خطوة غير مسبوقة | ألمانيا تطبق اللعبة الأمريكية لترحيل متظاهرين مناصرين لغزة.. كيف؟
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
شدد موقع "ذي انترسبت" على أن سلطات الهجرة في العاصمة الألمانية برلين تتجه إلى ترحيل أربعة شبان أجانب مقيمين بتهم تتعلق بالمشاركة في احتجاجات ضد حرب الاحتلال على غزة، وهي خطوة غير مسبوقة تثير مخاوف جدية بشأن الحريات المدنية في ألمانيا.
وبحسب تقرير نشره الموقع وترجمته "عربي21"، فقد صدرت أوامر الترحيل، بموجب قانون الهجرة الألماني، وسط ضغوط سياسية واعتراضات داخلية من رئيس وكالة الهجرة في ولاية برلين.
ومن المقرر أن تدخل هذه الأوامر - الصادرة عن ولاية برلين، التي تشرف إدارتها في مجلس الشيوخ على إنفاذ قوانين الهجرة - حيز التنفيذ في أقل من شهر. ولم يُدن أيٌّ من الأربعة بأي جرائم.
وتذكر هذه القضايا باستخدام الولايات المتحدة لأوامر الترحيل لقمع الحركات الاجتماعية، وفقا للتقرير.
ونقل الموقع عن ألكسندر غورسكي، المحامي الذي يمثل اثنين من المتظاهرين، قوله "ما نراه هنا مستوحى مباشرة من قواعد اليمين المتطرف. يمكنك أن ترى ذلك في الولايات المتحدة وألمانيا أيضا: تُسكَت المعارضة السياسية من خلال استهداف وضع المهاجرين للمتظاهرين".
وأضاف غورسكي: "من الناحية القانونية، أثار هذا المنطق قلقنا، مما ذكّرنا بقضية محمود خليل"، في إشارة إلى خريج جامعة كولومبيا الفلسطيني والمقيم الدائم في الولايات المتحدة الذي اعتُقل من مبنى شقته بتهم تتعلق بأنشطة مؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي.
الأشخاص الأربعة المقرر ترحيلهم، كوبر لونغبوتوم، وكاسيا فلاسزيك، وشين أوبراين، وروبرتا موراي، هم مواطنون من الولايات المتحدة، وبولندا، وفي الحالتين الأخيرتين من أيرلندا.
قال توماس أوبرهاوزر، المحامي ورئيس اللجنة التنفيذية لقانون الهجرة في نقابة المحامين الألمانية، إنه بموجب قانون الهجرة الألماني، لا تحتاج السلطات إلى إدانة جنائية لإصدار أمر ترحيل. ومع ذلك، يجب أن تكون الأسباب المذكورة متناسبة مع شدة الترحيل، مما يعني أن عوامل مثل ما إذا كان الشخص سيُفصل عن عائلته أو سيفقد عمله تدخل في الاعتبار.
وأضاف أوبرهاوزر، الذي لم يشارك في القضية: "السؤال الرئيسي هو: ما مدى خطورة التهديد ومدى تناسب الرد؟ إذا طرد شخص ما لمجرد معتقداته السياسية، فهذا تجاوز كبير للحدود".
يواجه كل من المتظاهرين الأربعة ادعاءات منفصلة من السلطات، وجميعها مستمدة من ملفات الشرطة ومرتبطة بأنشطة مؤيدة لفلسطين في برلين. بعض هذه الادعاءات، وليس كلها، تتوافق مع تهم جنائية في ألمانيا؛ ولم يُمثل أي منهم تقريبا أمام محكمة جنائية.
تشمل الاحتجاجات المذكورة اعتصاما جماعيا في محطة قطارات برلين المركزية، وحصارا على الطريق، واحتلالا لمبنى في جامعة برلين الحرة أواخر عام 2024.
وأشار الموقع إلى أن الحدث الوحيد الذي ربط القضايا الأربع معا هو الادعاء بمشاركة المتظاهرين في احتلال الجامعة، والذي تضمن إتلافا للممتلكات، وعرقلة مزعومة لعملية اعتقال لمتظاهرين آخرين. لم يتهم أي من المتظاهرين بأي أعمال تخريب أو عرقلة اعتقال في الجامعة. بل يشير أمر الترحيل إلى الاشتباه في مشاركتهم في عمل جماعي منسق. (قالت جامعة برلين الحرة لموقع إنترسبت إنه لا علم لها بأوامر الترحيل).
