في وقت تسابق فيه الإدارة السورية الجديدة الزمن لاستكمال عملية دمج الفصائل المسلحة لتنضوي جميعها تحت وزارة الدفاع، يتصاعد الحديث عن قرب التوصل لاتفاق لتأطير التعاون العسكري السوري التركي، الذي قد يشمل تدريب الجيش السوري الجديد وتزويده بالأسلحة وتأسيس قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية.

وفي مطلع مارس/آذار الجاري، أعلنت السفارة التركية في دمشق مباشرةَ الملحق العسكري المقدم حسين غوز مهامه، مؤكدة على "التعاون العسكري الوثيق مع الشقيقة سوريا".

في هذا التقرير، نستعرض مواطن التعاون العسكري التركي السوري المرتقب، وتداعياته على تقاطع أو تضارب المصالح مع أطراف إقليمية ودولية في هذا الصدد.

مواقع عسكرية مشتركة

وفقا لمعلومات حصل عليها موقع الجزيرة نت من مصادر تابعة لوزارة الدفاع السورية، فمن المتوقع تأسيس مواقع عسكرية مشتركة بين الجيشين التركي والسوري في مناطق مختلفة.

ومن المرجح أن تشمل هذه المواقع قواعد جوية شمالي البلاد وشرقيها ووسطها، أبرزها مطارات منغ ودير الزور وتيفور وتدمر، وستكون مخصصة لعمليات التدريب والتطوير للقوات السورية، بموجب اتفاقية منتظرة بين الجانبين، مما يعني أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة ربما تعبر عن قلق وتحذير استباقي من مثل هذه الخطوات.

إعلان

وفي 20 مارس/آذار الجاري، أرسل الجيش التركي بالفعل قافلة عسكرية إلى مطار منغ شمال مدينة حلب، ومن المنتظر أن يكون هذا المطار أول قاعدة مشتركة بين أنقرة ودمشق.

وكشفت صحيفة حرييت التركية عن إمكانية تزويد أنقرة الجيش السوري بمنتجات صناعتها الدفاعية المتطورة في إطار التعاون العسكري مع سوريا، بالإضافة إلى إيفاد مستشارين عسكريين أتراك إلى سوريا من أجل المساهمة في إعادة هيكلة الجيش السوري.

الاتفاقية المشتركة المحتملة بين أنقرة ودمشق ستلبي مصالح الطرفين، حيث تعكف الإدارة السورية على إعادة إنشاء جيش البلاد بعد انهيار الجيش السابق الذي كان يدين بالولاء لبشار الأسد.

بالمقابل، فإن لأنقرة مصلحة في تعزيز حضورها في الساحة السورية للتعامل مع توجساتها الأمنية، وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي حقان فيدان منتصف فبراير/شباط الماضي عقب توقيع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية، إذ أشار إلى أن بلاده ستراقب عن كثب تنفيذ الاتفاقية خشية وجود "بعض الألغام المزروعة" التي ستظهر في المستقبل.

ولم تستبعد المصادر العسكرية في دمشق أن تشمل المواقع العسكرية المشتركة مع الجانب التركي نشر طائرات مسيرة، مثلما فعله الجيش التركي في القواعد التي أسسها في مناطق سيطرة الحكومة الليبية غربي البلاد.

وتسعى أنقرة منذ مطلع العام الحالي لإدماج الجيش السوري الجديد ضمن تحالف إقليمي رباعي يشمل إلى جانبها كلا من سوريا والأردن والعراق، ومن المفترض أن يركز هذا التحالف على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، بالتوازي مع تواتر تقرير عن رغبة الإدارة الأميركية في الانسحاب من سوريا.

ومنذ الأسبوع التالي لسقوط بشار الأسد، أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر استعداد بلاده لتوفير التدريب العسكري للإدارة السورية الجديدة إذا رغبت في ذلك.

إعلان تعاون متصاعد منذ 2016

لا يُعد هذا التعاون العسكري حديث العهد، فقد برز في وقت سابق من خلال دعم الجيش التركي فصائل المعارضة المسلحة السورية، خاصة خلال العمليات التي استهدفت تنظيم الدولة و"قسد".

وكان شهر أغسطس/آب 2016 شهد أول توغل عسكري تركي بري داخل الأراضي السورية لتقديم المساندة لفصائل من المعارضة ضد تنظيم الدولة ضمن عملية حملت اسم "درع الفرات".

وقد تمكنت حينها فصائل المعارضة بإسناد تركي من السيطرة على مواقع مهمة في ريف حلب الشمالي، بعد أن تقلصت مساحات سيطرة المعارضة أمام تنظيم الدولة وقوات قسد التي توغلت شمال حلب تحت غطاء الطيران الروسي.

وفي 2018، دعم الجيش التركي إطلاق فصائل المعارضة السورية عملية عسكرية ضد "قسد" تحت مسمى "غصن الزيتون"، أفضت إلى السيطرة على منطقة عفرين.

