موقع 24:
2025-10-09@15:43:50 GMT

الفن في حياة نجيب محفوظ

تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT

الفن في حياة نجيب محفوظ

خلال تصفّحي لأحد الكتب التي تتضمن حوارات مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، استوقفتني صفحات تحدث فيها عن الفن التشكيلي وعلاقته بالأدب، ولم يكن ذلك مفاجئًا. فالأديب الكبير لم يكن مجرد روائي غارق في عوالم الورق والحبر، بل كان رجلًا يرى الجمال في كل أشكاله، ويؤمن أن الإبداع لا يعرف الحدود بين الفنون.
بدأت حكايته مع الفن التشكيلي في أواخر العشرينيات، حين قرأ مقالًا للعقاد عن الرسام محمود سعيد.

كان محفوظ آنذاك شابًا يافعًا، فتعجب كيف يُفرد العقاد مقالًا كاملًا عن فنان لم يكن اسمه متداولًا بين عامة الناس. قادته تلك الدهشة إلى فضول، والفضول قاده إلى الاكتشاف. زار معرض محمود سعيد، ووقف أمام لوحاته، فوجد نفسه أمام عالم آخر، حيث اللون لا يقل قوة عن الكلمة، والخطوط تروي قصة لا تقل تأثيرًا عن السرد. بقيت بعض تلك اللوحات محفورة في ذاكرته، مثل بنات بحري وبائع العرقسوس، وكأنها جزء من رواية لم تكتب بعد.
لم يكن الاكتشاف مجرد لحظة عابرة، بل تحول إلى شغف. اشترى كتاب Outline of Art وبدأ عادة لم تفارقه لسنوات: كل صباح، يفتح صفحة جديدة، يتأمل لوحة مختلفة، قبل أن يبدأ يومه في الكتابة. في يوم، كانت الصورة أمامه لوحة الطاحونة الحمراء لتولوز لوتريك، وفي يوم آخر كانت حاملات القرابين من معبد حتشبسوت، وفي ثالث زهور عباد الشمس لفان جوخ. لم يكن يتأمل فحسب، بل كان يدرس، يحاول فهم كيف تتحدث اللوحات كما تتحدث الكلمات، وكيف يستطيع الفنان التشكيلي، مثل الروائي، أن يلتقط لحظة عابرة ويحفظها للأبد.
علاقته بالفن لم تكن مجرد علاقة تذوق، بل توطدت من خلال صداقاته مع فنانين مثل رمسيس يونان وفؤاد كامل، حيث رأى كيف يفكر الرسام، وكيف تتحول الفكرة إلى لون، وكيف تخرج الأحلام من الفرشاة كما تخرج من القلم. وربما لهذا السبب، حين دخل عالم السينما، لم يجد نفسه غريبًا، فقد كان معتادًا على التفكير بالصورة، وكان يعرف كيف يحوّل الكلمات إلى مشهد مرئي.
كل ذلك جعلني أفكر: هل يمكن للأديب أن يكون معزولًا عن الفنون الأخرى؟ الأدب والفن التشكيلي ليسا عالمين منفصلين، بل هما وجهان لعملة واحدة. الأديب الذي لا يرى الفن بعين الفنان، يكتب بطريقة مسطحة، جافة، بلا حياة. الفن يمنح الأدب بعدًا آخر، يجعله مرئيًا، محسوسًا، قريبًا من الروح. وهذا ليس مجرد رأي شخصي، بل حقيقة نجدها في حياة كثير من الأدباء العظماء.
أوسكار وايلد، على سبيل المثال، لم يكن مجرد روائي، بل كان ناقدًا فنيًا بامتياز. في صورة دوريان جراي، لم تكن اللوحة مجرد تفصيل سردي، بل كانت قلب الرواية، محور القصة، والنافذة التي نرى من خلالها التحولات النفسية للبطل. لقد فهم وايلد أن الفن ليس مجرد انعكاس للواقع، بل هو واقع بذاته، قد يكون أجمل، وقد يكون أكثر رعبًا.
وجبران خليل جبران لم يكن مجرد كاتب ملهم، بل كان أيضًا رسامًا بارعًا، ترك لنا لوحات تحمل نفس الروحانية التي نجدها في كلماته. عندما تقرأ النبي، تشعر أنك لا تقرأ كتابًا، بل تتجول في معرض فني، حيث كل فصل لوحة، وكل فكرة مشهد بصري له ألوانه الخاصة.
أما فيكتور هوغو، فقد كان يرى الأدب كما يرى الرسام لوحته. كان يكتب كما يرسم، ويرسم كما يكتب. ترك خلفه مئات اللوحات، وكأن الكلمات لم تكن كافية للتعبير عن مخيلته. وربما لهذا السبب، عندما نقرأ أحدب نوتردام أو البؤساء، نجد أنفسنا وسط مشاهد مرسومة بحرفية بصرية نادرة.
كل هؤلاء لم يكونوا مجرد أدباء، بل كانوا فنانين بروحهم، يرون العالم بعدسة أوسع، ويدركون أن الإبداع لا يقتصر على الكلمات، بل يمتد إلى الألوان، والأشكال، والألحان.
عندما قرأت حديث نجيب محفوظ عن الفن التشكيلي، شعرت أنني وجدت تفسيرًا غير مباشر لسر عبقريته. لم يكن مجرد كاتب يسرد القصص، بل كان رسامًا بالكلمات، يرسم القاهرة في زمنها الجميل، ووجوه البشر في لحظاتهم الصعبة، والأحلام التي تولد وتموت. لم يكن يكتب فقط، بل كان يرى، ويسمع، ويتذوق. لهذا بقي أدبه حيًا، تمامًا كما تبقى اللوحة حية، تتغير بتغير من ينظر إليها. الأدب، مثل الفن، ليس مجرد حكاية تُروى، بل هو حياة تُرى

