عيد الفطر في اليمن.. فرحة سرقتها السجون والقبور
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
كان الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني ينظر ببصيرة إلى الواقع المأساوي في بلده على امتداد أجيال ماضية وقادمة، وكتب قصيدة شعرية تعدّ من بين الأكثر صدقاً، صوّرت العيد وأحواله، وأورد في مطلعها: "يقولون جئت فماذا جرى؟ وماذا تجلى وماذا اعترى؟ تراك الأغاني جديد الشروق، فأي جديدٍ مفيدٍ ترى؟ تزيد البيوت، السجون، القبور/ فهل زاد شبراً أديمُ الثرى؟".
باتت غالبية الأسر اليمنية تعاني من وضع معيشي متدهور سرق منها جزءاً كبيراً من بهجة عيد الفطر، لكن المأساة تكمن في الأسر التي فقدت أحباءها في الحرب، والأكثر مأساوية هي لتلك التي تفتقد أبناءها الأسرى في السجون، بانتظار الإفراج عنهم ولمّ الشمل مع أسرهم، ما ينهي سنواتهم المريرة في السجون. وهذا الواقع المر تسبب في اندثار العديد من طقوس العيد وعاداته الاجتماعية التي تميّز العيد في اليمن، باعتباره مناسبةً للمّ شمل الأسر، واللقاء بعد فترات الغياب.
يقول وسام مبارك (16 سنة) لـ"العربي الجديد": "أفقدتني الحرب مع أفراد أسرتي معنى العيد، بعد استشهاد أبي، وهذا الوضع تعيشه مئات آلاف الأسر. حين كنت في السادسة من العمر وصلت الحرب إلى قريتي بريف تعز، وأذكر أنني ارتديت في يوم العيد ملابسي الجديدة، لكنني لم أستطع الخروج من البيت بسبب القصف الذي كانت تشنه مليشيا الحوثي على قريتنا، واليوم أصبحت شاباً ولا تزال الحرب تحصد رؤوس اليمنيين وتزرع الحزن الأبدي داخل مزيد من الأسر، وتضاعف عدد الأطفال الأيتام والنساء الثكالى".
وتقول سارة العباسي لـ"العربي الجديد": "زوجي عسكري في الجيش الوطني بمأرب، ولا نعرف عنه أي شيء منذ نحو خمس سنوات، ويُقال إنه أسير لدى الحوثيين. وبالتأكيد لا نعرف أي عيد في غيابه، فعيدنا الحقيقي يكون حين يعود إلى البيت".
وحوّلت الأوضاع الاقتصادية المتردية التي أفرزتها الحرب اليمنية المندلعة في اليمن منذ عشر سنوات العيد من موعد للفرحة إلى همّ إضافي يُضاف إلى الهموم المتزايدة لليمنيين، خصوصاً أن غالبية الأسر باتت عاجزة عن توفير أبسط التزامات العيد.
ويقول غسان القاضي (42 سنة)، وهو موظف، لـ"العربي الجديد": "جعلت الأوضاع المعيشية المواطن يخاف من قدوم العيد نتيجة الالتزامات المالية المصاحبة لإحياء طقوسه، إذ يستلزم توفير كسوة صارت مكلفة جداً وغالية الثمن، خصوصاً في ظل قلّة الدخل المالي، وأيضاً مبلغ مالي باسم المعاودة أو العسب من أجل تقسيمه على الأقارب والأرحام، خصوصاً النساء والأطفال، خلال زيارات العيد والسلام عليهم. إلى ذلك كان العيد يمثل فرصة لعودة الأسر من المدن إلى القرى، وهذا أمر أصبح صعباً جداً نتيجة تضاعف تكاليف السفر".
يتابع: "أصبح اليمني اليوم عديم الحيلة أمام التزامات العيد الكثيرة والمكلفة، لذا يحاول الحفاظ بقدر الإمكان على ما تبقى من طقوس اجتماعية، ويكتفي مثلاً أشخاص بزيارة الأرحام من دون تقديم المعاودة أو العسب، وآخرون بكسوة الأطفال الصغار فقط من دون الكبار الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة، وباتت أسر كثيرة تقيم في المدن والتي كانت تسافر سنوياً في الأعياد إلى القرى تكتفي بتنفيذ زيارة كل خمس سنوات، وبعضها لم تزر القرى منذ بداية الحرب تحت ضغط انعدام القدرات المالية".
