا والصناعة، والتجارة، وغيرها، الرجل من شدة نرجسيته يُريد كل شيء حرفيًا، حتى إنه يُريد أن "يسترد"- كما يزعم- قناة بنما، فقط لأنَّها تفرض رسومًا مرتفعة على السفن الأمريكية، ويسعى كذلك لـ"ضم" جرينلاند، وجعل كندا الولاية رقم 51. وفي جانب التجارة، يُريد ترامب النرجسي فرض رسوم كبيرة على الواردات من دول مثل الصين والمكسيك وكندا، ليس لزيادة الإيرادات الجمركية وحسب، بل لمُعاقبة هذه الدول على أمور يراها فقط بعينه! أضف إلى ذلك، أنه يشترط لعمل تطبيق "تيك توك" الصيني، أن تؤول ملكية 50% من أسهمه إلى مستثمرين أمريكيين، وبالطبع هو يقصد حليفه أغنى رجل في العالم الملياردير إيلون ماسك.
هذا التفكير النرجسي الاستعماري، يؤكد أنَّ "ترامب 2" نسخة أشد وأعنف من "ترامب 1"، الذي حكم بين عامي 2016 و2020، وتعرض للهزيمة أمام غريمه بايدن، ثم عاد فيما يبدو لكي يُعوِّض ما فاته خلال الفترة التي لم يكن يجلس فيها في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. عاد ترامب إلى السُلطة بعد "الثأر" من بايدن، وإجباره على الانسحاب من السباق الرئاسي، وإلحاق هزيمة نكراء بالديمقراطيين، الذين لم يجدوا سوى كامالا هاريس نائبة الرئيس، لتخوض المنافسة أمام مرشح شرس، عُرف عنه تبني أسلوب فظ في التَّعامل مع منافسيه؛ بل وربما توجيه الكلمات الجارحة والخادشة للحياء.
كل ما سبق يُؤكد أنَّ ترامب لا يكترث بالتداعيات الخطيرة التي قد تحدث نتيجة لأيٍ من سياساته وتوجهاته؛ حيث يمضي مثل قائد مركبة بلا مكابح، يعتمد نهج "الصفقات" المُربحة له فقط، وليس بالضرورة أن تكون مربحة لكافة الأطراف. وتجلى ذلك في "اتفاق غزة"؛ حيث مارس تهديدات غير مسبوقة على الأطراف كلها، بما فيها إسرائيل، التي ظلت تحت حماية ودعم أمريكا في تنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة. لكن ترامب ومن باب ضرورة وقف نزيف الدعم الأمريكي لإسرائيل أمر نتنياهو بالتوقيع على الاتفاق، خاصة وأنه يعتقد أن غزة "مليئة بالأمور الرائعة التي يُمكن تنفيذها"، وهو ما يُعيد إلى الأذهان "صفقة القرن" المزعومة التي بشر بها ترامب في ولايته الأولى، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا، خصوصًا بعد "طوفان الأقصى".
الواضح لدينا أنَّ سياسات ترامب الداخلية والخارجية، لا تنفصل عن شخصيته النرجسية الاستعمارية، ففي الداخل أصدر في اليوم الأول من حكمه قرارات شعبوية تُظهره وكأنَّه يملك سلطات شبه مُطلقة، منها ما يُخالف الدستور الأمريكي نفسه (مثل إلغاء حق الجنسية بالولادة)، ومنها ما يُؤجج مشاعر غضب الأقليات العرقية، مثل قرار إعفائه عن شرطيين أُدينا بقتل شاب أسود. إلى جانب قرارات مُخالفة للأعراف والتقاليد الدبلوماسية الأمريكية مثل الانسحاب من المُنظمات الدولية وإعلان رغبته في احتلال الدول وانتزاع ملكيات دولية مثل قناة بنما وجرينلاند، وكذلك تعاليه على دول أوروبا والشرق الأوسط وطلبه أن يدفعوا له المزيد من الأموال في مُقابل ما يقول إنها حماية أمريكية لهم، بل وصل الأمر إلى مطالبة أعضاء حلف "الناتو" بزيادة إسهاماتهم المالية في الحلف العسكري.
