جهالات سياسية.. قراءة في المواقف والتحولات في العالم العربي
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
جهالات بتاريخنا السياسي
لا يستطيع المثقف الذي رضع لبان الفكر الغربي التحرر من آثاره بيسر، ولا من سبح في فلكه التخلص منه بسهولة. يلملم بعضهم مخرجات الخطوات الدستورية التي اتخذتها القيادة الحكيمة في دمشق ويعرضها على الفكر الدستوري من منظوره الغربي فيجدها لا تتناسب ولوائح الأمم المتحدة وما جرت عليه العادة في مثل هذه التحولات الجليلة.
سيجد المتخوفون من الحكم باسم الإسلام نماذج رائعة في التاريخ السياسي للأمة: السمو الروحي للسلطة التنفيذية، والتجرد لله وحده في من تولى التشريع للناس من خلال أصول ثابتة معلومة، والقضاء فيه مستقل تلقائيا ما دامت القوانين متجردة. إن الحكم كفائي بهذا المعنى، والاشتغال بيومياته ملهاة للناس عن واجباتهم الحضارية الأخرى.
يبشرنا بعض المستغربين ببراءة العلمانية لو أنها طبقت على الطريقة الغربية، وما يلقونه على العلمانية من كساء فضفاض يسع الأديان والأيديولوجيات في المجتمع الشرقي يحرمون غيرها منه، وفي طليعتها الإسلام، الذي اختارته الشعوب التي تؤمن به منهج حياة؛ فلو أن هؤلاء المستغربين قلبوا لنا أطروحتهم وهم ينصحوننا بها لاستقام لهم الكأس على الطاولة.
يقرأ بعضهم مسار الأمور بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي تتهدد الغرب بجد، من زاوية واحدة قد لا تسير نحوها الأمور بالضرورة، واثقين من قدرة الغرب على الخروج من أزماته سالما متجددا، ولعل عواء الأوروبيين على فقدان المظلة الأمريكية دليل قوي على الخوف من المستقبل. إن العالم يتحول نحو تشكل جديد، القوة فيه هي الفيصل، وللدورة الحضارية كلمتها الفاصلة أيضا.
بلاد الشام والأتراك
إن تعميم الرداءة على الجميع أنظمة حاكمة وشعوبا محكومة مبالغة مغلوطة. ومن العدل أن لا نساوي بين الجلاد والضحية، الشعوب لا تزال تحتضن القيم والمبادئ وتضحي، والمقاومة الفلسطينية خير شاهد عرى السلطات الحاكمة. وما يحدث في السودان من صراع دام بين فصيلين حكما البلاد عقودا عوام الناس منه براء، وقرارات القمم العربية لا تلزم إلا صانعيها.
على كل حال كتائب الأقصى كانت شوكة لحركة فتح على أرض الرباط، ثم أصبحت عبئا على المقاومة بعد أن استنكفت عن تقديم ما يلزم لبلدها وشعبها إبان طوفان الأقصى، بل ومن قبل ذلك ومن بعده أيضا، وغدت طائفة تظاهر المثبطين وتقتات على ماضي أسلافها الأشاوس، وتطلب فتات الرزق من التسول السياسي، فهل بقي من ليوثتها شيء نفتخر به؟
على الدول العربية التعامل مع السلاح النووي في الكيان على أنه حقيقة واقعة، وليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه. علما بأن ضرره على الصهاينة أكبر فيما لو استهدفته المقاومة، وإن ثمن تنقية المنطقة من مخلفاته أرخص من ثمن الإبقاء عليه.
ما يفعله قادة سورية الجديدة حكمة في زمن الرخاء، ولكن الأمور ستصبح أصعب عندما تضيق الدروب وتطفو التناقضات. الإسلام ومواجهة الصهاينة والعصبة الحاكمة قضايا لا يقبل المنتصرون الاختلاف حولها؛ فلا يمنين المخالفون أنفسهم بمعارضتها.يتمحل بعض الكتاب في توصيف الواقع السوري ـ بعد سقوط الطاغية بشار وزبانيته ـ مستدعيا في كل مرة مرحلة من تاريخ الحكام الجدد عفا عنها الزمن، أي لما كانت هيئة تحرير الشام ـ أو "هتش" كما يحلو للبعض أن يدعوها ـ وغيرها ممن ساندها فصائل تقاتل في إدلب والجبال. أما بعد إسقاط النظام البائد فالأوضاع قد اختلفت، والمكاسب ازدادت، والفصائل اندمجت. ومن واجب أهلنا العلوية في الساحل أن يسلموا بواقع الأمر، وأن لا يكونوا حطبا لمحرقة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.
