مدير مكتبة الإسكندرية: يجب أن نربى الأجيال الجديدة على ثقافة التعددية
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
أكد الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، أن الأوضاع التي يعيشها العالم أجمع مخيفة وأصبحت التأثيرات سريعة وقوية وعميقة، ما يجعل متابعتها ودراستها، غاية في الصعوبة، لذا فمن الضروري التركيز على الأجيال الجديدة للحفاظ على الهوية المصرية والثقافة بمفهومها الشامل.
جاء ذلك خلال استضافته في ندوة "دور الثقافة في بناء الإنسان" التي نظمها نادي سبورتنج الرياضي، بحضور رئيس مجلس الإدارة، ولفيف من أعضاء النادي.
وشدد زايد على أن الثقافة هي أساس تكوين المجتمعات حتى وإن كانت في منطقة نائية، مشيرًا إلى أن الثقافة مقولة عمومية لا تقتصر على فئة من الفئات وهي ما تميز الإنسان عن باقي الكائنات.
وقال زايد إن كلمة ثقافة في اللغة العربية تدل على هذا المعنى المشتق من كلمة ثقف وهو ما يعني تهذيب الشيء، فالإنسان عندما يحمل الثقافة يصبح سلوكه أكثر تهذيبًا عن سلوك الحيوان، وبقدر تنمية هذه الثقافة بقدر الابتعاد عن العنف والتناحر، وبقدر امتلاك الانسان العلم والمعرفة يصبح سلوكه أكثر رقيا.
وأوضح أن المجتمعات المعاصرة شهدت مشكلات دفعت العالم أجمع إلى التساؤل حول أهمية الثقافة، بعدما أصبحت هناك صور قاسية وغليظة للثقافة وتفسيرات دينية عنيفة، وأصبح من يمتلك القوة والسلاح يمارس البطش على من لا يملكه، وهذا شكل من أشكال الانحراف الثقافي الذي ينزع الإنسان من هويته وتجعله يتخذ سلوكًا منحرفًا.
وأضاف زايد أن “الثقافة بالمعنى المثالي أصبحت غير موجودة في عالم اليوم، حيث شهدت حالة من الإرباك وأصبح الإنسان لا يعرف ما هي المخططات التي يتبعها، وهو ما خلق خوفا من الجيل الأكبر على الجيل الأصغر، لذا لا بد أن نستخدم ما لدينا من أطر ثقافية حتى يصبح لدينا جيل قادر عن بناء المجتمع”.
وتحدث مدير مكتبة الإسكندرية عن مراحل بناء ثقافة الإنسان والتي تتضمن بناء المعارف والاتجاهات والوعي والأخلاق، موضحًا أن بناء المعرفة يبدأ بالتعليم والذي بدوره ينقل إلى التعمق في القراءة وإلغاء المعارف المشوهة، والأمر هنا لا يقتصر على المعرفة التعليمية ولكن المعرفة المصاحبة لها التي تخلق مواطنا صالحا قادرا على التمييز.
وتابع: “هناك أشياء نتعلمها بالسليقة في البيت مثل الدين، فكل إنسان يستطيع أن يتعلم الدين ويميز بين الحق والباطل، وتعلم السلوك الراقي والمحب في المجتمع”.
وذكر أن المرحلة الثانية من بناء الإنسان هي الإيمان بأن كل إنسان مهما بلغ مستوى وضعه الاقتصادي والتعليمي، لديه مخططات ثقافية يتبعها، لذا فإن احترام الآخر أحد المبادئ التي يجب أن نربي أبناءنا عليها، وأن يكون لدينا جميعًا إيمان بالتعددية في الاتجاهات.
وعن المرحلة الثالثة وهي "تكوين الوعي"، أشار زايد إلى أن العقل البشري يدرك من خلال المعارف التي يكونها ومن خلال الأفعال التي يقوم بها أن هناك خيطا يفصل بين الشخصي والعام، والوعي يعني أن يكون الإنسان ناصع الرؤية والسريرة والنفس والعقل، تجعله يغلب المصلحة العامة على الشخصية.
