كان اللوتس الأزرق المصري من أهم النباتات في الثقافة المصرية القديمة، واستُخدم لأغراض دينية وطبية، وربما لأغراض نفسية. ولا يزال العلماء والمؤرخون يكتشفون الأهمية الكاملة لهذه الزهرة، وخاصة آثارها المحتملة على العقل.

واللوتس الأزرق زنبق مائي جميل أزرق اللون، ينمو في البرك وعلى ضفاف نهر النيل، وتتفتح الزهرة صباحا وتغلق ليلا، مما جعل المصريين القدماء يربطونها بالبعث والشمس، وتتميز برائحتها العطرية النفاذة، وكانت تُستخدم في العطور والفنون والطقوس الدينية.

اللوتس كان حاضرا في كل جوانب الحضارة المصرية القديمة بما في ذلك شكل أعمدة المعابد (ستيف كاميرون) نبات ذو طابع خاص

كانت زهرة اللوتس تحظى باحترام كبير في المجتمع المصري القديم، حيث ظهرت في المعابد والبرديات المصرية القديمة ورسومات المقابر.

وارتبطت هذه الزهرة الزرقاء بآلهة الشمس رع، حيث كانت "تبعث" كل صباح، وتقول أسطورة الخلق المصرية أن الآلهة الأولى (أتوم) خرجت من زهرة لوتس زرقاء طافية على مياه نون (المحيط الكوني) وفي هذه السياقات كانت زهرة اللوتس رمزا للحياة والبعث والتنوير.

وعندما فتح علماء الآثار مقبرة الملك توت عنخ آمون، وجدوا بتلات لوتس زرقاء على موميائه، واعتقد المصريون أن هذه الزهرة تساعد الموتى على الاستيقاظ في الحياة الآخرة.

إعلان

وكما تشير بعض النصوص المصرية القديمة إلى أن زهرة اللتوس كانت تُنقع في النبيذ وتُستخدم في الحفلات والطقوس الدينية، وكان يُعتقد أنها تزيد من الشعور بالراحة والاسترخاء والإثارة.

الفريق البحثي القائم على دراسة اللوتس الأزرق (دييجو موران) غش عبر الإنترنت

وبحسب بيان صحفي رسمي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فقد قام ماك إيفوي، وهو طالب في السنة الرابعة يتخصص بالأنثروبولوجيا ويدرس علم المصريات كتخصص فرعي بالجامعة، بدراسة نبات اللوتس الأزرق المصري الشهير (نيمفايا كيروليا) بالتعاون مع مركز جامعة كاليفورنيا لعلم المواد المخدرة.

وبمساعدة كيميائيين متخصصين، تمكن هذا الفريق من استنتاج أن اللوتس الأزرق الذي يباع على الإنترنت بالولايات المتحدة (وفي أماكن عدة حول العالم) بأسعار مرتفعة ليس هو اللوتس الأزرق الذي قدسه المصريون القدماء.

ويباع هذا النبات على الإنترنت لأغراض عدة، منها المساعدة على النوم أو الاسترخاء، أو لأغراض تحسين النشاط والإثارة، وفي بعض الأحيان تستخدم هذه النباتات ضمن طقوس تتضمن مواد مخدرة.

ولمقارنة النباتين، حصل إيفوي على نبات لوتس من الإنترنت، أما النبات الأصلي فهو نادر جدا، وللحصول عليه تواصل مع شخص في أريزونا ادعى امتلاكه زهرة نيمفايا كيروليا أصلية، وبالفعل أكد علماء النبات من الفريق البحثي أنها أصلية، وخلال موسم ازدهارها الصيف الماضي 2024، بدأ العلماء بتحليلها.

