حدود القوة بين الغاشمين والمستسلمين.. هم ونحن
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
مسار الشرق الأوسط منذ اندلاع طوفان الأقصى يمكن تلخيصه في معنى استراتيجي كبير، هذا المعنى هو أن أعداء الأمة العربية الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة ووكيلهم الإقليمي إسرائيل يستخدمون كل مصادر قوتهم العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية إلى أقصى حدودها.. بينما تقف وحدات النظام الرسمي العربي تتلقى الضربات وذراعها مشلول إلى جانبها، فلا تستخدم مصدرا واحدا من مصادر قوتها المماثلة.
لكن المهمة الملحة هنا هي تطبيق المعنى نفسه على الحاضر، أي على العملية الجارية لإشعال الحرائق في المنطقة التي تقوم بها إسرائيل وأمريكا على عدة جبهات. فتنوب أمريكا عن إسرائيل في شن حرب في اليمن «غارات واشنطن على الحوثيين وتتفرغ إسرائيل لاستئناف الحرب على غزة وشن غارات يومية على جنوب سوريا وجنوب لبنان. في هذه الحروب نجد أنه من منظور مصادر القوة العسكرية فإن الأمريكيين والإسرائيليين «يستخدمون مواردهم ضد دول وشعوب عربية إلى حدودها القصوى أي مرحلة الإبادة الجماعية لشعب على شفا أكبر مجاعة «اليمن» والإبادة الجماعية والتطهير العرقي «غزة - فلسطين». ومن منظور المصادر الاقتصادية والدبلوماسية يستخدم الأمريكيون خصوصا ما يسمونه بسياسة الضغط الأقصى لجعل الأطراف الحليفة تبلع كرامتها المرة تلو الأخرى وتجعل الأطراف غير الصديقة مثل حماس وإيران - أو هكذا تتخيل - تعود للمفاوضات مكسورة رافعة علم الاستسلام. كمن يخلق الكذبة بنفسه ثم يصدقها، قاد هذا العزوف العربي عن تجربة أوراق الضغط التي بحوزته إلى كارثة استراتيجية أخرى وهي أنهم باتوا يعتقدون أن قوة أعدائهم قاهرة وليس لها حدود وأن ما يريده هؤلاء الأعداء حاليا من تفكيك المنطقة وتغيير حدودها وإعادة بناء شرق أوسط جديد على مقاس مصالحهم سيتحقق عاجلا أم آجلا.. بالتالي يعتقدون أن ما لديهم كعرب من موارد قوة هي موارد محدودة للغاية والأخطر أن استعمالها ينطوي على تحد ولو جزئي للمارد الأمريكي وسلطته المطلقة على قرارهم منذ نحو نصف قرن من السنوات العجاف.
مع العقيدتين الاستراتيجيتين الفاسدتين هاتين اللتين تملكان النظام العربي الرسمي وبعد استئناف إسرائيل عدوانها على غزة كان بديهيا أن يكون أول رد فعل لنخبة التطبيع والتنسيق الأمني متجاوزا في انحنائه حتى المطالب الإسرائيلية التي طالبت بنزع سلاح حماس وتخليها عن حكم غزة وتسليم المخطوفين.. فيتدحرج هؤلاء إلى درك أن يطلبوا من المقاومة ما لم يجرؤ العدو على طلبه. يطالبون المقاومة بتسليم مقاتليهم للعدو «ليقتلهم أو يسجنهم مدى الحياة» والخروج من غزة والاختفاء من المشهد الفلسطيني.
للتأكيد: هذه بعض القيود وحدود القوة التي لا تستطيع إسرائيل تخطيها وتمنعها من تحقيق ما تصبو إليه هي و«طابورها الخامس» والتي تكشف تزييف وليس فقط هوان معسكر الاستسلام.
في التاريخ لم ينتصر طرف محارب ليست لديه استراتيجية واضحة. ترى أغلبية النخبة العسكرية والسياسية الإسرائيلية وليس قطعان المستوطنين أن نتنياهو ليست لديه أي استراتيجية من استئناف الحرب على القطاع.
التشكيك فقط ليس في عدم وجود استراتيجية ولكن في انطباقها على التعريف الدقيق للغباء بتعبيرات أينشتاين وهي أن يقوم طرف بتكرار نفس الفعل متوقعًا نتائج مختلفة يقولون إن ما فشل فيه الجيش في ١٧ شهرًا من الحرب لن يحققه في أيام أو أسابيع.
