الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم قراءتها
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
بقلم : التيجاني بولعوالي – هولندا
بينما كنت أتمشى في شارع ليس بعيدا عن منزلي، إذا بي ألمح هذه الكتب (في الصورة) التي وضعها هنا أصحاب المنزل المقابل لمن يرغب في أن يأخذها مجانا. ربما ليقرأها بدوره أو ليهديها لمن يريد قرأتها أو لمكتبة خاصة أو عامة.
وقفت هنيهة لأتصفح عناوين هذه الكتب، لكن وجدت أنها بعيدة عن تخصصي واهتمامي.
وقد حرصت على التقاط صورة لهذه اللحظة المهمة التي تنطوي على رسالة عميقة لمجتمعنا المسلم، الذي لم يعد يكترث بالقراءة ولا بالكتاب ولا بتقاسم المعرفة وتذليل الوسائل لنشرها وتحبيبها إلى النشء والأطفال والشباب.
أثناء العودة إلى المنزل سرحت بخاطري متأملا بتحسر وضعية القراءة والمعرفة في أمتنا التي كان يُنظر إليها في الماضي على أنها “أمة إقرأ”. تذكرت كيف نقل القرآن الكريم عرب الجاهلية من ظلام الجهل إلى نور العلم، وكيف تعاطى المأمون في بيت الحكمة مع علوم الإغريق والفرس والسريان والأقباط، وكيف كان يدفع وزن الكتاب المترجم ذهبا، وكيف كان هارون الرشيد لا يقبل الجزية نقدا ومتاعا فقط، بل كتبا أيضا.
وتذكرت في مقابل ذلك كيف آلت إليه الأمور في حاضرنا، وكيف تُباع الكتب والجرائد والمجلات بأبخس ثمن لباعة التوابل والأعشاب والمكسرات لاستعمالها بدل الورق العادي الأغلى بكثير من كتب ومنشورات العلم والثقافة والأدب!
هناك حقا شريحة قارئة وعالمة في مجتمعنا تعشق الكتاب والمعرفة والعلم، لكنها قلة قليلة جدا جدا. وهناك أيضا شريحة أخرى، قد تكون أفرادا أو مؤسسات، تمتلك مكتبات هائلة لكنها لا تعدو أن تكون “إكسيسوارا” للزينة والتأثيث، وقلما تفتح الكتب للقراءة، أو على الأقل في وجه الطلبة والباحثين والمهتمين.
خلاف ذلك، لا يشتري أكثر الناس الكتاب في الغرب إلا ليقرؤوه ثم يتخلصون منه بعد ذلك، إما بإهدائه لصديق، أو لمكتبة، أو وضعه أمام أبواب المنازل لمن يرغب في أخذه مجانا. وإذا اضطر البعض لبيع الكتاب، فيبيعونه بثمن رمزي أقل من ثمنه في المكتبة بأضعاف مضاعفة، فالكتاب الذي يقدر ثمنه ب 25 يورو تشتريه في أسواق الكتب المستعملة أو عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بيورو واحد أو نصف يورو، وإذا كان في تخصص مهم ربما بثلاثة أو خمسة يوروهات.
ولعل قول جوزيف برودسكاي ينطبق إلى حد ما على هذه الظاهرة: “الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم قراءتها!”
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
ثُمَّ شَقَّتْ هَدأةَ الليلِ رُصَاصة !!
حاول الكثيرون أن يثنونني عن قرار العودة إلیٰ السودان، وجاءوا بكل ما يرون أنه يقوِّی منطقهم، ولكن عبثاً يحاولون، فقد قرَّ قراري بعد أن استخِرت الله وتوكلت عليه.