طالب الأنثروبولوجيا ماك إيفو درس نبات اللوتس الأزرق المصري الشهير (جامعة كاليفورنيا باركلي) خصائص كيميائية مهمة

ويعتقد العلماء المعاصرون أن اللوتس الأزرق يحتوي على مركبات قد تكون لها تأثيرات نفسية خفيفة، مثل الأبومورفين. ويؤثر هذا المركب على مستقبلات الدوبامين في الدماغ، مما قد يُسبب مشاعر المتعة والاسترخاء والنشوة، وكذلك النوسيفيرين، وهو مركب له تأثيرات مهدئة ومثبطة.

إعلان

وقد وجد إيفوي وفريقه أن مستويات النوسيفيرين كانت أعلى بكثير في زهرة اللوتس الأزرق المصري المُوثّقة مقارنة بالزهرة المشتراة من موقع على الإنترنت، مما دفع الفريق إلى الاعتقاد بأن الزهور المبيعة عبر الإنترنت هي في الواقع زنبق مائي جذاب بصريا، ولكنه شائع الاستخدام، وغير مُؤثر نفسيًا.

ثم أراد ماك إيفوي معرفة ما إذا كان يُمكن استخلاص العناصر المُخدرة من هذا النبات الأصلي عن طريق نقعه في النبيذ الأحمر، وأوضحت تجاربه أن عزل النوسيفيرين النقي تطلب مادة إضافية تُشبه زيت الزيتون، وهي تحتوي على دهون تُتيح لهذا المركب قليل الذوبان في الدهون أن يذوب تماما في النبيذ.

وبذلك توصل الفريق إلى أن المصريين القدماء لم يضيفوا اللوتس الأزرق إلى النبيذ فحسب، بل صنعوا زيتا مُنقوعا منه، أُضيف لاحقا إلى النبيذ.

وكانت دراسةٌ سابقة قد حللت مستخلصات أصلية من النبات عن مزيج من المركبات، بما في ذلك الهيدروكربونات الأليفاتية والكحولات العطرية والأحماض الدهنية ومشتقات الفينيل والديتيربينويدات والفيتوستيرولات والستيغماستانات. ومن المثير للاهتمام أن قلويدات الأبومورفين والنوسيفيرين ذات التأثير النفسي كانت غائبة تقريبا في هذه المستخلصات الأصلية، مما يشير إلى أن وجودها قد اختلف بناء على عوامل مثل طرق الاستخلاص أو مصدر النبات.​

وفي الأشهر المقبلة، يخطط الفريق البحثي لاستخدام تكتيكات إضافية لتفكيك عينات الزهور كيميائيا، عن طريق ما يسمى الكروماتوغرافيا السائلة، وستفصل خليط المركبات المعقد إلى مكوناتها الكيميائية الفردية، ما يعمق فهمهم لهذه الزهرة الساحرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان المصریة القدیمة هذه الزهرة

إقرأ أيضاً:

علماء يبتكرون لاصقا ذكيا يقرأ المشاعر الحقيقية حتى لو تعمدت إخفاءها

تمكن فريق بحثي من جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية من تطوير لاصق ذكي قابل للتمدد، قادر على رصد المشاعر الإنسانية الحقيقية بدقة، حتى في الحالات التي يتظاهر فيها الأشخاص بعكس ما يشعرون به.

ويظهر في الدراسة الحديثة المنشورة في دورية "نانو ليترز" أن هذا الابتكار لا يتوقف عند حد قراءة تعابير الوجه، بل يتخطاه ليشمل تحليلا متكاملا للإشارات الفسيولوجية المصاحبة للحالة النفسية.

يقول هوانيو تشينغ، أستاذ علوم وهندسة الميكانيكا في جامعة ولاية بنسلفانيا وقائد الفريق البحثي، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "قد تبدو هذه التكنولوجيا بسيطة كلاصق على الجلد، لكنها تحمل قدرة على تغيير طريقة فهمنا لمشاعرنا ومشاعر الآخرين. إننا نقترب من مستقبل لا يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي فهم الكلمات فحسب، بل والإحساس بما نشعر به حقا".