قرار نتنياهو استئناف الحرب على غزة باعتراف ستيف ويتكوف هو ضد رغبة الشعب الإسرائيلي التي تريد عودة المخطوفين ولو كان الثمن هو إنهاء الحرب والانسحاب. مرة أخرى لم ينجح جيش في الفوز بحرب تعارضه أغلبية مطلقة من شعبه.
الانقسام الرافض لقرار استئناف الحرب والذي يعني عمليًا التضحية بما يقدر بـ٢٢ مختطفًا حيًا من ٥٩ لدى المقاومة لا يقف عند حدود المعارضة بل يمتد لداخل الحكومة نفسها وداخل الجيش. ومنهم من سرب للصحافة أن هذه حرب غير ضرورية وغير مجمع عليها ويتم فيها التضحية بالجيش لأغراض سياسية تخص استمرار نتنياهو في الحكم وإفلاته من المحاكمة.
دمر نتنياهو الوحدة النسبية التي تمتع بها المجتمع بعد ٧ أكتوبر وأعاد كل مناخات الحرب الأهلية التي سادت شهور ٢٠٢٣ بسبب الانقلاب القضائي الذي يقوده والذي في رأي الجميع أنه يقضي على النظام السياسي الإسرائيلي ويحوله لنظام يحكمه ديكتاتور. لأول مرة ينضم لنقاد نتنياهو رجال اليمين المتطرف «بيني بيغن، ليبرمان، بينيت». أما من يسمون أنفسهم باليسار الصهيوني المتنازعين فلأول مرة تدعو شخصيات مثل يائير جولان وايزنكوت وغانتس ولابيد إلى الاتحاد ضد نتنياهو في معسكر ديمقراطي من أجل إنقاذ دولة إسرائيل من الديكتاتورية.
تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الحرب الحالية لن تجعل حماس تستسلم وأنها أعادت ترميم قواتها وترميم أنفاقها المهدمة وعادت لزرع مئات العبوات التي تنتظر الانفجار في كل تقدم بري كما حصل في نحو ٥٠٠ يوم تقريبا من الحرب. وبالتالي لن تتخلى حماس عن شرطها في إنهاء الحرب والانسحاب وهم متأكدون أن المقاومة مستعدة للاستمرار في القتال حتى آخر مقاتل فيها. «ليس هناك إمكانية ولو واحد في المائة لتحقيق أهداف نتنياهو من الحرب إلا باحتلال إسرائيلي بري لكامل القطاع والبقاء فيه لسنوات طويلة وهو أمر مستحيل تحقيقه فالجيش الإسرائيلي البري منهك وقليل العدد ونصف الاحتياطي فيه رفض الاستدعاء للخدمة مرة أخرى وعاجز عن البقاء طويلا في أي منطقة يحتلها. كما أنه سيغرق في وحل غزة وهو الذي خرج منه هاربا بقرار أحادي من شارون ٢٠٠٥.
هناك تقريبا عشرات القيود الأخرى على حدود القوة الإسرائيلية لا يتسع المجال لذكرها ولكن كلها تجعل من خيار استسلام المقاومة خيارا غير حتمي.
بسرعة أشير بالمقابل إلى حالنا إلى اثنين من أوراق القوة العربية غير المستخدمة ضمن عشرات لا يوجد كذلك مساحة في المقال لذكرها. هاتان الورقتان خرجتا من فم البيت الأبيض نفسه هذا الأسبوع.
الورقة الأولى تتعلق بالقيمة الجيواستراتيجية لدول عربية حتى وإن عانت من مشكلات اقتصادية وغير اقتصادية يقول ويتكوف إنه إذا خسرت الولايات المتحدة وإسرائيل مصر بسبب مآلات حرب غزة فإنهما ستخسران كل شيء في المنطقة. هل جربت مصر والأردن ودول أخرى في المنطقة التلويح فقط بمميزاتها الجيوسياسية وإمكانية أن يقود ذلك المنطقة إلى الخروج من بيت الطاعة الأمريكي وخلق أكبر تهديد لمصالحها هنا منذ ٥٠ سنة؟! الجواب معروف.
الورقة الثانية تكشفها تصريحات من واشنطن «أن بلدين عربيين تعهدا باستثمار ما يقرب من ٢ تريليون دولار «ألفي مليار دولار» في الولايات المتحدة. هل من المعقول أن تقدم هذه التعهدات مقدما ومجانا - وهي الضمانة الوحيدة التي يراهن عليها ترامب في إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى؟ ودون أن تحصل مقابلها على إنهاء فوري للحرب في غزة ولبنان واليمن ومنع تفجير المنطقة برمتها وأن تحصل على دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عاصمتها القدس بدون مستوطنات إسرائيل غير الشرعية؟!
