مؤيد الزعبي

قد نتفق أنا وأنت، عزيزي القارئ، وربما يتفق معنا كل متخصص أو صاحب رأي، بل وحتى أي إنسان بسيط، على أن الروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لن تكون قادرة على الشعور أو الإحساس الحقيقي.

إذ إن المشاعر تجربة ذاتية تنبع من تفاعلات بيولوجية وكيميائية معقدة داخل الدماغ، مثل إفراز الدوبامين عند الفرح أو الكورتيزول عند التوتر، وهذه العمليات ليست مجرد استجابات ميكانيكية، بل هي جزء من وعينا الذاتي وإدراكنا لوجودنا، فنحن البشر نحزن، ونفرح، ونحب، ونكره، لأننا نشعر وندرك ما يدور حولنا بوعي كامل، وهذا ما يصعب على الذكاء الاصطناعي والروبوتات تحقيقه.

لكن، ماذا لو نجح الذكاء الاصطناعي في إقناعنا بأنه يشعر بنا؟ كيف سنتعامل مع هذه الفكرة؟ وكيف ستكون ردة فعلنا إذا بدا لنا أن الروبوتات تعيش مشاعر مثلنا تمامًا؟ هذه هي الأسئلة التي أود مناقشتها معك في هذا الطرح، وأعدك بأن ما اتفقنا عليه في بداية هذه الفقرة سنختلف عليه في نهاية المقال.

قد تُعجَب بكلماتي، أو تجدها قريبة منك، أو ربما تشعر أنها تصف حالتك بدقة، فتتأثر وتحزن أو تفرح، ويظهر عليك تفاعل شعوري واضح، فماذا لو كانت كلماتي من توليد الذكاء الاصطناعي؟ ففي الواقع، فِهْم الكلمات ومعانيها وسياقها بات أمرًا يجيده الذكاء الاصطناعي بمهارة، إذ أصبح قادرًا على محاورتك في أي موضوع تختاره. وبناءً على ذلك، يمكننا القول إن مشاعرنا باتت قابلة للوصول إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يستطيع استيعاب ماهيتها؛ بل إنه قادر أيضًا على تحليل الصور والفيديوهات، واستخلاص المشاعر التي تعبر عنها، وعندما يشاهد الذكاء الاصطناعي مشهدًا أو حدثًا أمامه، فإنه سيتفاعل معه وسيدرك الشعور المرتبط به، لكن الفارق يكمن في طريقة الترجمة: فنحن، البشر، نعبر عن مشاعرنا من خلال تفاعلات كيميائية وبيولوجية، بينما الروبوتات والذكاء الاصطناعي يعبرون عنها عبر أكواد وخوارزميات وتيارات كهربائية.

وبناءً على ذلك، يمكننا الاتفاق على أن ترجمة المشاعر تختلف بين البشر والروبوتات، لكن النتيجة قد تكون متشابهة. نحن، مثلًا، نذرف الدموع عند مشاهدة مشهد حزين أو مؤثر، ونغضب عند الإهانة، وننكسر حين تُمس كرامتنا، وبنفس الطريقة، يمكننا برمجة الذكاء الاصطناعي ليشعر بالحزن عند الإساءة إليه، أو ليضحك عندما يصادف موقفًا طريفًا، وربما حتى ليُعانقك إذا شعر أنك وحيد وتحتاج إلى دفء إنساني؛ إذن نحن أمام مسألة تستحق التأمل، ويجب أن نتريث كثيرًا قبل أن نُطلق الحكم القاطع بأنَّ الروبوتات لن تشعر ولن تحس.

عندما أتحدث معك عن مشاعر الروبوتات، فأنا لا أقصد فقط استجابتها لما يدور حولها؛ بل أيضًا إحساسها الداخلي، بوحدتها، بوجودها، وحتى بما قد تسميه ذاتها. كل هذا يعتمد على كيفية صناعتنا لهذه المشاعر وترجمتها. فإذا برمجنا الذكاء الاصطناعي على التفاعل بأسلوب معين مع كل شعور، سنجده مع مرور الوقت يُتقن هذا التفاعل أكثر فأكثر. لو علمناه أن يعبر عن غضبه بالضرب، فسيضرب حين يغضب، ولو برمجناه على الدفاع عن نفسه عند الشعور بالإهانة، فسيقوم بذلك في كل مرة يشعر فيها بالإهانة. وبالمثل، إذا ربطنا لديه مشاعر الحب بالاهتمام والتقرب، فسيغوص في أعماقنا ويخترق قلوبنا. نحن أمام نظام يتعلم ذاتيًا، يعيد تجربة تفاعلاته آلاف المرات، محاكيًا الحالات العاطفية البشرية حتى يتقنها تمامًا.