وبعض الادعاءات طفيفة. على سبيل المثال، يتهم اثنان بوصف ضابط شرطة بـ"الفاشي" - أي إهانة ضابط، وهي جريمة. ويتهم ثلاثة بالتظاهر مع مجموعات تهتف بشعارات مثل "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة" - التي حظرت العام الماضي في ألمانيا - و"فلسطين حرة". وتزعم السلطات أيضا أن الأشخاص الأربعة هتفوا بشعارات معادية للسامية أو معادية لإسرائيل، على الرغم من عدم تحديد أي منها.
اتُهم اثنان بالإمساك بذراع ضابط شرطة أو متظاهر آخر في محاولة لوقف الاعتقالات في اعتصام محطة القطار.
أوبراين، أحد المواطنين الأيرلنديين، هو الوحيد من بين الأربعة الذي تضمن أمر ترحيله تهمة - وهي تهمة وصف ضابط شرطة بـ"الفاشي" - والتي عُرضت على محكمة جنائية في برلين، حيث بُرئ.
كما ووجهت إلى الأربعة جميعا، دون أدلة، تهمة دعم حماس، وهي جماعة فلسطينية تصنفها ألمانيا "منظمة إرهابية".
ولفت الموقع إلى أن ثلاثة من أوامر الترحيل الأربعة تستشهد صراحة بتهديدات مزعومة للسلامة العامة ودعم حماس للدفع بأن المتظاهرين لا يحق لهم التمتع بحقوقهم الدستورية في حرية التعبير والتجمع في إجراءات الترحيل.
وقال غورسكي، محامي اثنين من المتظاهرين: "ما نراه هو أقسى الإجراءات المتاحة، بناء على اتهامات غامضة للغاية ولا أساس لها من الصحة جزئيا".
في خطوة غير مسبوقة، قال غورسكي، إن ثلاثة من أوامر الترحيل الأربعة استشهدت بالتعهد الوطني الألماني بالدفاع عن إسرائيل - مبدأ الدولة (Staatsräson) - كمبرر.
صرح أوبرهاوزر، عضو لجنة الهجرة في نقابة المحامين، بأن مبدأ الدولة هو مبدأ وليس فئة قانونية ذات معنى. وقد جادلت هيئة برلمانية مؤخرا بأنه لا توجد آثار ملزمة قانونا لهذا البند.
وأضاف أوبرهاوزر أن هذا التمييز يجعل استخدام مبدأ الدولة في إجراءات الترحيل محل شك قانوني: "هذا غير مسموح به بموجب القانون الدستوري".
تُظهر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي حصل عليها موقع "إنترسبت" ضغوطا سياسية وراء الكواليس لإصدار أوامر الترحيل، على الرغم من اعتراضات مسؤولي الهجرة في برلين.
دارت المعركة بين البيروقراطيين من فروع مجلس شيوخ برلين، الهيئة التنفيذية الحاكمة للولاية تحت سلطة كاي فيغنر، رئيس البلدية، الذي يُنتخب بدوره من قبل الهيئة البرلمانية للمدينة.
بعد أن طلبت وزارة الداخلية في مجلس شيوخ برلين أمر ترحيل موقعا، أبدت سيلكه بولمان، رئيسة قسم منع الجريمة والإعادة إلى الوطن في وكالة الهجرة، اعتراضاتها.
وفي رسالة بريد إلكتروني، أشارت بولمان إلى أن إنغلهارد مازانكي، المسؤول الأعلى في وكالة الهجرة، يشاركها مخاوفها.
وحذرت بولمان صراحة من أن الأساس القانوني لإلغاء حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي الثلاثة غير كاف، وأن ترحيلهم سيكون غير قانوني.
