قبل سنوات، استدعى الحوثيون العديد من الموظفين في منظمتَي الصحة والغذاء العالمي لأكثر من مَرَّة، وكان الهدف من هذه الممارسات ابتزاز المنظمات وإرغامها على تنفيذ طلباتها المختلفة.

وقتها عين الحوثيون -عبر وزارة الصحة التي يسيطرون عليها- مسؤولًا عن قسم الوارد في المخازن التابعة لمنظمة الصحة العالمية لتسهيل عملية السطو على الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بالمنظمة.

وإذا أخذنا ابتزاز الحوثيين لمكتب منظمة الصحة العالمية كمثال، سنجد بأنَّ هيمنة الحوثيين على هذه المنظمة الحيوية تزايدت وأصبحت أكثر كارثية بعد أن عيّنت الجماعة طه المتوكل وزيرًا للصحة والسكان في 12 مايو/ ايار 2018م. يُعَدُّ المتوكل من المرجعيات الدينية لجماعة الحوثي، فهو خطيب وإمام جامع «الحشوش» في حي «الجراف» شمالي العاصمة صنعاء.

بعد تعيين المتوكل وزيرًا للصحة في حكومة الحوثيين، نشر موقع «الجزيرة نت» تقريرًا مُوسَّعًا تحت عنوان: «القطاع الصحي بصنعاء.. دجاجة تبيض ذهبًا للحوثي»، ليجيب على سؤال هام لطالما رَدَّده اليمنيون في تلك المرحلة: لماذا يتم تعيين هذا الرجل العقائدي المُتشدِّد والمُقرَّب جدًّا من قيادة الجماعة في هذا المكان بالرغم من أنَّ هذه الوزارة «استهلاكية» وليست إيرادية كما أنَّ الوزارة ليست من ضِمْن المُؤسَّسات السيادية؟! عدَّد التقرير كثيرًا من الأسباب، على رأسها أنَّ الوزارة التي كانت مُصنَّفة ضِمْن الوزارات الاستهلاكية، تحوَّلت إلى «دجاجة تبيض ذهبًا بالنسبة للحوثيين»، كونها باتت تتلقَّى أموالًا مهولة مُقدَّمة من المنظمات الدولية دعمًا للقطاع الصحي الذي تضرَّر بشكل بالغ بسبب الحرب وإجراءات الحوثيين.

ومن الممارسات التي فُرضت على مكتب منظمة الصحة من قِبَل الحوثيين في الوزارة المذكورة، الآتي:

– فَرْض موظفين حوثيين في مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن مقابل أيَّة تسهيلات للمنظمة، وفي حال الرفض تتم مضايقة المنظمة في التصاريح والملاحقات للموظفين التابعين لها.

– ترفيع وترقية الموظفين المؤيدين للحوثيين في مكتب المنظمة.

– إرغام المنظمة على فصل موظفين يعملون لديها بذريعة أنَّ هؤلاء يعملون مع وزارة الصحة.

– يُقدِّم الحوثيون طلبات مُستمِرَّة للمنظمة مفادها تأثيث مكاتب بعض قيادات الوزارة أو بعض الأقسام فيها.

– تحديد المنظمات والمؤسسات المحلية التي يجب أن تتعامل معها المنظمة سواء التي تُقدِّم الخدمات الصحية، أو التي تُوفِّر الاحتياجات الطبية والأدوية، وغيرها.

غالبًا، لا تستطيع المنظمة تقديم الخدمات للمواطن اليمني إلَّا عَبْرَ وسيط.. منظمة، أو مؤسسة، أو شركة تجارية.. وغيرها. وغالبًا ما تكون هذه المؤسسات الوسطية حوثية، ولهذا لا تسطيع منظمة الصحة العالمية، معرفة مصير هذه المساعدات سواء كانت أموالًا أو أدوية أو مستلزمات طبية أو مشتقات نفطية لتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية. لا تعرف منظمة الصحة العالمية لمصلحة مَن تعمل سيارات الإسعاف.. هل لنقل المرضى والجرحى؟ أمْ لنقل المقاتلين والقيادات الحوثية؟!

