شيء ما يعكّر صفو الحياة
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
مرفت بنت عبدالعزيز العريمية
"الأسوأ لم يأتِ بعد".. هذا العنوان يتكرر كثيرًا ويردّده المشاهير والمثقفون والعلماء، ولا نعلم مدى دقة الأمر وماذا علينا أن نفعل هل ننتظر الأسوأ مستسلمين له؟ أم نقاوم ونتفاءل غير آبهين بما سيأتي متناسين ما سيحدث؟ هل نحن متشائمون بالفطرة؟ أم متفائلون؟
لكن الحياة أخذتنا إلى طريق التشاؤم والتطيّر والخوف من المستقبل.
يربط البعض من الناس بين الشعور بالتشاؤم وبين ضبابية المستقبل ويقال بأن كلما زاد الوعي بالواقع زاد اليأس والتشاؤم. هذه المقولة ذكرتني بمقولة كانت أمي- رحمة الله عليها- ترددها لنا بأن الجاهل بالشيء يكون في أمان وسلام، ويتجاوز المشكلات بيسر عكس العالم بكل شيء، فعمره أقصر من كثرة المعرفة والهموم.
من الأمور المثيرة أن يتساوى العالم والجاهل في مسألة الركض وراء المتنبئين لمعرفة الطالع واختيار الشريك المناسب والوقت المناسب للسفر أو العمل أو الاستثمار حتى أن الأسماء نالها من الأمر جانب؛ فالبعض يتشاءم من بعض الأسماء ويعتبرها مصدر شؤم، خصوصًا وإن ارتبطت في أذهانهم بشخصيات شريرة أو سيئة الطباع فيتفادونها ويتوجسون من كل من يحمل نفس الاسم.
البعض يتطير من بعض الحيوانات كالغراب والبومة والقط الأسود والآخر يتطير من الرقم ثلاثة عشر أو ما يسمى بديكترفوبيا، وإن تعدّدت أسباب التشاؤم؛ فهي تدل على مستوى وعي مبالغ فيه. ومع ذلك يعد المتشائم إنسانا واقعيا إلى حد كبير وهو أفضل من المتفائل بأحلام وردية ويتوقع أن المشكلات قد تحل من تلقاء نفسها أو مع مرور الوقت فيترك المشكلة تتكون ككرة الثلج وتتدحرج حتى تتحول إلى كرة كبيرة تزيل كل ما أمامها.
المتشائم الواقعي يرسم سيناريوهات متوقعة وإن كانت سلبية، لكنها تساعده على تفادي المشكلة على الأقل، أما المتفائل الوردي فهو يعلم أن المشكلة ستقع لكنه يظن أن هناك فارسا مغوارا ومنقذا سيأتي حتمًا لإسعافه في الوقت المناسب، والتراث الإنساني غني بالمنقذين الذين ينقذون العالم عند انتشار الفساد؛ فالقصص والروايات والكتب التاريخية جاءت لنا بالأبطال المحاربين للشر، وهي رؤية تعكس منظور المتفائل الذي يؤمن بانتصار الخير على الشر على اعتبار أن الخير هو الأساس والشر حالة استثنائية.
بنفس المفهوم يرى المتفائلون أن الخير والسلام هو الأساس وأن التشاؤم والتطير استثناء. ومنذ أن أصبح العالم قرية متواصلة صغيرة، ونحن لم نعد نشعر بسلام وأمان، حتى إن حاولنا ذلك يكفي فقط أن تطلع على قناة إخبارية أو منصة في التواصل أو رسالة "واتس آب" حتى تدرك أن العالم قد أصبح مكانًا مخيفًا بل مخيف جدًا لك ولأحبائك، ولا يجدر بنا الخروج أو التواصل ولا أن نثق في أي شيء نأكله أو نشربه أو نتنفسه فهناك حتما شيء في الماء أو الهواء أو الطعام!! فبعد أن كان أصحاب نظرية المؤامرة على البشرية فئات محدودة متهمة بالتشاؤم، أصبحنا من كثرة ما يصلنا من معلومات نشكك في أننا سنكون بخير. فهل نحن بحاجة إلى التواصل مع العالم؟ أم أن علينا التوقف عن التواصل والتقوقع على الذات والبحث عن نمط حياة منعزل عن المجتمعات والتكنولوجيا في بيئات بعيدة جدًا عن التطور وأقرب إلى حياة الإنسان الأول؟
أدرك سكان الغابات والبراري أن كل الكائنات غير الإنسان يمكنك أن تتعايش معها إن صنعت حدودا واحترمت وجودهم. أما الإنسان وبعقله الصغير فلا حدود لمحاولاته تغيير الكون ونواميسه حتى يرضي غروره.
من أسوأ ما قام به الإنسان استثمار العلم في تدمير الكون والبشرية والمخاطرة بإنهاء الحياة على وجه الأرض، سلوك عنيف وبشع لكائن يجهل تبعات أفكاره. اختلفت الأزمنة والأماكن، إلّا أن الأفكار الشريرة ما زالت تجوب في فضاءات العلم ولا أعلم كيف لهذا المخلوق أن يكون أنانيا لدرجة أنه يدمر كل شيء وراءه، وأن يتبع سياسة الأرض المحترقة لا على أعدائه فقط بل حتى على أحبائه حتى يرى نتائج أفكاره!