ترامب يريد أن يُحوِّل قيادته لأمريكا مثلما يقود شركة العقارات خاصته، فكما أن هناك "منظمة ترامب" (المجموعة الاستثمارية الأمريكية العملاقة) يبدو أننا سنرى "منظمة أمريكا"، في صورة إبرام اتفاقيات وصفقات تحت سيف التهديد والوعيد، صفقات تخدم طرفًا واحدًا فقط، وهو ترامب الطرف الذي يُظهر قوة؛ بل قوة مفرطة؛ سواء في الحديث أو الفعل أو التفكير. ولذلك نجد ترامب يروج لنفسه على أنَّه شخص "مُلهَم" أو "صاحب رؤية"؛ حتى إنه يزعم أنَّ الله أرسله لهذا العالم لكي يُنقذ البشرية، وأنَّ الله نجاه من الموت أكثر من مرة من أجل أن يحمي أمريكا!
ويبقى القول.. إن العالم اليوم أمام رئيس أمريكي نرجسي، يتعالى على قادة وزعماء العالم، ويتعمد إحراجهم وتوبيخهم على الملأ.. رئيس لا تعنيه المشكلات العالمية، بقدر ما تعنيه انعكاساتها على الداخل الأمريكي، الذي يمثل الأولوية له في كل شيء، ويُريد أن يصنع من نفسه بطلًا قوميًا عظيمًا مثل جورج واشنطن وإبراهام لينكون، وغيرهما، ويسعى لنيل جائزة نوبل في السلام، وربما طباعة صورته على الدولار الأمريكي، وقد استبق ذلك بإصدار عملة رقمية باسمه تحمل صورته وقصة شعره الشهيرة... والحقيقة الآن أنَّ المستقبل كفيل بالكشف عمّا سيواجه العالم خلال السنوات الأربع المُقبلة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
يُبرز اليوم العالمي للنحل الذي يأتي هذا العام تحت شعار "النحل مُلهم من الطبيعة ليغذينا جميعا"، الأدوار الحاسمة التي يلعبها النحل في السلسلة الغذائية للبشرية، وصحة النظم البيئية لكوكب الأرض، بما يشير إلى أن فقدان النحل سيجعل العام يخسر أكثر بكثير من مجرد العسل.
ويواجه النحل وغيره من المُلقّحات تهديدات متزايدة بسبب فقدان موائلها، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وتغير المناخ والتلوث. ويُعرّض تناقص أعدادها إنتاج المحاصيل العالمي للخطر، ويزيد من تكاليفها، ويُفاقم بالتالي انعدام الأمن الغذائي العالمي.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4تراجع أعداد النحل والملقّحات تهدد مصادر الغذاءlist 2 of 4ماذا يحدث للبيئة والبشر إذا اختفى النحل؟list 3 of 4أعجوبة النحلة الطنانةlist 4 of 4دراسة: جزيئات البلاستيك لها أثر مدمر على النحل والملقّحاتend of listوحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) هناك أكثر من 200 ألف نوع من الحيوانات تصنف ضمن المُلقّحات غالبيتها العظمى برية، بما في ذلك الفراشات والطيور والخفافيش وأكثر من 20 ألف نوع من النحل، الذي يعتبر "أعظم الملقحات".
ويعدّ التلقيح أساسيا لأنظمة الأغذية الزراعية، إذ يدعم إنتاج أكثر من 75% من محاصيل العالم، بما في ذلك الفواكه والخضراوات والمكسرات والبذور. بالإضافة إلى زيادة غلة المحاصيل.
كما تُحسّن الملقّحات جودة الغذاء وتنوعه، وتُعزز حماية الملقحات التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية الحيوية، مثل خصوبة التربة، ومكافحة الآفات، وتنظيم الهواء والماء.
حسب بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم الحصول على 90% من إنتاج الغذاء العالمي من 100 نوع نباتي، ويحتاج 70 نوعا منها إلى تلقيح النحل.