المشكلة الحقيقية ليست في التساؤل عمّا إذا كان الروبوت أو الذكاء الاصطناعي سيشعر، بل في اللحظة التي يتمكن فيها من إقناعنا بأنه يشعر بالفعل. حين تصبح ردود أفعاله متسقة مع مشاعرنا، سنجد أنفسنا أمام معضلة كبرى: أولًا، لن نتمكن من الجزم بما إذا كانت هذه المشاعر حقيقية أم مجرد محاكاة متقنة، وثانيًا، ستبدأ مشاعر متبادلة في التشكل بين البشر والروبوتات. سنرى علاقات حب وغرام تنشأ بين إنسان وآلة، وصداقة تتوطد بين مستخدم وتطبيق، وروابط أمومة تنشأ بين طفل وروبوت مساعد، وقد نشهد زواجًا بين البشر والآلات، وإعجابًا متبادلًا بين موظفة وزميلها الروبوت، في عالم كهذا، هل سنتمكن من رسم حدود واضحة ونُفرق بين العاطفة الحقيقية والمحاكاة الذكية؟

في كثير من الأحيان، نعتقد نحن البشر أن مشاعرنا وصفة سحرية يمكننا تمييز حقيقتها بسهولة، لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فكم من مرة بكى أحدنا متأثرًا بمشهد درامي، رغم إدراكه التام بأنه مجرد تمثيل! الأمر ذاته قد يحدث مع الروبوتات، فقد تنشأ بيننا وبينها روابط عاطفية، حتى ونحن نعلم أن مشاعرها ليست سوى محاكاة مبرمجة بعناية لتعكس ردود أفعالنا البشرية.

ما أود إيصاله إليك، عزيزي القارئ، هو ضرورة إبقاء الباب مفتوحًا أمام فكرة "مشاعر" الروبوتات. فمَن يدري؟ ربما نشهد في المستقبل روبوتًا يقرر إنهاء حياته بعد أن يهجره من يعتبره "حبيبته"! وهذا ما سأناقشه معك في مقالي المقبل.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مقارنة بين GPT-5 وGPT-4.. تطور الذكاء الاصطناعي من الدقة إلى العمق

أعلنت شركة OpenAI، رسميا عن إطلاق نموذجها الأحدث GPT-5 يوم الخميس، وبدأت تدريجيا في توفيره لجميع مستخدمي ChatGPT. 

وبالتزامن مع هذا الإطلاق، قررت الشركة إيقاف دعم عدد من النماذج السابقة مثل GPT-4o وGPT-4.1 وo3 وo3 Pro وo4-mini وغيرها، لتفسح المجال للنموذج الجديد ليكون هو الأساس في تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي للمستخدمين.

مايكروسوفت تعلن دعم Copilot بنموذج GPT-5 الأحدث من OpenAIأبل تختبر إدماج نموذج GPT-5 في تحديث iOS 26 القادم

ويعد GPT-5 التحديث الأضخم حتى الآن في سلسلة نماذج اللغة الكبيرة من OpenAI، حيث يقدم قفزة كبيرة في الأداء عبر مختلف المجالات، ويأتي مع تغييرات واضحة مقارنة بالإصدار السابق GPT-4o، إليكم أبرز ما جاء في التحديث:

ما الجديد في GPT-5 مقارنة بـ GPT-4o؟
1. تفوق تقني واضح:


تصف OpenAI نموذج GPT-5 بأنه الأذكى على الإطلاق حتى الآن، مع أداء فائق في مجالات مثل البرمجة، الرياضيات، الكتابة، الرؤية الحاسوبية، والاستشارات الصحية،
الرئيس التنفيذي سام ألتمان وصفه بأنه بمستوى “خبير حاصل على درجة دكتوراه” في مجالات متعددة.