وعن المرحلة الرابعة وهي بناء الأخلاق، أكد مدير مكتبة الإسكندرية، أن الدين إذا فهم بشكل صحيح يصل بالإنسان إلى بناء ذاته الأخلاقية، مشيرًا إلى وجود عوامل تؤدي إلى الوهن الأخلاقي، ففي مصر على سبيل المثال تسببت الظروف التاريخية بداية من عصر محمد علي والدخول إلى العصر الحديث بمنظوماته الحديثة في حدوث كثير من التقلبات السياسية والتدخلات العسكرية من استعمار وثورات وتغيير في الطبقات وخلل التعليم.
وشدد زايد على أن ثروة الأمة تنقسم إلى، مادية بشكلها المعروف، وبشرية وهي ما يجب أن ينصب عليها الاهتمام لإعداد إنسان قادر على العطاء لخدمة وطنه ولا يصبح عالة عليه، وثروة أخلاقية وتعني أن يكون الإنسان لديه مجموعة من القيم تدفعه للمساهمة في تقدم مجتمعه.
واختتم زايد بالتشديد على أن المرأة هي القائمة على الضبط الأخلاقي في المجتمع لأنها القائمة على تعليم الأطفال وتربيتهم أكثر من الرجال الذين ينشغلون بأعمالهم.
أدار الندوة أحمد حسن، رئيس مجلس الإدارة، ورانيا الجندي، رئيسة اللجنة الثقافية بنادي سبورتنج، وبحضور المهندس ممدوح حسني، نائب رئيس مجلس الإدارة، ودينا المنسترلي، وشاهيناز شلبي، أعضاء المجلس، واللواء رمزي تعلب، المدير التنفيذي.
وفي نهاية الندوة، قام أحمد حسن، رئيس مجلس إدارة نادي سبورتنج، بتكريم الدكتور زايد وإهدائه درع النادي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاسكندرية مكتبة الاسكندرية نادي سبورتنج أحمد زايد ثقافة التعددية المزيد مدیر مکتبة الإسکندریة رئیس مجلس
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: ثقافة القوة وقوة الثقافة
ليست الأمم بما تملك من ثروات تحت الأرض، ولا بما تشيده فوقها من مبان شاهقة، لكن بما تنسجه في وجدان المجد من معنى، وما تزرعه في روح أبنائها من ذاكرة ووعي وانتماء، وما تتركه للتاريخ من أثر باق.
الثقافة ليست عضواً زائداً في جسد الأمة، هي قلبها القابع خلف قضبان الضلوع؛ قلب خفاق بالأغاني والترانيم، يضخ المعاني والحكايات والفلسفات، ويرسم بقلم الإبداع خارطة الأوطان. ويزدهر في الحرف اليدوية كما في الفنون الكبرى، ويمنح للشعوب ملامحها التي لا تُشبه سواها.
حين نتأمل مشهد مصر اليوم، ندرك أننا أمام لحظة فارقة يمكن أن تتحول فيها الثقافة من مساحة للتعبير الجمالي إلى قوة ناعمة تصنع الاقتصاد، وتعيد رسم الهوية، وتفتح أبواب التنمية بأدوات جديدة لم تكن مطروقة من قبل. فالعالم يعيد اكتشاف الصناعات الثقافية والإبداعية بوصفها أحد محركات النمو المربحة، في وقت تتعرض فيه الهويات الوطنية لرياح العولمة العاتية. وهنا، يصبح السؤال مصرياً بامتياز: كيف نصنع مستقبلنا الثقافي بأيدينا، ونحول تراثنا من تاريخ محفوظ إلى طاقة إنتاج؟
لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن مصر دولة مركزية متعددة الجذور، تمتد خرائطها الثقافية من واحات الوادي إلى صحراء سيناء، ومن شواطئ البحر إلى قلوب الصعيد. وفي هذا الامتداد والاتساع والرحابة، تولد الفرص: فرص لإحياء التراث، ولتمكين الشباب، ولإطلاق مشاريع إبداعية قادرة على تحويل الفن إلى صناعة، والهوية إلى منتج قابل للتصدير.
