كم مرة جلست مع أصدقائك أو أبنائك وبدأت تتحدث عن فيديو رايته على أحد التطبيقات، وقبل أن تكمل أول جملة قاطعك أحدهم وأكمل لك بقية الفيديو.
إن هذه التطبيقات تحاصرنا بمحتوى قليل منا من ينجو من أن تفرض عليه مواضيع بعينها. ويحس الإنسان أننا ندور في دائرة مغلقة فيها نفس المحتوى.
قليل من يختار بدقة من بين المحتوى المعروض وحتى يبحث عن محتوى يستفيد منه في عمله وحياته بصفة عامة، بل وأصبحت هذه المنصات هي مصدر المعلومات الأول وتكاد تكون المصدر الأوحد للمعلومات للكثيرين.
وأصبح الكثير يتبادل مقاطع متنوعة ابتداء من مقاطع الطبخ إلى العناية بالإطفال وانتهاء بمقاطع تقدم نصائح للعمل والتجارة غير مقاطع الإعلانات الترويجية.
قد يقول البعض إن هذه سمة العصر، ففي السابق كان الناس يعتمدون على الكتب للحصول على المعلومات ثم أصبح التلفزيون والراديو. ونحن الآن في عصر الإنترنت.
نعم لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الأول للمعلومات لقطاع كبير من الناس. وكثير من الشباب والأطفال من يقضي الساعات وهو يتنقل بين مقاطع الفيديو دون أحساس بالزمن. وأصبح مدمنًا على التنقل بين المنصات المختلفة، وبالتالي يصبح الوقت الذي يمضيه الإنسان أمام هذه الشاشات أهم من الأنشطه الأخرى مثل الرياضة أو القراءة أو حتى قضاء الوقت مع الأهل والأصدقاء. بل ولا ينتهي يوم أحدهم إلا والجوال في يديه وقد ينام والمقاطع مستمرة على جواله ويظن الآخرون أنه لايزال مستيقظ.
قد يلجأ البعض إلى هذه المنصات ليخفف ضغوط العمل والحياة وتكون وسيلة للهروب من المشاكل. ولكن بعض الدراسات وجدت أن مخ الإنسان يوحي للشخص بأن هذه الفترات هي فترات تزداد فيها السعادة ولذلك تدفعه للبحث عن المزيد، وهنا يبدأ الإدمان، الذي يظهر بوضوح لو قطعت خدمة الإنترنت لسبب أو لآخر. عندها تجد ثورة عارمة لا تهدأ إلا إذا عادت خدمة الإنترنت.
ومن مشاكل منصات التواصل الاجتماعي أن الإنسان يجد نفسه منساقًا للتقليد واتباع أحدث ظواهر المؤثرين ويخاف أن يوصف بأنه متأخرًا عن باقي أقرانه، فمن قصات الشعر الغريبة إلى البنطلونات الممزقة أو التحديات التى تنتشر بين الناس كل فترة.
ومن الغرائب أن وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت كوسيلة للتواصل بين الأصدقاء والأهل أصبحت سبباً للتباعد بين الناس، فكم من عائلة تجتمع في مكان واحد ولكن كل فرد مشغول بشاشة الهاتف. وقد يسود الصمت لفترة طويلة لا يقطعها إلا تعليق أحدهم على المقطع الذي يتابعه.
مع الأسف، فإن هذه الوسائل تدفع الإنسان إلى العيش في عالم افتراضي بدلًا من أن يعيش الحياة الحقيقية. أما بالنسبة للأطفال فالوضع أخطر، فهي تحرمهم من الأنشطة الجماعية والبدنية وتدفعهم للعزلة كما أنها تؤثر على صحة الأطفال حسب آخر الأبحاث العالمية. ولذلك نجد أنهم في الغرب يمنعون أبنائهم من استخدام الأجهزة المحمولة أغلب الأوقات. هذا غير المحتوي الذي يحس معه الإنسان أنه مراقب من قبل هذه الشاشات، فهو ما أن يتحدث عن أي سلعة مثل سيارة أو هاتف إلا ويجد جميع المقاطع التى تروج للسيارات والهواتف تعرض عليه.
ولا أنسى أني كنت أتحدث يوماً مع أبنائي حول موضوع القروض السكنية، وما أن فتحت جوالي إلا وجدت إعلانات عن جهات توفر قروضًا لامتلاك السكن.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
ماليزيا تتجه لفرض حظر على حسابات التواصل الاجتماعي لمن دون 16 عامًا
في خطوة جديدة تعكس تصاعد القلق العالمي من تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على النشء، أعلنت الحكومة الماليزية عن خطتها لفرض حظر على امتلاك أو تشغيل حسابات عبر منصات التواصل الاجتماعي لأي شخص يقل عمره عن 16 عامًا، بداية من عام 2026.