في مارس/ أذار 2021م، أثار ناشطون يمنيون في مواقع التواصل الاجتماعي كثيرًا من التساؤلات حول مصير سيارات الإسعاف التي تُقدِّمها منظمة الصحة الدولية لوزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لا سِيَّما بعدما ظهرت عناصر حوثية مسلحة على متنها، ليرُدَّ المكتب القُطري للصحة العالمية أنَّ «المنظمة لا تمتلك أيَّة سيارات إسعاف في اليمن، حيث يقتصر دورها على تسهيل توريد هذه السيارات لفائدة المنشآت الصحية كجزء من دعمها المتواصل لقطاع الصحة في اليمن»، وأنَّها «ليست مسؤولة عن كيفية استعمال هذه السيارات بعد تسليمها للجهات المَعنِيَّة».

ما تعرَّضت له منظمة الصحة العالمية، لاقته كافة المنظمات الدولية والأممية والإغاثية على رأسها منظمتَا الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي ((WFP التي استمرت لسنوات عاجزة عن التأكد من المصير النهائي لمساعدات تُقدَّر بملايين الدولارات في العام الواحد.

همدان العليي21 مارس، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام واشنطن تقر بيع أنظمة أسلحة دقيقة للسعودية بقيمة 100 مليون دولار ناشئو اليمن يصلون السعودية مقالات ذات صلة ناشئو اليمن يصلون السعودية 21 مارس، 2025 واشنطن تقر بيع أنظمة أسلحة دقيقة للسعودية بقيمة 100 مليون دولار 21 مارس، 2025 إعلام عبري: واشنطن طلبت من “إسرائيل” عدم الرد على صواريخ الحوثيين 20 مارس، 2025 جيش الإحتلال الإسرائيلي يواصل الإبادة في غزة بتوسيع العملية البرية إلى رفح 20 مارس، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة قنوات التعذيب الحوثية.. المساهمة في قمع وتعذيب المختطفين 20 مارس، 2025 الأخبار الرئيسية ناشئو اليمن يصلون السعودية 21 مارس، 2025 ابتزاز واستغلال المنظمات الدولية.. منظمة الصحة أنموذجا 21 مارس، 2025 واشنطن تقر بيع أنظمة أسلحة دقيقة للسعودية بقيمة 100 مليون دولار 21 مارس، 2025 إعلام عبري: واشنطن طلبت من “إسرائيل” عدم الرد على صواريخ الحوثيين 20 مارس، 2025 جيش الإحتلال الإسرائيلي يواصل الإبادة في غزة بتوسيع العملية البرية إلى رفح 20 مارس، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك قنوات التعذيب الحوثية.. المساهمة في قمع وتعذيب المختطفين 20 مارس، 2025 فضل أبو غانم.. “حينما تضعف القبيلة تقوى الدولة”  15 مارس، 2025 محاضرات زعيم الحوثيين.. الشيطان يتحدث عن نفسه 6 مارس، 2025 بلد بلا قيادة وطنية 5 مارس، 2025 رمضان في اليمن.. معاناة الأسر تحت وطأة الأزمات 26 فبراير، 2025 الطقس صنعاء أمطار خفيفة 18 ℃ 22º - 16º 42% 2.65 كيلومتر/ساعة 22℃ الجمعة 22℃ السبت 22℃ الأحد 20℃ الأثنين 19℃ الثلاثاء تصفح إيضاً ناشئو اليمن يصلون السعودية 21 مارس، 2025 ابتزاز واستغلال المنظمات الدولية.. منظمة الصحة أنموذجا 21 مارس، 2025 الأقسام أخبار محلية 29٬570 غير مصنف 24٬204 الأخبار الرئيسية 15٬934 عربي ودولي 7٬549 غزة 10 اخترنا لكم 7٬270 رياضة 2٬521 كأس العالم 2022 88 اقتصاد 2٬343 كتابات خاصة 2٬143 منوعات 2٬087 مجتمع 1٬903 تراجم وتحليلات 1٬903 ترجمة خاصة 150 تحليل 21 تقارير 1٬669 آراء ومواقف 1٬583 ميديا 1٬497 صحافة 1٬496 حقوق وحريات 1٬385 فكر وثقافة 938 تفاعل 838 فنون 495 الأرصاد 422 بورتريه 67 صورة وخبر 39 كاريكاتير 33 حصري 28 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن 6 يناير، 2022 وفاة الممثلة المصرية مها أبو عوف عن 65 عاما أخر التعليقات قاسم بهلول

اتحداك تجيب لنا قصيدة واحدة فقط له ياعبده عريف.... هيا نفذ...