الحديث عن الصناعات الثقافية هو دعوة إلى إعادة النظر في علاقتنا بالتراث، وبالشباب، وبالمحافظات التي همّشتها المركزية طويلاً. وهو كذلك نداء لخلق رؤية وطنية تجعل الثقافة شريكاً أصيلاً في التنمية، لا تابعاً باهتاً في آخر الصف. من هنا نبحث عن مصر الممكنة، مصر التي تجمع بين قوة الماضي وروح العصر، وتصوغ من الثقافة مشروع دولة لا يقل أهمية عن أي مشروع اقتصادي أو اجتماعي.
الثقافة قوة كامنة
حبذا لو أدرك صناع القرار أن الثقافة جيش من نور يحمي الهوية ويدفع عجلة الاقتصاد، إذن لأصبحت مصر اليوم من أعظم القوى الناعمة في الشرق كما هو شأنها سابقاً. فالثقافة، حين تصنع بوعي، تصبح مشروع دولة، وسلاحاً ناعماً، ووطناً موازياً يعيش في الوجدان قبل الجغرافيا.
وقد بدأ هذا الوعي يتشكل في السنوات الأخيرة عبر حراك ثقافي ملحوظ، تجلى في مؤتمر العريش الأخير: “الصناعات الثقافية والإبداعية… سيناء نموذجاً”، الذي أعاد فتح النقاش حول موقع الثقافة في مشروع الدولة التنموي وهويتها الحضارية.
إن العالم يزداد انفتاحاً، لكن الانفتاح ليس بريئاً دائماً؛ فالعولمة الثقافية أوسع من أن تواجه بالخطابات وحدها. ومصر تقف اليوم أمام سؤال مصيرى: كيف تحافظ على هويتها دون أن تنغلق، وكيف تنفتح دون أن تتلاشى؟
الصناعات الإبداعية هي الإجابة الأكثر حداثة؛ فهي سوق عالمية تتجاوز تريليوني دولار اليوم. وهنا يبرز الاقتصاد البرتقالي، أي الاقتصاد الإبداعي، بوصفه فرصة ذهبية لمصر لتستعيد حضورها الأفريقي والعالمي، عبر منتجات تحمل روحها وتراثها ولغتها الخاصة.
عالمية التراث المصري
سجلت مصر عشرة عناصر تراثية في اليونسكو، لكن التراث لا يصنع ليحفظ في الأدراج، ليعاد إنتاجه في الحياة.. فالتحطيب يمكن أن يصير عرضاً عالمياً، والخط العربي علامة تجارية راقية، والنسيج الصعيدي مدرسة تصميم تضاهي أعرق البيوت العالمية.
ودعونا نعود إلى لحظة انعقاد مؤتمر الصناعات الثقافية في العريش لندرك أنه لم يكن مجرد إجراء تنظيمي؛ وإنما إشارة رمزية إلى أن الثقافة يجب أن تخرج من ضوضاء العاصمة إلى مساحات مصر المنسية. فالمركزية الثقافية لعقود حرمت المحافظات من دورها الطبيعي، رغم أن بعضها، مثل سيناء، والنوبة، والوادي الجديد، يملك من الثراء ما يمكن أن يصنع مدارس إبداع متفردة.
ومبادرة “حياة كريمة” كانت خطوة في الاتجاه الصحيح عندما أدمجت البعد الثقافي ضمن التنمية الشاملة، لكن المطلوب اليوم رؤية أشمل تجعل الثقافة قاطرة للتنمية لا مجرد مكون جانبي.
ثروة لم تستغل
الشباب هم الثروة الأعظم في مجال الصناعات الإبداعية؛ لأنها صناعات تعتمد على الخيال قبل رأس المال، وعلى الشغف قبل البنية التحتية، وهو ما يتوافر للطاقات الكامنة فى صدور شبابنا.
لقد نجحت وزارة الثقافة في تأسيس 11 مركزاً لتنمية المواهب في المحافظات، لكن التحدي الحقيقي ليس في المباني إنما في تغيير النظرة المجتمعية التي ترى الإبداع هواية لا مهنة.
والحل يكمن في قصص نجاح تحدث على الأرض ثم تروى وتقلد وتستنسخ، وفي شباب يصنعون من موهبتهم حياة كاملة لا أن تتقزم منجزاتهم في مجرد هواية مهمشة.
