مطر بن سالم الريامي

مع بروز واقع العولمة في السنوات الأخيرة وتنامي معطيات العصر الرقمي شهدت وسائل الإعلام الرقمية تطورًا هائلًا، وقد كان من أبرز هذه التطورات التدوين الصوتي أو ما يعرف بـ"البودكاست" الذي أصبح من أهم وسائل الإعلام البديلة التي قد تؤثر على الأفراد وحتى المجتمعات أحيانا.

ومع تزايد الإقبال على هذا النوع من المحتوى الصوتي وتزايد شعبيته بات يلعب البودكاست دورًا رئيسيًا في نشر المعرفة، وساهم بشكل واضح في تحفيز التفكير النقدي وتعزيز النقاشات العامة بل وبدأ تأثيره يبرز في تشكيل الوعي الجمعي وصياغة آراء الجمهور حول القضايا المختلفة سواء من خلال نشر الأفكار أو تعزيز النقاشات العامة أو حتى تغيير المفاهيم الاجتماعية والثقافية، فهو يقدم محتوى متنوعًا يغطي مجالات عدة مثل التعليم والثقافة والتطوير الذاتي والسياسة وغيرها، على هذا يُعتبر البودكاست حاليا من أكثر الوسائل الإعلامية تأثيرًا، بل وأصبح وسيلة رئيسية للتعلم الذاتي وتطوير المهارات الشخصية مما جعله أداة قوية في بناء وعي وثقافة الأفراد بطريقة حديثة، حيث أسهم بشكل كبير في تشكيل ثقافة الأفراد من خلال تقديم محتوى متنوع يتناول مختلف المجالات.

لقد تطورت ثقافة البودكاست خلال العقدين الأخيرين نتيجةً لعدة عوامل، أبرزها انتشار الإنترنت، وسهولة الوصول إلى محتواه عبر الهواتف الذكية، وكذلك انخفاض تكلفة الإنتاج مقارنةً بالوسائل الإعلامية التقليدية، وقد ساعدت هذه العوامل على ظهور عدد كبير من المبدعين والمثقفين الذين وجدوا في البودكاست منصةً للتعبير عن أفكارهم ونشرها عالميًا، ففي الوطن العربي وحده يوجد بحسب آخر إحصائيات ما يربو على 1400 برنامج بودكاست، وتقول منصة مثل "سبوتيفاي" إنه ما بين 26% إلى 39% من إجمالي مستخدميها هم من العرب وأن قرابة 40% هم من جيل (z)، وهو ما يعني أننا أمام جيل بات يسمع أكثر مما يقرأ، وقد أتاح البودكاست للأفراد فرصة الاستماع إلى خبراء ومتخصصين في مجالات متنوعة، مما يعزز فهمهم العميق لمواضيع معقدة مثل الاقتصاد، والفلسفة، والتكنولوجيا، بل وساعد البودكاست في التعريف بالموروث الثقافي، والفنون، والموسيقى، مما قد يسهم في تعزيز الذوق العام وتحفيز الإبداع، وقد توفر أحيانا بعض من برامج البودكاست مراجعات للكتب وتحليلات للأحداث العالمية، مما يشجع الأفراد على البحث والتعمق في القضايا المختلفة.

وحول أدوار البودكاست في التأثير على الوعي الجمعي، ولأن البودكاست يتميز بسهولة الوصول إليه، حيث يمكن الاستماع إليه في أي وقت وأي مكان، فإن هذه الميزة جعلت منه وسيلة فعالة في نشر المعرفة وتبادل المعلومات، كذلك ساهمت في قدرته على تحفيز النقاشات العامة حول الموضوعات الحيوية من خلال تقديم وجهات نظر متنوعة ومناقشة القضايا بعمق، كذلك ساهم البودكاست بشكل كبير في تشكيل الرأي العام ودفع المستمعين إلى التفكير النقدي والتحليل، كما أنه أتاح الفرصة للأصوات غير التقليدية والمهمّشة للتعبير عن آرائها، مما عزز التنوع في النقاشات المجتمعية، كذلك لعب البودكاست دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال تسليط الضوء على التراث والتقاليد واستعراض القصص الشخصية والتجارب التي تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي لمختلف الفئات، وساهم كذلك في مكافحة التضليل الإعلامي وذلك من خلال استضافة خبراء ومتخصصين ساهموا في تقديم وجهات نظر علمية وموضوعية، مما ساعد على تصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمعات، كذلك كان للبودكاست وما زال دور في توجيه العادات اليومية للمجتمعات وذلك من خلال محتويات تحفيزية وتطويرية تؤثر في سلوك الأفراد مثل تبني عادات صحية، وتنظيم الوقت، وتحقيق الإنتاجية، كذلك ساهم في تحسين المهارات الشخصية والمهنية من خلال التعليم المستمر، حيث وفر البودكاست وسيلة فعالة لتعلم لغات جديدة، واكتساب مهارات مهنية مثل التسويق، والبرمجة، وإدارة الأعمال، كذلك ساهم في تعزيز التفكير النقدي والإبداعي من خلال تقديم تحليلات معمقة ونقاشات فكرية، وطوّر قدرة الأفراد على التفكير المنطقي واتخاذ قرارات أكثر وعيًا، أيضا ساهم البودكاست في تحفيز ريادة الأعمال وتناولت العديد من برامجه قصص نجاح رواد الأعمال ونصائحهم، مما ساهم في إلهام الأفراد لخوض تجارب جديدة في مجالاتهم وهذا بدوره أدى إلى تعزيز الوعي الجمعي حول القضايا المهمة التي تؤثر على المجتمع.  