غادرت مصر بمساكنها الضيِّقة ومن مطاراتها الواسعة المريحة، إلی السودان بمساكنه الواسعة وأرضه الشاسعة ومطاراته المتواضعة الضيِّقة بتجهيزاتها الشحيحة بالرغم من أراضيها الفسيحة، وعلی متن طاٸرة شركة تاركو، بإدارتها الشابَّة وإرادتها الصلبة، وهبطنا مطار بورتسودان بسلام والشمس فی كبدِ السماء والجو مُلَبَّدٌِ بسحب دخانٍ أسودٍ كنوايا دويلة mbz وأزلامه من بغايا العملاء والمرتزقة، ومن بقايا مليشيا آل دقلو الإرهابية التی عجزت عن تحقيق أی نصر علی قوات الجيش المسلحةُ بشعبها قبل أسلحتها، الواثقة من نصر الله قبل إعتمادها علی خططها المدروسة، التی غدت تُدَرَّس في المعاهد العسكرية، فعمدت مليشيا آل دقلو الإرهابية إلیٰ سلاح المسيرات بدلاً عن تجنيد المسيرية، تلك القبيلة الشامخة التی ضَلَّت إدارتها الأهلية عن طريق الحكمة، وحار حليمها وخار عزمها واختارت الذل والمسكنة وخنعت فی إنكسار.
سجدتُ شكراً لله علی أسفلت المطار، ومن هناك تلقفتني اْيدي الأحبة، ومن فوري زرتُ مقبرة أخي الشقيق الوحيد فی هذه الفانية وسكبت دمعة حرَّیٰ علی شاهد قبره، ودعوت له واستغفرت ربی وأنبت.
في الطريق من المطار إلیٰ المدينة رأيت بورتسودان كما رأيتها للمرة الأولی عام 1963م مدينة تضجُّ بالحركة والناس، بيوتها، إنسانها، لهجة كلامهم، طريقتهم فی الملبس والمأكل والمشرب، هی ذاتها وكأنَّ شيٸاً لم يكن، ألِفُوا حتی دخان حريق مستودعات الغاز وكأنه صادر من مدخنة مصنع !!
الملاحظة الوحيدة هی إزدياد عدد السيارات فی الطريق وهذا مٶشر إيجابی، خلدت إلیٰ النوم بعد أن انصرف ضيوفي الذين لم يشعرونني بأنني أنا الضيف وليس العكس!!
و قبيل الفجر شقَٰت هدأة الليل رصاصة، قدرت إنها صادرة من دوشكا، وتوالت أصوات المضادات كما أعرفها وما إن تهدأ حتی تعود، ولاحظت إن الضارب يستمتع بالصوت الصادر من مدفعه، كأنه ذلك الإيقاع الذی يبعث علی الحماسة والطرب، فقلت فی نفسي يا لهٶلاء الرجال يسهرون لينام الناس آمنين ويبذلون أرواحهم فداءً للعقيدة وليكون الوطن حراً أبيَّاً .
هي المرة الوحيدة التي أستيقظ فيها لصلاة الفجر علی أصوات الدوشكا والمضادات الأرضية وليس علی صوت الآذان، لكن لم يطل انتظاري فقد صدحت المآذن بأن حیّ علی الصلاة حیَّ علی الفلاح الصلاة خيرٌ من النوم، وهی تخالط أصوات المدافع، وهرعت إلیٰ الصلاة فوجدت صف صلاة الفجر اْطول من ما اعتاده الناس، الله أكبر الله اكبر.
بورتسودان بلد الأمان ولامكان لأی جنجويدي جبان، ولا موطٸ قدم فيها لmbz آل نهيان الخيبان فقد ركله شعب السودان بعد العدوان علی مدينة بورتسودان.
ثمَّ شقت غَبَشَةَ الفجرِ رصاصة لم يجفل منها أحد، ولن يحفل بها شعب كشعب السودان الأبِي الذی لا يرضی الضيم، والمكضِب خَلِيه يجرِب.
هلموا إلیٰ وطنكم وطن الجمال.. علوه.. وخلوه.. في عين المحال.
أبنوه.. و مدوه.. بالمال و العيال.
زيديوه.. و أبنوه.. بعزم الرجال.
بأملنا وبعملنا و بالمحنة نبني جنة.
-النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء
محجوب فضل بدري
إنضم لقناة النيلين على واتساب