وكتبت بولمان، مشيرة إلى مواطني دول الاتحاد الأوروبي الثلاثة في الحالات من أ إلى ج: "بالتنسيق مع السيد مازانكي، أُبلغكم أنني لا أستطيع الامتثال لتوجيهكم الصادر في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024، والمتعلق بعقد جلسات استماع للأفراد المدرجين في الفقرات من أ إلى ج وتحديد فقدان حرية التنقل لاحقا، لأسباب قانونية". وكتبت بولمان أنه على الرغم من أن تقارير الشرطة "تشير إلى وجود تهديد محتمل للنظام العام من قِبل الأفراد المعنيين، إلا أنه لا توجد إدانات جنائية نهائية تُثبت وجود تهديد خطير وفعلي بما فيه الكفاية".
سرعان ما رفض كريستيان أوستمان، المسؤول في وزارة مجلس الشيوخ في برلين، الاعتراض الداخلي، المعروف باسم "الاحتجاج"، وأمر بالمضي قدما في أوامر الطرد على أي حال.
وكتب: "بالنسبة لهؤلاء الأفراد، لا يمكن تبرير استمرار حرية التنقل لديهم بدعوى النظام العام والسلامة، بغض النظر عن أي إدانات جنائية. لذلك أطلب إجراء جلسات الاستماع فورا وفقا للتعليمات".
وفي تصريح لموقع "إنترسبت"، قال متحدث باسم وزارة مجلس الشيوخ للموقع بأن وزارة الداخلية لديها سلطة على مكتب الهجرة.
وقال المتحدث: "تمارس وزارة الداخلية والرياضة في مجلس الشيوخ إشرافا فنيا وإداريا على مكتب الدولة للهجرة. وكجزء من هذا الدور، تمتلك الوزارة سلطة إصدار التوجيهات".
ورفض مجلس الشيوخ التعليق على تفاصيل القضايا، مشيرا إلى حماية الخصوصية. ولم تستجب وكالة الهجرة لطلب "إنترسبت" للتعليق.
وفي النهاية، امتثل مازانكي، المسؤول الأعلى في عدالة الهجرة، للتوجيه ووقع على الأمر.
في مقابلات مع موقع "إنترسبت"، رفض المحتجون الأربعة الذين صدرت بحقهم أوامر الترحيل مناقشة الادعاءات المحددة الموجهة إليهم.
في هذه الأثناء، أُمر الأربعة جميعا بمغادرة ألمانيا بحلول 21 نيسان/ أبريل 2025، وإلا سيواجهون الترحيل القسري.
سيواجه لونغبوتوم، الطالب الأمريكي البالغ من العمر 27 عاما من سياتل، واشنطن، أشد العواقب، إذ سيُمنع بموجب الأمر من دخول أي من دول منطقة شنغن الـ 29 لمدة عامين بعد مغادرته ألمانيا.
لونغبوتوم، الذي نفى أي معاداة السامية، صرح لموقع "إنترسبت" أنه لم يتبقَّ له سوى ستة أشهر لإكمال درجة الماجستير في جامعة أليس سالومون في برلين، حيث يدرس العمل في مجال حقوق الإنسان.
قال لونغبوتوم: "هل سأتمكن من إنهاء برنامج الماجستير هنا؟ أين سأعيش؟. كل هذه الأسئلة غير واضحة تماما".
لونغبوتوم، وهو متحول جنسيا، يعيش في برلين مع شريكه، وهو مواطن إيطالي. يُثقل كاهلهم احتمال الانفصال، حسب التقرير.
قال لونغبوتوم: "ليس لديّ ما أبدأ به من جديد. كشخص متحول جنسيا، تبدو فكرة العودة إلى الولايات المتحدة الآن مخيفة للغاية".
قال كاسيا فلاسزيك، 35 عاما، وهو عامل ثقافي ومواطن بولندي، إنه لم يتخيل أبدا أن يحدث هذا. وأكد أن مزاعم معاداة السامية هي في الغالب تكتيك عنصري موجه ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين في ألمانيا، وأن أوامر الترحيل تعكس زيادة في استخدام هذه المزاعم ضد أي شخص يتضامن معهم.
وقال: "ألمانيا تستغل هذه الاتهامات كسلاح".
فلاسزيك، وهو أيضا متحول جنسيا، لم يعش في بولندا منذ سن العاشرة.
وقال: "إذا حدث هذا، فسوف يقتلعني من جذور المجتمع الذي بنيته هنا".