صورة توضح حجم الجهاز مقارنة بالإصبع البشري (يانغبو يوان) ابتكار ذكي معزز بالذكاء الاصطناعي

يتكون الجهاز من رقائق معدنية مرنة قابلة للتمدد مصنوعة من الذهب والبلاتين، بالإضافة إلى طبقات من البوليمرات الذكية. وقد صُممت هذه المواد بطريقة تمنع التداخل بين الحساسات المختلفة، مما يسمح بقياس كل إشارة بدقة واستقلالية.

يفسر تشينج: "الاستقلالية هنا تعني أننا تمكّنّا من تقليل التداخل بين الإشارات الفسيولوجية المختلفة إلى حد كبير من خلال التصميم الهيكلي الأمثل واختيار المواد بعناية، مثل وضع طبقات من البوليمرات الذكية تحت الحساسات لعزلها عن تأثيرات الشد. ولا يتعرض أي مستشعر للبيئة الخارجية عدا مستشعر الرطوبة فقط، حيث تمنع طبقة أخرى من البوليمرات أي نفاذ لجزيئات الماء بواسطة مستشعرات الضغط ودرجة الحرارة".

ويعتمد الجهاز اللاصق الجديد على كلٍ من مبدأ الفصل بين الإشارات المتعددة، والبنية مزدوجة الطبقات التي تقلل من حجمه وتعزز راحة المستخدم، مُعززا بنموذج دقيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على المشاعر.

إعلان

الجهاز يشبه اللاصقة الطبية التي تُلصق على الجلد، بالتالي يمكن وضعه على الوجه أو الذراع أو الجبهة. ويتكامل مع تطبيقات الهاتف المحمول ومنصات الحوسبة السحابية، ما يجعله أداة مثالية للرصد عن بُعد في إطار خدمات الطب عن بُعد.

لا يعتمد اللاصق الذكي على تحليل تعابير الوجه فقط، بل يدمجها مع إشارات بيولوجية أخرى (أدوبي ستوك) سقوط الأقنعة

خلافا لأجهزة مراقبة الحالة التقليدية، لا يعتمد اللاصق الذكي الجديد على تحليل تعابير الوجه فقط، بل يدمجها مع إشارات بيولوجية أخرى. فمثلا يمثل ارتفاع حرارة الجلد الشعور بالغضب أو الدهشة، أما انخفاض حرارة الجلد فتصاحب الشعور بالحزن أو الخوف، وارتفاع رطوبة الجلد عادة ما تظهر أثناء الخوف نتيجة التعرق، أما التغيرات في معدل نبضات القلب فهي تصاحب أنواعا مختلفة من المشاعر.

يضيف تشينغ: "التعبير الظاهري يمكن أن يكون خادعا لنماذج الذكاء الاصطناعي، أما البيانات البيولوجية المُدمجة فلا تكذب وتزيد من دقة النموذج في التعرف على المشاعر البشرية". بالتالي، فإن جمع هذه البيانات بشكل متزامن يوفر صورة أوضح عن المشاعر الحقيقية، مما يتيح إمكانيات مذهلة في دعم الصحة النفسية وتقديم التدخل المبكر.

تلك البيانات المختلفة التي يجمعها الجهاز، تحولت إلى بيانات تدريب تغذى عليها نموذج ذكاء اصطناعي صممه الباحثون خصيصا لتمييز المشاعر، من خلال استخدام بيانات حقيقية من 8 متطوعين قاموا بمحاكاة 6 تعابير وجهية شائعة وهي السعادة، والدهشة، والخوف، والحزن، والغضب، والاشمئزاز 100 مرة لكل منها.

وبعد تدريب النموذج، أتى الفريق بمتطوعين جدد، وعرّضوهم لمقاطع فيديو تثير تلك المشاعر ولكن بشكل حقيقي، مثل مشاهد صادمة أو مخيفة أو مواقف تدعو للاشمئزاز. وقد نجح الجهاز في الاختبار وتمكّن من التمييز بين ادعاء المشاعر والمشاعر الحقيقية، وبدقة كبيرة، إذ تمكن من التعرف على 96% من المشاعر المزيفة مقارنة بقرابة الـ89% من المشاعر الحقيقية.