ويجعل الواقع الجديد للعيد يمنيين يحنّون إلى أجوائه في الماضي حين كان البلد ينعم بالأمن والسلام، وكان للعيد معناه باعتباره مناسبة اجتماعية ودينية تحمل الفرحة إلى قلوب الكبار والصغار على حد سواء.
ويقول تيمور العزاني، وهو شاعر أيضاً، لـ"العربي الجديد": "لم تعد هناك استعدادات محددة للعيد عبر صُنع الحلويات أو وضع الزينة في البيت. نكتفي بتبادل التهاني مع الأهل والأصدقاء افتراضياً عبر تطبيق واتساب. كانت الأعياد مصدر فرح وسعادة لنا، وفرصة مهمة للقاء الأصدقاء الأقرباء الغائبين، لكنه يطل علينا هذا العام أيضاً في ظل دولة مخطوفة وبهجة مسلوبة لم نعد نراها، كما لا نرى حولنا شيئاً يدل على العيد سوى التوقيت الزمني".
وتقول سعيدة مهيوب (58 سنة)، وهي ربّة بيت، لـ"العربي الجديد": "زالت الأعياد لأن الوضع المعيشي جعل المواطنين مهمومين بتوفير لقمة العيش، حتى إننا عجزنا عن كسوة الأطفال. قبل الحرب كانت الأعياد فرحة للصغار والكبار، وكانت الحال ميسورة، وكنا نشتري كسوة العيد للصغار والكبار من نهاية شهر شعبان، وكانت النساء يشترين الملابس التقليدية والتراثية، ويجهّزن الحناء والعطور والبخور، وأيضاً جعالة العيد من زبيب ولوز وفستق وشوكولاتة، وتجهيز المعاودة للأطفال، وتبادل الزيارات مع الأهل، لكن لم يبقَ من العيد الآن إلا الاسم فقط، وكما يقول المثل الشعبي: العيد عيد العافية، والحمد لله على كل حال".
كذلك يتحدث عبده الجرادي، وهو سائق حافلة، لـ"العربي الجديد"، ويقول: "لم يعد يرمز العيد منذ سنوات إلى أي مظهر من مظاهر البهجة، وبقيت رمزيته الدينية فقط لا أكثر. شخصياً امتنعت عن شراء أي ملابس جديدة أو زينة العيد، في حين حاولت في هذه الأوضاع القاسية أن أوفر لأطفالي القليل من الملابس والتظاهر بالفرح كي لا يشعروا بثقل الحرب على كاهلنا، وكي نمنحهم لحظات للاحتفال بعيداً عن قسوة الواقع حولنا. لقد فقدنا العيد كرمز ومناسبة للاحتفال والفرح وتبادل الزيارات، ولم يبقَ إلا الاسم فقط".
وتقول زينب مكي، وهي طالبة جامعية، لـ"العربي الجديد": "نستعد للعيد كالعادة عبر تجهيز الملابس والعيديات والكعك، ونستغل طقوسه للفرحة رغم ظروف الحرب. كان العيد صعباً في السنوات الأخيرة بسبب ظروف الحرب لكننا نحاول أن نتعايش مع الواقع، ونتمسك بشعور الفرح رغم كل شي، ونأمل أن يحمل عيد الفطر هذا العام الفرح، ويشكل بداية جديدة لأننا صرنا نفتقد الشعور بالطمأنينة التامة، وأيضاً اجتماعات ولمات الأسر التي كانت تحصل في الأعياد السابقة".
ويقول الفنان خاطر عبد الله لـ"العربي الجديد": "لم يعد العيد كما في السابق في ظل الحرب. نفتقد في ظل الوضع الاقتصادي الصعب هذا العام الكثير من الطقوس، أبرزها العودة للقرية مع الأسرة، وشراء الهدايا للأهل خصوصاً الزبيب واللوز والعطور، والمشاركة في أداء صلاة العيد في مصلى العيد الذي يجتمع فيه أبناء القرى، ومن مختلف الأعمار بملابسهم الجديدة لأداء الصلاة في جو روحاني واجتماعي".
يضيف: "كان العيد في السابق بسبب عودة جميع الأسر من المدن إلى القرى يعد فرصة مناسبة لإقامة أعراس الزواج، لأن العيد فرصة للقاءات الاجتماعية، وكانت القرية الواحدة تشهد بين 5 و10 أعراس".