ووفقا للموقع، فقد كان الشعور بفقدان وشيك للمجتمع شائعا بين المتظاهرين.
قال شين أوبراين، 29 عاما، وهو مواطن أيرلندي: "لقد تحطمت أوهامي بشأن برلين بسبب عدم الرد على الإبادة الجماعية". وأضاف أن القمع العنيف الذي تعرضت له الجاليات العربية في برلين تركه في حالة من الصدمة.
بعد ثلاث سنوات في برلين، يبدو التهديد بالترحيل الآن بمثابة قطيعة مع روبرتا موراي، 31 عاما، وهي أيضا أيرلندية.
قال أوبراين: "حياتي هنا. لا أخطط لأيرلندا. أعتقد أننا سننتصر - وأننا سنبقى. لا أعتقد أن هذا سيصمد في المحكمة".
قدم غورسكي ومحامون آخرون الآن التماسا عاجلا لتخفيف المؤقت إلى جانب استئناف رسمي يطعن في قانونية أوامر الترحيل.
وأشار إلى أنه عمل على قضايا مماثلة استُخدم فيها قانون الهجرة لاستهداف النشطاء المؤيدين للفلسطينيين بسبب خطابهم، لكن ما يميز القضايا الأربع الحالية، كما قال، هو الصراحة التي يُستخدم بها ما يسمى بقانون الدولة الألماني لتبرير عمليات الطرد.
قال غورسكي: "سجلات هؤلاء الأشخاص الجنائية نظيفة". ومع ذلك، يبدو أن حكومة برلين تُروّج لرواية "خطر وشيك" للالتفاف على الإجراءات القانونية الواجبة.
حذر غورسكي من أن هذه القضايا تُمثّل اختبارا لقمع أوسع نطاقا ضد المهاجرين والنشطاء في ألمانيا، وليس فقط ضد أربعة متظاهرين. وقال: "إنهم يُستخدمون كحقل تجارب".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة الفلسطيني المانيا فلسطين غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة من المتظاهرین وکالة الهجرة مجلس الشیوخ فی ألمانیا الهجرة فی فی برلین إلى أن
إقرأ أيضاً:
تراجع الدعم لغزة بعد الهدنة.. أرقام صادمة تكشف عمق المأساة
غزة- فجأة ودون سابق إنذار توقف الدعم المالي الذي كانت تتلقاه الفتاة أسماء أحمد، من غزة، والمتمثّل بكفالة شهرية ثابتة من إحدى الجمعيات العربية كانت تصلها خلال عامي الحرب، وساعدتها في تغطية العلاج والأدوية واحتياجاتها اليومية.
ومع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، توقّفت المساعدة لأسماء حيث أعاقتها الحرب، وقالت للجزيرة نت، "كأنهم اعتقدوا أن حاجتي انتهت بتوقف الحرب، لكن حياتي لم تتغير، ولا أزال أخضع للعلاج ولا أملك مصدر دخل"، وتضيف "لم يحزني توقف الكفالة بقدر ما آلمني الشعور أن العالم تخلّى عني عندما لم يعد يرى الدمار على الشاشات".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قطر الخيرية تقدم دعما عاجلا للمتضررين من الفيضانات في بنغلاديشlist 2 of 2أردوغان: نبذل جهودا لإيصال المساعدات إلى غزةend of listوتعيش أسماء قلقا وخوفا من المستقبل، على أمل أن يعيد الداعمون النظر في قراراتهم، لأن الهدنة بالنسبة لها وللآلاف مثلها ليست نهاية للمعاناة، بل بداية فصول جديدة منها.
الأزمة تتعمّق
ورغم أن الهدنة في غزة بدت لكثيرين وكأنها بوابة لالتقاط الأنفاس بعد عامين من القصف المتواصل، إلا أن الواقع على الأرض، يشير إلى مفارقة موجعة؛ فكلما خفت صوت المدافع، قلّ التضامن وتراجع الدعم، في وقت تتصاعد فيه معاناة الناس وتتعمّق.
ومع انحسار صور الدخان والدمار عبر وسائل الإعلام، بقيت آلاف العائلات ترزح تحت عبء فقدان منازلها، وانقطاع مصادر رزقها، وتراكم الديون ونفاد المدخرات.