نحو خريطة ثقافية واضحة
ما يزال المشهد الثقافي في مصر أسير التجزئة؛ مؤتمرات تعقد، توصيات تكتب، وملفات تطوى دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ. وقد ناقش مؤتمر العريش جانباً من هذه المعضلة عبر جلسة “التشريعات والسياسات العامة”، لكن التحدي أكبر من جلسة.
مصر فى حاجة إلى خريطة طريق ثقافية تحدد دور كل مؤسسة، وتربط الثقافة بالتعليم والإعلام والاقتصاد، وتحمي الملكية الفكرية والحرف التقليدية من الاندثار. دول مثل كوريا الجنوبية لم تنهض بالأغنية أو الدراما فقط، بل بسياسة دولة ربطت الفن بالاقتصاد؛ فلم لا تتصور مصر نموذجها الخاص؟
ولعل من أجمل التجارب التي ظهرت في السنوات الأخيرة مشروع المكتبات والمسارح المتنقلة. إنها ليست شاحنات، بل قوافل ضوء تصل إلى أماكن لم تعتد زيارة الكتب أو المسرح.
وتحمل معها فكرة عميقة: أن الثقافة حين لا يتمكن الناس من الوصول إليها، فعليها هي أن تذهب إليهم. ويمكن توسيع هذه التجربة لتشمل وحدات متنقلة للصناعات الإبداعية، تتجول بين القرى لاكتشاف المواهب وتدريب الحرفيين وتسويق المنتجات.
نحو عالمية التأثير
لقد استعاد التمثيل الثقافي المصري في المحافل الدولية حضوره، من إعلان القاهرة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي عام 2022، إلى المشاركة في المؤتمرات الكبرى المتعلقة بحماية التراث والملكية الفكرية. هذه المشاركات لا يمكن اعتبارها بروتوكولاً عارضاً مر وانتهي، بل نوافذ لعرض النموذج الثقافي المصري وتصديره.
فالدولة التي تمتلك أربع حضارات متعاقبة، وثقافة شعبية متنوعة، وتراثاً مادياً وغير مادي من الأوسع في العالم، لا بد أن تستعيد موقعها الطبيعي كمنارة في الشرق.
وليس أمام مصر سوى أن تنتقل من مرحلة وصف الأزمة إلى مرحلة صناعة الحل؛من الأوراق والتوصيات إلى التنفيذ، ومن المركزية إلى الاتساع، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج.
إنني أتكلم عن الثقافة أمام مصر لا بوصفها ترفاً جمالياً، بل قدرًا تنمويًا لا مفر منه. فقد آن الأوان أن تتجاوز الثقافة دور المتفرج على مسرح التنمية، لتصعد هي نفسها إلى الخشبة، وتؤدي دورها بوصفها قوة قادرة على إعادة تشكيل الوعي، وتحريك الاقتصاد، وصياغة صورة مصر في أعين العالم.. فما الصناعات الثقافية والإبداعية إلا الجسر الذي يمكن أن نعبره إلى مستقبل أكثر اتزاناً؛ مستقبل يجمع بين أصالة الجذور و جرأة الابتكار، بين ما ورثناه وما نصنعه اليوم من معان جديدة. فإذا أحسنا قراءة اللحظة، ورسمنا رؤية وطنية واضحة، ووحدنا الجهود المتناثرة في مشروع واحد تسنده السياسات والتعليم والإعلام؛ عندها فقط تتحول الثقافة من كلمات تُقال إلى واقع يبنى.
فمصر التي صاغت أول كتابة، وأول دولة مركزية قوية ضاربة فى عمق التاريخ، وأول موسيقى وأبرع معمار، قادرة اليوم أن تصنع عصرها الثقافي الجديد، عصر يليق بماضيها ويصنع مستقبلها. وكل ما نفتقر إليه أن ندرك أن الثقافة ليست ذكرى تصف في المتاحف، بل طاقة تشعل المستقبل. فحين تعامل الثقافة كاستثمار، وتصان كهوية، وتحتضن كشريك في التنمية،عندها يولد زمن جديد، زمن تصنعه مصر بيدها، ويشهد أن الأمم العظيمة لا تبنى بالحجر وحده، بل بالمعنى أولاً.