مواطن

هل يوجد قيادة محترمة قوية مؤهلة للقيام بمهمة استعادة الدولة...

antartide010

ضرب مبرح او لا اسمه عنف و في اوقات تقولون يعني الاضراب سئمنا...

موضوعي

ذهب غالي جدا...

موقع موضوعي

نعم يؤثر...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمیة المنظمات الدولیة فی الیمن

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)

في أوائل مايو، قصفت إسرائيل شمال اليمن بعد سقوط صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون قرب مطار بن غوريون الدولي، خارج تل أبيب.

 

بعد الهجوم بوقت قصير، نُشر فيديو على موقع X يُظهر ثلاثة شبان يمنيين في لحظة غضب: كانوا يمضغون القات، ويحملون البنادق، ويرتدون الجلابيب التقليدية مع الجنبية، وهي خنجر قصير معقوف، تُزيّن أحزمتهم.

 

انتشر الفيديو على نطاق واسع في إسرائيل، مستقطبًا مئات التعليقات، وكثير منها ساخر. كتب مستخدم يُدعى أفيخاي بيليخ: "يبدو الأمر كما لو أن الطائرات حلقت بسرعة هائلة لدرجة أنها عادت بالزمن إلى الوراء وقصفت في القرن السابع".

 

وأضاف معلق آخر، يُدعى مائير كادمون: "إنهم ينافسون طالبان من حيث الملابس"، بينما أشار لافي آيزنمان: "كان عليّ أن أقنع نفسي بأن هذا ليس فيلمًا مُلوّنًا من عشرينيات القرن الماضي".

 

خلف هذا المظهر "المبالغ في أصالة المشهد" (في نظر الإسرائيليين)، يكمن دليل حي على ثقافة عريقة، تقليد عريق نجا من ويلات الزمن والحرب. يُلقي الفيديو، دون قصد، الضوء على العمق الثقافي لليمن، بلد مزقته الحروب، لكنه متجذر في تراثه.

 

يقول الكاتب والصحفي تسور شيزاف: "اليمن على بُعد أقل من ثلاث ساعات طيران من هنا، ولا نعرف عنه إلا القليل. إنه من أكثر البلدان سحرًا، بلد عالق في الزمن، متأخر بعقود عن بقية العالم". في عام 2007، سافر شيزاف إلى اليمن للقاء آخر يهود البلاد.

 

"هبطتُ في الثالثة فجرًا في مدينة أجنبية. أضاءت أضواء صفراء الطريق. ظهر باب اليمن، البوابة الحجرية الشهيرة لمدينة صنعاء القديمة، على يميني. ثم انزلقت سيارة الأجرة في طريق غائر، أشبه بقناة مائية بجدران على جانبيها. كان قاع الخندق مبللًا، فأشار السائق إلى علامة ارتفاع المياه على الجدران على ارتفاع متر ونصف (5 أقدام).

 

إنه نوع من طريق أيالون اليمني السريع في وسط المدينة"، كما كتب في مقال نُشر في مجلة "ماسا آخر" (اللغة العبرية) للسفر بعد الرحلة. جلس شيزاف قرب حي السائلة، الذي بناه يهود صنعاء داخل أسوار المدينة القديمة، يرتشف كوبًا من الشاي الساخن.

 

 أمام عينيه، كان الأطفال يسخرون من بعضهم البعض، ويتسابقون في مياه الفيضان، ويقفزون على السيارات البطيئة، ويرمون قصاصات الورق التي جرفتها المياه. كتب: "ما أروع الماء وهو يتدفق عبر المباني المكونة من خمسة وستة طوابق، مبانٍ من الطوب الأحمر بثمانية أو ربما عشرة أنواع من الأقواس، محاطة بالأبيض... نوافذ من الزجاج الملون، وأبواب خشبية منخفضة ذات قوائم ثقيلة وأقفال متينة".

 

لماذا لا تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة هزيمة الحوثيين في اليمن؟ هجوم الحوثيين على مطار إسرائيل الرئيسي يُثير صدىً في العالم العربي.

 

أدرجت اليونسكو مدينة صنعاء القديمة كموقع للتراث العالمي عام 1986. نفتالي هيلجر، المصور والمحاضر والباحث الثقافي، زار اليمن سبع مرات؛ ويصف مناظرها الطبيعية الخلابة. يقول: "كانت زيارتي الأولى لليمن عام 1987، وكانت الأخيرة قبيل وصول الحوثيين إلى السلطة عام 2014".