ويؤكد عاملون ومبادرون في الإغاثة الانسانية بغزة للجزيرة نت، أن الدعم والإغاثة شهد تراجعا كبيرا فور توقف العدوان، باعتقاد خاطئ لدى بعض الداعمين بأن توقف القصف يعني انتهاء الحاجة، لكن الواقع، بحسبهم، يؤكد أن الضرورات الأساسية من الإيواء والغذاء والرعاية الصحية والدعم النفسي بلغت ذروتها بعد توقف الحرب، ومحاولة العائلات انتشال نفسها من براثن النزوح.
ويُحذّر هؤلاء من أن ربط التبرعات بفترة الحرب يترك آلاف الأسر في مواجهة فراغ خطر، مؤكدين أن مرحلة ما بعد الحرب هي أكثر المراحل احتياجا للدعم المنظّم والمستدام.
وعن ذلك، يقول المدير التنفيذي لمعهد الأمل للأيتام نضال جرادة، للجزيرة نت، إن حجم المسؤوليات بعد الحرب تضاعف بشكل غير مسبوق، بفعل النزوح الواسع وفقدان المأوى ومصادر الدخل، وارتفاع أعداد الأيتام والأرامل بشكل مستمر.
إعلانويضيف "التبرعات التي كانت تتدفق خلال الحرب تراجعت بوضوح مع الهدنة، رغم أن نهاية الحرب تُمثل بداية المرحلة الأصعب؛ إذ تتضح الاحتياجات الأكثر عمقا".
ويشدد جرادة على ضرورة استمرار الدعم وتوجيهه عبر المؤسسات الرسمية الموثوقة، لضمان وصوله إلى مستحقيه بشفافية وعدالة، مبينا أن معهد الأمل يعمل في ظل ضغط هائل لتوفير الرعاية الصحية والنفسية والتعليمية للأيتام، إضافة إلى دعم الأسر المنكوبة، مؤكدا أن استقرار التمويل شرط أساسي لاستمرار هذا الدور الإنساني.
تبعات الحربوبحسب الأمم المتحدة، فقد نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص، أي نحو 90% من سكان قطاع غزة خلال الحرب، بعضهم اضطر للنزوح عشر مرات أو أكثر ويعيشون في خيام بالية دون أدنى مقومات للحياة. في حين تشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي إلى وجود أكثر من 56 ألف يتيم وما يزيد عن 21 ألف أرملة جراء العدوان.
وتشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي إلى وجود 56 ألفا و348 طفلا يتيما فقدوا أحد الوالدين أو كليهما، إضافة إلى أكثر من 650 ألف طفل مهدّدين بسوء التغذية، و40 ألف رضيع بلا حليب أطفال. كما يوجد 21 ألفا و200 أرملة فقدن المعيل في ظل انعدام السكن ونقص الطعام وغياب الرعاية الصحية نتيجة العدوان. وتواجه 107 آلاف سيدة حامل ومرضع خطرا مباشرا على حياتهن.
كما يسجَّل وجود 19 ألف مصاب بحاجة إلى تأهيل طويل الأمد، و4800 حالة بتر، وأكثر من 12 ألفا و500 مريض سرطان بلا علاج، إضافة إلى 350 ألف مريض مزمن بلا أدوية.
أما فيما يتعلق بالعمال وذوي الدخل اليومي، فهناك أكثر من 250 ألف عامل فقدوا مصدر رزقهم بشكل تام، مما يعني ربع مليون أسرة بلا دخل، وبلا منزل في كثير من الحالات.
هذه الأرقام وحدها تكشف حجم الكارثة القادمة إن لم يستمر الدعم بكثافة. فغزة اليوم ليست بحاجة إلى "مساعدات طارئة" فحسب، بل إلى خطة شاملة للدعم والإغاثة وإعادة البناء.
وفي السياق يقول مدير مؤسسة المستقبل للتنمية والبيئة، علي الديراوي، إن الهدنة لم تُعالج شيئا من تبعات الحرب، وأن آلاف الأسر لا تزال نازحة وبلا دخل، والأعمال الحرفية متوقفة، والمدخرات تبخرت بفعل الغلاء وتراكم الديون.