في السابق، وقبل نشأة المؤسسات الدولية والتكتلات الاقتصادية والسياسية بين الدول، كان الناس يعانون من وطأة الاستبداد والمراقبة حتى بات الفرد يعيش في قلق وخوف من المراقبة، واليوم ومع الانفتاح الحضاري وارتفاع سقف الحريات ما زال الفرد يعيش في قلق ومراقبة، لكن هذه المرة فإن من يراقبه مؤسسات تبيع معلوماته التي يجمعونها أول ما يتصل على شبكة الإنترنت لمن يدفع من شركات. فالعلم الحديث لم يستطع أن ينتشلنا من التشاؤم؛ بل وسّع من دائرة الخوف من المستقبل وما يخبئ لنا الغد.
اليوم نسمع أن هناك أوبئة قادمة ومجاعات وحروب وكوارث طبيعية لا عين رأتها ولا أذن سمعت عنها من قبل، ومن جهة أخرى تأتينا أخبار عن العنف الأسري والتلذذ بتعذيب الضحية من قبل أفراد الأسرة، مستوى غير مسبوق من القسوة والقهر نعيشه في العصر الحالي. في السابق كان يُعتقد أن العنف أسبابه مادية، أما اليوم فنرى أن العنف موجود حتى عند الميسورين ماديًا والمتعلمين والمثقفين ولا ندري كيف يصبح الإنسان قاسيًا مع أحبائه لدرجة أن يستبيح دماءهم دون أدنى إحساس بالذنب. فهل هناك شيء ما في الهواء؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان الجنوبية
لمهرجان "عامل" في بلدة كفررمان قضاء النبطية طعم مختلف هذا العام، فهو يأتي بعد حرب إسرائيلية قاسية على لبنان، إذ نالت البلدة حصة كبيرة من الاعتداءات الإسرائيلية، وقد دمرت الغارات عدة مبان سكنية، وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى.
وقد اختارت كشافة التربية الوطنية -الجهة المنظمة لهذا المهرجان- اسم "عامل" لأمرين، الأول تحية للعمال في عيدهم، وأما الثاني فتيمّنًا بجبل عامل، وهو المنطقة الجنوبية من لبنان.
سوق بأكشاك متنوعةالمهرجان عبارة عن سوق شعبي وتراثي أقيم في ملعب مدرسة كفررمان الرسمية، حيث ضم أكشاكا متنوعة، قدمت الأكل التراثي، وكذلك المنتوجات المصنوعة محليا وكل ما له علاقة بثقافة وتاريخ لبنان والجنوب اللبناني.
إليان العزة وقفت داخل كشكها المخصص لبيع الأواني الفخارية، فقد اشتهر لبنان بصناعة الفخار منذ زمن بعيد، إلا أنه تراجع بفعل الصناعات المعدنية، ومن خلال هذا الكشك تبيع إليان أواني فخارية متنوعة، وتشير -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن الطهي بالفخار صحي أكثر من الطهي بالأواني المعدنية، موضحة أن عرض المصنوعات الفخارية يهدف لتشجيع الناس على العودة إلى استعمالها حفاظا على صحتهم.
وعن المهرجان تقول إليان العزة:
"أحببنا أن نغير النشاط التقليدي المعتاد الذي يدعم العمال في كل عام، وقررنا أن ننظم فعالية جميلة نرسم فيها البسمة على وجوه الجميع ومنهم الأطفال، وأن نحسن من مزاجية الناس بعد الحرب، ولهذا اخترنا السوق الشعبي والتراثي الذي لاقى استحسانا كبيرا من الناس".
نور غزال المختصة بصناعة الشوكولاتة منزليا، حضرت مع منتجاتها إلى السوق، وتتحدث للجزيرة نت عن عملها قائلة "أقوم بكل شيء في المنزل، من صناعة الشوكولاتة البلجيكية الخالية من السكر، إلى تحضير التيراميسو والتشيز كيك والليزي كيك، وكل أنواع الحلويات للمناسبات والأعراس".
إعلانومشاركة غزال في هذا المهرجان ليست للربح المادي المباشر فقط، وإنما للترويج لمنتجاتها وتعريف الناس بطبيعة هذه المنتجات من خلال التواصل مع شرائح جديدة من المجتمع تحضر إلى السوق، حسب تعبيرها.
بدورها، تعمل فرح حسونة في مجال الأشغال اليديوية من أساور وزينة، تنوه بهذا المهرجان وبمشاركة الناس الكبيرة فيه، وتؤكد للجزيرة نت أن الناس بحاجة إلى هذه المساحة من الفرح بعد كل الضغوط التي مروا بها خلال العامين الماضيين.
