أنقرةـ بعد أشهر قليلة من سقوط نظام بشار الأسد وصعود قيادة سورية جديدة، تتسارع خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، بالتوازي مع تطورات إقليمية متسارعة، أبرزها التصعيد الإسرائيلي ضد الأراضي السورية.

ويزور الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، غدا الجمعة، تركيا للمشاركة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، في زيارة هي الثانية له منذ توليه السلطة، وتندرج ضمن جولة إقليمية تهدف إلى تعزيز الدعم السياسي والاقتصادي لحكومته وسط ضغوط دولية متزايدة.

وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة نظرًا لتوقيتها الحساس وارتباطها بملفات أمنية وسياسية معقدة، في مقدمتها مستقبل شمال سوريا والتنسيق مع أنقرة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.

الشرع سيبحث في تركيا ملفات اللاجئين والعلاقات الثنائية والتصعيد الإسرائيلي (الرئاسة التركية) ملفات النقاش

ووفقًا لوسائل إعلام تركية، تتركز الزيارة على تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين الجانبين، إلى جانب دفع عجلة التعاون الاقتصادي. كذلك ستتطرق المباحثات إلى ترتيبات أمنية جديدة، من بينها احتمال إنشاء نقاط انتشار تركية داخل الأراضي السورية ضمن تفاهمات مشتركة قيد الدراسة.

ومن المتوقع مناقشة مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ظل تقارير تفيد بنيّتها حلّ نفسها والاندماج ضمن الجيش السوري، في خطوة تمثل تحولا إستراتيجيا في خريطة النفوذ بشمالي وشمال شرقي سوريا.

وتأتي زيارة الرئيس السوري إلى أنقرة في وقت تشهد فيه الجبهة السورية تصعيدا ملحوظا، بعد سلسلة غارات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في دمشق وحمص وحماة مطلع أبريل/نيسان الجاري.

إعلان

ومن المرجح أن تتصدر هذه التطورات جدول مباحثات الشرع في أنقرة، وسط مساع سورية تركية لتنسيق المواقف في مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتجدد.

ويحضر ملف اللاجئين السوريين بقوة على طاولة النقاش، فمع انتهاء حقبة الأسد وبدء عهد الشرع شهدت الأشهر الماضية عودة طوعية لنحو 145,639 لاجئا سوريا من تركيا إلى بلادهم، بحسب ما أعلن جودت يلماز نائب الرئيس التركي في مارس/آذار الماضي.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من مليون لاجئ سوري عادوا منذ مطلع عام 2025، في أكبر موجة عودة منذ اندلاع الحرب، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 3.5 ملايين خلال العام الحالي.

وهو ما يفرض تحديات مشتركة على أنقرة ودمشق، أبرزها تأمين الخدمات، وإعادة الإعمار في مناطق العودة، وضمان استقرارها الأمني لمنع حدوث فراغ.

وتشمل الملفات الأخرى مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، وقضية تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، التي لطالما شكلت محورًا في العلاقات بين الجارتين.

واقع جديد

يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن زيارة الرئيس السوري إلى تركيا لا تُعد مجرد لقاء سياسي روتيني، بل تحمل أبعادًا إستراتيجية تعكس تحولا عميقا في العلاقات السورية التركية في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.

ويُفسر علوش في حديثه للجزيرة نت أهمية الزيارة على 3 مستويات مترابطة:

تجسّد هذه الزيارة واقعًا جديدًا في العلاقة بين أنقرة ودمشق، بعد قطيعة دامت أكثر من عقد بسبب الأزمة السورية. ترتبط الزيارة بأهمية بناء علاقة متينة بين الشرع وأنقرة، إذ يدرك الرئيس السوري الانتقالي حاجة بلاده لتحالفات إقليمية قوية تضمن لها الاستقرار والدعم. تعكس الزيارة إدراك تركيا المتزايد لأهمية الانخراط المباشر في صياغة مستقبل سوريا، إذ باتت تعتبر نجاح المرحلة الانتقالية فيها مسألة أمن قومي.

وعلى الصعيد الدولي، يرى علوش أن تركيا لعبت دورا مؤثرا في تعزيز القبول الدولي بالإدارة السورية الجديدة، لكنه يشير إلى أن هذا الدور لا يزال محدود التأثير في ما يتعلق بملف العقوبات الغربية، مضيفا أن "أنقرة تحاول إقناع القوى الغربية برفع أو تخفيف العقوبات، لكن الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو".

إعلان

أما إقليميا، فيؤكد علوش أن أهمية التقارب السوري التركي تتعدى العلاقة الثنائية، لتصل إلى التأثير في موازين القوى الإقليمية، في ظل تراجع نسبي للدورين الإيراني والروسي، وتحضيرات أميركية للانسحاب من الساحة السورية.

ويخلص إلى أن العامل الإقليمي بات أحد أبرز المؤثرات في مسار التحول السوري، وأن مستقبل هذا التحول سيتوقف بدرجة كبيرة على قدرة الفاعلين الإقليميين على تحويل التنافس إلى شراكة، بدلًا من الانزلاق إلى صدامات تعمّق أزمات المنطقة.