إن المناداة بمدنية الدولة وديمقراطيتها مشروع فتنوي ليس فيه الخلاص، والأمثلة على فشل ذلك لا تعد ولا تحصى. كما أن لازمة العودة إلى تاريخ الحاكم الحالي في سورية لا يراعي المستجدات والمراجعات، ومن الواجب التحفظ على معلومات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فلديه مبالغات وخلفيات.
من حق الغالب أن يقود أو هكذا هي طبيعة الأمور. وما يفعله قادة سورية الجديدة حكمة في زمن الرخاء، ولكن الأمور ستصبح أصعب عندما تضيق الدروب وتطفو التناقضات. الإسلام ومواجهة الصهاينة والعصبة الحاكمة قضايا لا يقبل المنتصرون الاختلاف حولها؛ فلا يمنين المخالفون أنفسهم بمعارضتها.
أنصح أهلنا الدروز بأن يأخذوا العبرة من أهلنا في الساحل، وألا يلجوا هذه الكهوف المظلمة وهم يتواصلون مع الصهاينة على الملأ إن كانوا ينتمون إلى هذه الأمة، فالتاريخ لا يرحم. وليكونوا عند حسن ظن الشاعر بهم:
وما كان الدروز قبيل شـر وإن أخـذوا بما لم يســـتحقوا
ولكن ذادة و قـراة ضــيـف كينبوع الصـفا خشنوا و رقوا
لهم جبلٌ أشمٌ لهُ شعاف ُ موارد في السحاب الجون بلقُ
لكـــل لبؤةٍ ولكل شبـل ٍ نضـــال ٌدونَ غـابتـــهِ ورشـــقُ
كأن من السموألِ فيهِ شيئاً فكلُ جهاتهِ شرفٌ وخـــلقُ
بعد عقود من المغامرة بأرواح الناس يكتشف قادة حزب العمال الكردستاني وحلفاؤهم البنية التاريخية للمجتمع الشرقي، ويتكلمون عن الديمقراطية الأخوية، ويختارون إلقاء السلاح، ثم يظلون باقين في مواقعهم يقودون أتباعهم للمستقبل. يا لها من مهزلة تاريخية!
هي هكذا قضية الأمة الإسلامية، عندما تستبدل الرسالة السماوية بأيديولوجيات بشرية فإنها ستتشظى وتتناحر، والرابح فيها كالخاسر، حتى ترجع إلى أصولها. إن سياسة التتريك، التي انتهجها الدولة التركية خاصة بعد سقوط الخلافة وتولي العلمانية بقيادة أتاتورك مقاليد الحكم، ولدت قوميات مضادة لها بأسها الشديد، ولكن أما آن لكل هذا العبث السياسي بمصائر الشعوب المسلمة أن يتوقف؟
صداع المغاربة
ولك أن تتخيل طبيعة العقول التي تسعى بشعوبها نحو الريادة والرفاه، كما هي في روسيا والولايات المتحدة والصين، إن عقولهم لا تختلف عن عقولنا في القدرات، بل إن لعقولنا مددا من السماء يضمن لها التفوق على الدوام.
الحل ميسور بين المغاربة لمن أراد ذلك، وليس إقليم الصحراء بمانع منه، بل سينتهي صداعه إلى الأبد، لو أن قادة البلدين أو أحدهما على الأقل بادر الآخر بدعوته إلى الوحدة في ظل الشريعة السمحة، وما تبقى من خلافات مجرد تفاصيل غير عصية على الحل.بيد أن أمتنا الإسلامية مبتلاة اليوم بقادة لهم عقول متوقفة تماما عن التفكير والإبداع، إلا إبداعا شريرا يعطل الحياة ويضمن لهم الديمومة والبقاء. لا يبالون أن يعطوا الدنية في دينهم ووطنهم للأجنبي بلا مقابل، بل إنك تراهم لغيهم يأمنون مكر الإله بهم كما فعل بأشياعهم في الشام من قريب، فما لهم إن نزل بهم العقاب إذاك من شافعين ولا صديق حميم.