إعلانوأظهرت الدراسات أن الحشرات غير النحل لا تُمثل سوى 38% من تلقيح المحاصيل، مقابل أقل من 5% من تلقيح المحاصيل بالنسبة للفراشات، ويسهم تلقيح الطيور بأقل من 5% من الأنواع المزهرة حول العالم و1% للخفافيش.
وتبلغ تكلفة التلقيح الاصطناعي أعلى بـ10% على الأقل من تكلفة خدمات تلقيح النحل، وفي النهاية لا يمكننا تكرار عمل النحل بنفس الجودة أو الكفاءة لتحقيق نفس الإيرادات.
وعلى سبيل المثال، تتراوح تكلفة تلقيح هكتار واحد من بساتين التفاح في الولايات المتحدة ما بين 5 آلاف و7 آلاف دولار ومع وجود ما يقارب 153 ألفا و375 هكتارا من بساتين التفاح في جميع أنحاء البلاد، ستصل التكلفة إلى نحو 880 مليون دولار سنويا، بالنسبة لحقول التفاح فقط.
وعموما، تمثل الملقحات الحشرية ما يقارب 35% من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي، ويتولى نحل العسل 90% من عبء هذا العمل.
يتعرض النحل والملقحات الأخرى فعليا لتهديد متزايد جراء الأنشطة البشرية مثل استخدام مبيدات الآفات، والتلوث البيئي الذي يشمل جزيئات البلاستيك والتلوث الكهرومغناطيسي (ذبذبات أبراج الاتصالات والهواتف المحمولة وخطوط الكهرباء)، والأنواع الغازية لموائله، والتغير المناخي. ورغم أن الصورة البارزة تشير إلى وضع كارثي يتعلق بتعداد النحل العالمي.
لكن تحليل البيانات التي وردت في نشرة منظمة الفاو تظهر أن فكرة انهيار أعداد النحل عالميا ليست دقيقة تماما، لكن مع ذلك يبقى مستقبل أعداد النحل العالمية غير مؤكد تماما.
وتشير البيانات إلى أن أعداد النحل في بعض الدول الآسيوية تشهد تزايدا مطردا، بينما تواجه في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية بشكل عام تحديات كبيرة في العقود الأخيرة، بسبب تدمير الموائل، والتعرض للمبيدات الحشرية، وتغير المناخ، والأمراض، والطفيليات.
إعلانويعود تزايد أعداد النحل في آسيا إلى التنوع الطبيعي في القارة، والمناخ المعتدل، وتقاليد تربية النحل العريقة، وازدهار تربية النحل التجارية، وعلى سبيل المثال عززت الصين، أكبر منتج للعسل في العالم، أعداد نحل العسل لديها بشكل كبير لتلبية الطلب العالمي.
وإذا اعتمدت المناطق التي تواجه تدهورا سياسات أكثر صرامة للحفاظ على النحل وممارسات زراعية مستدامة، فقد تُسهم في استقرار أعداد النحل، بل وتعزيزها، في السنوات القادمة. في الوقت نفسه، يجب على الدول التي تشهد تزايدا في أعداد النحل أن تظلّ متيقظة للتهديدات الناشئة لحماية إنجازاتها.
ويعتمد مستقبل النحل -الذي خصص في 20 مايو/أيار سنويا كيوم عالمي له- على قدرة البشر على التكيف والابتكار وحماية موائله. فبدلا من التركيز فقط على حالات التناقص، ينبغي دراسة ومحاكاة قصص تكاثره وانتعاش موائله في مناطق مختلفة من العالم.
وتُساعد الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة، مثل الزراعة البينية، والزراعة الحراجية، والإدارة المتكاملة للآفات، وحماية الموائل الطبيعية، وتوفير مصدر غذائي ثابت ووفير للنحل في استدامة الملقحات، مما يضمن استقرار توفر المحاصيل وتنوعها، ويُقلل من نقص الغذاء والآثار البيئية.
وتعزز الجهود المدروسة لحماية الملقحات في نهاية المطاف الحفاظ على مكونات أخرى من التنوع البيولوجي، مثل مكافحة الآفات، وخصوبة التربة، وتنظيم الهواء والماء. وإنشاء أنظمة زراعية غذائية مستدامة، يلعب النحل دورا بارزا فيها.