 

ويضيف: "مدينة صنعاء القديمة من أجمل المدن التي رأيتها. مبانيها عمرها حوالي 500 عام، ولا مثيل لها. هندستها المعمارية آسرة: أقواس فوق النوافذ، وزجاج ملون، وزخارف على الجدران، وأسلوب بناء فريد". عندما دخلتُ المدينة القديمة، شعرتُ وكأنني أدخل في نفق زمني. ترى مدينةً تبدو تمامًا كما كانت قبل ألفي عام، لكنها اليوم تنبض بالحياة. الأزقة ضيقة، ولا مكان للسيارات.

 

إنها ليست موقعًا أثريًا، بل مدينةٌ حية. إنها فرصةٌ نادرةٌ جدًا لرؤية مدينةٍ كهذه. يهتم اليمنيون كثيرًا بمظهر المباني، ولم أرَ مثل هذا الجمال المعماري في أي مكانٍ آخر.

 

لم يمنع تصنيف اليونسكو للمنطقة السعودية من قصفها عام 2015، خلال حربها مع الحوثيين. يقول هيلجر: "أعلم أن المدينة القديمة لحقت بها أضرار نتيجة الهجمات. كانت هناك أماكن يُفترض أن الحوثيين أخفوا فيها ذخائر وأسلحة، وقام السعوديون بقصفها. هناك مبانٍ دُمرت بسبب الهجمات. لا أرى أي قصف للمدينة القديمة حاليًا، لأنها ليست هدفًا استراتيجيًا".

 

يقول هيلجر إن من أبرز سمات الثقافة اليمنية الحفاظ على العمارة التقليدية. "في صنعاء، رأيت ورشًا لصنع الأقواس باستخدام أساليب البناء الحديثة. رأيت الناس يرسمون واجهات منازلهم، ويحافظون على هذه المباني ويدركون جمال هذا البناء".

 

لكن الحفاظ على التقاليد مسألة أوسع نطاقًا. نحن نتحدث عن بلد منغلق ومحافظ، لذا فإن ثقافته أيضًا خالية من التأثيرات الخارجية. على سبيل المثال، تُقام حفلات الزفاف مساء كل خميس. وقد حُفظت الموسيقى والإيقاع والرقص اليمني لمئات السنين دون تغيير. أي شخص يحضر حفل حناء يمنيًا في إسرائيل يرى نفس الرقصات ويسمع نفس الأصوات كما في اليمن اليوم.

 

رقصات بالخناجر

 

يقول هيلجر: "في عصر كل جمعة، يجتمعون في وسط المدينة لرقص الجنبية، وهو خنجر يمني يُستخدم أيضًا كقطعة من الحلي للرجال ورمز للمكانة الاجتماعية - وهذا هو أساسًا ترفيههم.

 

أما زيارات المتاحف والمسارح ودور السينما، فهي نادرة". ويضيف أنه بمجرد مغادرة صنعاء، تشعر فورًا أن اليمن من أفقر دول العالم. "لا توجد بنية تحتية، ولا مواصلات عامة، كل شيء هزيل".

 

كما يلعب نبات القات، وهو منشط يُشعر بنوع من النشوة عند مضغه، دورًا محوريًا في الثقافة المحلية. يقول هيلجر: "إنه مناسبة اجتماعية بارزة توحد حتى القبائل المتنافسة. يمضغون أوراق القات، ويأخذون كمية كبيرة منها ويمتصون عصارتها المرّة لساعات".

 

ونتيجةً لذلك، يغرق اليمن في غيبوبة القات بعد الظهر. "يتوقف كل شيء. يمضغ جميع الرجال تقريبًا القات، والنساء أيضًا. تبلغ قيمة سوق القات في اليمن حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا، أي ثمانية أضعاف قيمة سوق القمح".

 

في الأيام التي سبقت الحرب الأهلية في اليمن، التي اندلعت عام 2004 وأدت إلى صعود الحوثيين، بدأت السياحة بالظهور تدريجيًا في البلاد. في صنعاء، افتُتحت العديد من الفنادق والمطاعم، وسُمح للسياح بالإقامة داخل المدينة القديمة. ووفقًا لهيلجر، شهدت السياحة أيضًا نموًا في الثمانينيات والتسعينيات، لكنها توقفت فجأة.

