سودانايل:
2025-05-17@22:53:02 GMT

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم 6

▪️مقدمة

لطالما شكّلت الطبقة الوسطى العمود الفقري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في السودان، حيث تجمع بين الموظفين، المهنيين، أصحاب المشاريع الصغيرة، ورواد الأعمال الذين يشكلون النواة الأساسية للإنتاج والاستهلاك.

لكن الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 أدت إلى تآكل هذه الطبقة، حيث فقد الملايين وظائفهم، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل حاد، ما جعل أفرادها عرضة للفقر والنزوح. ومع استمرار الانقسام الإداري بين حكومتين، تتلاشى فرص التعافي، ويتفاقم التفاوت الطبقي، حيث أصبحت البلاد تتجه نحو ثنائية قاتلة: طبقة ثرية مستفيدة من الحرب، وطبقة فقيرة تكافح للبقاء.

إن مستقبل السودان مرتبط إلى حد كبير بمصير طبقته الوسطى، فإذا ما استمر انهيار هذه الفئة، فإن الدولة ستدخل في مرحلة انهيار شامل لن تقتصر على الاقتصاد فقط، بل ستشمل جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية. لهذا، لا بد من دراسة أوضاع الطبقة الوسطى في السودان، تأثير الحرب عليها، وكيف يمكن إنقاذها قبل فوات الأوان.

▪️الطبقة الوسطى: المفهوم والتركيب

ما هي الطبقة الوسطى؟

على الرغم من تعدد التعريفات لمفهوم الطبقة الوسطى، والتأكيد على اتسامها بدرجة عالية من التباين في مستويات التعليم والدخل والمكانة الاجتماعية، إلا أن هناك اتفاقًا واسعًا على أنها تجمع بين بعض سمات القوة العاملة (مثل عدم امتلاك وسائل الإنتاج في معظم الأحيان) وبين بعض صفات البرجوازية (مثل المشاركة في إدارة رأس المال والسيطرة جزئيًا على السوق).

وتشمل هذه الطبقة:
• الموظفين والمهنيين من أصحاب المرتبات والدخول الثابتة، مثل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، والمحاسبين.
• أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل التجار والحرفيين وأصحاب المصانع الصغيرة.
• أصحاب الحيازات الزراعية المتوسطة، مثل المزارعين الذين يمتلكون مساحات زراعية صغيرة أو متوسطة.
• الشرائح العليا من موظفي القطاع الخاص، الذين يحصلون على دخول جيدة ولكنهم لا يملكون وسائل الإنتاج الكبرى.
• العاملين في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، الذين ظهروا مع العولمة ويمارسون أعمالًا قائمة على الخدمات الرقمية والبرمجيات.
• الرعاة والعاملين في قطاع الثروة الحيوانية، الذين يشكلون قطاعًا حيويًا في الاقتصاد السوداني، حيث يعتمد ملايين المواطنين على منتجاتهم الغذائية.

▪️أهمية الطبقة الوسطى في الاقتصاد والمجتمع

تمثل الطبقة الوسطى الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي، فهي تستهلك المنتجات، تستثمر في التعليم والصحة، وتساهم في استقرار السوق عبر الطلب المستمر على السلع والخدمات. كما أنها تُعتبر الأساس لاستقرار الأنظمة السياسية، حيث ترتبط غالبًا بالنشاط المدني، والمشاركة في الحياة العامة، ونشر قيم الحداثة والديمقراطية.

لكن في السودان، تواجه هذه الطبقة اليوم خطر التلاشي بسبب الحرب المستمرة، حيث فقدت مصادر دخلها، وتراجعت قدرتها على الاستثمار في أبسط متطلبات الحياة، مما أدى إلى تحولها نحو الطبقة الفقيرة أو حتى إلى النزوح خارج البلاد.