أقول هذا وأنا ألحظ كيف غدا شعبنا في الجزائر، يحيا حياة ضنكا، أصبح أكبر همه كيس حليب يظفر به لأطفاله أو منحة بطالة تهبه نسغ الحياة، وهو المحظي من دون المسلمين كافة ببلاد عظيمة مترامية الأطراف لا يعلم خيراتها إلا الله.
لدى فرنسا أرشيف العشرية الحمراء كاملا، وهو أقوى ورقة ضغط على النظام الجزائري، وبه سيعطي لها كما أعطى "زيلنسكي" لـ "ترامب"، أما ما ذهب إليه تحليل مركز الاستخبارات الأمريكي عن المشادة بين النظامين فالخصومة إذن لم تعد كونها لعب أطفال.
الحل ميسور بين المغاربة لمن أراد ذلك، وليس إقليم الصحراء بمانع منه، بل سينتهي صداعه إلى الأبد، لو أن قادة البلدين أو أحدهما على الأقل بادر الآخر بدعوته إلى الوحدة في ظل الشريعة السمحة، وما تبقى من خلافات مجرد تفاصيل غير عصية على الحل.
يستغرق بعض المفكرين التونسيين في رصد الحالة المزرية للوضع الاقتصادي في بلادهم ناقمين على السلطة خياراتها السياسية والاقتصادية؛ والحقيقة أن كل تلك الأوجاع أعراض لداء مستطير، هو قيام الاقتصاد الوضعي كله على مفهوم الفائدة الربوية المدمرة للحياة، التي قال عنها رب المال والعباد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التحولات السياسة العربية سياسة عرب رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
صحيفة تركية: سيطرة الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة هشة وقد تتغير مع تبدل التحالفات ومستقبل الجنوب مرهون بالتماسك الداخلي والتحولات الإقليمية
أفردت صحيفة ديلي صباح التركية وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية ومقرها إسطنبول مساحة من عددها الجديد لمناقشة الأوضاع في اليمن وتحديدا ما حدث في المناطق الشرقية.
حيث علقت الصحيفة التركية بقولها إن سيطرة الإنتقالي لا تزال هشة، والفترة المقبلة ستحدد ما إذا كانت اللحظة الراهنة تمثل أساساً لواقع سياسي جنوبي جديد، أم أنها مجرد وقفة مؤقتة قبل إعادة تشكيل المشهد السياسي.
وأكدت صحيفة daily Sabah التركية في افتتاحيتها" وهي أحد الصف المقربة من الحكومة التركية " أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتوسّع شرقاً؛ لكن سيطرته لا تزال هشة وغير متساوية ويتم التسامح معها في المحافظات الرئيسية.
وأضافت الصحيفة، لقد دخلت المناطق الجنوبية من اليمن مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في الأيام الأولى من ديسمبر، عقب تقدم المجلس الانتقالي الجنوبي وأجنحته العسكرية عبر مدينة حضرموت الغنية بالنفط، ودخولهم مؤخراً إلى محافظة المهرة الواقعة في أقصى شرق البلاد، وبينما وصف البعض هذه التطورات بأنها ترسيخ لمشروع سياسي جنوبي، إلا أن الواقع أكثر غموضاً.
وتابعت، قد يكون اليمن بالفعل على وشك الانقسام الفعلي بين الشمال والجنوب، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان المجلس الانتقالي الجنوبي يمتلك التماسك والشرعية والعمق السياسي اللازمين للحفاظ على سيطرة فعّالة على هذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة التي تضم ثماني محافظات.
وأشارت إلى أنه ورغم سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي وأجنحته العسكرية حاليًا على المحافظات الجنوبية، إلا أن الوضع لا يزال متقلبًا، وأي تقييم يجب أن يُقرّ بهشاشة الوضع الراهن.
المشروع السياسي للإنتقالي
وقالت الصحيفة، اتسم زحف المجلس الانتقالي الجنوبي شرقًا بسرعة مفاجئة. ففي حضرموت، التي لطالما اعتُبرت المحافظة الأكثر تميزًا سياسيًا واستقرارًا إداريًا في الجنوب، استغلت القوات الموالية للمجلس ضعفَ وجود الحكومة المركزية والانقسامات بين النخب القبلية والإقليمية.