 

ويقول: "بدأت بعض القبائل في الشمال وفي المنطقة الجبلية باختطاف السياح كمصدر دخل. أقاموا حواجز على الطرق، ودعوا السياح إلى منازلهم، ثم منعوهم من المغادرة حتى دفعت الحكومة فدية. في النهاية، بدأت عمليات اختطاف السياح تحدث حتى في صنعاء. وقد قضى هذا بشكل شبه كامل على أمل تطوير السياحة في البلاد".

 

لولا الحوثيين وعمليات الاختطاف والحروب التي تعصف باليمن، لكانت البلاد وجهة سياحية للزائرين من جميع أنحاء العالم. أرخبيل سقطرى، وهو محافظة يمنية تتألف من مجموعة جزر في المحيط الهندي بالقرب من القرن الأفريقي، تصدّر عناوين الصحف مؤخرًا عندما احتلت بحيرة ديتواه التابعة له المرتبة الخامسة عشرة على قائمة أجمل شواطئ العالم.

 

أُدرج الأرخبيل كموقع للتراث العالمي الطبيعي لليونسكو عام 2008. كانت الجزر في وقت ما تحت سيطرة الحوثيين، لكنها في عام 2020 خضعت لسيطرة الحكومة في جنوب اليمن، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.

 

ومن الأمثلة الأخرى على الثراء الثقافي لليمن مدينة شبام، في محافظة حضرموت، التي تمتد من الحدود السعودية شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا. وتُعتبر مدينة شبام القديمة المسورة، التي تعود إلى القرن السادس عشر، والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، نموذجًا للتخطيط الحضري القائم على مبدأ البناء العمودي.

 

يقول هيلجر: "يُطلق عليها اليمنيون اسم 'مانهاتن اليمن' نظرًا للأبراج السكنية المصنوعة من الطين - وهو مزيج من الطين والقش - والتي يتراوح ارتفاعها بين 13 و14 طابقًا". ويضيف أن مواد البناء في اليمن تختلف باختلاف المنطقة. فصنعاء، على سبيل المثال، بُنيت بالحجر المحمر الموجود في المنطقة، بينما في حضرموت، الأكثر جفافًا، تُبنى المباني بالطين والقش. وفي القرى القريبة من البراكين، يُستخدم البازلت الداكن. ويشير هيلجر إلى أن شبام نفسها قائمة منذ حوالي 2000 عام، وكانت محطة مهمة على طريق التوابل والبخور.

 

أما المباني الشاهقة التي نراها هناك اليوم، فقد بُنيت قبل 400 إلى 600 عام. وقبل حلول موسم الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، يُغلق السكان أي شقوق في الجدران.

 

بخلاف المواقع الأخرى، لم تكتفِ اليونسكو بإعلان مدينة شبام القديمة موقعًا للتراث العالمي، بل خصصت أيضًا أموالًا للحفاظ عليها. ووفقًا لهيلجر، فهي من المواقع القليلة في العالم التي تدفع فيها اليونسكو لسكانها أموالًا ليس فقط لصيانة منازلهم، بل أيضًا لصيانة منازل جيرانهم الذين هاجروا إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

 

ويضيف هيلجر أن هذا إجراء بالغ الأهمية، "لأن المنازل غير المحمية قد تنهار، وعندما ينهار منزل واحد، قد يجرف معه الحي بأكمله، كتأثير الدومينو".

 

كيف يسمح الحوثيون بذلك؟ يقول هيلجر: "ليس لديهم سيطرة حقيقية على شبام وحضرموت وعدن. كانت هذه المنطقة في السابق معقلًا لتنظيم القاعدة، لذلك لم يكن من السهل عليهم حكمها. لقد نجحت اليونسكو في الحفاظ على العمارة في شبام ببراعة".

 

المسرح وفنون الأداء

 

بالنسبة للشباب اليمني، الثقافة ليست مجرد تعبير عن الهوية، بل هي أيضًا وسيلة للعصيان المدني. تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في شؤون اليمن في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب وفي الجامعة المفتوحة في إسرائيل، إنه في ظل واقعٍ تُقمع فيه حرية التعبير، يُصبح الفن أداةً سياسيةً واجتماعيةً - وخاصةً للنساء والشباب.

 

وتضيف: "يعيش الناس في ظل الحرب منذ أكثر من عقد. وفي خضم هذه الحياة اليومية، تُقام مبادرات ثقافية: مشاريع غرافيتي، وفنون أداء، ومسرح، تشارك فيها النساء بنشاط. إنهن عوامل تغيير في الفضاء الذي يعشن فيه، ويتمكنّ من التعبير عن أنفسهن رغم القيود".

