يمكننا، كما استخلصنا بعض السمات التي أفرزها طوفان الأقصى من جانب تعامل الطغمة الصهيونية والأمريكية معه، نريد التوقف على الجانب العربي بهدف النظر في كيفية تعاطيه مع القضية الفلسطينية عموما، وحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بصفة خاصة.
لقد تصرف العرب عموما مع الحدث، وكأنه بعيد عن انشغالاتهم وهمومهم بالقدر الذي يتطلبه هذا الحدث العظيم.
قد تتعدد تفسيرات الواقع العربي، حكومات، وشعوبا، وأحزابا والتحولات التي أدت إلى المواقف من القضية الفلسطينية عكس ما وقع مثلا في 1973. لكني أريد الذهاب إلى البحث في الذهنية التي تتحكم في التصور العربي، ولا سيما لدى من ظلت القضية الفلسطينية تمثل لديهم أولوية في الصراع ضد الاستيطان، والهيمنة الأمريكية. وأقصد بصورة خاصة الأحزاب المعارضة، والنقابات، والمثقفين على اختلاف طوائفهم وألوانهم. وللقيام بذلك سأميز بين الإيديولوجيا والسياسة لأنني أرى هذا التمييز المدخل الطبيعي والضروري لفهم وتفسير ما جرى.
أعتبر السياسة فن إدارة وتدبير الوجود البشري لتحقيق المكاسب. أما الإيديولوجيا فنشر أفكار، والدفاع عنها باستماتة بهدف كسب الأنصار. إن الإيديولوجي الذي يمارس السياسة يعمل بدون وضع الزمن وتحولاته في نطاق ممارسته. إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو تقديم تصوره الإيديولوجي الذي يتبناه ويظل يدافع عنه. والعرب لم يكونوا يمارسون السياسة ولكن الإيديولوجيا. إن الإيديولوجيا العربية، أيا كانت منطلقاتها ومقاصدها، هي ما يمارسه العرب في علاقتهم فيما بينهم، فتجد الفرقة بينهم تتخذ بعدا دينيا وطائفيا (سنة، شيعة)، وجغرافيا وحدوديا (شمال وجنوب، وغرب وشرق)، وسياسيا (حكومات وحركات). وكل منهم يرى أن إيديولوجيته هي التي تمتلك الحقيقة، والآخر ضال. وفي ضوء هذا التمايز تتخذ المواقف ضد أو مع ما يجري في الساحة العربية داخل كل قطر عربي، وبين الأقطار العربية. وهذه المواقف هي التي تتحدد في العلاقة مع الصهيونية وأمريكا خارجيا، حيث الرضوخ لهما بدعوى التحالف أو اتخاذ الحياد السلبي، أو التصريحات المجانية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا، وهو يصطف إلى جانب الأطروحة الصهيونية ــ الأمريكية. لقد تم التعامل مع الحدث على أنه عمل حركة إرهابية هي حماس ضد دولة معترف بها عالميا، ولم يكن التعامل معه باعتباره وليد صيرورة من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وأنه لم يأت إلا ضد ما كانت تمارسه السلطات الصهيونية ومستوطنوها في القدس، وما ظلت تقوم به لتصفية القضية نهائيا، وخاصة منذ ولاية ترامب الأولى التي دعا فيها إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيا جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل، متنكرا بذلك لكل القرارات الأممية حول القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.
أمام عدم انخراط الضفة الغربية في طوفان الأقصى، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل، ملأت جبهات الإسناد الساحة، وقامت بدورها في دعم المقاومة في غزة، فبدا طوفان الأقصى وكأنه وليد إملاءات إيرانية، فاستغل هذا عالميا، وخاصة من لدن إسرائيل وأمريكا لتحوير الحرب الحقيقية من كونها قضية وطن إلى حرب بالوكالة لفائدة إيران التي صارت قطب «محور الشر». فكانت الاغتيالات لهنية في طهران، وبعد ذلك لرموز حزب الله وحركة حماس ليست نهاية لطوفان الأقصى بل لتأجيجه ودفعه في اتجاه مناقض لما كانت تحلم به إسرائيل التي توهمت أن القضية الفلسطينية ليس وراءها سوى إرهابيين يكفي القضاء عليهم لإنهاء القضية وإقبارها إلى الأبد.
