في خطوة تحمل دلالات سياسية كبيرة، وصل الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى العاصمة السعودية الرياض، في أول زيارة رسمية له خارج سوريا منذ توليه رئاسة المرحلة الانتقالية. وقد استقبله في مطار الملك خالد الدولي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة الرياض، في استقبال رسمي يعكس أهمية هذه الزيارة بالنسبة للبلدين.

تأتي هذه الزيارة في سياق التغيرات العميقة التي تشهدها الساحة السورية بعد قرارات الشرع الجذرية بحل مؤسسات الدولة القديمة، بما في ذلك مجلس الشعب، والفصائل المسلحة، والأجهزة الأمنية، وحتى حزب البعث الذي هيمن على الحياة السياسية السورية لأكثر من خمسة عقود.

مباحثات استراتيجية: ملفات ثنائية وإقليمية على الطاولة


من المقرر أن يلتقي الرئيس السوري بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبحث العلاقات الثنائية بين سوريا والسعودية، ومناقشة سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. كما ستتناول المحادثات آخر مستجدات الأوضاع في المنطقة، لا سيما في ظل التحديات الإقليمية مثل الأزمة الفلسطينية، واستمرار التوترات في البحر الأحمر، وتأثيرات التحولات الجيوسياسية على الأمن العربي.

سوريا الجديدة: تغييرات سياسية جذرية في الداخل


تُعد زيارة الشرع إلى السعودية امتدادًا لتحركاته السياسية الداخلية التي أعادت رسم المشهد السوري. فبعد تعيينه رئيسًا للمرحلة الانتقالية، أصدر قرارات حاسمة شملت:

حل مجلس الشعب الذي كان جزءًا من النظام السياسي القديم.
تفكيك الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية لضمان استقرار البلاد.
حل حزب البعث، مما أنهى عقودًا من السيطرة الحزبية على مفاصل الدولة.
تعليق العمل بالدستور القديم انتظارًا لإعلان دستوري جديد، سيكون بمثابة الأساس القانوني للمرحلة الانتقالية في سوريا.
هذه الخطوات تعكس رغبة واضحة في بناء دولة مدنية حديثة تقوم على الشفافية والمساءلة السياسية، وهو ما يجعل من زيارة الرياض نقطة تحول في العلاقات السورية مع العالم العربي.

 ةتوقعات حول مستقبل العلاقات السورية السعودية


تعزيز التعاون السياسي والأمني:
من المتوقع أن تشهد العلاقات السورية السعودية تعاونًا أمنيًا مكثفًا لمواجهة التحديات الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، مع تبادل المعلومات الاستخباراتية لتعزيز الاستقرار في المنطقة.

شراكات اقتصادية واستثمارية:
ستفتح هذه الزيارة الباب أمام استثمارات سعودية في سوريا، خاصة في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، مما يسهم في تنشيط الاقتصاد السوري المتعثر بعد سنوات من الصراع.

دور سعودي في إعادة سوريا للجامعة العربية:
قد تلعب المملكة دورًا محوريًا في دعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية بشكل كامل، وهو ما سيمثل إعادة دمج سوريا في محيطها العربي واستعادة دورها الإقليمي.

تطور تدريجي للعلاقات الدبلوماسية:
مع مرور الوقت، يمكن أن نشهد تطبيعًا كاملًا للعلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، بما في ذلك إعادة فتح السفارات وتبادل السفراء، مما يعزز التواصل المباشر بين البلدين على مختلف المستويات.


 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: أحمد الشرع السعودية سوريا محمد بن سلمان العلاقات السورية السعودية المرحلة الانتقالية في سوريا إعادة الإعمار الجامعة العربية حزب البعث التعاون الاقتصادي الأمن الإقليمي العلاقات السوریة

إقرأ أيضاً:

كاتب أمريكي يرصد أوجه الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول الملف السوري

سلّط الكاتب والصحفي الأمريكي، روبرت وورث، الضوء على التحولات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط عقب سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، مشيرا إلى خلاف آخذٍ في الاتساع بين الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي بشأن مستقبل سوريا ودور الرئيس الجديد أحمد الشرع.

وفي حوار مع فريد زكريا، المذيع في شبكة "سي إن إن"، أشار وورث، المساهم في مجلة "ذا أتلانتيك"، إلى أن سوريا لا تزال بلدًا منكوبًا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، تخللته عقود من الحكم الاستبدادي والعقوبات الدولية. 

وقال: "سوريا لا تزال في حالة صدمة شديدة، لا سيما بعد انهيار ديكتاتورية الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي"، موضحا أن الأغلبية السنية تشعر اليوم بشيء من التحرر، بعد أن كانت لعقود ضحية لحكم أقلية علوية.

غير أن البلاد، وفق وورث، لا تزال تئن تحت وطأة الانقسام والدمار، وسط قلق بالغ يخيّم على الأقليات مثل العلويين والمسيحيين والدروز، في ظل غياب الاستقرار المؤسسي.

As the US backs Syria’s new president, Israel bombed Damascus last week. I spoke with @TheAtlantic’s @robertfworth about the shifting alliances shaping the Middle East in a post-Assad world. pic.twitter.com/1ZVfoGwDct — Fareed Zakaria (@FareedZakaria) July 27, 2025
واشنطن تتبنى "الشرع".. وتحول في موقف ترامب
وعن الموقف الأمريكي من سوريا الجديدة، أوضح وورث أن إدارة الرئيس دونالد ترامب – في ولايته الثانية – كانت في البداية تميل إلى تجنب الانخراط في الشأن السوري، واعتبرت البلاد "ساحة خطرة لا تحتمل التدخل". غير أن زيارة ترامب إلى الخليج في أيار/مايو الماضي غيّرت هذا الموقف جذريا، بعد لقاءات مع قادة خليجيين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحسب وورث، فقد دفعت هذه الأطراف باتجاه دعم حكومة مركزية قوية في دمشق، والتخلي عن سيناريو التقسيم، محذّرة من السماح للأقليات المسلحة بالتحول إلى نموذج يحتذى به، في ظل مخاوف خليجية وتركية من انتقال عدوى التمرد إلى الداخل.