وتبعها بعد أكثر من عام عملية "نبع السلام" التي استحوذت من خلالها فصائل المعارضة على مواقع مؤثرة في الرقة، ونتج عن العمليتين المذكورتين في المحصلة النهائية تقطيع أوصال الممر الذي كان تحت سيطرة "قسد" على امتداد الحدود التركية.

ومع مرور الوقت، أسست الفصائل التي شاركت في العمليات المدعومة من الجيش التركي ما عرف بـ"الجيش الوطني السوري"، الذي ضم أكثر من 20 فصيلاً متوزعين على 3 فيالق.

كما دعم الجانب التركي تأسيس 8 ألوية في محافظة إدلب من فصائل المعارضة السورية أطلق عليها تسمية "الألوية الرديفة"، حيث نشر الجيش التركي عشرات النقاط العسكرية شمالي غربي سوريا بالتنسيق والتعاون معها.

التعاون العسكري برز بشكل واضح في دعم الجيش التركي فصائل المعارضة السورية المسلحة ​ضد تنظيم الدولة و"قسد"​ (رويترز) مباحثات مع إدارة ترامب

وصف الممثل الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الاتصال الهاتفي الذي جمع دونالد ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف الشهر الحالي بأنه كان "رائعا" و"هناك أشياء إيجابية قادمة".

إعلان

وفي هذا السياق، علم موقع الجزيرة نت من مصادر دبلوماسية في واشنطن أن النقاشات التركية مع الإدارة الأميركية تسعى لتفادي سيناريو إطلاق إدارة ترامب يد روسيا في الملف السوري مجددا، مقابل عقد تفاهمات بين موسكو وتل أبيب تضمن مصالح الأخيرة، لأن الجانب التركي لا يرحب بعودة النفوذ العسكري الروسي إلى سوريا بعد أن تم تقليصه عقب سقوط الأسد.

بالمقابل، تسعى تركيا لتنسيق نشاطها العسكري في سوريا مع إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة، وتولي الإشراف على السجون التي يحتجز فيها الآلاف من المتهمين بالانتساب للتنظيم.

وبالفعل، لا تخفي روسيا رغبتها بالعودة إلى المشهد السوري، وهو ما يتجلى في الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره السوري أحمد الشرع عبّر فيها عن دعمه الجهود الهادفة إلى استقرار الوضع في البلاد، مؤكدا استعداد موسكو للمشاركة الفاعلة في تعاون عملي مع دمشق، وتعزيز العلاقات الروسية السورية التي لطالما اتسمت بالود والتفاهم المتبادل، على حد قوله.

وبحسب المصادر، فإن إسرائيل هي الأخرى تبذل جهودها لدى الجناح السياسي في الإدارة الأميركية للتصعيد ضد إدارة دمشق لمنعها من تكريس سلطها، وتضييق مساحة التعاون بين دمشق وأنقرة.

وكان ترامب قبيل توليه الرئاسة رسميا، أشار -في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024- إلى أن تركيا ستمتلك قدرة التحكم في مجريات الأحداث في سوريا من خلال علاقتها مع الفصائل المسلحة التي سيطرت على سوريا عن طريق "عملية غير ودية".

إسرائيل المتضرر الأبرز

نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية في الـ23 من الشهر الجاري تزايد الخشية في تل أبيب من مواجهة مباشرة مع تركيا في سوريا، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت مشاورات لبحث التطورات في سوريا.

وبحسب المصدر، فإن الجيش السوري يسعى لترميم قواعد عسكرية وقدرات صاروخية، بالإضافة إلى وجود اتصالات سورية تركية لنقل مناطق قرب تدمر إلى الجيش التركي مقابل دعم لدمشق.

إعلان

وأشارت المصادر إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يطلب من مستشاريه التأكيد عبر وسائل الإعلام أن المواجهة مع تركيا في سوريا قادمة.

ومن الواضح ارتفاع الهواجس الإسرائيلية من التعاون التركي السوري، حيث شن الطيران الإسرائيلي موجة جديدة من الهجمات الجوية على مواقع سورية يوم 22 مارس/آذار الجاري، شملت قواعد جوية وسط سوريا أبرزها مطارا تدمر وتيفور في منطقة تدمر بريف حمص.

وإذا أقامت تركيا قاعدة في ريف حمص، فإن المسح الراداري لهذه القواعد قد يصل إلى هضبة الجولان المحتلة.

وتزايدت في الآونة الأخيرة تحذيرات المحللين الأمنيين الإسرائيليين من اندلاع حرب بالوكالة بين أنقرة وتل أبيب على الأراضي السورية.

ومنذ سقوط الأسد، أوضحت إسرائيل رغبتها في الاعتماد على الأقليات في سوريا وخاصة الأكراد والدروز، فيما يبدو أنه خيار إستراتيجي للحفاظ على التوازن في مواجهة تحالف تركيا وقطر مع الإدارة السورية الجديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان التعاون العسکری فصائل المعارضة الجیش السوری الجیش الترکی تنظیم الدولة فی سوریا إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما حظوظ تطبيق اتفاق آذار بين الدولة السورية وقسد بعد التدخل الأمريكي؟

تكثف الولايات المتحدة تحركاتها السياسية في سوريا الهادفة إلى تطبيق تفاهم 10 آذار/ مارس الذي وقع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والمدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وعلى مدار اليومين الماضيين، اجتمع المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك بالرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد "قسد" مظلوم عبدي، في لقاءات أكد أن الهدف منها المضي في تطبيق الاتفاق، الذي يحول دون مواجهة عسكرية لا تبدو سهلة على الجابين السوري و"قسد".