وتقول الطفلة ريتاج محبوب (12 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أكتفي في العيد باللعب مع أخوتي وأقاربي فقط. لم نعد نستطيع الذهاب للعب في الحدائق وزيارة المتنزهات بسبب الغلاء والحرب، وأحلى ما في العيد هي أن أخوالي وأعمامي يزوروننا في البيت، ويقدمون لي مبلغاً من المال يمنحني الفرح".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن عيد الفطر صنعاء عدن الحرب في اليمن العربی الجدید عید فی
إقرأ أيضاً:
اتفاقية بين "شراكة" و"البرواني للأعمال الخيرية" لدعم الأسر المنتجة
مسقط- الرؤية
أعلنت شراكة، الشركة الرائدة في مجال تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، عن توقيع عقد اتفاق مع مؤسسة محمد البرواني للأعمال الخيرية، ذراع العمل الخيري والمسؤولية المجتمعية لمجموعة شركات محمد البرواني، بشأن طرح برنامج "أسرتي" الذي يهدف إلى دعم وتطوير مشاريع الأسر العُمانية المنتجة.
وقَّع على الاتفاق علي بن أحمد مقيبل الرئيس التنفيذي لشراكة، وإيمان البروانية الرئيسة التنفيذية لمؤسسة محمد البرواني للأعمال الخيرية. واتفق الطرفان على تنفيذ مشروع تنموي لمدة 6 أشهر؛ بهدف دعم وتطوير 15 أسرة منتجة من جميع أنحاء السلطنة. ويركز البرنامج على تمكين الأسر المنتجة من خلال تزويدهم بالتدريب الفني ورفع قدراتهم الادارية والالمام بالمعرفة المالية، إلى جانب دعم وتطوير الأعمال.
ولضمان الشفافية والشمولية، سوف تتولى لجنة مشتركة بين شراكة ومؤسسة محمد البرواني للأعمال الخيرية، عملية ترشيح الأُسر للانضمام للبرنامج؛ وذلك بالتنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية؛ وفقًا لمعايير جاهزية المشروع والاحتياجات الاجتماعية الاقتصادية، مع إعطاء الأولوية للمشاريع المنتجات اليدوية والحرفية.
وتنقسم هذه المبادرة إلى مرحلتين أساسيتين؛ حيث تُركِّز المرحلة الأولى على تمكين رب الأسرة من عمر 18 إلى 55 عامًا، وذلك من خلال رفع قدرات المشاركات بتدريب حرفي متخصص ورفع وعيهن بريادة الأعمال. فيما تستهدف المرحلة الثانية تأهيل الشباب من نفس الاسرة من عمر 18 إلى 25 عامًا في ادارة الأعمال، ورفع الانتاجية، وبناء العلامة التجارية، والتسويق الرقمي. ويشمل البرنامج إجراء زيارات ميدانية دورية، ومتابعة أداء المشاركين وتقديم المشورة لهم.
وقال علي بن أحمد مقيبل الرئيس التنفيذي لشراكة: "تُجسِّد هذه الشراكة رؤيتنا المشتركة بشأن بناء مجتمعات قوية من خلال دعم المشاريع المستدامة. ويسعدنا أن نقدم ما لدينا من خبرات في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل تمكين الأسر وتزويدها بأدوات عملية سوف تساعدها على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية على المدى البعيد".
من جانبها، أشادت إيمان البروانية الرئيسة التنفيذية لمؤسسة محمد البرواني للأعمال الخيرية بهذا التعاون، وقالت: "تلتزم مؤسستنا بدعم المجتمعات من خلال تحقيق أثر حقيقي ودائم، ونسعى من خلال برنامج "أسرتي" إلى دعم الأسر المنتجة، خاصةً تلك التي تعمل في مجال الحرف التقليدية، ومساعدتها على تحقيق طموحاتها من خلال منظومة دعم واضحة الأهداف"، مضيفة أن هذا التعاون يتماشى مع ركائز المؤسسة؛ وهي: الاقتصاد والمجتمع والبيئة، وتعد من الأساليب المبتكرة لدعم الأسر المنتجة.
وبموجب الاتفاق، سوف تتعاون شراكة ومؤسسة محمد البرواني للأعمال الخيرية من أجل تنفيذ البرنامج بنجاح؛ حيث يلتزم الجانبان بتنسيق جهودهما خلال مدة المشروع، مع تعيين نقاط اتصال مختصة لمتابعة سير العمل وتعزيز التواصل.