أفراح أبو زيد تملك متجرا لبيع مستلزمات الصناعات اليدوية وقد حضرت إلى السوق لتعرض هذه المستلزمات وتعرف الناس على تجارتها، وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن المهرجان مميز، خاصة أنه يحمل كل التحايا للعمال الذين يكدّون ويتعبون للاستمرار في هذه الحياة الصعبة، وتلفت أفراح إلى أن أهمية هذا النشاط هو إعادة الحياة إلى المنطقة بعد الحرب القاسية، وبعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي سبقتها، وتقول "حبنا لكفررمان وللجنوب وصمودنا هو ما دفعنا للاستمرار، واليوم نعيد الحياة إليها من جديد رغم كل ما حصل".
وتقف فاطمة صمادي إلى جانب ابنتها التي تخبز "المناقيش" على فرن الصاج، وتتحدث للجزيرة نت عن الصاج الذي ارتبط بتاريخ المنطقة، حيث كان موجودا في كل بيت، وكانت ربة المنزل تخبز عليه الخبز اليومي والمناقيش، إلا أن استخدامه بدأ ينحسر مع التطور الذي طرأ على الحياة، وتؤكد على ضرورة العودة للجذور والتمسك بالأرض والبيوت والحياة التقليدية.
حشود كبيرة من البلدة وخارجها حضرت منذ اللحظات الأولى لافتتاح السوق ومن جميع الفئات العمرية، ومن ضمن فعاليات السوق الشعبي والتراثي جناح خاص بالأطفال، حيث رسموا ولعبوا وغنوا بإشراف المنظمين.
إعلانعلي شعشوع من بلدة كفررمان حضر مع أسرته ليشاهد الفعاليات، ويؤكد على ضرورتها في التخفيف عن جميع أفراد المجتمع الذين عانوا ما عانوه خلال الحرب. وخلال حديثه للجزيرة نت، يشدد شعشوع على ضرورة أن كل النشاطات التي تقام للأطفال، لأنهم عاشوا ذكريات سيئة خلال الحرب، ويجب أن ينسوها بمثل هذه النشاطات المتنوعة، معربا عن أمنيته بأن يعود الجنوب أفضل مما كان عليه قبل الحرب.
أما كمال حمزة فيصف الجو بالرائع، ويقول في حديثه للجزيرة نت:
"عادت الحياة إلى قريتنا كفررمان وعاد النبض إلى الجنوب بعد كل ما مررنا به من قصف ودمار وتهجير، ولا شك في أن الخراب كبير، لكن الناس لم تمت، بل بقيت على قيد الحياة، وهذا دليل على تمسكهم بأرضهم، والذين ينظمون هذا النشاط هم أولادنا، وهم الذين سيواصلون الحياة بكل أشكالها".
من مدينة بعلبك شمالي شرقي لبنان، حضر شوقي فارس مع أسرته إلى بلدة كفررمان، الذي أكد أن قدومهم رسالة تشجيع للقيمين على المهرجان وإحياء لبلدة كفررمان بعد كل ما تعرضت له من تدمير خلال الحرب، ويقول للجزيرة نت "الكل مسرور هنا، الأطفال والكبار، وأهم ما في الأمر أن الناس متمسكة بأرضها كما أشجار الزيتون، وهذا يدل على أن هذه الأرض فيها شعب حي يعود للنهوض من جديد، فحين تنظر من حولك ترى الفرحة تكبر أكثر فأكثر، وإن شاء الله ستعود هذه المنطقة للحياة ويصبح كل شيء أفضل".
سالي حرب أتت من عكار شمالي لبنان، المحافظة التي استقبلت مئات العائلات الجنوبية النازحة بسبب الحرب الإسرائيلية، وكانت سالي على تماس معهم وبنت معهم أفضل العلاقات، واليوم أتت لتقف على حالهم في هذا النشاط المميز حسب تعبيرها.
تقول سالي في حديثها للجزيرة نت:
"عكار بطبيعتها منطقة مضيافة وكريمة، وقد احتضنت أهل الجنوب خلال الأزمة، رغم أن لا شيء يعوضهم عما مروا به من ضغوط وفقد، لكننا حاولنا أن نقف إلى جانبهم، وأقول لأهل الجنوب شكرا لأنكم رغم المسافة جعلتم منّا شعبا واحدا، وكما جئتم إلينا في وقتكم الصعب، اليوم نأتي إليكم في وقتكم الجميل، وبصراحة الإيجابية كبيرة، لأن الناس رغم كل ما عانوه، ما زالوا يحبون الحياة ومتمسكين بأرضهم".
يشير حسين شكرون، وهو أمين السر العام لكشافة التربية الوطنية، إلى أن هذا النشاط يأتي لتكريم العمال بعيدهم، حيث تقدم النساء والرجال منتجاتهم المصنوعة يدويا في السوق الشعبي والتراثي، والهدف من ذلك ليس فقط الوقوف إلى جانب العمال فحسب، بل إعادة الحياة إلى البلدة وإلى كل الجنوب، ونوّه بصمود الأهالي وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الأرض والحفاظ عليها.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، أشاد شكرون بالمشاركة الكبيرة لأهالي البلدة وأهالي قرى قضاء النبطية وكل المناطق اللبنانية الذين حضروا لإنجاح هذا النشاط الذي سيستمر ليومين.