إعلان

يقول "تشينغ": "لطالما مثّل تعقيد المشاعر البشرية تحديا كبيرا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، لتمييز المشاعر الحقيقية من المزيفة، ورغم قلة حجم العينة، لكن نجحت إضافة بيانات مثل درجة حرارة الجلد والرطوبة ومعدل نبض القلب في التحسين من دقة النموذج".

من الرعاية النفسية إلى مراقبة المرضى

يأمل الباحثون أن تفتح هذه التقنية، مع تأكد استخدامها عبر اختبارات مستقبلية أبوابا واسعة لتطبيقات طبية ونفسية في المستقبل، حيث يمكن استخدامها، في الرعاية النفسية عن بعد، للكشف عن حالات الاكتئاب أو القلق مبكرا. بالإضافة إلى مراقبة الحالة النفسية لمرضى الخرف أو التوحد، خاصة غير القادرين على التعبير عن أنفسهم.

كما يمكن استخدام هذه التقنية في العيادات البيطرية لرصد مشاعر الحيوانات بعد تعديل التقنية وفقا لفيسيولوجيتها. وقد تُستخدم في مراقبة الجروح المزمنة ومتابعة حالات مرضية لم يكن من الممكن متابعتها سابقا بتلك الدقة، مثل اضطرابات الجهاز العصبي.

يضيف تشينغ: "يتطلب الانتقال من الكشف عن المشاعر إلى التطبيقات الأخرى (مثل الكشف على المرضى) دمج إشارات بيولوجية جديدة ذات صلة مثل المؤشرات الحيوية في السوائل البيولوجية مثل العرق أو سوائل الخلوية" ويضيف: "وهذا من بين الاتجاهات البحثية التي نعمل عليها حاليا باستخدام مواد نانوية جديدة ونماذج ذكاء اصطناعي متقدمة بهدف تعزيز الاستقرار والتوافق الحيوي لتحقيق أفضل دقة تشخيصية وتقييم علاجي".

ورغم الإمكانيات الواعدة، فإن استخدام هذه التقنية يطرح عددا من التحديات الأخلاقية، خاصة فيما يتعلق بخصوصية البيانات. إذ قد يؤدي أي وصول غير مصرح به، أو خروقات البيانات، أو إساءة استخدام من قبل مقدمي التأمين، أو أصحاب العمل، أو أطراف ثالثة أخرى، إلى التمييز أو الوصم.

وفي هذا السياق، يوضح تشينغ: "تُعد الإشارات التي نرصدها بيانات شخصية حساسة. لذا فإننا نعتمد على تقنيات تشفير وإخفاء للهوية، بالإضافة إلى الحصول على موافقة المستخدم قبل جمع أو مشاركة أي بيانات".

إعلان

ويختتم مطمئنا، أن التقنية لا يجب استخدامها بشكل منفصل للتشخيص، بل كأداة داعمة ضمن منظومة متكاملة من أدوات التشخيص الطبي.

مقالات مشابهة

  • مختص يكشف عن فوائد التوت الأزرق للقلب والعقل والأمعاء
  • أسرع مما نتصور.. العلماء يكشفون نتائج صادمة بشأن نهاية العالم
  • «الأزرق» في مهمتين آسيويتين لتبييض صفحته
  • «مصنوعة من عظام الحيتان».. علماء يكشفون سرًا عن أدوات قديمة صنعها الإنسان
  • علماء يبتكرون لاصقا ذكيا يقرأ المشاعر الحقيقية حتى لو تعمدت إخفاءها
  • اكتشاف ثلاث مقابر مزخرفة بالنقوش والقرابين في الأقصر.. نافذة جديدة على أسرار الحضارة المصرية
  • النفسية في العصر الرقمي
  • كل أسبوع.. ورطة «الهلالي» (أخيرة)
  • من كل بستان زهرة – 101-
  • الإنترنت في لبنان... هكذا تأثّر اليوم بسبب إسرائيل