الاقتصاد في ظل حكومتين: الطبقة الوسطى في مهب الريح

1. تدمير القطاع الصناعي: الطبقة الوسطى تفقد مصادر رزقها

قبل الحرب، ساهم القطاع الصناعي بنسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتقارير بنك السودان المركزي. لكنه واجه تحديات كبرى مثل ضعف التمويل، ارتفاع تكلفة التشغيل، أزمة الطاقة، الضرائب الباهظة، وإغراق الأسواق بالسلع المستوردة. ومع اشتداد الحرب، تعرض حوالي 90% من القطاع الصناعي للدمار، حيث تضررت (3,493) منشأة صناعية في ولاية الخرطوم وحدها، شملت:
• المنشآت المتوسطة والكبيرة، حيث فقد 150,000 عامل وظائفهم.
• المنشآت الصغيرة، حيث فقد 100,000 عامل أعمالهم.

بذلك، تضرر 250,000 فرد من الطبقة الوسطى الذين كانوا يعتمدون على وظائف القطاع الصناعي، مما أدى إلى انزلاق آلاف الأسر إلى الفقر.

2. انهيار القطاع الزراعي: تدمير الإنتاج المحلي

يُعد القطاع الزراعي من القطاعات الأساسية في السودان، حيث يساهم بنسبة 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشمل ملايين المزارعين الذين تعتمد عليهم الطبقة الوسطى والفقيرة في الغذاء والاستهلاك. لكن الحرب تسببت في:
• نقص حاد في الإنتاج الزراعي بسبب انعدام الأمن وغياب التمويل اللازم للمزارعين.
• فقدان السودان 50% من محاصيله، ما أدى إلى أزمة غذائية حادة.
• تراجع زراعة الحبوب، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات وارتفاع الأسعار.

3. تأثير الحرب على قطاع الثروة الحيوانية

يعتمد ملايين السودانيين على قطاع الثروة الحيوانية الذي يشكل مصدر دخل رئيسي لكثير من أفراد الطبقة الوسطى، سواء في شكل مزارع دواجن، أو تجارة الماشية، أو الصادرات الحيوانية. لكن الحرب تسببت في:
• فقدان 50% من القطيع القومي بسبب غياب الأمن والنهب.
• توقف الصادرات الحيوانية، خاصة نحو مصر، بسبب غياب الاستقرار وتضرر طرق النقل.
• تأثر قطاع الدواجن بنسبة 85%، حيث تركز الإنتاج في ولايتي الجزيرة والخرطوم، وكلاهما تضرر بشدة.

4. انهيار قطاع الخدمات: فقدان الوظائف وانخفاض الإيرادات

يُعتبر قطاع الخدمات الأكثر ارتباطًا بالطبقة الوسطى، حيث يشمل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، موظفي الحكومة، التجار، والعاملين في مجالات المال والتكنولوجيا. ووفقًا لتقارير بنك السودان المركزي، كان هذا القطاع يساهم بنسبة 46% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الحرب أدت إلى:
• إغلاق آلاف الشركات والمؤسسات الخدمية بسبب النزوح والدمار.
• تراجع الإيرادات الحكومية بنسبة 80%، ما أثر بشكل مباشر على رواتب الموظفين.
• فقدان أكثر من 8-9 ملايين وظيفة، تشمل القطاعين الرسمي وغير الرسمي، أي ما يعادل 60-65% من الوظائف في البلاد.

▪️خاتمة: نحو مستقبل مظلم

رغم هذه التقديرات الواردة في التقارير الرسمية والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، والتي تعكس الأرقام الأولية لحجم الضرر، إلا أنها قد تكون أقل من الواقع الفعلي نظرًا لعدم القدرة على حصر جميع الأضرار في ظل الظروف الأمنية المعقدة، وانهيار البنية التحتية الإدارية التي كانت تساهم في جمع البيانات الاقتصادية والاجتماعية.

مع استمرار الحرب والانقسام الإداري في السودان، وتشكيل حكومة موازية لقوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها، تتجه الطبقة الوسطى إلى مرحلة خطيرة من التهميش والقمع. فقد أصبحت هذه الطبقة تعيش تحت تهديد السلاح، وتواجه مصادرة حقوقها، وإفقارها بشكل ممنهج، حيث لم تعد تملك القرار السياسي أو الاقتصادي، ولم تعد قادرة على الإنتاج والمساهمة في بناء الدولة.