وتابع وورث: "طرح القادة الخليجيون على ترامب فكرة احتضان أحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا، وقد وافق ترامب والتقى به في الرياض، بل وأبدى إعجابه بشخصيته القوية والجذابة"، مشيرًا إلى أن ترامب لمح بشكل غير مباشر إلى أن ماضي الشرع الجهادي قد يكون دافعًا لقوته الحالية.

الاحتلال: لا ثقة بـ"الشرع" رغم العداء المشترك لإيران
في المقابل، اعتبر وورث أن الموقف الإسرائيلي يختلف جوهريا عن الموقف الأمريكي والعربي، حيث تنظر تل أبيب بعين الريبة إلى الشرع، رغم الترحيب بسقوط الأسد باعتباره حليفًا استراتيجيًا لإيران.

وقال: "الإسرائيليون يرون في الشرع شخصية لا يمكن الوثوق بها. ورغم طرده لإيران من سوريا بعد توليه السلطة، فإن تاريخه الجهادي يثير مخاوف حقيقية لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب"، مضيفًا أن الاحتلال الإسرائيلي تبنى منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي نهجا أحاديا يقوم على توجيه ضربات استباقية داخل الأراضي السورية، تستهدف مخازن الأسلحة وأي أهداف تُعتبر تهديدًا لأمنها.

وأوضح وورث أن الاحتلال تاريخيًا، كان يرى أن أمنه يتعزز حين يكون جيرانه العرب ضعفاء ومفتتين، وهو ما ينعكس في سلوكها الحالي تجاه سوريا.


"الشرع" يربك الاحتلال.. وتركيا تتهيأ 
ورأى وورث أن ظهور أحمد الشرع على رأس السلطة في دمشق أضاف عنصرا مربكا في الحسابات الإسرائيلية، خاصة في ظل خلفيته "الإسلامية-الجهادية" التي تثير القلق، رغم مؤشرات براغماتية أظهرها خلال السنوات التي قاد فيها محافظة إدلب.

وأوضح أن الشرع، خلال قيادته لإدلب، خفف من حدة الفوضى، وفرض سلطته على الجماعات المسلحة، وبدأ بتشكيل نواة جيش وطني، مما جعله شخصية أكثر براغماتية وانفتاحًا. 

وأردف: "من اللافت أنه، خلافًا للأيديولوجيات السائدة في فصائل المعارضة السورية، لم يظهر عداءً صريحًا تجاه إسرائيل، بل ألمح إلى استعداده للحوار".

أما تركيا، فيرى وورث أنها بدأت تُدرك أن لحظتها قد حانت للعب دور محوري في سوريا الجديدة، بعد سنوات من رعاية الفصائل السورية المعارضة، خاصة في إدلب. 

وقال: "أنقرة كانت الداعم الرئيسي للشرع في الشمال الغربي من سوريا، وقدمت له كل ما يلزم من دعم لوجستي واستخباراتي".

واختتم فريد زكريا حواره بالقول إن ما يجري في سوريا يشير إلى تحوّل في موازين القوى الإقليمية، حيث يتبنى الاحتلال الإسرائيلي نهجًا أحاديًا ومتشدّدًا يفتقر إلى أي مرونة دبلوماسية، مقابل سعي الدول العربية وتركيا إلى إعادة تشكيل النظام السوري على أسس أكثر استقرارًا وانفتاحًا.

أما روبرت وورث، فأكد أن المنطقة تمر بمرحلة تشهد ديناميكيات جديدة، تتبلور فيها خلافات غير مسبوقة بين الاحتلال من جهة، ودول الخليج وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. 
وأضاف: "سوريا اليوم ليست فقط ساحة إعادة إعمار، بل أيضًا ساحة إعادة تموضع استراتيجي ستؤثر في الشرق الأوسط بأسره".


مقالات مشابهة

  • هيئة الاستثمار السورية تبحث مع شركات التطوير العقاري سبل تعزيز دورها في مرحلة إعادة الإعمار
  • السفارة السورية تفتح أبوابها قريبا في طرابلس
  • قراءات في تعديل النظام الانتخابي لمجلس الشعب السوري
  • حمزة: دورة هذا العام تأتي بعنوان وطني خاص، فهي أول دورة تقام بعد تحرير دمشق من النظام البائد، وبرعاية كريمة من فخامة الرئيس أحمد الشرع ما يمنحها رمزية سياسية واقتصادية كبرى
  • أول دولة أوروبية تصدر مذكرة توقيف دولية جديدة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
  • كاتب أمريكي يرصد أوجه الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول الملف السوري
  • سوريا تحدد موعد أول انتخابات برلمانية بعد التغيير.. الشرع يُقصي داعمي التقسيم
  • رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد طه الأحمد لـ سانا: تم خلال اللقاء مع السيد الرئيس أحمد الشرع أمس، إطلاعه على أهم التعديلات التي أُقرت على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، بعد الجولات واللقاءات التي قامت بها اللجنة مع شرائح المجتمع السوري
  • كيف يعيد النظام السوري تشكيل الاقتصاد؟.. صلاحيات غير رسمية لشقيق الشرع
  • استشاري: وضع التوأم السوري «سيلين وإيلين» مستقر بعد انتهاء مرحلة بداية التخدير