وبعد حضرموت، عندما دخل المجلس مدينة المهرة، كان الانتقال أكثر هدوءًا. لم تُبدَ مقاومة تُذكر، وغابت الاشتباكات الظاهرة، وأصرت السلطات المحلية علنًا على استمرار الحياة بشكل طبيعي. أثارت هذه التطورات مخاوف ليس فقط بشأن ضعف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بل أيضًا بشأن خطر ترسيخ أنظمة سلطة موازية في أنحاء البلاد.
مع ذلك، فإن تفسير هذه الأحداث على أنها توطيد حاسم للسلطة الجنوبية أو مشروع سياسي جنوبي مستقر سيكون سابقًا لأوانه. فالتأثير السياسي والعسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي وقدراته في جميع أنحاء الجنوب حقيقية، لكنها متفاوتة. يستفيد المجلس بشكل كبير من الفراغ الذي خلفه انهيار المؤسسات الوطنية، لكن سلطته غالبًا ما تعتمد على ترتيبات تفاوضية بدلًا من شرعية شعبية راسخة.
في عدة محافظات، مثل شبوة ووادي حضرموت والمهرة، يُتسامح مع وجود المجلس الانتقالي الجنوبي بدلًا من الترحيب به. ويستند نموذج حكمه على مزيج من السيطرة الأمنية التي تعززها هياكل عسكرية غير منظمة مختلفة، ورسائل رمزية حول تطلعات الجنوبيين التاريخية، وتحالفات محلية براغماتية. تنجح هذه الصيغة في أوقات الانهيار، لكنها قد تكون هشة في بيئة سياسية أكثر توترًا.
يكمن جوهر القضية في مسألة القاعدة الشعبية. حيث يقدم المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه كممثل سياسي لتطلعات الجنوب، مستندًا إلى السرد التاريخي لدولة جنوب اليمن السابقة، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1967-1990)، وإلى المظالم المتراكمة منذ التوحيد.
إلا أن قاعدته الشعبية هي الأقوى في عدن ولحج والضالع، معقل سياسات الهوية الجنوبية. ومع التوجه شرقًا، يتغير المشهد. فقد قاوم سكان حضرموت، بتقاليدهم الاجتماعية والدينية الفريدة وهويتهم الحضرمية، طويلًا الاندماج في الحركات السياسية الجنوبية الأوسع. أما المهرة، بتماسكها القبلي وروابطها الثقافية مع عُمان ونزعتها المحلية القوية، فتنظر بحذر إلى الجهات الفاعلة الخارجية، سواء أكانت قوات حكومية أم المجلس الانتقالي الجنوبي. وفي كلتا المنطقتين، يبدو أن قبول سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي مدفوعٌ بالانهيار المؤسسي في صنعاء وتغير أولويات الرياض أكثر من كونه مدفوعًا بالتوافق الأيديولوجي.
الحقائق على أرض الواقع، والجهات الفاعلة الإقليمية
لا تُقلل هذه التطورات من أهمية ما حدث مؤخرًا. فاليمن اليوم أقرب بلا شك إلى الانقسام المؤسسي من أي وقت مضى منذ عام ٢٠١٥. يسيطر الحوثيون على الشمال بتماسك وثقة؛ أما الحكومة المعترف بها دوليًا فهي منقسمة ومحدودة جغرافيًا حول مأرب فقط، ويتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي الآن بامتداد جغرافي عبر معظم المحافظات الجنوبية. لكن هذا الامتداد سياسي لا هيكلي، فهو يفتقر إلى العمق الإداري، وأنظمة الإيرادات، والشرعية المحلية الراسخة التي تجعل الأنظمة السياسية مستدامة على المدى الطويل.
يعتمد ما إذا كان بإمكان المجلس الانتقالي الجنوبي تحويل مكاسبه الأخيرة إلى حوكمة مستقرة على عاملين متفاعلين: التماسك الداخلي والبيئة الخارجية.