لكن الصمود الوطني الأسطوري للمقاومة دفعها إلى القبول بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبعد ذلك في غزة. وخلال هدنة تبادل الأسرى والمختطفين تفرغت الآلة الجهنمية الصهيونية للضفة الغربية مستهدفة تهجير المواطنين وتدميرها كما فعلت في غزة. ومع التحول الذي عرفته سوريا، ونهاية «الممانعة» التي كانت تمنع من المواجهة مع العدو، ها هي إسرائيل تهدد أمن بلد خرج للتو من كابوس مرعب بدعوى السيمفونية النشاز: حماية أمنها القومي؟ إسرائيل شعب الله المختار عليه أن يحافظ على أمنه الذي عليه تكدير أمن «جيرانه» غير المحتملين، وتنغيص الحياة عليهم. هذه هي السياسة الصهيونية التي تنبني على إيديولوجية التسلط والهيمنة.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا،
إن كل هذا نتيجة الخلاف الإيديولوجي بين مكونات المقاومة الفلسطينية الذي ظلت إسرائيل تغذيه وتفرضه طيلة كل عقود الصراع. ولا فرق في ذلك من يحمل السلاح لأنه إرهابي، ومن يخضع للهيمنة الصهيونية باسم سلطة لا حق لها في ممارستها. فكلاهما غير مرغوب فيه لأن إسرائيل للإسرائيليين وليست لأي عربي. هذا الدرس لم يفهمه بعض الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا مواقف مضادة من طوفان الأقصى. وهو الدرس الأكبر الذي يقدمه الطوفان لمن لم يريدوا فهم طبيعة الكيان الصهيوني وأسطورته الإسرائيلية، وهو ما يبدو حاليا بشكل أجلى منذ انتخاب ترامب في ولايته الثانية. وهو ما ظل يصرح به أبدا سموتريتش وبن غفير بوقاحة وجرأة وطغيان وعنصرية مقيتة.
يمارس الفلسطينيون بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم السياسة، ومعهم كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والأهلية العربية من منظور حركات التحرر العالمية في الستينيات، أي في ضوء تصورات إيديولوجية معينة. ومواقفهم من بعضهم البعض تتأسس على قاعدة: من ليس معي، فهو ضدي. إنها القاعدة التي لا يتولد منها سوى الحقد الإيديولوجي، والاقتتال الداخلي، والصراع المستدام. إنهم لا يميزون بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. بل إن ما هو ثانوي يصبح لديهم أساسيا، وفي المستوى الأول، بينما التناقض الرئيسي يقبع في الخلفية. ولذلك نجدهم يُرهِّنون تناقضاتهم الداخلية الخاصة، وتحتل المكانة الكبرى أمام ما تمثله تناقضاتهم مع عدوهم الخارجي التي تصبح وكأنها غير موجودة. يغذي العدو هذه التناقضات، ومن مصلحته إدامتها لبسط هيمنته، وإدارته الصراع بما يخدم مصلحته.
تبدأ ممارسة السياسة لدى الفلسطينيين إذا ما جمدوا تناقضاتهم الداخلية، ووجهوا التناقض نحو العدو المشترك. في هذا التجميد يكمن الحس الوطني الحقيقي في بعده الديمقراطي والوحدوي الذي تهمه قضية الوطن عبر وضعها فوق أي اعتبار. أما تبادل الاتهامات وادعاءات تمثيل الشعب الفلسطيني فليس سوى خطابات جوفاء لا قيمة لها لأنها تعبير عن إيديولوجيا زائفة.
إن الدرس الأكبر الذي نستنتجه من الحدث الأكبر طوفان الأقصى، والذي هو في الحقيقة حلقة من حلقات ما يمكننا تعلمه من تاريخنا الحديث في صراعنا مع الآخر، أي من الاستعمار التقليدي إلى الجديد يدفعنا إلى تأكيد أن ما قلناه عن الفلسطينيين ينسحب على العرب حكومات وشعوبا وأحزابا ومنظمات مختلفة. إن التناقض الرئيسي ليس مع من يختلف معنا، ويعارضنا، إنه ضد التبعية، والتخلف، والتفرقة، والتأخر عن العصر الذي نعيش فيه. إنه ضد الآخر الذي يسعى لإدامة التفرقة بين الدول والشعوب، وإشاعة الفتنة، ونهب ثروات وخيرات البلاد العربية، والحيلولة دون تقدمها. إنه ضد الطائفية والعرقية والظلامية، ومع حرية المواطن وكرامته وعزته في وطنه، ووحدة الأوطان، وتعزيز التعاون والتقارب بينها لما فيه الخير للجميع.
إذا لم تكن السياسة فن إدارة التدبير من أجل الحياة الكريمة فإنها ليست سوى إيديولوجيا توليد التناقضات وتفريخ الصراعات، وإشعال النزعات وإشاعة النزاعات، ويكفي النظر إلى ما يمور به واقعنا لتأكيد أن الإيديولوجي مهيمن في حياتنا على السياسي.
لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة واقعنا مع ذاتنا ومع الآخر. فإلى متى يظل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصهيونية الفلسطينية غزة المقاومة فلسطين غزة المقاومة الصهيونية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
بين السياسة والاقتصاد.. وقائع وتصريحات من منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي
روسيا – يشهد منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في دورته هذا العام زخما سياسيا واقتصاديا كبيرين، حيث يبحث أبرز التحديات الإقليمية والدولية.