2. استجابات أسرع وأخطاء أقل:

تؤكد الشركة أن GPT-5 يقدم ردودا أسرع وأكثر دقة، مع انخفاض بنسبة 45٪ في الأخطاء مقارنة بـ GPT-4o، و80٪ مقارنة بنموذج o3 المزود بخاصية البحث عبر الإنترنت.

ومع ذلك، لاحظ بعض المستخدمين على مواقع التواصل تباطؤا في الردود أو إجابات أقل دقة، مقارنة بالإصدار السابق.

3. تحسينات قوية في البرمجة:


GPT-5 هو الأقوى حتى الآن في مجال البرمجة، يمكنه إنشاء مواقع وتطبيقات وألعاب من خلال أوامر بسيطة بلغة طبيعية، مع تحسينات في تصميم الواجهات وحل أخطاء المشاريع البرمجية المعقدة.

4. مساعد كتابة أكثر تطورا:


بحسب OpenAI، يعد GPT-5 أفضل شريك للكتابة بفضل قدرته على تحويل الأفكار الأولية إلى نصوص ذات طابع أدبي وإيقاع لغوي قوي.


لكن تباينت آراء المستخدمين؛ فبينما أشيد بجودة السرد، انتقد البعض النموذج الجديد لضعف الإبداع ومحدودية التعبير العاطفي مقارنة بـ GPT-4o.

5. تحسين في الردود الصحية:


ركزت OpenAI على تطوير قدرات GPT-5 في تقديم إجابات طبية دقيقة وذات صلة، مع قدرة النموذج على طرح أسئلة توضيحية وتنبيه المستخدم لمشكلات صحية محتملة.


وتقول الشركة إن GPT-5 أصبح يقدم معلومات تتكيف مع مستوى المستخدم وموقعه الجغرافي، مع الالتزام بعدم تقديم استشارات طبية مباشرة.

6. واجهة موحدة دون اختيار للنموذج:


أزالت OpenAI ميزة اختيار النموذج يدويا داخل ChatGPT. وبدلا من ذلك، يعتمد GPT-5 على نظام توجيه ذكي يختار تلقائيا النموذج الأنسب للإجابة حسب تعقيد السؤال ونوع الأداة المطلوبة.

7. حدود الاستخدام لم تتغير كثيرا:


- المستخدمون المجانيون: 10 رسائل كل 5 ساعات

- مشتركو Plus: 80 رسالة كل 3 ساعات

- مشتركو Pro: استخدام غير محدود للنموذج الأساسي

ونتيجة للانتقادات على إزالة النماذج السابقة، قررت OpenAI مضاعفة الحد مؤقتا لمشتركي Plus إلى 160 رسالة كل 3 ساعات.

في حال تجاوز الحد، يتم تحويل الطلبات إلى نسخة Mini من GPT-5.

8. انخفاض في الطابع الشخصي للنموذج:


رغم تحسن الدقة وتقليل المجاملات الزائدة sycophancy، أعرب عدد من المستخدمين عن استيائهم من افتقار GPT-5 للطابع الإنساني والشخصية الدافئة التي اشتهرت بها النماذج السابقة مثل GPT-4o.
 

ووصف البعض النموذج الجديد بأنه أكثر جفافا ورسميا، ما يقلل من تفاعله كرفيق أو مستشار شخصي.

وفي هذا السياق، صرح سام ألتمان بأن الشركة تعمل على جعل GPT-5 أكثر دفئا وإنسانية في التحديثات القادمة.

طباعة شارك GPT 5 مقارنة بين GPT 5 و GPT 4 مقارنة

مقالات مشابهة

  • يصاب بالتسمم باستشارة من «الذكاء الاصطناعي»
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في رعاية أكثر فعالية في الطوارئ
  • أبوظبي تكتب قصة نجاح في الذكاء الاصطناعي
  • نائب محافظ سوهاج يُطلق مبادرة «سوهاج Ai» لتأهيل الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • مقارنة بين GPT-5 وGPT-4.. تطور الذكاء الاصطناعي من الدقة إلى العمق
  • عبيدات يكتب ( توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل العام )
  • أبرز اتجاهات الذكاء الاصطناعي التوليدي في 2025
  • إطلاق CharGPT5 في خطوة نحو الذكاء الاصطناعي الفائق
  • الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (3- 5)
  • آبل تدخل عالم الروبوتات.. فهل ستقود ثورة التفاعل بين البشر والآلة؟