لا يزال التماسك الداخلي للمجلس الانتقالي الجنوبي أقوى من تماسك مجلس القيادة الرئاسية، إلا أنه ليس بمنأى عن الانقسامات. توجد خلافات بين قيادته السياسية في عدن والقادة الميدانيين الذين يدينون بولاءاتهم المحلية. وستتحدد مدى استقرار سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي المتنامية من خلال قدرته على إدارة هذه العلاقات، لا سيما فيما يتعلق بعائدات النفط والتنسيق الأمني والتعيينات الإدارية.
البيئة الخارجية لا تقل تعقيدًا. حيث تمارس الجهات الفاعلة الإقليمية نفوذًا هائلًا على سياسات الجنوب. ليس سرًا أن الإمارات العربية المتحدة تقدم للمجلس الانتقالي الجنوبي دعمًا عسكريًا ولوجستيًا وسياسيًا، لكن أولويات أبوظبي استراتيجية واقتصادية وليست أيديولوجية.
فهي تسعى إلى تحقيق الاستقرار على طول الممرات البحرية الرئيسية، وربما لا تسعى بالضرورة إلى دولة جنوبية مستقلة تمامًا. في الوقت نفسه، تجد السعودية نفسها عالقة بين مخاوف متضاربة بشأن مقاومة توسع الحوثيين، والحفاظ على نفوذها في شرق اليمن، وتجنب المواجهة المباشرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
تراقب عُمان منطقة المهرة بقلق بالغ، إذ ترى في توغل المجلس الانتقالي الجنوبي تهديدًا محتملًا لأمن حدودها وشبكاتها الاجتماعية المحلية. تساعد هذه الحسابات الخارجية في تفسير سبب تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من التقدم بسلاسة، وسبب إمكانية اختبار سيطرته إذا ما تغيرت التحالفات الإقليمية.
تتفاوت ردود الفعل المحلية في أنحاء الجنوب بشكل كبير. فبعض المجتمعات ترحب بالمجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره قوة قادرة على توفير الأمن والنظام الأساسي في ظل الفوضى السائدة. بينما تنظر إليه مجتمعات أخرى، لا سيما في وادي حضرموت والمهرة، بعين الريبة . وفي كثير من المناطق، تتكيف المجتمعات ببساطة مع من يستطيع تحقيق الاستقرار. وهذا لا يترجم إلى ولاء سياسي دائم، ويجعل سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي مرهونة للغاية بأدائه وضبطه لنفسه.
مستقبل قاتم ومنقسم
كل هذا يضع اليمن في موقف حرج . فمن جهة، تعكس قدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على التوسع دون عنف واسع النطاق انضباطه التنظيمي والفراغ الذي خلفه انهيار البنى الوطنية. ومن جهة أخرى، قد تخفي سهولة هذا التوسع مواطن ضعف كامنة.
فالجنوب عبارة عن فسيفساء من الهويات والتاريخ والمصالح الاقتصادية، وتوحيدها تحت إطار سياسي واحد يمثل تحديًا هائلًا. ويكمن الخطر في أن ينزلق البلد إلى تقسيم فعلي، لا لنجاح مشروع جنوبي متماسك، بل لفشل الإطار الوطني.
في الأشهر المقبلة، لن يكون السؤال الأهم هو ما إذا كان اليمن سينقسم إلى قسمين، بل ما إذا كان بإمكان أي طرف، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، الحفاظ على حكم فعال عبر مناطق شاسعة ومتنوعة دون إشعال موجات جديدة من الصراع. يحتل المجلس الانتقالي الجنوبي الآن موقع نفوذ غير مسبوق، لكن هذا النفوذ لا يعني بالضرورة الاستقرار. سلطته حقيقية لكنها مشروطة، تتوسع لكنها هشة، مقبولة لكنها لا تحظى بالقبول التام.
لا يزال التحول في جنوب اليمن مستمراً. وسواء استقر هذا التحول في نظام سياسي مستقر أو تفكك تحت وطأة المصالح المتضاربة، فسيتوقف ذلك على تفاعل الديناميات المحلية، والحسابات الإقليمية، وقدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على تحويل الوجود الإقليمي إلى حكم شامل. وستحدد الفترة المقبلة ما إذا كانت اللحظة الراهنة تمثل أساساً لواقع سياسي جنوبي جديد، أم أنها مجرد وقفة مؤقتة قبل إعادة تشكيل المشهد السياسي.