وينعقد المنتدى في نسخته الـ28 هذا العام في الفترة من 18 إلى 21 يونيو الجاري، والموضوع الرئيسي للحدث هو “القيم المشتركة – أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب”.
وفيما يلي أبرز التصريحات التي تحدد ملامح الحوار الاقتصادي الدولي، من التحولات الجيوسياسية إلى استراتيجيات التعافي الاقتصادي، مرورا بالشراكات الاستراتيجية:
لقاءات بوتين على هامش المنتدى:
بوتين خلال خلائه الرئيس الأندونيسي برابو سوبيانتو: روسيا تتوقع من إندونيسيا أن تقدم مساهمة كبيرة في تنمية مجموعة “بريكس سيوبيانتو يعرب لبوتين عن امتنانه لروسيا لدعمها انضمامها لمجموعة “بريكس” في وقت قصير سوبيانتو: إندونيسيا تولي اهتماما كبيرا لاتفاقية منطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
أسواق الطاقة:
في اجتماع مع الأمير عبد العزيز بن سلمان.. نوفاك يدعو السعودية للاستثمار بمشاريع سياحية في أقصى الشرق الروسي نوفواك في لقائه مع الأمير عبد العزيز حجم التجارة الثنائية مع السعودية في عام 2024 ارتفع بأكثر من 62%. كما تم تنفيذ أكثر من 40 مشروعاً استثمارياً مشتركاً بين روسيا والمملكة العربية السعودية خلال العقد الماضي في مجالات التكنولوجيا المعلوماتية والنقل والبنية التحتية والبتروكيماويات وغيرها من القطاعات نوفاك: “بحسب نتائج الربع الأول من عام 2025، زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين أربع مرات”. نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك: العالم يحتاج لمزيد من النفط و”أوبك+” مستعدة للاستجابة بمرونة نوفاك: لا عجز في سوق النفط العالمي رغم توترات الشرق الأوسط نوفاك: السوق العالمي لن يكون متوازنا دون النفط الروسي وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان يشارك في المنتدى ويتفقد أجنحة أبرز الشركات المشاركة في الحدث وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو: نخطط لاستيراد ما بين 8 و8.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في عام وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو: لا تريد هنغاريا التخلي عن إمدادات النفط الروسية عبر خط أنابيب “دروجبا”، وهو المسار الرئيسي للإمدادات. رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة كيريل دميتريف: ديناميكيات أسعار النفط بسبب الأحداث في الشرق الأوسط تقلل بشكل كبير احتمالات فرض قيود جديدة على موارد الطاقة الروسيةالمواجهة الإيرانية الإسرائيلية:
موسكو تؤكد استعدادها للعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل لتسوية النزاع القائم بينهما اتحاد الغرف التجارية العربية: الحرب تهدد سلاسل الإمداد العالمية في منطقة تجارية حيوية المديرة العامة لـ”المركز الروسي للتصدير” فيرونيكا نيكيشينا تؤكد التزام روسيا بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران، رغم التحديات الجيوسياسية الراهنة الرئيس بوتين: إيران وإسرائيل يمكنهما التوصل إلى اتفاق وإيجاد حل وسط مدير مؤسسة “روس آتوم” أليكسي ليخاتشيف: مستعدون للإجلاء السريع للخبراء الروس من محطة “بوشهر” الإيرانية للطاقة النوويةالاقتصاد العالمي:
نائب رئيس الإدارة الرئاسية الروسية مكسيم أوريشكين إن الرأسمالية العدوانية للغرب أدت إلى عدم الاستقرار السياسي في العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: روسيا تعارض الحروب التجارية والقيود مؤكدا دعم موسكو لنظام عالمي عادل ومتعددالصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة:
رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة كيريل دميترييف يؤكد استمرار التعاون الاقتصادي مع شركات أمريكية دميترييف: اعتراف ترامب بضرر العقوبات على أمريكا “نقطة تحول استراتيجية”صناعة السيارات:
شركة “أفتوفاز” الروسية تكشف عن أحدث نماذجها من سيارات “لادا” نموذج رياضي من سيارة Lada Iskra Sport شركة “أفتوفاز” تكشف عن نموذج لسيارة كروس أوفر “Aurus” الروسية تكشف عن نسخ مميزة من سياراتها في بطرسبورغ الشركة الصينية لصناعة السيارات “TANK” تستعرض أشهر سياراتها في روسياالاقتصاد الروسي:
توقيع اتفاقية تعاون روسية بحرينية في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نبيولينا: الاقتصاد الروسي يمر الآن بمرحلة التعافي رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة كيريل دميتريف: نعتقد أن شركات النفط والغاز الأمريكية ستكون من بين أوائل الشركات التي تعود إلى المشاريع الروسية وزارة التنمية الاقتصادية الروسية: حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول آسيان حطم رقما قياسيا في 2024 وتجاوز 23 مليار دولارالمصدر : RT