القرار، الذي وافق عليه مجلس الوزراء الماليزي الأحد الماضي، يأتي ليضع ماليزيا ضمن الدول التي تتخذ إجراءات صارمة لضبط استخدام التكنولوجيا بين المراهقين والأطفال، وسط حديث عالمي مكثف عن اضطرابات النوم، وتراجع الصحة النفسية، وضغوط العلاقات الرقمية التي يعيشها الجيل الأصغر.
ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس، فقد أكد وزير الاتصالات الماليزي فهمي فاضل أن الهدف من هذا القرار ليس التضييق على الشباب، وإنما ضمان بيئة رقمية آمنة ومتوازنة.
وقال في تصريحاته: إذا قامت الحكومة والهيئات التنظيمية وأولياء الأمور بدورهم، يُمكننا أن نجعل الإنترنت في ماليزيا ليس فقط سريعًا وواسع الانتشار وبأسعار معقولة، بل أيضًا آمنًا، خصوصًا للأطفال والعائلات. ويعكس هذا التصريح اتجاهًا رسميًا لإعادة صياغة العلاقة بين الأطفال والعالم الرقمي، ليس بمنعهم تمامًا، بل بإحاطة تجربتهم بمتطلبات تحقق الهوية وإجراءات السلامة.
وتُلزم ماليزيا بالفعل منصات التواصل الاجتماعي والمراسلة التي تمتلك أكثر من ثمانية ملايين مستخدم في البلاد بالحصول على تراخيص تشغيل رسمية، بجانب فرض إجراءات تحقق من العمر وخطوات تهدف لحماية المستخدمين.
ويبدو أن القانون الجديد سيُضاف إلى هذه المنظومة التنظيمية ليمنح الحكومة صلاحيات أوسع في ضبط دخول الفئات الأصغر سنًا إلى هذه المنصات التي باتت جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية.
وتستند الحكومة الماليزية في خطوتها إلى تجارب دول أخرى سبقتها، وعلى رأسها أستراليا التي تستعد لتطبيق أول حظر شامل في العالم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون 16 عامًا، اعتبارًا من 10 ديسمبر المقبل.
وبموجب القانون الأسترالي، ستكون شركات التواصل الاجتماعي مطالبة بتنفيذ عملية تحقق صارمة من أعمار المستخدمين، وإلا ستواجه غرامات قد تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي، أي ما يعادل 32 مليون دولار أمريكي، وتشمل هذه الإجراءات منصات شهيرة مثل إكس، فيسبوك، تيك توك، سناب شات، ريديت، يوتيوب، وتويتش، ما يعكس حجم التأثير المتوقع للحظر.
الدنمارك أيضًا أعلنت مؤخرًا خطوات مماثلة لحظر دخول من هم دون 15 عامًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وبررت وزارة الرقمنة هناك القرار بتأثير هذه التطبيقات على الصحة العامة للطلاب، مؤكدة أن الأطفال والشباب يعانون من اضطرابات النوم وفقدان الهدوء والتركيز بسبب الوجود المستمر داخل فضاءات رقمية لا تُراقَب دائمًا من قبل البالغين.
وفي الولايات المتحدة، تباينت السياسات من ولاية لأخرى، حيث تبنت ولايات مثل يوتا تشريعات تُلزم المراهقين بالحصول على موافقة أولياء الأمور قبل إنشاء أي حساب على مواقع التواصل.
وفي الوقت نفسه، لم تنجح ولاية تكساس في تمرير قانون كان سيحظر المنصات على من هم دون 18 عامًا، بينما مررّت ولاية فلوريدا قانونًا يمنع من هم دون 14 عامًا من استخدام المنصات ويتطلب موافقة لمن هم دون 16 عامًا، لكنه لا يزال مُعلّقًا في المحاكم.
هذه التحولات العالمية تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل التكنولوجيا في حياة الجيل الجديد. فبينما يرى البعض أن هذه القوانين ضرورة لحماية الصحة النفسية للأطفال، يرى آخرون أنها قد تُحد من حرية التعبير والانفتاح الرقمي، لكن ما هو واضح حتى الآن أن دولًا عديدة بدأت تعيد رسم الحدود الرقمية، في محاولة لإنشاء بيئة رقمية صحية تُقلل من المخاطر المتزايدة التي أثبتتها الدراسات على مدى السنوات الأخيرة.
ومع توسع هذه السياسات في آسيا وأوروبا وأمريكا، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من تنظيم المنصات الرقمية، حيث يصبح العمر ومعايير التحقق جزءًا أساسيًا من أمن الفضاء الإلكتروني. ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الإجراءات في حماية الأطفال دون أن تفصلهم عن التكنولوجيا بشكل كامل؟ المستقبل القريب وحده سيجيب.