حسين عبدالغني صحفي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: استئناف الحرب
إقرأ أيضاً:
ما دلالات تزايد كمائن المقاومة قرب المنطقة العازلة بغزة؟
قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن نصب فصائل المقاومة كمائن ناجحة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي وآلياته قرب السياج الفاصل والمنطقة العازلة في قطاع غزة يؤكد جاهزيتها ويدحض مزاعم إسرائيل بالقضاء عليها.
وجاء حديث حنا للجزيرة تعليقا على مشاهد بثتها سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي– توثق كمينا هندسيا استهدف آليات الاحتلال المتوغلة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة بتفجير متزامن لقنبلة من مخلفات الاحتلال وعبوة ناسفة من نوع "ثاقب".
وبشأن هذه المشاهد، أعرب الخبير العسكري عن قناعته بأن هذا الكمين قرب المنطقة العازلة يأتي ردا على تصريحات مسؤول عسكري إسرائيلي تباهى فيها بتدمير قرابة ألف منزل فلسطيني، مشيرا إلى أنه لم يعد هناك منازل تطل على موقع ناحل عوز العسكري.
وشدد حنا على أن الموضوع لم ينتهِ، إذ تعد طريقة القتال وخصائصها مختلفة، و"لم نشهدها في تاريخ الحروب العسكرية".
واضطر جيش الاحتلال لاستعمال ذخيرة تعود إلى الخمسينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفق الخبير العسكري، الذي قدّر وجود 10% من مخلفات الاحتلال لم تنفجر بعد.
وبناء على ذلك، فإن هذه المخلفات تأتي إلى المقاومة بدلا أن تصنعها، وتعيد طريقة التعامل معها واستغلالها بأفضل شكل ممكن.
إعلانوأشار إلى نشاط 5 فرق عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة 3 منها تقاتل فعليا، وهي: 36، 98، 162، مؤكدا أن المعارك -حسب بيانات المقاومة- تقع في المنطقة الأمنية العازلة أو محيطها أو بالقرب منها.
وأمس السبت، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) أن الجيش أدخل جميع ألوية المشاة والمدرعات النظامية إلى قطاع غزة.
معارك خان يونس
واليوم الأحد، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن تنفيذ عملية مزدوجة استهدفت قوة من جيش الاحتلال كانت تتحصن داخل منزل في بلدة القرارة شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع.
وتضمنت العملية تفجير المنزل بعدد من العبوات الناسفة الشديدة الانفجار، مما أدى إلى انهياره وسقوط عدد من الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح.
وكما فجر مقاتلو القسام -وفق البيان- عين نفق في مجموعة من الجنود الذين وصلوا إلى المكان، وجرى اشتباك مباشر معهم باستخدام الأسلحة الخفيفة.
وبشأن المعارك في هذه المنطقة، قال الخبير العسكري إن لواء خان يونس في كتائب القسام لا يزال يقاتل ويعتبر مركز ثقل أساسيا، في حين تسعى إسرائيل لتأمين المنطقة بين محوري موراغ وفيلادلفيا باعتبارها عنوان المرحلة المقبلة.
ووفق حنا، فإن جيش الاحتلال يريد السيطرة على هذه المنطقة وتهجير الغزيين إليها تحت ذريعة توزيع المساعدات الإنسانية.
بين زامير وزيني
بدوره، قال رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير اليوم الأحد إن حرب غزة طويلة ومتعددة الجبهات، وتعهد بـ"حسم المعركة مع لواء خان يونس كما فعلنا في رفح".
وفي هذا الإطار، قال حنا إن زامير اقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدخول إلى قطاع غزة عبر عملية "عربات غدعون"، ويرتكز في ذلك على الدبابات والآليات العسكرية ضمن فترة تقدر بـ3 أشهر.
وعقب ذلك، فإن جيش الاحتلال يحتاج 9 أشهر لتنظيف المنطقة وتنفيذ ما قرره نتنياهو قبل أيام بضرورة أن تكون غزة خالية من السلاح، وخروج قيادات المقاومة منها، وتدمير البنية التحتية العسكرية.
إعلانوخلص إلى أنه من مصلحة نتنياهو الاعتماد على الحرب المستدامة لأنها الوسيلة الوحيدة لإنقاذه، وهو ما يتبناه رئيس الشاباك الجديد ديفيد زيني، خلافا لزامير الذي قال إن "هذه الحرب ليست بلا نهاية، وسنعمل على تقصيرها".