 

وعلى سبيل المثال، تذكر أنشطة منظمة "نسيج"، التي تعمل مع الأطفال، وقد قدّمت عروضًا مسرحيةً للتوعية بقضية زواج الأطفال. وتقول نسيم-لوفتون إن هذه الأنشطة أصبحت ذات أهمية خاصة منذ وصول الحوثيين إلى السلطة، وهو تطورٌ أدى إلى مزيد من القيود على النساء، وخاصةً فيما يتعلق بحرية التنقل.

 

في بعض الأماكن، يُدير الحوثيون وحدات تُسمى "الزينبيات": نساء يرتدين ملابس سوداء، ويرتدين النقاب (غطاء كامل للجسم لا يُظهر سوى عيني المرأة) ويحملن أسلحة، ومهمتهن فرض قواعد سلوكية صارمة تجاه النساء.

 

تُوثّق المصورة بشرى المتوكل، المولودة في صنعاء، والتي انتقلت إلى الولايات المتحدة ثم إلى فرنسا، وضع المرأة اليمنية. يتتبع مشروعها "نساءٌ في زوال" التغيرات في ملابس المرأة اليمنية عبر التاريخ، من الملابس الملونة ذات الوجوه المكشوفة والابتسامات إلى النساء والفتيات المُغطات بالسواد، ووجوههن مُغطاة بالنقاب. تُعبّر صورها عن عملية محو المرأة.

 

ترسم الفنانة هيفاء سبيع، التي تعيش في عدن، خارج سيطرة الحوثيين، رسومات غرافيتي في شوارع المدينة. تُعبّر في عملها عن عواقب الحرب الدائرة في اليمن التي يخوضها الحوثيون منذ وصولهم إلى السلطة. جداريتها، المعنونة "سننجو معًا"، تُصوّر حملها كفضاء للأمل، وقوة المرأة، ورغبة في السلام.

 

في مقابلة مع مجلة "ذا أوربان أكتيفيست" المستقلة، قالت سبيع: "للألم والأمل معنيان مختلفان، لكنهما مرتبطان بكل تجربة أمومة تمر بها المرأة. في مواجهة الصراع الدائر وتأثيره على النساء والأطفال، تُحدث النساء انخراطًا غير مرئي من أجل السلام". في عام 2019، عرضت أعمالها في بينالي سنغافورة ضمن معرض "الحرب والبشر" بالتعاون مع متحف سنغافورة للفنون.

 

واجهت محاولات سبيع للرسم في صنعاء معارضة. استولى الحوثيون على لوحاتها، وأُجبرت على العودة إلى عدن. قالت آنذاك: "واجهتهم، وحاولت أن أشرح لهم أنني أيضًا ضحية للحرب". لكن هذه هي النقطة تحديدًا: كانوا يخشون أن يبدأ الناس بطرح أسئلة حول ما كُتب على الجدران. الناس هناك لا يتقاضون رواتبهم، ولا كهرباء ولا ماء. كانت الحياة في اليمن صعبة من قبل، ولكن على الأقل كانت هناك خدمات أساسية.

 

لكن سبيع لم تستسلم للفن. قالت: "أحاول توجيه رسالة للنساء الأخريات: أنهين الحرب وابني بديلًا بلا عنف. يجب ألا نستسلم".

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا

*ترجمة خاصة بالموقع بوست


مقالات مشابهة

  • كورونا يعود للواجهة.. متحوّر جديد يثير القلق و الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر
  • ابتزاز دولي في البحر الأحمر وتوسع نفوذ على وقع الصراع في غزة.. تحليل سفير بريطانيا السابق لدى اليمن لسلوك الحوثيين
  • مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن وسيادته
  • بيان أمريكي يدعو الحوثيين للإفراج الفوري عن موظفي المنظمات الدولية والأممية
  • منظمة فاو تكشف عن تراجع أسعار الغذاء العالمية الشهر الماضي
  • منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير الحماية العاجلة لمستشفيي ناصر الطبي والأمل في غزة
  • كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
  • 70 شهيدًا و189 إصابة في غزة خلال 24 ساعة والحصيلة ترتفع إلى 54,677 شهداء
  • عقوبات بنوك اليمن تعرقل تمويل المنظمات الأممية
  • منظمة الصحة العالمية تطلق إستراتيجية التأهب للكوليرا شرق المتوسط