تفاهمات محتملة

من جهته، يرى المحلل السياسي طه عودة أوغلو أن زيارة الشرع تأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل التصعيد الإقليمي المتسارع، لا سيما بعد التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، والتصعيد اللافت في الخطاب التركي تجاه تل أبيب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير عودة أوغلو إلى أن اللقاء المرتقب بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع قد يُفضي إلى تفاهمات جديدة بشأن خطوات مشتركة، سواء على صعيد الأمن الإقليمي، أو في إعادة صياغة الدور التركي في سوريا، مشددًا على أن نتائج اللقاء ستكون لها تداعيات مهمة على التحركات الإقليمية خلال المرحلة المقبلة.

كذلك يلفت إلى ما وصفه "بوضوح الموقف التركي" تجاه السياسات الإسرائيلية، مشيرًا إلى تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي أكد أن العلاقات مع إسرائيل ستبقى مجمدة، ولا مجال للتطبيع في ظل استمرار تل أبيب في زعزعة استقرار المنطقة.

ويشدد عودة أوغلو على أن أنقرة ترى في استقرار سوريا جزءًا من أمنها القومي، مضيفًا أن "نجاح الإدارة السورية الجديدة لا يُعد انتصارا لدمشق فقط، بل لأنقرة أيضًا. وسقوط الأسد أتاح فرصة حقيقية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي، في وقت تسعى فيه إسرائيل للإبقاء على الفوضى".

ويختم بالقول إن احتمالات التصادم التركي الإسرائيلي في سوريا ستظل قائمة، خاصة مع استمرار الطموح الإسرائيلي بالتوسع الإقليمي، في مقابل رغبة تركية واضحة في ضبط الأوضاع وفرض التهدئة وتحقيق استقرار سياسي دائم في سوريا.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الرئیس السوری إلى أن

إقرأ أيضاً:

صحيفة عبرية تحرض على الحكومة السورية.. الأوضاع الحالية تضعف الشرع

زعمت صحيفة "معاريف" العبرية، استنادًا إلى تقرير أصدره معهد "ألما" للأبحاث، أن الأوضاع الميدانية والسياسية الأخيرة في سوريا تُضعف حكومة أحمد الشرع إلى درجة تهدد بقاءه.

وأشارت الصحيفة في تقرير تحريضي ضد سوريا، إلى أن "إسرائيل تتابع المشهد عن قرب وتتحرك عسكريًا وسياسيًا في الجنوب السوري".

وبحسب الصحيفة، فإن جولة القتال التي اندلعت منتصف تموز/ يوليو الماضي وانتهت بوقف إطلاق نار "هش للغاية" أعادت تل أبيب إلى ساحة المواجهة عبر غارات جوية، قالت إنها جاءت لـ"حماية الدروز في السويداء" وفرض مطلبها القديم بـ"نزع السلاح من جنوب سوريا".

ونقلت "معاريف" عن التقرير أن الشرع سارع إلى اتهام إسرائيل بمحاولة تقويض استقرار حكمه وتفكيك سوريا، لكن هذه الاتهامات – بحسب الرؤية الإسرائيلية – ما هي إلا "ذريعة" لزعيم "عاجز عن توحيد الفصائل" ويواجه انتقادات داخلية متصاعدة.

وأشارت إلى أن شخصيات درزية بارزة، مثل حكمت الهجري، وقادة آخرين كانوا يوصفون سابقًا بـ"المعتدلين" تجاه النظام، انضموا مؤخرًا إلى صفوف المنتقدين.


وأوضحت الصحيفة أن "إسرائيل تتمسك بمطلبها بعدم وجود قوات عسكرية سورية مزودة بأسلحة متوسطة أو ثقيلة في الجنوب"، بزعم أن فرض القانون والنظام يمكن أن تتولاه "قوات شرطة بأسلحة خفيفة فقط".

وقدمت مثالًا على ذلك بقولها إن الجيش الإسرائيلي دمّر في 8 تموز/ يوليو مركبة مسلحة برشاش متوسط في المنطقة.

وختمت "معاريف" بأن إسرائيل تنتهج مسارين متوازيين: فتح قنوات اتصال محدودة مع النظام السوري حول قضايا أمنية لمنع التصعيد، وفي الوقت نفسه مراقبة الوضع الميداني وإحباط أي تهديد مبكرًا.


مقالات مشابهة

  • زيارة رفيعة المستوى.. وزيرا الخارجية والدفاع السوريان في أنقرة لمباحثات مهمة
  • صحيفة عبرية تحرض على الحكومة السورية.. الأوضاع الحالية تضعف الشرع
  • وزير الخارجية التركي يلتقي نظيره السوري
  • أنقرة ودمشق تؤكدان وحدة الأراضي السورية وتهاجمان التحركات الإسرائيلية
  • فيدان: تركيا تشدد على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وأن تكون حقوق جميع مكونات الشعب السوري مصانة، لكن ذلك لا يتم بالسلاح وتهديد الآخرين واحتلال الأراضي
  • لقاء وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات بوزير الخارجية التركي في أنقرة
  • فيدان: حريصون على إقامة علاقات إستراتيجية مع سوريا وندعو إلى دعم الدولة السورية في جهودها لبناء سوريا جديدة تحقق مصالح الشعب السوري بجميع أطيافه
  • بدء المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد حسن الشيباني ونظيره التركي هاكان فيدان في العاصمة التركية أنقرة
  • توقيت حساس.. ماذا وراء زيارة علي لاريجاني إلى العراق؟
  • ائتلاف النصر: ضعف السوداني وراء التوغل التركي وشحة المياه في العراق