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية نجيب محفوظ نجيب محفوظ الفن التشکیلی لم یکن مجرد بل کان

إقرأ أيضاً:

فوز الكاتب المجري «لازلو كاراسناهوركاي» بجائزة نوبل في الأدب 2025

أعلنت الأكاديمية السويدية في العاصمة ستوكهولم، اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025، فوز الكاتب المجري «لازلو كراسناهوركاي» بجائزة نوبل للآداب لعام 2025، تقديرًا لإسهاماته الأدبية المميزة ولأسلوبه الفريد الذي يجمع بين العمق الفلسفي والتجريب السردي.

ومنذ انطلاقها عام 1901، مُنحت جائزة نوبل للآداب لأكثر من 120 أديبًا من مختلف أنحاء العالم، من بينهم الأديب المصري نجيب محفوظ، الذي فاز بها عام 1988، ليبقى حتى اليوم العربي الوحيد الحاصل على هذه الجائزة المرموقة.

وتُكرِّم الجائزة سنويًا الروائيين والشعراء والكتاب المسرحيين، كما شملت عبر تاريخها فلاسفة مثل رودلف أوكن وهنري برجسون وبيرتراند راسل، ومؤرخين كرائد الدراسات الرومانية تيودور مومسن، ورجال دولة كـونستون تشرشل الذي نالها عن خطاباته المؤثرة.

وفي عام 2013، أصبحت الكاتبة الكندية أليس مونرو أول من تفوز بالجائزة عن أعمالها في فن القصة القصيرة.

ورغم طابعها الأدبي، اتخذت الجائزة في أحيان كثيرة أبعادًا سياسية، إذ فاز بها عدد من الكتاب المنفيين أو المعارضين الذين مُنعوا من النشر في بلدانهم، من بينهم ميجيل أنخل أستورياس وبوريس باسترناك وبابلو نيرودا وألكسندر سولجنيتسين وجاو كسينججيان.

اقرأ أيضاًفوز 3 علماء بجائزة نوبل في الفيزياء لإنجازاتهم في ميكانيكا الكم

ترامب: عدم حصولي على جائزة نوبل سيكون إهانة كبيرة للولايات المتحدة

نجيب محفوظ.. أبدع برواياته وأصبح أول مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل للأدب

مقالات مشابهة

  • هدى المفتي تعلق على وقف الحرب على غزة بهذه الكلمات
  • فوز الكاتب المجري «لازلو كاراسناهوركاي» بجائزة نوبل في الأدب 2025
  • كيف علق نجيب ساويرس وعلاء مبارك على تأهل منتخب مصر إلى مونديال 2026؟
  • إثراء الفضاء البصري.. مبادرة عراقية لتسويق الفن التشكيلي ونشره في الجامعات (صور)
  • برج الثور.. حظك اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025: تجنب الكلمات القاسية
  • الأميرة رجوة بنت علي ترعى افتتاح المعرض الفني التشكيلي للأطفال في جرش
  • رائد النحت التشكيلي .. فنانون وشخصيات عامة في عزاء سمير ناشد | صور
  • يوسف القعيد: نجيب محفوظ رفض الذهاب لمكتبي أثناء زيارة أحد أقاربه بالمستشفى
  • رئيسة البرلمان الأوروبي: يجب أن يقوم الحوار بيننا على الكلمات والأفكار وليس على الأسلحة أو الكراهية
  • بلال قنديل يكتب: حياة بلا عنوان