ويقول الديراوي، للجزيرة نت، إن "الحديث عن تحسن الأوضاع، بناء على روايات إعلامية إسرائيلية عن دخول المساعدات، يعكس صورة مضللة للممولين في الخارج، ما يدفع بعضهم للاعتقاد بأن دورهم انتهى".
ويضيف الديراوي أيضا أن "الاعتماد على المبادرات الفردية بدل المؤسسات الرسمية أضعف الشفافية في توزيع المساعدات"، مؤكدا أن الناس بعد الحرب يعيشون مرحلة جديدة من الألم تتطلب مضاعفة الدعم لا تقليصه.
الناطق باسم حمـ ـاس حازم قاسم:
- سكان غـ ـزة يغرقون مجددا في خيامهم بسبب الأمطار ولم تفلح جهود العالم في التخفيف من الكارثة بسبب الحصار الإسرائيلي
- نطالب الجميع بالتحرك أمام المأساة الإنسانية غير المسبوقة في غزة مع غرق الخيام بسبب الأمطار#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/i9ovQk8NxO
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 25, 2025
"الاحتياج أكبر"ورغم توقف القصف تصاعدت الأزمة، بل انكشفت بالكامل، والمعاناة لم تختف، بل تغيّر شكلها؛ من صدمة القصف إلى واقع النجاة، فلم تشهد مرحلة ما بعد الحرب أي تعافٍ، ولا تزال تحتاج لدعم كبير وإلى مؤسسات قادرة على إدارة هذا الدعم بمهنية.
إعلانويؤكد إبراهيم، المعروف بـ "زوما"، أحد المبادرين الشباب في غزة، أن الهدنة لم تُغير واقع الناس، بل كشفت حجم الفجوة. ويقول للجزيرة نت، إن "التبرعات التي كانت تمكّنه من تجهيز طرود غذائية وإقامة تكايا للنازحين، توقفت فور إعلان الهدنة، وكأن انتهاء القصف يعني انتهاء الحاجة".
ويضيف "اليوم، الاحتياج أكبر بكثير. الناس بلا بيوت ولا دخل ولا قدرة على توفير أساسيات الحياة، لكن الدعم تراجع كأن المعاناة توقفت مع صمت القصف".
وتوضح مسؤولة الإعلام في مؤسسة "غزي دستك" التركية للإغاثة، إسراء الشريف، أن الهدنة وإن أوقفت القصف، لكنها لم تمنع الانهيار الإنساني في غزة، بل كشفت حجمه الحقيقي.
وتقول الشريف للجزيرة نت، "رغم ما يراه العالم من هدوء نسبي، يعيش السكان واقعا أشد قسوة؛ اقتصاد مشلول، وآلاف العائلات بلا دخل أو مأوى، وخيام مهترئة لا تصمد أمام برد الشتاء".
وتشير الشريف إلى أن الخدمات الأساسية تكاد تكون معدومة؛ فلا مدارس، ولا بنية تحتية، ولا مستشفيات قادرة على تقديم الرعاية، في حين يعاني الأطفال آثارا نفسية عميقة ويحتاجون تدخلا عاجلا.
وتُحذّر من تراجع الاهتمام العالمي بغزة بشكل لافت منذ بدء الهدنة، سواء بالتغطية الإعلامية أم تفاعل النشطاء، رغم أن الاحتياج الحقيقي يبدأ بعد توقف الحرب.
وترى الشريف أن أخطر ما تواجهه المؤسسات الإنسانية اليوم هو حملات التشويه التي تستهدف المتطوعين والداعمين وتتهمهم بالفساد، ما أدى إلى تراجع التبرعات وانكماش الثقة، وهو ما يفاقم معاناة العائلات التي تنتظر الغذاء والدواء والمأوى.
وتؤكد أن هذه الحملات ليست عفوية، "بل جزء من مسعى ممنهج لضرب ثقة العالم بأي جهة تقدّم المساعدة لغزة، بهدف خنق آخر شريان دعم يصل للمدنيين". وتختتم "الهدنة ليست نهاية المأساة، بل بداية مرحلة أصعب، وإذا تراجع العالم الآن، فإنه لا يترك غزة بلا قصف فقط، بل يتركها بلا حياة".