أما عن التحديات والتأثيرات السلبية المحتملة للبودكاست، فعلى الرغم من الفوائد العديدة للبودكاست إلا أن الاستماع المفرط له قد يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي الحقيقي، مما قد يخلق جيلا تنقصه الكثير من المهارات الاجتماعية، كذلك قد تسبب قلة الرقابة على المحتوى بعض التحديات سواء على مستوى الفرد أو المجتمع مثل انتشار المعلومات المضللة أو الأخبار الزائفة، وبالتالي قد يتشكل وعي جمعي يعتمد على آراء غير موثوقة.

وعن مستقبل ثقافة البودكاست وتأثيرها على الوعي الجمعي، فمن المتوقع أن تستمر نمو ثقافة البودكاست مع تطور التقنيات وزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الإنتاج وتوصية المحتويات، كما يمكن أن تلعب المؤسسات التعليمية والإعلامية دورًا مهما في تعزيز جودة البودكاست وضمان موثوقيتها، مما يجعلها أداة أكثر فاعلية في تشكيل وعي جمعي متزن وموضوعي.

وتبقى الإشارة إلى أن ما يبذل من جهد واضح في سلطنة عُمان في مجال نشر ثقافة البودكاست يحتاج إلى وقفة جادة؛ حيث ما زال عدد المهتمين بهذه الوسيلة الإعلامية وما يطرح فيها لا يتناسب والطفرة الإعلامية بالسلطنة وأن تنامي الفكرة لدى الكثير من الشباب يحتاج المزيد من الوعي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حزب الوعي: زيارة وزير الخارجية التركي مصر نموذجاً للدبلوماسية الرشيدة

يُعرب "حزب الوعي" عن ترحيبه وإشادته بالزيارة الرسمية التي قام بها وزير خارجية الجمهورية التركية، "هاكان فيدان"، إلى جمهورية مصر العربية، ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي بمدينة العلمين الجديدة، في خطوة تعكس عمق ومتانة العلاقات بين البلدين، وتؤكد إرادتهما المشتركة في تعزيز مسارات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني في ظل الظروف الإقليمية والدولية الدقيقة الراهنة.

برلماني: احتلال غزة جريمة مكتملة.. والصمت العالمي مريببعد تحسن مؤشرات الاقتصاد.. برلماني يطالب بآليات واضحة لإلزام التجار بخفض الأسعارصرف معاش تكافل وكرامة 15 سبتمبر.. وبرلماني: القانون يضمن استمرار صرفه دائمًابرلماني: احتلال غزة انتهاك صارخ للقانون الدولي وتهديد للأمن بالمنطقة

ويرى الحزب أن انعقاد هذه الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، خاصة في ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، يُبرز بوضوح أهمية الدور المحوري الذي يمكن أن تضطلع به كلٌّ من مصر وتركيا في مواجهة التحديات المتنامية، وتغليب لغة الحوار والحلول السلمية التي تكفل أمن واستقرار المنطقة، وتحفظ مصالح شعوبها.

كما تأتي هذه الزيارة في إطار التنسيق ومتابعة التطورات الميدانية والإنسانية في قطاع غزة، حيث تمثل الجهود الثلاثية التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة فرصة واقعية لوقف نزيف الدم وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، بما يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين.

وقد تناولت المباحثات بين الجانبين القلق البالغ إزاء استمرار الممارسات العدوانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ومساعيها لفرض واقع جديد في غزة عبر الضم أو التهجير، وهو ما يشكل عقبة خطيرة أمام أي مسار سياسي جاد نحو السلام. وقد أكد الجانبان على ضرورة وضع حد فوري لهذه الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين.

وعلى الصعيد الإقليمي الأوسع، حظيت قضايا الاستقرار في شمال وشرق إفريقيا، لا سيما في ليبيا والسودان والصومال، باهتمام خاص في المباحثات، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون المشترك لترسيخ الأمن، ومواجهة التحديات العابرة للحدود، ودعم الحلول المستدامة التي تراعي مصالح جميع الأطراف.

ويؤكد حزب "الوعي" أن هذه الزيارة تمثل نموذجاً للدبلوماسية الرشيدة والشراكة البنّاءة بين دولتين محوريتين، قادرتين على إحداث فارق إيجابي في قضايا المنطقة، وفتح آفاق أوسع للتعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق، يثمن الحزب هذه الخطوة، ويؤكد دعمه الكامل لكل مبادرة تصب في خدمة السلام، وتعزيز الاستقرار، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، ودعم الأمن الإقليمي والدولي.

طباعة شارك حزب الوعي جمهورية مصر العربية مصر وتركيا تركيا

مقالات مشابهة

  • وزارة الثقافة تنفي إيقاف عروض مسرحية الأخوين ملص وتؤكد استمرارها
  • مركز ثقافة الطفل يواصل جهوده في تعزيز حضور المشروعات الرقمية الموجهة للأطفال
  • حاكم الشارقة يوجه بإنشاء مجمع دور الرعاية الاجتماعية ويعتمد منحة العيش اللائق للأسر
  • حماية العمال من الإجهاد الحراري ثقافة مجتمعية في الإمارات
  • نائب محافظ الأقصر يفتتح فعاليات الورش التدريبية لتنمية الوعي بمفهوم الشمول المالي
  • حزب الوعي: زيارة وزير الخارجية التركي مصر نموذجاً للدبلوماسية الرشيدة
  • سياسي كردي:الأحزاب الكردية تتبنى خطاب عنصري لزيادة الكراهية ضد العرب
  • افتتاح ملتقى الفن التشكيلي الثالث في السلط
  • من حديقة الطلائع.. بدء حملة “النظافة ثقافة” لتعزيز الوعي البيئي في طرطوس
  • حملة “النظافة ثقافة” تنطلق على امتداد سوريا بالتنسيق بين جهات حكومية وأهلية