اتفاق آذار
وينص اتفاق آذار على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، وعلى أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.

وكذلك، وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من الدولة السورية.


كما يرفض الاتفاق دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري، على أن يتم تطبيقع بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي (2025).

خلافات كبيرة
وتتهم حكومة دمشق "قسد" بالمماطلة في تنفيذ الاتفاق، في حين تتحدث "قسد" عن عدم تقديم تنازلات من قبل الدولة السورية.

وبين ذلك، تحاول واشنطن تذليل العقبات أمام تنفيذ الاتفاق، الذي يعني فشلة مواجهة كبيرة قد تخوضها الدولة السورية مدعومة من تركيا، مقابل "قسد" التي لا زالت تستقوي بالتحالف الدولي.
وعن حظوظ نجاح المسعى الأمريكي، يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا إن الأمور لا زالت غير واضحة، فرغم الضغط الأمريكي أجد أن رغبة واشنطن بالتوصل إلى اتفاق شامل من شأنها عرقلة المضي في الاتفاق.

ويوضح لـ"عربي21" أن الأفضل هو العمل على الوصول إلى اتفاقات مرحلية وجزئية للبدء ببعض الخلافات الكبيرة بين الجانبين.

وتابع بأن على الولايات المتحدة فصل الملفات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، لأن التوصل إلى اتفاق في ملف النفط واندماج "قسد" بالجيش السوري وغيرها من التفاصيل، تجعل المهمة مستحيلة.

وبحسب الغبرا فإن من الأجدى التركيز على حل المشاكل العالقة بدلا من الإصرار على التوصل إلى تفاهم شامل، وخاصة أن الحكومة السورية هي انتقالية، وجيشها لا زال ناشئاً.

مهمة مستحيلة
بدوره، يرى السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور أن حظوظ تطبيق اتفاق آذار تبدو معدومة، نظراً للخلافات الكبيرة.

بجانب ذلك، أشار في حديثه لـ"عربي21" إلى عدم وجود ضغط أمريكي بالقدر الكافي، وقال: "لا تبدو الضغوط الأمريكية كافية لتجاوز الملفات الخلافية".

أما السياسي والكاتب الكردي، علي تمي، فأشار إلى جهات تريد عرقلة تطبيق الاتفاق، وفي مقدمتها حزب "العمال" الكردستاني.


وأضاف لـ"عربي21" أن اتفاق 10 آذار ولد ميتاً والسبب لأن قيادات قسد غير قادرين على الالتزام بتعهداتهم ولأن كوادر حزب "العمال" الكردستاني هو المتحكم بالوضع في شرق نهر الفرات.
 وبحسب تمي، تريد "قسد" أن تكون لها حصة من النفط ويكون لها تشكيل شبه مستقل عن الجيش، ولهذا اعتقد أن الاتفاق لن ينفذ والأرجح نحن ذاهبون إلى حرب لا مفر منها، بعد انتهاء مدة تطبيق الاتفاق، أي بعد دخول العام الجديد.

استفزاز دمشق
ووفق العديد من القراءات تحاول "قسد" جر الحكومة السورية إلى مواجهة عسكرية للانقلاب على الاتفاق، وذلك من خلال استفزاز الحكومة السورية في أحياء حلب (الأشرفية، الشيخ مقصود" التي تخضع لسيطرتها، وفي الجبهات الشرقية لحلب.

وتطالب "قسد" بحكم "لا مركزي" وإجراء تعديلات على الإعلان الدستوري، في حين تؤكد دمشق أنها منفتحة على أي نقاش يضمن حقوق الأكراد السوريين السياسية والثقافية، لكن دون مطلب الفيدرالية أو اللامركزية.

مقالات مشابهة

  • لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟
  • لماذا أرسلت واشنطن 200 عسكري إلى إسرائيل؟
  • غارة لـقسد تستهدف الجيش السوري في دير الزور.. وواشنطن تزيد تمويلها للتنظيم
  • قريباً.. وفد من قسد يتوجه إلى دمشق لمناقشة الاندماج في الجيش السوري
  • قائد قسد يعلن ان قواته ستكون جزءً من الجيش السوري
  • بشأن المجلس الأعلى اللبناني السوري.. هذا ما تبلغته الخارجية من السفارة السورية
  • استقرار النفط بعد تراجع المخاوف عقب اتفاق غزة
  • لماذا أطلقت واشنطن خلية لإعادة محتجزي تنظيم الدولة من سوريا؟
  • ما حظوظ تطبيق اتفاق آذار بين الدولة السورية وقسد بعد التدخل الأمريكي؟
  • ولي العهد يبحث في باريس تعزيز التعاون العسكري مع رئيس أركان الجيش الفرنسي