إن أخطر ما في الأمر هو أن التشظي السياسي الحاصل اليوم ينذر بوضع بذور الانفصال المستقبلي، حيث تتجه البلاد نحو انقسامات عميقة قد تجعل من إعادة توحيد السودان مهمة مستحيلة.

احمد بن عمر

dr_benomer@yahoo.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطبقة الوسطى فی القطاع الصناعی هذه الطبقة فی السودان ما أدى إلى لکن الحرب حیث فقد قطاع ا

إقرأ أيضاً:

السودان يمدد فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد

حكومة السودان أكدت أن تمديد فتح معبر أدري يجيئ لحرصها على تسهيل انسياب الإغاثة للمتضررين من الحرب وفي إطار التعاون مع المجتمع الدولي.

بورتسودان: التغيير

أعلنت الحكومة السودانية التي يسيطر عليها الجيش أمس، تمديد فتح معبر ادري الحدودي مع دولة تشاد لمدة ثلاثة أشهر، لايصال المساعدات والعون الإنساني لمتضرري الحرب بالبلاد.

واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على خلفية صراع السلطة بين المكونين العسكريين، وأدت إلى تدهور الوضع الأمني بشكل غير مسبوق، وازدادت الأوضاع الإنسانية سوءًا مع تصاعد القتال في مناطق متعددة من البلاد.

وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان الأربعاء، إنه تم تمديد فتح المعبر لثلاثة أشهر إضافية للفترة من 16 مايو الحالي إلى 15 اغسطس المقبل.

وأضافت أن ذلك يجيئ من منطلق حرص الدولة على تسهيل انسياب الإغاثة لمواطنيها الذين تضرروا جراء الحرب في إطار التعاون والانخراط الإيجابي مع المجتمع الدولي في هذا الصدد.

وكان مجلس السيادة السوداني، قرر في اجتماع برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، توجيه مفوضية العمل الإنساني بالتنسيق مع منسق العون الإنساني القطري، بفتح معبر أدري الحدودي مع الجارة تشاد لمدة (3) أشهر.

ووجه بأن يتم فتح المعبر حسب الضوابط المتعارف والمتفق عليها، وذلك لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

ومنذ ذلك الوقت ظلت الحكومة تمدد فتح المعبر لثلاثة أشهر، بالرغم من مطالبات جهات حكومية بإغلاق المعبر على زعم استغلاله من قبل قوات الدعم السريع لنقل الأسلحة والعتاد الحربي.

وأدت الصراعات المستمرة في السودان إلى تعقيد مهمة إيصال المساعدات الإنسانية، حيث لم تتمكن الوكالات الإنسانية من الوصول إلى المناطق المنكوبة بشكل كامل بسبب القيود الأمنية، والهجمات على القوافل الإغاثية، وصعوبة التنقل داخل البلاد بسبب تدمير الطرق والمرافق.

وفي تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تم التأكيد على أن هذه الحرب تسببت في خلق واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في المنطقة، مع وجود ملايين الأشخاص في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان المجتمع الدولي بورتسودان تشاد عبد الفتاح البرهان معبر أدري الحدودي

مقالات مشابهة

  • المدير العام للشركة السودانية للاسواق الحرة: سيتم نقل الرئاسة الى منطقة قري الحرة عقب عطلة عيد الاضحى
  • "عربات جدعون": هل يمكن لخطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة أن تقضي على حركة حماس؟
  • السيسي: يجب تأمين وصول المساعدات الإنسانية والحفاظ على وحدة الأراضى السودانية
  • في عامها الثالث للحرب.. الشبكة الشبابية السودانية تتحرك بحملة «رؤية جيل» من المشاورات إلى الفعل السياسي 
  • الحلقة الخامسة من سلسلة “من أشعل الحرب في السودان؟”
  • الإعيسر: استئناف عمل القنصلية السودانية في دبي تم وفقاً لاتفافية فينا
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: هل بات السودان خارج الحسابات الأمريكية؟
  • عشرات الشهداء في قطاع غزة: “مجازر كأنها أيام الحرب الأولى”
  • السودان يمدد فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد
  • إسرائيل.. خسائر قطاع السياحة تجاوزت 3.4 مليارات دولار منذ 7 أكتوبر